ترجمة خاصة لـ موقع لا ميديا: محمد زبيبة -

عُقد اجتماع بين منظمة الصحة العالمية ومجموعة البنك الدولي في جنيف في سبتمبر 2018، نتج عنه تأسيس هيئة (إمبريالية) جديدة تسمى "المجلس العالمي لرصد التأهب" أو "جي بي إم بي" (GPMB). ولكن قبل أن نتعامل مع الطابع والتاريخ الملموسين لـ(GPMB) وأعضاء مجلس إدارته، علينا أن نلقي نظرة على وثيقة مثيرة للاهتمام للغاية نشرها المجلس، وهي أول تقرير سنوي حول الاستعداد العالمي لحالات الطوارئ الصحية.
عنوان الوثيقة هو "عالم في خطر"، وتغطي سيناريو الوباء، داعية "الحكومة بأكملها" و"المجتمع ككل" إلى الاستعداد لمثل هذا الموقف. وإحدى الجمل الرئيسية في الوثيقة هي: "إن العالم غير مهيأ لوباء تنفسي مُعدٍ سريع الانتشار وخبيث". 
وقد تم نشر هذه الورقة في سبتمبر 2019، أي قبل ثلاثة أشهر من تفشي "جائحة عدوى مرض تنفسي سريع الانتشار وخبيث" يسمى الآن كوفيد-19. إن هذا تنبؤ دقيق للغاية، خاصة إذا نظرنا إلى توقيت نشره.

الهدف من الاستعداد لوباء عالمي 
وتشدد الوثيقة على أن "العالم في خطر؛ ولكن بشكل جماعي، ولدينا بالفعل الأدوات اللازمة لإنقاذ أنفسنا واقتصاداتنا. ما نحتاج إليه هو القيادة والاستعداد للعمل بقوة وفاعلية". هذه الكلمات يجب أن ينتبه إلى خطرها كل ثوري، فلقد شهدنا بداية الأزمة الرأسمالية مع الركود الكبير في 2008 ـ 2009، وهناك تطورات ثورية في الدول العربية بدأت منذ العام 2011، والأهم من ذلك، الموجة العالمية من الصراعات الطبقية والانتفاضات الشعبية في تشيلي، الإكوادور، العراق، لبنان، هونغ كونغ، فرنسا... وغيرها من البلدان، منذ صيف 2019. وكانت مسألة اشتعال موجة ثورات مضادة على الصعيد العالمي مسألة وقت فقط. وهذا الوباء كتهديد يحتاج إلى رد فعل منسق من قبل الطبقات الحاكمة في جميع أنحاء العالم. لذلك فهو يعتبر غطاء ممتازاً لقمع وتفكيك جميع الحركات الثورية. إنه بالفعل مشروع البرجوازية لإنقاذ أنفسهم واقتصادهم.
وتظهر النصوص التالية من الورقة بوضوح أن الطبقة السائدة تدرك تمام الإدراك الاستياء الجماعي الواسع وانعدام الثقة في مؤسساتهم: "إن الثقة في المؤسسات تتآكل، وتواجه الحكومات والعلماء ووسائل الإعلام والصحة العامة والنظم الصحية والعاملون الصحيون في العديد من البلدان، انهياراً في ثقة الجمهور، مما يهدد قدرتهم على العمل بفاعلية. بالإضافة إلى ذلك تفاقم الوضع نتيجة المعلومات الخاطئة -التي تنتشر وبشكل سريع عبر وسائل التواصل الاجتماعي- التي يمكن أن تعيق مكافحة الأمراض". 
من الواضح أن هذا التقييم المتشائم لا يقتصر على هذا البلد أو ذاك، بل يُنظر إليه على أنه اتجاه عالمي عام، أي أنه يتميز بالوضع العالمي العام.
علاوة على ذلك، تقول الوثيقة: "إن الجهود المبذولة في مجال التخطيط الوطني والمحلي للتأهب، غالباً ما تفتقر إلى نهج فعال يشمل كل الحكومة وكل المجتمع، بالإضافة إلى الأطراف الأخرى التي يجب إشراكها، كالوكالات الوطنية خارج وزارة الصحة، والحكومات المحلية، والزعماء التقليديين والدينيين، والمجتمع المدني، ومجتمعات البحث والأمن، والقطاع الخاص، ووسائل الإعلام، وخبراء العمليات".
يمكننا الآن أن نرى مدى فاعلية معظم الحكومات، خاصة في الدول الإمبريالية، في تمكنها فعليا في غضون فترة زمنية قصيرة من دمج الزعماء التقليديين والدينيين والمجتمع المدني، بما في ذلك قيادة الحركة العمالية، واحتوائها في هجمتهم المناهضة للديمقراطية، تحت غطاء عنوانه "المعركة ضد كوفيد-19".

"قوانين الطوارئ ليست قوية بما فيه الكفاية"
في هذه المقالة لن نكرر تحليلات (RCIT) للتطورات الحالية لأزمة (COVID-19). لقد قمنا بذلك على نحو واسع في العديد من المقالات، بدءاً من أوائل فبراير 2020. ونشير على القراء خصوصاً بالبيان الذي نشرناه مؤخراً بعنوان: "كوفيد-19: غطاء لهجوم عالمي مضاد للثورة".
ويؤكد الـ(GPMB) في الوثيقة مراراً أن الحكومات البرجوازية تحتاج إلى إعداد نفسها والمجتمع لأزمة "الاستعداد، وذلك في قدرة الحكومات والمنظمات المتخصصة على الاستجابة، والمجتمعات والافراد -من نواحي التنظيم المجتمعي والمعلوماتي والقدرات- على توقع الآثار الطارئة الصحية المحتملة أو الوشيكة أو الحالية أو الأخطار أو الأحداث أو الظروف واكتشافها والاستجابة لها بفاعلية. وهذا يعني وضع آليات تسمح للسلطات الوطنية والمنظمات متعددة الأطراف ومنظمات الإغاثة بالوعي بالمخاطر ونشر الموظفين والموارد بسرعة بمجرد وقوع الأزمة".
يتضح لأي ثوري القصد الحقيقي من الدعوة إلى الاستعداد من قبل الإمبرياليين عن طريق هيئة مثل (GPMB).
ولحسن الحظ بالنسبة لأولئك الذين لم يتعلموا بعد قراءة ما بين السطور، توضح إلونا كيكبوش، عضو مجلس (GPMB)، في مقالة حديثة عن كوفيد-19: "لقد ظهرت الصعوبات أيضا بسبب أن العديد من دول الاتحاد الأوروبي تمتلك هياكل فيدرالية تضع مسؤولية الصحة على المستوى الإقليمي والمحلي، وتترك وزراء الصحة مع القليل من السلطة، لأن قوانين الطوارئ ليست قوية بما فيه الكفاية. وفي الوقت نفسه، توفر الأزمة الصحية أيضا مجالا للمناورة لإنشاء هياكل طويلة الأجل للاستجابات المشتركة في المستقبل. إذا استغلت أوروبا هذه اللحظة من الأزمة بشكل جيد فقد تخرج منها أقوى". 
وبغض النظر، ربما كان يراد من تقرير الـ(GPMB) أن يكون كوثيقة مكافحة الزومبي المشهورة وبرنامج تدريب البنتاغون الأمريكي (CONOP 8888) مع سيناريو أكثر واقعية لأسوأ أزمة صحية عالمية، فالنظام الصحي غير مستعد لوباء، وما حدث قد يكون تحذيراً فعلياً للاستعداد لمثل هذه المواقف. ولكن حتى في هذه الحالة، يثبت محتوى الوثائق مرة أخرى أن القوى الحاكمة أظهرت الطبيعة الحقيقية المعادية للثورة، من خلال تعبئتها الحالية للقوى ضد الفيروس، ووثيقة مكافحة الزومبي (CONOP 8888) كان الغرض منها هو إعداد عملاء البنتاغون للتعامل مع المظاهرات الاحتجاجية وصولا إلى الانتفاضات الثورية، وما عبارة الزومبي إلَّا رمز شيفرة.
إن مصطلح "عالم في خطر" يعد مجموعة الدول السبع وكذلك مجموعة العشرين لتنفيذ هجوم عالمي منسق في حالة الوباء، ولعل أعضاء المجلس العالمي لرصد التأهب (GPMB) فوجئوا حقيقةً بحدوث السيناريو الافتراضي بهذه السرعة، ولعل كل ما حدث لم يكن من باب المصادفة.
ما هو المجلس العالمي لرصد التأهب (GPMB) بالضبط؟ 
بدأ إنشاء المجلس العالمي لرصد التأهب (GPMB) في وقت تواجه فيه مجموعة البنك الدولي أزمة تقلقها. هذه الأزمة هي في الأساس نتيجة لانهيار الولايات المتحدة كدولة إمبريالية مهيمنة. وقد تحدث موقع بروكينجز عن هذا في مقال في 7 نوفمبر 2018 بقلم كريستوفر كيلبي بعنوان "مصير البنك الدولي خلال حكومة أمريكية منقسمة". ونشير إلى التالي مما ذُكر في المقال: "سبق أن نجا البنك الدولي من لا مبالاة الولايات المتحدة من قبل، حيث تم إنقاذه في نهاية المطاف إما نتيجة لأزمة عالمية وإما نتيجة لتغيير في الإدارة الأمريكية. ويتوقف مقدار الضرر الذي يتفاقم الآن على المدة التي سيستمر فيها الحزب الحالي في الحكم، وما إذا كانت الإدارة ستنتقل من حالة اللامبالاة إلى العدوانية، وعلى طريقة استجابة الدول المانحة الأخرى وإدارة البنك الدولي. وبينما يشكل صعود الصين تحديا طويل الأمد، فإن لا مبالاة ترامب بالمسائل المتعددة الأطراف يطرح مشكلة أكثر صعوبة وأكثر إلحاحا". 
وبجانب انعكاس التأثير العالمي للصين كقوة إمبريالية شرقية جديدة في مشاريعها الاقتصادية المختلفة (مبادرة الحزام والطريق على سبيل المثال) نلحظ أيضاً الأثر الاقتصادي المتنامي لها في البلدان شبه الاستعمارية، الذي يضعف احتكار مجموعة البنك الدولي في إقراض هذه البلدان. وقد سبق أن تحدثت الـ(RCIT) في كتاب "مناهضة الإمبريالية في عصر تسابق القوى العظمى" بأن "حدوث انخفاض حاد في عملية إقراض البنك الدولي الآن قد يهدد وظيفته كوكالة تنموية ذات شبكة تتدفق مواردها بشكل سلبي، أي في تلقيها أرباحها بعملية سداد الدول الفقيرة للقروض بمبالغ أكثر مما تم دفعه (الربا)".

واليوم، تتقدم مجموعة البنك الدولي بكل سرور كمقدم للقروض الضخمة الجديدة إلى عدد من البلدان في جميع أنحاء العالم لغرض التعامل مع كوفيد-19، حيث أعلن رئيس مجموعة البنك الدولي، ديفيد مالباس، في 23 مارس 2020 أن "بإمكان مجموعة البنك الدولي، بما في ذلك مؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، أن توفر ما يصل إلى 150 مليار دولار خلال الأشهر الـ15 المقبلة. وأحتاج أن أثير مخاوف تتعلق بهذا، فمن المرجح أن تشكل هذه الأزمة ضررا أكبر على البلدان الأكثر فقراً والأكثر ضعفاً، وهي تلك الـ75 دولة فقيرة التي تعتمد على المؤسسة الدولية للتنمية. عدد منها في وضع دين صعب بالفعل، مما لا يعطي أي مجال للاستجابة الصحية والاقتصادية المناسبة. نحن مستعدون لتزويد المؤسسة الدولية للتنمية بما يصل إلى 35 مليار دولار ولتحديد موارد إضافية".

هذه البادرة "النبيلة" لمجموعة البنك الدولي تحل أزمتها الوجودية بشكل فوري.
أما منظمة الصحة العالمية فقد صرحت في التقرير السنوي للمجلس العالمي لرصد التأهب (GPMB) بالتالي: "تحتاج الدول الأعضاء إلى الموافقة على زيادة مساهمات منظمة الصحة العالمية لتمويل أنشطة التأهب والاستجابة، ويجب أن يموّل صندوق منظمة الصحة العالمية للطوارئ بشكل مستدام، بما في ذلك إنشاء مخطط لتجديد الموارد باستخدام التمويل المقدم من منشأة تمويل الطوارئ المنقح للجائحة العالمية التابعة للبنك الدولي".
ففي الوقت الذي ينتشر فيه وباء مثل كوفيد-19، تستفيد منظمة الصحة العالمية بشكل كبير من التدابير الواسعة التي تقوم بها، وذلك بضمان زيادة هائلة في المساهمات التي تقدمها لها الدول الأعضاء، ليس فقط في الوقت الحالي بل في المستقبل أيضا. 
علاوة على ذلك، ليس من المستغرب أن يشمل مجلس إدارة (GPMB) أشخاصا كالرئيس التنفيذي لجمعية "ويلكوم ترست"، جيريمي فارار، ورئيس مؤسسة "بيل وميليندا غيتس"، الدكتور كريس إلياس، وهو أيضا أحد أعضاء مجلس إدارة (GPMB). 
جيريمي فارار عضو أيضا في تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة (CEPI) الممول من قبل كل من جمعية "ويلكوم تراست"، ومؤسسة "بيل وميليندي جيتس"، والمنتدى الاقتصادي العالمي، ومن حكومتي النرويج والهند. ومن غير المستغرب أيضا أن يعمل تحالف ابتكارات التأهب للأوبئة حاليا على أربعة أنواع مختلفة من اللقاحات ضد الفيروس التاجي الجديد، حيث تم -في عام 2018- تأسيس شراكة بين تحالف ابتكارات التأهب والشركة الصيدلانية متعددة الجنسيات أنوفيا (Inovia)، التي كانت قد بدأت في العمل على لقاح ضد عائلة فيروس كورونا قبل وقت طويل من ظهور النوع المستجد الأخير (كوفيد-19). وكانت قد وصلت، في بداية هذا العام، للمرحلة الثانية من الاختبارات السريرية.
شركة أخرى كبيرة متعددة الجنسيات بدأت في وقت مبكر باختبار التطعيم ضد عائلة فيروس كورونا، وهي شركة "جلاكسو سميث كلاين" (GlaxoSmithKline)، والتي بدأت مؤخراً في التعاون مع الشركة الصينية "بايوفارم فارماسيتيكلز" (Clover Biopharm Pharmaceuticals). شركة "جلاكسو سميث كلاين" هي خليفة شركة "جلاكسو ويلكوم كورب" (Glaxo Welcome Corp) وهي مؤسس شركة "ويلكوم ترست" الآنف ذكرها. 
وهناك أعضاء آخرون جديرون بالإشارة إليهم في (GPMB)، هم الدكتور جورج ف. جاو، مدير المركز الصيني لمكافحة الأمراض والوقاية منها، والأستاذة فيرونيكا سكفورتسوفا، وزيرة الصحة السابقة في الاتحاد الروسي. وقد تضمن تعليم جورج ف. جاو العمل في "ويلكوم ترست" كمساعد أبحاث لنيل درجة ما بعد الدكتوراه وذلك من 1995 حتى 1998، ثم العمل مع فرعها في بريطانيا كجزء من منحة البحث الدولي من 1999 حتى 2001.

الخلاصة
خلاصة ما تم ذكره هو الآتي: 
1 ـ العاملون في مجال صناعة الأدوية هم على الأرجح الرابح الأكبر من أزمة كوفيد-19. ولها تأثير كبير داخل مجلس إدارة المجلس العالمي لرصد التأهب (GPMB)، وهذا المجلس هو هيئة تابعة لمنظمة الصحة العالمية والبنك الدولي. وقبل نصف عام، قام المجلس بنشر تنبؤ دقيق للوباء المتفشي حاليا.
2 ـ يتم إنقاذ مجموعة البنك الدولي كمُقرض جشع للبلدان شبه الاستعمارية. 
3 ـ تكتسب منظمة الصحة العالمية نفوذاً هائلاً وأموالاً طائلة لتصبح بذلك واحدة من أهم المؤسسات الإمبريالية في هذه الأزمة، وعلى الأرجح في المستقبل. 
4 ـ تنقذ الدول والأنظمة البرجوازية المختلفة نفسها من موجة الانتفاضات الثورية بمساعدة نشطة من المجتمع المدني، وتتمكن من تنصيب تقنيات مراقبة وإجراءات مضادة للديمقراطية دون أن تواجه أي مقاومة. 
5 ـ يظهر الركود الاقتصادي الهائل كنتيجة طبيعية للوباء، قاتلا بذلك حقيقة أنه انعكاس للأزمة الرأسمالية نفسها.


ألمادينا جونيك 
موقع التيار الشيوعي الثوري الدولي (RCIT)
26 مارس 2020