تنشر «مرافئ لا» نتاجات شعراء الظل بصورة أكثر تركيزا تتيح للقارئ الوقوف على أبعادها وتخومها، لتصدر هذه النتاجات لاحقا في «ديوان لا» السنوي .
القصائد المنشورة في حواشي هذا الملحق  لـلشاعر نشوان دماج.



- نشوان محسن دماج.
- من مواليد 1979 إب - السياني.
- بكالوريوس لغة ألمانية، كلية اللغات - جامعة صنعاء.
- عمل في عدد من الصحف المحلية مراجعا لغويا ومحررا .
- يعمل لدى صحيفة «لا» مترجما ومشرفا ثقافيا.



صنعاء
لي عند هذا الليل ليلٌ منك
لي قمرٌ ونافذةٌ وأكثر
وأنا أحدّق من خلالهما إليك
أراكِ رأيَ العين
لا شجرٌ هنالك قد يثير فضولَ ريحٍ ما
لتفضح ما أرادته القصيدةُ
لي مجازُ الماء رغبتُه عن الألوان
لهفتُه الشديدةُ في التجرُّدِ عارياً من كل شيءٍ
وحدهُ في العرْيِ أشهى
ثم تقتربين.. لا مطرٌ يعوقك عن دمي
ودمي عن الأشياء
شاهقةً كهاويةٍ أراكِ 
وكلما أمعنتُ زادت دهشة الأضواء من حولي 
وأسدلك الغموض
لي أن شاهقةً بحجمكِ هل سيكفيها انحناءٌ واحدٌ لتمرّ
أم لا بدّ من وطنٍ بأكمله يشاركني انحنائي كلما عبرتْ
ولي أني أحبك
ملءَ ما سأقوله للصبح حين يجيء منك
وملء ما سأقوله لليل حين يروح عنك
وملء ما لا أستطيع وأستطيع



مواجيد سبئية
سبئيةٌ
كان الحنينُ يشق دربَ دمي إليها
والوقتُ منعطفاً أُكابدُ فيه لحظةَ أن أعود
أنا القتيلُ أسىً
ظمآنُ لمّا أرْوِ بعدُ مسافتي
وأنا الغريب تقاذفتني الريحُ أعْدو
ساهماً في الظنّ بين دُجىً تسرْمدَ لا أعي
أمشي
ألملمُ في الزحام عزاءَ عيشي
وأبحث عن وعاء الشوق يحملني إليها
بملء الشوق أركض تاركاً جسدي لموج الصمت
مادّاً صرختي للعابرين: تزوّدوا
هاكُمْ بقلبي ما يُبلسم كل حزنٍ أو عناء
هاكم مليكة حسنها!
هي ما استُهل به الخلودُ وعانقته الأرضُ
ما شاء الصباح لها
ولكل طيرٍ أن تكون
سبئيةٌ
ويلُوحُ في الأفق البعيد ضياؤها
يا وجهَ من أحببتُ: زدْ من شوق ذاكرة الندى
ميساء يا ميساء!
يسكنني الضحى العبقُ النسائمِ كلما ارتسَمَتْ في القلب أحرفُها
جَللاً تباركها السماء
ميساء هذي السندسيةُ في نقاء الضوء تسمقُ
يا شذاها
حين يعبرني كأصدق ما يقول القلبُ للقلب
استفقْ
يا عنفوانَ الخمر كأسُك في دمي طاوٍ
أفقْ واسمع لتزرع للمسافة سُلّماً من كبرياء
لا شيء أكبر من غدي
لا، لا أجلَّ من اللقاء
دعوا الحنينَ يعود ثانيةً
ويكتب للوداع خطىً
ويرحل في البعيد
ميساء يا امرأةً تعاف الزيفَ
كوني مثلما أنت: الحقيقة،
أنت
لا جِيَفُ الزحام وما سواها
من كائنات الليل أنهكَها العراء
لا لستِ ذات سُدىً أتيتِ الأرضَ كي تلدي الهباء




لنا موعدٌ واعدٌ فانتظر
هل تُرى كان يعرف أني سأبكيه يوماً
وأن الخطى ذاتَها
سوف تحملني موعداً مستحيلاً إليه
لألقاه قلباً لقلبٍ
يَعُبُّ من الكلمات السلافَ المعتقَ
نخْبَ الذين إذا مسّهم طائفٌ من غبارٍ وقيظٍ
أهابتْ بهم سكرةُ الوجد فامتشقوا زهوَهم
واثقين بموتٍ يعيدُ لكلّ اعتبارٍ مداه
سراحٌ هي اللحظةُ البكرُ في ملكوتِ السراح
وسكرى هي الكأسُ بالكأس
والبوحُ أجنحةٌ خافقاتٌ
ومنْ سافرتْ بي إليه الخطى موعداً مستحيلاً
أراني تماهيتُ فيه
وأوغلتُ حدّ التلاشي 
فكان كلانا أنا وأنا لا سواه
يرود المسافات واحدةً تلو أخرى
فلا يتعبُ الوقتُ فيه 
ولا يعتريه شحوبُ الدقائق
يروي البلادَ التي حدثتْ مقلتيه قديماً
يقصّ التفاصيلَ عنها كما شاء
يبعثها من جديدٍ 
بلاداً جدائلُها الثلجُ
لا شيءَ فيها يُغادرُ شيئاً
ولا جهةٌ تعتريها جهات
سيكتب ألّا مكانَ هناك لصحراءِ نفطٍ
وأعجازِ شُمْطٍ
ورومٍ وأعراب
سيختار أشياءها بانتقاءٍ مهيبٍ
وطقسٍ أنيقٍ يؤدّيه
لا مثلما يفعل السامدون
ولكنْ كأجمل مما تقول الحكايا
وتأتي به الأغنيات
فيا أيها المترجّلُ عن صهوة العمر
 هاكَ مدىً مستفيضاً من الصهوات
امتشق أيَّها نحو ربك، واذهب وحيداً إليه
وإن هاجك الزائفون وأصواتهم 
قل: سلامٌ عليكم، «أباعِضَة» مُنْكَرون
لكم زيفُكم
ولنا سخرياتك منهم
إلى أن نراك على موعدٍ واعدٍ فانتظر


عيناك
عيناك هاتان المحدقتان بي
والشادّتان قواي نحوهما كأنهما الحقيقة تكفيان لأن أقول قصيدتي الأولى
وأبحر كالنوارس في التماع سناهما الأبدي
عيناك المحدقتان ترتحلان بي أفقاً وآخر
لامباليتيْن ترتحلان بي
في زرقة أبدية سجراء
ثم تحلقان بنا بعيداً
في سماء ثم أخرى
ثم أخرى ثم لا أدري
أهدياً أم ضلالاً صار هذا اللانهائي البعيد هناك
أم أن البداية لا بداية
والنهاية لا نهاية فيهما
عيناك هاتان المعربدتان
هل تدرين ماذا تتركان إذا نظرت إليهما
وإذا تحايلتا على القلب المعذب أي معنى تتركان
فترفقي إن شئت
أو هذا ابتهالي كالغريق مجدفاً في ماء عينيك المحدقتين بي والشادتين قواي نحوهما كأنهما الحقيقة