أنس القاضي / مرافئ لا -

«إذا دخلت بين العور اعور عينك»، أحد أسوأ الأمثال الشعبية والنصائح التي تقدم للمجتمع لتصبح ضابطة للسلوك الاجتماعي، ولا يُقصد بالعور عيب في الرؤية، ولكن الخلل في نمط التفكير والسلوك والخُلق والموقف من لوحة الحياة الاجتماعية الاقتصادية السياسية القائمة. 
ينتمي هذا المثل إلى قائمة طويلة من الأمثال التي يمكن تصنيفها بالبرجماتية إذا استخدمنا المفاهيم الحديثة، وهو يتكامل مع أمثلة أخرى، مثل «مع إخوتك مخطئ ولا وحدك مصيب»، وما قاله الشاعر دريد: «وما أنا إلا من غزية إن غوت غويتُ وإن ترشد غزية أرشدِ».
طبيعة هذا الخطاب بدوي متعلق بنمط سلوك العشيرة في جانبها السيئ الجاهلي الذي نبذه الإسلام، وهو جانب التعصب الأعمى، ودستور «ما وجدنا عليه آباءنا»، إلا أن المثل –اليوم- تجاوز تأثيره على البيئة البدوية، وتداخل مع الحياة الاجتماعية الاقتصادية السياسية الجديدة في المجتمع، وانتقل إليها بذات القدر من التأثير، وبات أحد أنماط التفكير السياسي الانتهازي في المجتمع الحديث. 
إن الخطورة الرئيسية في المثل هي الدعوة إلى العور والعمى عن رؤية الحق ومعرفته، تهرباً مما يستلزم معرفة الحق من مسؤولية في نصرته الصراع في مختلف أشكاله من النقابي إلى السياسي حتى الكفاحي، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمختلف مستوياته من النهي عن المنكر وتغييره قلبياً إلى استخدام اليد وفق الضوابط الشرعية القانونية. إن العور الذي يدعو إليه هذا المثل يضرب هذه المنظومة القيمية التي تحتاج إليها مختلف المجتمعات سواء الإسلامية أو غيرها، فالمسؤولية الاجتماعية بالقيام بما هو صائب ونبذ ما هو سيئ من أجل استقامة الحياة، مسؤولية واحدة، ولكن تتعدد المفاهيم التي تدعو إليها بتعدد الثقافات والمذاهب الدينية والفلسفية. 
إذا كان الإمام علي (عليه السلام) يقول بأن الحق يُعرف بتجسده الملموس، لا في طرف يدعيه، فإن هذا المثل يتجاوز هذه المسألة، فلا يتوهم المعور نفسه أن الحق عند جماعته (العور)، بل إنه ينعت هذه الجماعة والطائفة والتوجه بالتشوه والفساد والعور، لكنه تعصباً وانتهازية يستمر في الانتماء إليهم.
في هذه المرحلة المصيرية من حياة الشعب والوطن اليمني، نجد تجسيدات عديدة لهذا المثل، في الذين اتخذوا الموقف السياسي المؤيد للعدوان أو الموقف السياسي المتوهم الحياد، لأنهم وجدواً أنفسهم في صفوف قوى سياسية قياداتها عميلة، أو في وسط اجتماعي مُخوف من قبل المرتزقة أو مضلل، فعوروا نفوسهم لينسجموا مع الأحوال التي وجدوا أنفسهم فيها، وفي الصف الوطني هناك أيضاً عور يتمثل في توهم أن من يصطفون مع القوى الوطنية ضد العدوان عليهم تجاهل كل ممارسة سيئة تقوم بها حكومة الإنقاذ الوطني، فهم يفترضون أنه يمكن لهم المحافظة على صوابية الموقف مع قبول العور الجزئي عن بعض الجوانب، فيما يفترض تقويم الحكومة بالنقد الشجاع الصادق الحكيم والمسؤول.