نجل الشاعر الكبير عبدالله هاشم الكبسي يضيء لمرافئ «لا» جوانب من حياته.. انتقد ممارسات المصريين أيام السلال فسجن وفصل من عمله واضطر إلى فتح دكان
- تم النشر بواسطة نشوان دماج / لا ميديا
( الحلقة الاولى )
حاوره/ نشوان دماج / مرافئ لا -
علاقة وطيدة بروَّاد الأغنية اليمنية
لو بدأنا حديثنا أستاذ أكرم عن علاقة الشاعر عبدالله هاشم الكبسي بالفن والفنانين.. كيف كانت؟ وكيف كانت نظرته للفن الغنائي عموماً؟
علاقة الشاعر عبدالله هاشم الكبسي -رحمة الله عليه- بالفن والفنانين كانت علاقة كبيرة جداً ووطيدة ومتعمقة. كان على الدوام يعقد مجلساً أدبياً وفنياً يجمع فيه الفنانين والأدباء، وكان معظم الفنانين يحضرون مجلسه ذاك، حتى الفنانون الشباب والمبتدئون مروا على مجلسه واستفادوا منه وتعلموا. ومن المعروف أن والدي أحد رواد شعراء الأغنية الصنعانية، وتميزت علاقته بكبار الفنانين أمثال أحمد السنيدار وعلي بن علي الآنسي وعلي السمة ويحيى العرومة ومحمد قاسم الأخفش ومحمد حمود الحارثي، وغيرهم. كما كانت تربطه علاقة قوية مع الفنان الكبير محمد مرشد ناجي منذ ما قبل الوحدة، والذي ظل مداوماً على مجلس الوالد لسنوات عديدة. وكذلك مع الفنان الكبير أبو بكر سالم من بدء زيارته لليمن، والشاعر الكبير حسين أبوبكر المحضار، والفنان محمد محسن عطروش والفنان محمد سعد عبدالله والفنان عبدالرحمن الحداد، وغيرهم. ومن قبلهم بطبيعة الحال الشيخ صالح العنتري والأستاذ أحمد عبيد قعطبي.
كان الوالد من المعتزين بالفن اليمني والتراث لأنه يمثل حضارة هذا البلد ويعبر عن تاريخه. وكان يمتاز بحس فني مرهف. ومن حبه للفن تعلم أصول الفن والعزف على العود. وبالإضافة إلى أشعاره الغنائية له حضور أيضاً في التلحين؛ حيث لحن أغنيتين للفنان فؤاد هما: «ما راح في بالي»، و«اسأل عينيك».
باعتبار أن أحد أبنائه، وهو الأستاذ فؤاد الكبسي، فنان.. هل كان للوالد دور في تشجيع موهبته وإخراجها؟
بالتأكيد كان له الدور الرئيسي، حيث كان أول المشجعين والداعمين له، بل المعلمين. ولولا تشجيع الوالد لما ظهر الفنان فؤاد الكبسي. كما أنه اكتسب من الوالد الثقافة الأدبية وإجادة اللغة العربية وتجويد القرآن الكريم. وهذا كان عاملاً أساسياً في تطوره واعتلائه المراتب العليا في الفن والفنانين، وأصبح علماً من أعلام الأغنية الصنعانية.
80٪ من أشعاره سياسية
حدثنا عن الجانب السياسي في حياة الشاعر عبدالله هاشم الكبسي؟
بالرغم من الشهرة التي حظي بها الوالد عند الكثيرين كشاعر غنائي وأحد رواد القصيدة الحمينية، إلا أن حياته في الجانب السياسي وقصائده كانت هي الغالبة. فـ80٪ من أشعاره وقصائده كانت سياسية، منذ الأيام الأولى للثورة، ابتداء بحقبة الرئيس السلال والمصريين، ومروراً ببقية الرؤساء الذين حكموا اليمن. كان ينقد فيها سلبيات الحكم والإدارة وما يعانيه المواطن جراء تدهور الاقتصاد. ومن خلال مطالعتي لقصائد الوالد في منتصف الستينيات انتقد الوضع وانتقد تدخلات المصريين وممارساتهم خلال تواجدهم كقادة عسكريين في اليمن فعاثوا ونهبوا وظلموا وحرفوا مسار الثورة التي ناضل من أجلها الكثيرون. ولذلك فقد تعرض للسجن ومعه الكثير من رجال الفكر والسياسة والجيش والأمن وغيرهم، في ما كان يسمى سجن الرادع، وظل مسجوناً هناك من 10 أكتوبر 1966 وحتى 30 مارس 1967، متعرضاً للعذاب الجسدي والنفسي. كل ذلك بسبب رفضه ممارسات المصريين في تلك الفترة من حكم الرئيس السلال. وعندما خرج من السجن كان قد فصل من عمله في ميناء الحديدة، فاضطر إلى فتح دكان في حي الأبهر بصنعاء القديمة، أمام منزلنا.
ونأتي إلى مرحلة السبعينيات، أيام حكم الإرياني، حيث كان للوالد الكثير من القصائد التي حملت هموم المواطن ومعاناته الاقتصادية والمعيشية، وأيضاً العدالة، فحارب الفساد وأسبابه، وهاجم كل المسؤولين الفاسدين، وطالب بتصحيح القضاء. على سبيل المثال قصيدة في بداية حكم الإرياني عندما تم تأسيس أول مجلس شورى، بعنوان «كيف استشير عقل الطلي»، والتي تقول بعض أبياتها:
شورى وما اسرع مشوروا
في المكرفون قد ثرثروا
دستور وما اسرع دستروا
باسلوب جديد
شورى لكم من مَجْعَلِي
كيف استشير عقل الطَّلِي؟!
واركَنْ على مستقبلي
ما ناش بليدْ!!
كذلك تحدث خلال تلك الفترة عن جشع التجار واحتكارهم لقوت المواطن. وهناك العديد من القصائد التي تناول فيها ذلك الوضع وتلك الممارسات، فاضحاً ممارسات التجار التعسفية في حق المواطن واحتكارهم للسلع، فحبس على إثرها.
توضيح خطر الوهابية والشيطان الأكبر
وماذا عن القضايا العربية والعالمية في ذلك الوقت؟
كان الوالد رجلاً حراً وطنياً قومياً إنسانياً. وكان يعتبر مسجلاً للأحداث في شتى الأقطار، رغم عدم وجود وسائل إعلام في ذلك الوقت إلا ما كان يحرص على الاستماع إليه من خلال الراديو. وأتذكر من خلال إحدى قصائده أنه هاجم الرئيس الأمريكي نيكسون إثر قيام أمريكا بشن حرب على فيتنام، وسنجد في تلك القصيدة أنه يتحدث عما حصل في تلك الفترة تماماً كما يحدث اليوم، وتلك هي سياسة أمريكا. ومن القضايا العربية والإسلامية تحدثت قصائده عن ثورة إيران التي عبر عن ارتياحه لها لأنها أسقطت الحاكم الذي كان يعتبر رجل أمريكا في المنطقة، وعن الحرب العراقية الإيرانية ومقتل السادات وحصار أمريكا للعراق ثم غزوها له، وكذلك الإشادة بالأدوار البطولية ضد العدو الصهيوني كدور البطلة سناء محيدلي.
لقد كان الوالد يقول كلمته ويقف إلى جانب الشعب ولا يخاف سطوة الحاكم ولا جبروته. وكان يعتبر أن أمريكا هي الشيطان الأكبر، وأن الوهابية هي الخطر المحدق باليمن. وكان لا يألو جهداً ولا يدخر كلمة في تعريتها والتوضيح للناس مدى الخطر الذي تصنعه وتمثله أمريكا والوهابية عبر السعودية، على اليمن واليمنيين.
سُجن بسبب مواقفه وانتقاده للسعودية
أين كان يرى مكمن خطورة الوهابية؟
كان يرى خطورتها في كل الجوانب، بدءاً من تغلغلها تحت عباءة الدين، وكذلك ما حصل من سيطرة لها على منهاج التعليم، ومنها ما هو تنفيذ مخطط سياسي نتج عنه سيطرة السعودية على القرار اليمني من خلال رجالها أو عملائها في الحكومات المتعاقبة، والذين تمكنت من شراء ضمائرهم. وكان تركيزهم على المذهب الشافعي أكثر لأنهم يعتبرونه أخطر المذاهب على السلفية، بحيث نجد أن القاعدة الكبرى لهم أصبحت في المناطق الشافعية. وكما عملت السلفية في الشافعية عملت أيضاً في الزيدية، إنما ظلت أجزاء من الزيدية بمنأى عنها، كصعدة والجامع الكبير بصنعاء وبعض المناطق.
تناول الوالد الخطر القادم من قبل الوهابية باسم الدين، فتعرض لمحاولتي اغتيال من قبل السعودية وأذنابها، بالإضافة إلى ما كان يتلقاه من رسائل تهديد بين الحين والآخر، ولدرجة أن اسم عبدالله هاشم الكبسي وضع في القائمة السوداء ضمن الممنوعين من دخول المملكة.
وعلى ذكر الجامع الكبير هناك حدث متعلق بمقاومة الوالد للوهابية والسعودية، حيث ألقى في أحد الأيام، وبالتحديد في الثاني من رمضان 1396هـ، الموافق 28 أغسطس 1976، كلمة في الجامع الكبير بعد صلاة الجمعة، بعنوان فتوى عبدالعزيز بن باز بتكفير اليمنيين واليمنيات. وشن الوالد في كلمته تلك هجوماً على أحد الوزراء، وهو محسن اليوسفي الذي كان يشغل منصب وزير الداخلية، متهماً إياه بالعمالة للسعودية والمساعدة في ترويج الوهابية في اليمن... الخ. وعلى إثر ذلك، وبعد أسبوع من تلك الخطبة، تم استدعاء الوالد للأمن الوطني (المخابرات)، والذي كان مقره في دار البشائر، ليمكث هناك 8 أيام بعهدة محمد خميس. بعد أيام من خروجه أتذكر أن الوالد روى لنا ما دار بينه وبين محمد خميس، وأنه فور وصوله بادره الأخير صائحاً: من أنت يا عبدالله هاشم؟ من يقولوا لك تسب وتهين رجال الدولة وتتهمهم بالعمالة والخيانة؟ نسيت نفسك؟ وكلام كثير كان يقوله بصوت عالٍ مهدداً ومتوعداً. سأله الوالد: هل انتهيت من كلامك؟ أنا أتحداك وأتحدى ملفاتك؟ ما الذي ستقوله ملفاتك؟ كل الذي ستجده فيها قصيدة شعر، مقالة في جريدة، كلمة في مقيل. فأنا والحمد لله لست حزبياً ولا عميلاً ولا متآمراً ولا مرتزقاً، ولا أنا من أصحاب اللجنة الخاصة ممن يستلم الدعم من قبل حكومة آل سعود. بعدها تم وضعه في غرفة صغيرة أعلى دار البشائر، وكان من ضمن المحبوسين هناك الأستاذ عبدالجبار سعد، والذي أخبرني شخصياً أن الوالد كتب حينها على ظهر باكت سيجارة قصيدة يقول مطلعها: برشقوه في ظرف وادَّوه للرئيس (يقصد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي)، وأنه كان يتابعه خلسة، حتى إذا انتهى منها عطف الورقة ليقول له الأستاذ عبدالجبار: أبيات جميلة يا عبدالله. وهي القصيدة التي يقول فيها:
برشقوه في ظرف وادوه للرئيس
صح «ما كل البِرَم فيها لسيس»
فرق ما بين المفكر والطسيس
فرق جداً بين من يحبس خميس
إن قد الطيب سوا هو والخسيس
فالوالد بسبب موقفه ومواقف سابقة تم سجنه في عهد الرئيس الشهيد إبراهيم الحمدي، بالرغم من أنه كان أحد رجاله. وكان الحمدي يعرف ذلك أيضاً؛ إلا أنه بضغط من وزير داخليته، محسن اليوسفي، ورئيس الوزراء، استجاب ووافق على حبس أبي. لكن الحمدي عندما عرف السبب أمر بالإفراج عنه.
المصدر نشوان دماج / لا ميديا