أنس القاضي / مرافىء لا -

كلهم مثل بعض.. إحدى أبرز المقولات الشعبية التي تنطوي على مضامين سلبية وخطيرة على الوعي الجمعي، مؤثرة على الممارسة العملية السياسية والاجتماعية والكفاحية، وفي مثل هذه الظروف الراهنة تتجلى خطورة هذه المقولة، إذ يستند عليها كثير من أدعياء الفكر في محاولة منهم لتبرير مواقفهم الانهزامية الاستسلامية أو الخيانية من قضية الحرب العدوانية الاحتلالية التي تستهدف الوطن اليمني، بادعاء رفضهم لطرفي الحرب، فيما هم منحازون فعلاً لأحد أطرافه. 
تقوم هذه المقولة على المنطق العدمي منطق «التماثل في الوجود»، وهو منطق غير علمي؛ فكل ظاهرة وكائن وكل مشروع وتيار له سماته الخاصة السلبية والإيجابية التي تميزه عن الآخر، وتزداد هذه الفوارق في الظواهر الاجتماعية. 
القول بتماثل الأطراف وإلغاء الفروقات بينها يخدم القوى الطغيانية الاستبدادية الاستعمارية ذات المصلحة من بقاء الواقع الاستغلالي كما هو، ومن بقاء الجماهير الشعبية رهينة مزاعم «الحياد» غير فاعلة في صفوف القوى الثورية والوطنية التي تناضل من أجل التحرر الوطني والاجتماعي. 
أكثر من يروج لهذه المقولة –التي تنتمي إلى الوعي اليومي البسيط- من صفوف النخبة يفترضون أنهم في موقع ثالث متوهم، فلا ينتمون بزعمهم إلى أي طرف، فيما هم في حقيقة الأمر منحازون ويبدون فرحاً وسروراً إن تقدم طرف ما، ويبدون حزنا وتحسراً إن خسر طرف ما في الصراع الواقعي، ولا يخفون انفعالاتهم هذه. 
مدلول مقولة «كلهم مثل بعض» في الوعي الاجتماعي اليمني، تعني أن القوى السياسية الاجتماعية في الساحة اليمنية كلها مثل بعض، ولا يوجد بينها فوارق، وأن هناك مشروعاً واحداً لكل هذه القوى السياسية الاجتماعية مهما ادعت الصراع! منشأ هذا الوعي لدى الجماهير الشعبية يعود إلى ما خبرته هذه الجماهير طوال سنوات من الصراع الانتهازي السياسي بين «المؤتمر الشعبي العام» و»اللقاء المُشترك»، وبين شخوص «صالح» و»محسن» و»الأحمر»، ومهازل الانتخابات الرئاسية التي كانت تجري. 
نُلاحظ في الصراع الراهن مع تحالف العدوان أن أدعياء الحياد ممن يرون مصلحتهم في انتصار العدوان وهزيمة القوى الوطنية -كبعض اليساريين والناصريين والمؤتمريين- هم أكثر من يروجون لهذه المقولة في صفوف الجماهير الشعبية للحيلولة دون اصطفاف أوسع الجماهير مع القوى الوطنية في مواجهة تحالف العدوان الاستعماري الإجرامي، فيسعون إلى أن يصوروا أن القوى الوطنية التي تقاوم العدوان وتقدم التضحيات وتعاني من العدوان والحصار مع الشعب في الوطن اليمني، متماثلة مع طرف المرتزقة ممن يسكنون القصور الخليجية البريطانية المصرية الإماراتية، ويقاتلون بجماهير الشعب لكي يعودوا إلى الحكم، وأنه لا وجود لفروق بين من يدافع عن الوطن وبين من يقوم بدور القواد والخائن للوطن.
تنصرف مقولة «كلهم مثل بعض» على الصراع الإقليمي الدولي، حيث يُجاهد أولئك الذين يخفون اصطفافهم مع المعسكر الأمريكي الخليجي، إلى الادعاء بعدم وجود فروق بين محور المقاومة وفي مقدمته الجمهورية الإسلامية الإيرانية، وبين الولايات المتحدة الأمريكية والكيان الصهيوني.