خاص / مرافئ لا

صوت إذاعي متميز حفر جرسه القريب وحضوره الواضح صورا في النفس لا تمحى. كان بالنسبة لكثير من اليمنيين هو «نزهة الجمعة» بالفعل يقضون أسبوعهم بلهفة انتظاره، إلى أن كبر فيهم 33 عاما، أو إلى أن قرر ذلك الصوت أن يتوقف، ليس لأنه تعب؛ ولكن لأن عدوانا غاشما لم يترك متسعاً لأية نزهة في حياة اليمنيين، بالإضافة إلى غبن  حقوقها كمذيعة أفنت عمرا في هذه المهنة فكافأها المعنيون بإدارة الظهر لها .
ولدت المذيعة سامية محمد ناصر العنسي في الـ6 من يناير 1962، في حي المطبعة بمدينة تعز. أبوها الشاعر الكبير محمد ناصر العنسي، الذي كان ميدان الشهداء بتعز صدى لقصائده الثورية، أوجد فيها حب الكلمة، وكيف أنه لا بد للإنسان، إذا كان محبا للكلمة، من تهيئة صوته طويلا ومرانه عليها حتى يكون لائقا بها. 
في الإذاعة المدرسية، نضج صوتها إذاعيا. فأخذها أبوها إلى مبنى إذاعة تعز، القريب من حيهم. هناك التقيا مدير الإذاعة حينها، الأستاذ عبدالقدوس الشامي، لتبدأ مشواها الإذاعي في ربيعها الـ14 مقدمة لبرامج أطفال برفقة الإذاعي الكبير عبدالله عمر، عام 1976.
وفي 1977، أصبحت موظفة رسمية في المؤسسة العامة للإذاعة والتلفزيون فرع تعز، براتب ورقم وظيفي هو 339، وانتقلت إلى «مجلة الإذاعة» رفقة الإعلامي علي إسماعيل حسين.
في 1978 قررت وزارة الإعلام بدء تجربة بث تلفزيوني من تعز، فكانت سامية في مهمة تدريبية بتلفزيون صنعاء لمدة 3 أشهر بمعية المتألقة عايدة سليمان الشرجبي.
تجربة البث التلفزيوني تلك وسعت مداركها فنضج أداؤها واكتسبت الخبرة في قراءة الأخبار وإدراك قواعد وأبجديات الأداء الإخباري ذي الأداء المغاير للبرامج الأخرى.
في 1980 أنهت دراستها الثانوية. ولخلو تعز من جامعة حينها، انتقلت سامية إلى صنعاء لتلتحق بكلية الآداب قسم اللغة العربية، وتعمل في تلفزيون صنعاء. 
ظلت هناك لمدة عامين تقرأ نشرات الأخبار، وتشارك في عدد من البرامج على الهواء. لم يرقها التلفزيون كثيرا، لأن الصورة فيه تكاد تحل محل الكلمة أو تزاحمها بشدة، فقررت الانتقال إلى الإذاعة.  
.. «في الإذاعة أمامك الميكروفون وإحساسك وإيمانك بالكلمة ومحبتك لها، ثلاثة فقط: صوتك والكلمة (لغتك) والميكروفون، ولا أحد رابعكم: لا مظهر، لا شكل، لا مكياج ولا تصنُّع»؛ تقول سامية العنسي في حوار صحفي سابق معها، مضيفة: «التلفزيون ينتقص من حق الكلمة ورسالتها، لأن المُشاهد تجذبه الصورة، وإذا لم تكن بالشكل المطلوب لن يلتفت إلى ما تقوله، حتى لو كان ما تقوله مهماً، بالأخير هو سوف ينتقد شكلك، صورتك. لكن، في الإذاعة، الأمر مختلف وأكثر رقيا».
في إذاعة صنعاء حط الرحال بسامية العنسي عقودا من عمرها. فهذه الإذاعة -بحسب تعبيرها- هي «إذاعة أمة ووطن وشعب وهوية، شكلت الثقافة الوطنية والعاطفية والمعرفية والتربوية».
لـ 33 عاما ارتبط اسمها بـ«نزهة الجمعة»، رفقة محمد المحبشي وعلي السياني، إلى جانب فقرات مفتوحة استمرت في كتابتها لفترة طويلة.
ومع بدء العدوان في 2015، انقطع مشوارها الإذاعي، لتنطوى على صدى محبة الناس تواجه به  مرارة الإحساس بالغبن وهضم الحقوق.