نساء يكسرن الحصار
- تم النشر بواسطة يسرية محمد/ لا ميديا

يسرية الشرقي/ لا ميديا -
كأن التاريخ يعيد نفسه وإن بأحداث قد لا تكون متطابقة كلياً، لكننا اليوم، وبعد أن خاننا الجار القريب والبعيد، وأراد أن يقذف بنا إلى الهاوية، ننهض من جديد، حين قررت النساء اليمنيات، ودون اتفاق مبرم في ما بينهن، أن ينقذن ما تبقى من شتات هذا البلد، ويساعدن بكل همة ونشاط في إعادة بناء البلد المنكوب وتحقيق نهضته، بمشاريع نسوية منتجة.
حفيدات بلقيس
انتشرت في الآونة الأخيرة المشاريع النسوية الخاصة، وتزايدت أعدادها بشكل متسارع، ولاقت رواجا منقطع النظير. هذه المشاريع عملت على تشغيل الكثير من الأيادي العاملة، وبالتالي إنقاذ العديد من الأسر من جوع محتمل، وفقر صار مصيراً محتوما لكل من فقد عمله ولكل أسرة فقدت معيلها إما في جبهات القتال أو وسط ركام القصف العشوائي لطائرات تحالف العدوان.
استطاعت النساء اليمنيات، تحدي كل الدمار والخراب الذي ألحقه تحالف العدوان ببلادنا، ونهضن من جديد ليحققن نجاحاً في الكثير من مشاريع الأعمال المنتجة، فحين راهن الجميع على خسارة هذا الشعب، أتت النساء اليمنيات، حفيدات بلقيس، أعظم الملوك على مر العصور، ليثبتن أن شعباً يمتلك حضارة بعظمة التاريخ، لا يمكن أن ينهار بين ليلة وضحاها، لذا نجد المرأة اليمنية، ورغم كل الظروف التي يعيشها البلد، تعمل ليل ونهار لتحمي ما تبقى من بلد صار مطمعاً للجميع.
معمل تطريز ومتجر تسويق
ظهرت في المجتمع اليمني العديد من النساء الناجحات والمبدعات في مجالات مختلفة، منهن اللائي ظهر إبداعهن كنتيجة لظروف وقسوة الحرب، ومنهن من كن في الماضي مكافحات، وأكسبتهن الحرب المزيد من القوة والبأس.
أمل أحمد (أحد النماذج النسائية المنتجة)، تحكي لصحيفة "لا" عن تجربتها في تأسيس مشروع إنتاجي خاص بها، بالقول: تخرجت قبل العدوان بـ3 سنوات، واشتغلت خارج مجال دراستي في عدة أماكن، لكني لم أكن أشعر بأني بهذا العمل أحقق كثيراً من أحلامي.
وتضيف: أتت الحرب وغيرت مسار حياتي وطريقة تفكيري تماما، فقد وصلت إلى قناعة تامة بأنه من المستحيل أن أظل حملاً زائداً على كاهل والدي المتقاعد، وبدأت أفكر كيف أعتمد على نفسي، بعد أن أُغلقت كل الأبواب في وجهي، فقررت أن أفتتح مشروعاً خاصاً بي، وهو ما حدث، إذ فتحت مشروعي الصغير الذي بدأته من البيت.
وعن طبيعة مشروعها تقول أمل: مشروعي تمثل في معمل للحرف اليدوية، مع إحدى شقيقاتي، كنا نعمل على المناديل المطرزة والستائر الصغيرة لتزيين "الشواقيص" (الشبابيك الصغيرة)، كانت البداية بسيطة، وبعد فترة بدأ الجيران يأتون إلينا ويشتغلون معنا، فكبر المشروع، ووسعت من نشاطي، وفتحت متجراً صغيراً لتسويق الحرف اليدوية التي نشتغلها في المعمل الخاص بي، والآن أقوم بتسويق بعض منتجات المعمل في عدد من المحافظات.
أمل أحمد تختتم حديثها بالقول: أحلم بأن تصل منتجاتي إلى مختلف دول العالم، حتى أثبت لهم أن اليمن بنسائها قبل رجالها قوية، وستبقى قوية.
الوقوف من جديد
فاطمة، إحدى النازحات من الحديدة، استطاعت وبكل ثقة وإصرار تجاوز تبعات محنة النزوح، وليس ذلك فقط، بل إنها تمكنت من إعادة مشروعها الإنتاجي للخاص المتمثل في معمل للخياطة، تقول فاطمة: كنت مرتاحة في مدينتي، ولدي مشروعي الخاص، فأتت غارات طائرات تحالف العدوان لتدمر كل شيء في منطقتي، وخسرت بسببها كل ما كنت قد جنيته من عملي، خرجت مع أولادي في الليل، ولم نستطع أن نأخذ معنا سوى بعض الأشياء البسيطة.
وتضيف: نزحنا إلى صنعاء، دون أن يكون لدينا من نلجأ إليه، فلم نكن نعرف أحداً فيها، عانينا كثيراً في البداية، بل وصلت في لحظة من اللحظات إلى مرحلة اليأس الكامل.
وتستدرك: لكن لحظات اليأس لم تدم طويلاً، وبفضل الناس الخيرة في صنعاء استطعت أن أفتتح مشروعي من جديد، وإن لم يكن بنفس المستوى الذي كان عليه في الحديدة، بدأت بخياطة ملابس للبنات في الحارة، وكان أكثر رأس المال حينها عبارة عن ديون، أما الآن، ولله الحمد، فقد حولت إحدى غرف البيت الذي أسكنه إلى معمل خياطة، والعمل يسير بصورة جيدة.
وتختتم فاطمة حديثها بالتأكيد على أن النساء عندما يردن تحقيق ما يحلمن به، فهن قادرات على ذلك بالصبر والكفاح، فلا شيء يقف أمام إرادتهن القوية، طبعاً بعد إرادة الله الذي يهيئ لعباده الأسباب.
بنت صغيرة غيرت حياتي
سمية، أيضاً تحكي عن تجربتها وكفاحها في زمن الحرب، بالقول: كانت أسرتي في بداية الحرب ضد فكرة أن البنت تشتغل وتخرج وسط القصف والدمار، كما أني كنت أشعر بضعف وخيبة أمل كبيرة بعد أن أُغلقت الشركة التي كنت أعمل فيها قبل الحرب.
وتضيف: في إحدى الأيام حدث أمامي موقف غير نظرتي للحياة تماماً؛ رأيت بنتاً في عمري تقريباً تبيع المناديل في الجولة، وركبت معي فوق الباص، وبدأت تكلمني، إذ قالت لي: "أنا المعيل الوحيد لأسرتي بعد موت والدي في قصف عطان، لو كنت متعلمة لم أكن (سأتبهذل) وأخرج بين الناس"، دمعت عيني، وأحسست في تلك اللحظات كم أنا محظوظة بتعليمي، وفكرت بأنني سأكون الخاسر الأول إذا لم أستغل طاقتي، وأشتغل وأعمِّر بلادي، ويمكن أن يأتي يوم أستطيع فيه أن أساعد شخصاً آخر، مثل هذه البنت الصغيرة التي أثرت في حياتي بشكل كبير، وغيرت نظرتي للكثير من الأمور.
وتستطرد سمية: أنا اليوم أعمل في مؤسسة محلية تساعد النساء على فتح مشاريع خاصة بهن، ورأيت الكثير من النماذج اللائي نجحن في حياتهن، وأشعر بالسعادة بأني أسهمت ولو بجزء بسيط في تغيير حياتهن ومساعدتهن، واليوم أسعى لفتح مشروعي الخاص، والذي بإذن الله سيقوم بتشغيل الكثير من النساء.
أعتمد على نفسي
وفي أطراف صنعاء وجدت الصحيفة إحدى السيدات اللاتي أحدثن تغييراً كبيراً في مناطقهم؛ سمر التي تحكي عن تجربتها بالقول: ورثت قطعة أرض صغيرة من زوجي المتوفى، وعندي ولد واحد لايزال قاصراً، وأهله يصرفون عليه، وكانت لقمتي من لقمته، لكن مع الوقت بدأت أشعر كأني إنسان بلا فائدة، وبلا وجود، بل إني كنت أحس بأني مقصرة تجاه ابني بأشياء كثيرة.
وتضيف: الولد بدأ يكبر، وتزايدت احتياجاته، بينما كنت أرى في نفسي بأني لا أصلح لزراعة قطعة الأرض التي ورثتها، وأهله كانوا يأخذون المحصول، وبالكاد يصرفونه على الأكل والشرب، وفي أحد الأيام اتخذت قراراً، اعتبره الآخرون قراراً مجنوناً إذ قالوا لي: "ما لش بتجنني يا سمر، تبيعي أرضش وهي سندش لبكرة". هذا القرار تمثل في بيع قطعة الأرض، وعمل مشروع بثمنها أعتمد به على نفسي.
وتتابع: فتحت مشروعاً صغيراً في مجال العمل الذي أجيده، وهو الخبز والذمول والقفوع والبريك الصنعاني وكل الأكلات الصنعانية، ولأني طول عمري وسط هذا النوع من العمل، فقد استفدت كثيراً، وكان شغلي مميزاً، والناس كانت تأتي لي من كل مكان، ومع الوقت كبر المشروع، وأصبحت أشغل أكثر من 10 بنات معي، وابني يساعدني في الحسابات.
وتختتم سمر: مع عملي في مشروعي الخاص بدأت فعلا أشعر بأني أعيش الحياة، فقد استطعت أن أسعد ابني، وأساعد نساء أخريات، ووفرت لهن فرص عمل، وأتمنى من كل واحدة تمتلك مهنة أن تستفيد منها وتفيد غيرها.
ربما ليست هؤلاء النماذج الوحيدة للنساء الناجحات، في بلد نجح حتى هذه اللحظة في ردع كل الظلم وتحقيق النجاح في كل ميادين الحياة، على الرغم من تفاقم الظلم الواقع على كل فرد فيه... هكذا هو الشعب اليمني الذي كان وسيبقى عزيزا شامخا بكل أطيافه وأفراده، رجالاً ونساء، فخر اليمن السعيد الذي لن تهزمه الخيبات.
المصدر يسرية محمد/ لا ميديا