الفراغ والإثارة والعبور إلى الشهرة من أقصر طريق

بشرى الغيلي/ لا ميديا 
صورة يدها في «تويتر»، وقدمها في «فيسبوك»، ووجهها في «واتسآب»، وفستانها في «إنستغرام»، كأنها تجسّد مقولة: «أجزاء جسد مبعثرة» بحذافيرها... ذلك حال (بعض) الفتيات اللواتي أسأن استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، ليعكسن بتلك التصرفات 
صورة سيئة عن الفتاة المتعلمة التي غيرت الكثير من الثقافةِ المجتمعية نحوها. وخلال استطلاع الرأي الذي أجرته صحيفة «لا» حول هذه الظاهرة التي انتشرت مؤخرا بين الفتيات وبشكلٍ جريء، بل منافٍ لتقاليد المجتمع، هناك من نقلن 
تجارب أوقعتهن في عواقب وخيمة كاستخدام صورهن السيلفي في حساباتٍ مزيفة لذكور، مما جعلهن يعملن بلاغات وتهكيراً للصفحات التي استخدمت صورهن، كما تحدثت إلينا إحداهن عن تجربة صديقتها،
 بينما مختصون نفسيون يؤكدون أن هوس الصور السيلفي بشكلٍ يومي ولأكثر من مرة يعبر عن شعورٍ بالنقص، وعدم الرضا بالمظهر الشخصي، وكلها عوامل قد تؤدي إلى إيذاء النفس مستقبلاً... تفاصيل أكثر خلال الاستطلاع التالي.

ما هو السيلفي؟
سيلفي Selfie أو الصورة الذاتية، أو الصورة الملتقطة ذاتياً، وهي عبارة عن صورة شخصية يقوم صاحبها بالتقاطها لنفسه باستخدام آلة تصوير أو باستخدام هاتف ذكي مُجهز بكاميرا رقمية، ومن ثم يقوم بنشرها على الشبكات الاجتماعية: فيسبوك، تويتر، إنستغرام، وغيرها، وذلك لاعتمادها كصورة رئيسية في ملفه الشخصي أو لتسجيل حضوره في مكان مُعين أو إلى جانب أشخاص مُعينين، أو حتى للتعبير عن حالة نفسية مُعينة... فيما يضيف تعريف آخر أن أية صورة لأجزاء الجسد التقطت بهاتف الشخص الخلوي هي سيلفي لجزءٍ من جسده؛ يده أو قدمه، أو عينيه، ولذلك نجد من يصور أعضاء معينة لينشرها، أو يده ليري متابعيه ماركة ساعته، ومن تصور أظافرها أو قدمها لتظهر ماركة حذائها... إلخ! 

عادات تتنافى مع مجتمعنا
ظهر مؤخراً فيديو سيلفي لـ4 فتيات تحت مسمى «جاء يهددني»، يُظهر سطحية وسذاجة من قمن بنشره، وتم تداوله في الكثير من مواقع التواصل الاجتماعي، فأثار سخطاً كبيراً في الأوساط الشبابية وردود فعل من الجنسين، تقول نسيبة القباطي (إعلامية): أستغرب كثيراً للائي عملن الفيديو، «وأنهن ما بيزعلين على اللي فلتهن»، تضيف القباطي أنها كفتاة يشدها منظرهن المغري بالصور السيلفي، ما بال الشباب عندما يشاهدون ذلك، خاصة وأنهن يقمن بفلترة الصور ببرامج متخصصة، وقد يكن في الحقيقة عاديات جداً، وليس فيهن أدنى شيء من مقومات الجمال، تختم القباطي أن هذه التصرفات تتنافى مع قيم المجتمع اليمني وعاداته المحافظة.

نشروا صورة صديقتي بحساب وهمي
هالة تعمل سكرتيرة تقول إنها ضد نشر السيلفي بكل أشكاله، وتحكي لنا ما حدث لصديقتها عندما قامت بنشر صورتها السيلفي، فاستغلها بعض الشباب ونشروها بحساباتٍ مزيفة، فلم يجدا أمامهما سوى الإبلاغ عن الصفحات وتهكير حساباتهم.
قد لا ينتهي الأمر عند تلك القصة، ولا يتم أخذ العبرة مما يحدث بقصص مشابهة، تحكي لـ»لا» سارة التي تعمل بالتسويق لإحدى الشركات، عما تعرضت له قريبتها من ابتزاز ممن لا يخافون الله وتهديدها بنشرِ صورها، حسب قولها، كونها نشرت صورتها السيلفي وهي في إحدى المزارع الخضراء، ولأن برامج كثيرة تستطيع أن تضيف على الوجه مقاطع ليست للشخص ذاته، وتظهر صاحب الوجه بطريقة قد تكون مخجلة، تختم: قريبتي أبلغت أحد أقاربها وهو رجل قانوني، فأنقذها من الموقف، وقطعت عهداً على نفسها بألا تنشر أي سيلفي.

يعانين من الفراغ
وللشبان وجهة نظر حول ظاهرة السيلفي المنتشر بين الفتيات، حيث رصدت «لا» آراءهم، بدأ تلك المداخلات صادق السماوي (إعلامي) الذي قال إن انتشار الظاهرة مرتبط بتطور التكنولوجيا ووسائل التواصل الاجتماعي بشكل أساسي، ومن ناحية أخرى مرتبط بالفراغ وعدم وجود ما يملأ هذا الفراغ لدى الفتيات خصوصاً، فيلجأن إلى وسائل التواصل الاجتماعي ونشر السيلفيات الخاصة بهن، ويرى السماوي أنها وسيلة لكسب مزيد من المعجبين في مواقع التواصل، ويختم أن تزايد ذلك بشكل غير طبيعي يدل على اضطرابات نفسية لدى الفتاة وعدم ثقة بالنفس، فتقوم بتعويض ذلك من خلال السيلفيات.

غياب دور الأسرة
محمد الخالدي (إعلامي) يرى أن انتشار الظاهرة لم يقتصر على التقاط صورة تذكارية لواحدة وصديقتها فقط، وإنما تجاوزت الحدود إلى التقاط صور لأجزاء من جسدها كاليد والرجل والصدر والوجه، مع إغفال العينين بفيس معين والشفاه، وربما تعدَّى ذلك إلى أن تصور الفتاة لحبيبها أو ربما صديق أو زميل أجزاء منها تتعارض مع شرائع «الدين»، بغض النظر عن العادات والتقاليد والأعراف التي سلبت حرمتها تحت مسمى التحرر، حسب وجهة نظره.
ويوضح الخالدي أن الأسباب التي تقف وراءها عديدة: كغياب دور الأسرة وعدم المتابعة المستمرة لبناتهم، ثانياً ضعف الوازع الديني، ثالثاً انهيار شبه تام للغيرة في المجتمع، رابعاً التقليد الأعمى وتأثير المسلسلات للأسف وأولها العربية، خامساً انتشار مهول لحجابات بأشكال مختلفة ومتنوعة، ما جعل البنت تبدو كأنها لابسة لباس البيت بدلاً من أن تكون لابسة الحجاب الذي حدده الشرع.
سمير دوبل (رب أسرة) يتحدث أن السيلفي يدفع بعض الشباب لحضور منتديات واجتماعات ليست من اهتماماتهم، وإنما فقط لالتقاط السيلفي، ومنها الخطير الذي قد يسيء لشخصية من يقوم بنشر تلك الصورة، ويتضح أن الأمر يتجاوز مجرد التقاط صور للذكرى، ليصل إلى حد الاستغراب والجنون.

ظواهر فراغية
الشاعر خالد الضبيبي، يتحدث أن التكنولوجيا الحديثة يطول عنها الكلام، وهو يبدأ من نهاية الألفية الماضية ولم يصل إلينا إلا بعد أن قطع أشواطا كثيرة، يعد جزءاً مهماً للامتداد الحضاري، وتفاعل الشباب نحو المواد المرئية كالسيلفي والفيديوهات التفاعلية في مواقع التواصل الاجتماعي ليس سوى رد فعل وتأثر يندرج تحت مفهوم التقليد لكل ما هو قادم من الغرب، ومع أن المجتمعات لا تعتبر أية طفرة تكنولوجية ظاهرة سلبية بالمجمل؛ لأن الأداة التكنولوجية الحديثة لا تشكل عائقاً أمام استخدامها الاستخدام الأمثل؛ لأسباب كثيرة ومتعددة. 
يضيف الضبيبي أن في المجتمع عينات استطاعت أن تقدم محتويات هادفة من خلال السيلفي التفاعلي والأفلام الثقافية التي تنقل الاهتمامات والثقافات والرؤى المحلية، وكان لها مردود ثقافي تعريفي بالتراث والهوية والحضارة، وبأساليب حديثة ورائدة، ويذكر من الجانب الآخر سلبية الاستخدام الذي لا يقدم شيئاً يذكر، ولا تعد تلك التصرفات سوى ظواهر فراغية تزول مع زوال التفاعل معها والاحتشاد نحوها، وختم حديثه بالتحذير من التعاطي مع كل ما يأتي من الغرب لما قد تحدثه بعض تلك الثقافات السلبية من طرق غير ملائمة لمجتمع كمجتمعنا العربي، والتي تنعكس أضرارها النفسية على المستخدم.

شخصيات هشّة
د. سعاد السبع (أستاذ المناهج وطرائق التدريس بجامعة صنعاء) أوجزت وجهة نظرها حول الظاهرة في بضعةِ أسطر، وقالت: حينما يكون التعليم سطحيا والنجاح فيه مرتبطا بالغش تصبح الشخصيات هشة وتفكيرها منحرفا واهتماماتها شاذة، وهذا ما نلاحظه في موضوعات وصور السيلفي، وتختم السبع: إذا كان لابد من تقليد السيلفي، فليستثمره الشباب في تصوير تجاربهم الفردية في بناء شخصياتهم كتعلم شيء جديد أو فعل خير جديد، أو التعريف بموضوع مفيد.

الحرية أمانة ومسؤولية
سامية العنسي (إعلامية) تحدد أن 
الذي يتوافق مع ظروف الموقف للبنات في جامعة مثلا، أو في تدارس ممكن، 
وتختم بالقول: إن السيلفي الذي تقوم به البنات ويكون خادشا للحياء، ولقيم التربية، ولخصوصية المجتمع اليمني، لا يضيف للحرية شيئا، لأن الحرية أمانة ومسؤولية، مبدية استغرابها من تلك الجرأة المقززة من بعضهن، حسب تعبيرها.

تأثير سلبي على ثقافة المجتمع
لأهمية الموضوع من الناحيةِ الاجتماعية طرحت «لا» الموضوع للأخصائية الاجتماعية ريهام الحطام، التي تحدثت أن الظاهرة منتشرة بشكل ملفت، وتقنية التصوير بالسيلفي من تطورات تكنولوجيا العصر، ولا شك أن لها فوائد وأهمية في كثير من احتياجات الحياة الاجتماعية، لكن بطبيعة الحال وكأية تقنية جديدة تحمل في مضمونها سلبيات عديدة مهما كانت فائدتها.

تضيف الحطام أن ظاهرة السيلفي تركت تأثيرات سلبية في المجتمع، وصارت مزعجة إلى حد ما، في أوساط الناس، وبخاصة النساء، لأن المرأة بطبيعتها أكثر ميلاً لإظهار جمالها وشخصيتها، وبالتالي إن انتشار ظاهرة السيلفي في مجتمعنا اليمني المحافظ تحديدا يؤثر سلبا على ثقافة وتوجهات الشباب في سن المراهقة، فتصبح اهتماماتهم سطحية. وتختم: في المجمل هناك تأثير سلبي واضح في حياة الأشخاص المدمنين على السيلفي، يؤثر على علاقاتهم الاجتماعية.
وكأخصائية اجتماعية، ترى الحطام بأن الأسباب هي: الاعتقاد الجمعي لدى الأغلبية من الشبان والبنات أن السيلفي وسيلة لإثبات الحضور، وبالتالي إثبات الذات، التقليد والمحاكاة حيث بات الشباب يعتبرون السيلفي معيارا يقاس به ثقافة الشخص وانفتاحه على التكنولوجيا، كذلك الفراغ والملل، والتهميش الذي يعانيه كثير من الناس، بالإضافة إلى الأسباب النفسية البحتة.

أمراض نفسية!
وعن شخصية مُلتقطيها، والتعرّف على احتمالية مدى معاناة ملتقطي صور السيلفي على مواقع التواصل الاجتماعيّ من أمراض نفسيّة، أو نرجسيّة، أو كليهما، فقد أظهرت نتائج دراسات بحثية وجود ارتباط بين قضاء الفرد وقتاً طويلاً في التقاط صور لنفسه، وبين نرجسيته أو ميله لتشييء ذاته (النظر لذاته بمادية) وعرض جسمه، حيث أشارت دراسات إلى أن النرجسيين هم أكثر المتباهين بصورهم الذاتية، فهم يبذلون جهداً كبيراً في إظهارها متكاملة وخالية من أيّ نقص. ويشير الباحثون إلى أن الأفراد الذين يعانون من اعتلالات نفسية أخرى يميلون لالتقاط صور كثيرة لأنفسهم، وينشرونها دون تعديل، مقارنةً مع نظائرهم الذين يعانون من اعتلالات نفسية بدرجة أقل، ويُعتقَد أن السبب في ذلك هو عدم قدرتهم على ضبط أنفسهم، فتعديل الصور يعني الحرص على إظهار النفس، وهذا غير محتمل وجوده لدى أولئك الذين يعانون من اعتلالات نفسية بدرجة كبيرة. ومن وجهة نظر أخرى فهناك من يرى أن أولئك الذين يميلون إلى تشييء ذواتهم، فإنّهم لا ينشرون الكثير من صور السيلفي، لأنّهم يحرصون أكثر على مظهرهم في الصور التي كانوا قد نشروها من قبل، فغالباً ما يتزامن تشييء الذات مع قلة تقديرها واحترامها، ومع ذلك فليس بالضرورة أن تنطبق هذه الحالات النفسية على جميع ملتقطي صور السيلفي.
أما أول صورة سيلفي التُقطت في العالم عام 1839 في فيلادلفيا، من قبل هاوي الكيمياء والتصوير روبرت كورنيليوس، حيث وضع كاميرا في متجر أسرته، وأزال غطاء العدسة عنها، ثمّ تحرّك مسرعاً باتّجاء مقعد التصوير، وانتظر لمدّة دقيقة إلى أن تغطّت العدسة مرة أخرى والتُقطت الصورة، وقد كتب على الجزء الخلفيّ من الصورة: أول صورة ضوئية التُقطت عام 1839. 

إدمان السيلفي خلل نفسي وعقلي
مختصون نفسيون يرون أن السيلفي لم تعد مجرد صورة ذاتية، بل هي ظاهرة اجتاحت العالم في الآونة الأخيرة، وباتت تشكل هوسا لدى الكثيرين من جميع الأعمار، فلم يعد يخلو أي هاتف خلوي مزود بكاميرا من الصور التي يلتقطها الشخص لنفسه أو بصحبة أصدقائه عن طريق كاميرا التليفون المحمول الأمامية.
موضة أم هوس أم مرض نفسي؟ هذا ما حير الكثيرين ليجدوا التوصيف المناسب لهذه الظاهرة، ففي الوقت الذي وصف الأطباء النفسيون مستخدميها بالمختلين نفسيا، وجد آخرون أنها موضة فرضها التطور التكنولوجي.
ونشر موقع «هيلث داي» الطبي الأمريكي دراسة قامت بها جيسي فوكس، الأستاذة المساعدة بجامعة أوهايو، كشفت فيها ارتباط سلوك السيلفي في التصوير بما يعرف علميا بالنرجسية، وهو الاهتمام الزائد بالنفس.
وأوضح الباحثون أن الأشخاص الذين يرتبطون بتصوير السيلفي وقضاء وقت طويل في تعديل الصور ونشرها على مواقع التواصل الاجتماعي، يرتكز اهتمامهم على ذاتهم بشكل أكبر، ويعتقدون أنهم أكثر ذكاء وجاذبية وأفضل من الآخرين، إضافة إلى وجود مشاكل في الشعور بالأمان والسلوك المتهور وعدم التعاطف ومراعاة الآخرين، بالإضافة إلى بعض سمات معاداة المجتمع والميل إلى تضخيم الذات.
الدراسة أوضحت أن الفتيات الشابات يقضين أكثر من 5 ساعات أسبوعيا في التقاط الصور الذاتية، وحذر علماء نفس مؤخراً من أن التقاط الكثير من الصور الشخصية التي أصبحت معروفة عالميا بظاهرة سيلفي، قد لا تكون مجرد حالة إدمان على التصوير الذاتي، بل أحد المؤشرات الأولية للإصابة باضطراب تشوه الجسم الذي يمكن أن يؤدي إلى عواقب نفسية قد تتسبب في الاكتئاب ومحاولة إيذاء النفس بسبب عدم الشعور بالرضا عن المظهر.

آخر الأوراق
اتفقت جميع الآراء على أن من يقمن بنشرِ صورهن السيلفي قد يحاولن الحصول على قدرٍ أكبر من المعجبين، وحصد الكثير من «اللايكات» التي قد تكون على حسابِ قيمهن ومبادئهن من خلال نشر صور جريئة لهن، أو أعينهن فقط، أو أيديهن، وأرجلهن، وحذروا من العواقبِ الوخيمة التي تنعكس سلبا على الفتاة ذاتها، كون بعض الحسابات الوهمية تستغل صورهن المنشورة وتتحدث بأسمائهن، بينما المختصون النفسيون أكدوا أن انتشار ظاهرة السيلفي يعني عدم الثقة بالنفس، وكذلك يدل على مؤشرات خطيرة تقود لأمراضٍ نفسية على المدى البعيد. .