بشرى الغيلي/ لا ميديا -

بعد 4 أشهر من الانتظار أنا وأطفالي، والوعود بصرف السلة الغذائية التي يقدمها لنا «برنامج الغذاء العالمي»، شعرنا بخيبة أمل كبيرة حين فتحنا كيس القمح المليء بالسوس والديدان، وتبخر انتظارنا الذي عولنا عليه كثيراً. بتلك الكلمات المليئة بخيبة الأمل بدأت أم ريم (30 عاماً) حديثها لصحيفة «لا».
أم ريم إحدى النازحات من مديرية ميدي إلى مديرية عبس ( بني حسن) بمحافظة حجة. بعد أن فقدت زوجها في معارك الساحل الغربي، باتت هي وأطفالها الثلاثة بلا عائل إلا ما يأتيهم من فتات المساعدات المقدمة للنازحين من قبل برنامج الغذاء العالمي، التي تكون في معظمها منتهية الصلاحية. بل إن حالات تسمم أصيب بها الأطفال نتيجة تناول البسكويت المقدم لهم 
من قبل البرنامج في مديرية عبس الحدودية والتي تؤوي الكثير من النازحين. وفي الآونة الأخيرة تم احتجاز 284 طنا من الأغذية والأدوية الفاسدة على متن 5 قاطرات. بدورها نزلت صحيفة «لا» ميدانيا والتقت بعض من يتلقون المساعدات الغذائية من برنامج الغذاء، وأكدوا أن معظم ما يحصلون عليه منتهي الصلاحية أو متسوس.

وجه آخر للفساد!
تعدُّ المساعدات الغذائية الفاسدة حرباً أخرى على اليمن يواجهها من تعتمد حياتهم على تلك المساعدات بعد أن فقدوا كل ما يملكون بسبب العدوان. وبلد كاليمن غني بما يمتلك من ثروات هائلة تجعله في غنىً عن أي مساعدات تأتي إليه، وهو من أقوى اقتصاديات العالم كما وصف ذلك تقرير جديد مؤخرا، لكن الجيران الأعداء يصرّون على إبقائه فقيرا ومنتظرا لمساعدات ضررها أكثر من نفعها كما هو حال الشحنات الغذائية التي تأتي محملة بالموت لا أكثر. دائل محمد، إعلامي، يقول: يتركوننا فقط وشأننا في وطننا ونحن من سنطوّع ثرواتنا لخدمتنا ونبني وطننا بما يمتلك من خيرات كبيرة لا يمتلكها بلد مثله، لكن الدولتين العدوتين (السعودية والإمارات) واستمرارهما بالحصار لوطننا وقصف مزارعنا ومصانعنا يريدوننا شعبا فقيرا يعتمد على ما يصلنا من فتات معظمه لا يصلح للاستخدام الآدمي. في حين تؤكد سارة (35 عاما) ربة بيت تعول أطفالها الـ6 وأم زوجها المسنة، أن ما يتلقونه من مساعدات برنامج الغذاء العالمي معظمه فاسد ومتسوس ونادرا ما يستفيدون من تلك المساعدات. 

احتجاز 248 طنا لأغذية تابعة لـ«الغذاء العالمي»
في مؤتمر صحفي عقد في يونيو/حزيران من العام الجاري بصنعاء، كشف مدير عام جمرك ورقابة صنعاء عبدالكريم الكحلاني، عن احتجاز 168 طنا من مادة الدقيق منتهية الصلاحية كانت على متن 5 قاطرات و80 طنا عبارة عن مواد غذائية مكملة للحوامل على متن قاطرتين، بالإضافة إلى كميات كبيرة من الأدوية منتهية الصلاحية، تابعة لبرنامج الأغذية العالمي. كما تم في ذلك المؤتمر التطرق إلى دور النيابات والسلطة القضائية في الحد من استيراد وتوزيع الأغذية الفاسدة ومنتهية الصلاحية. ورغم هذه التحركات للحد من الأضرار التي يتعرض لها المستفيدون إلا أن الغذاء الفاسد لا يزال يدخل الأراضي اليمنية متسببا بأضرار صحية كبيرة لحياة المواطنين ومعرضا حياتهم للخطر كالإسهالات الحادة وغيرها، مما جعل أحدهم يعلق قائلا: إذا نجونا من القصف فإننا لا ننجو من السم الزعاف المقدم كمساعدات غذائية.

لشريك «الغذاء العالمي» في عبس قصص مؤلمة
موضوع آخر لبرنامج الغذاء العالمي وشريكه الـــ(DRC)  الذي كثرت شكاوى المواطنين من التعسفات التي يواجهونها من قبله في مديرية عبس، وهي لا تقل ضررا عن الغذاء الفاسد الذي يتلقونه. هذا الشريك يستهتر بالمستفيدين من خلال مماطلتهم بصرف استحقاقهم الغذائي الشهري. فمثلا يعلن بدء الصرف ولا يلتزم بالحضور، وإن حضر يحضر بآلية لا تتناسب مع ظروف المستفيدين، بحيث يتلاعبون بالوقت المحدد للصرف. فالكثير من المستفيدين ينفقون أضعاف ثمن ما يستلمون، بعد أن يترددوا على أماكن الصرف ما يقارب الـ5 إلى 6 أيام. ومن خلال نزولنا الميداني إلى أماكن الصرف وجدنا قصصا تشكي وتعاني من هذا الشريك السيء الذي عبَّروا عن امتعاضهم منه، يحيى محمد (45 عاما) يقول إنه لمدة 5 أيام يأتي إلى المكان ويعود بخفي حنين، مرة بحجة الازدحام وأخرى بحجة أن الموظفين يتركون مكاتبهم وقت الصرف بينما المستفيدون وقوف تحت حرارة الشمس والمسافة التي يقطعونها في المرحلة الأولى ما يقارب الـ10 كم، ثم استلم كرته بعد 3 أيام وبدأت رحلة معاناة جديدة لاستلام مستحقاته من مكان أبعد من المكان السابق وإذا بثمن ما يأخذه أقل مما دفعه في ملاحقة صرف استحقاقه وقد لا يتجاوز الـ10 آلاف ريال.
محمد معنقر (40 عاما) أبرز بطاقته وبصّم، وإذا بموظف شريك «الغذاء العالمي» يقول بأن القسائم نفدت. ما تم عرضه ما هو إلا غيض من فيض حول تعامل وطريقة أداء كل من برنامج الغذاء وشريكهDRC،  حيث ينتهج هذا الأخير أسلوباً مستفزاً ومرهقا للفقراء والمحتاجين الذين يتم إذلالهم، وآلية هذا الشريك لا تتناسب والإنسانية التي يتحدثون عنها.

إتلاف الأغذية الفاسدة
 لدى برنامج الغذاء العالمي 11 مستودعاً لتخزين المواد الغذائية التي تأتي كمساعدات في مناطق السيطرة الوطنية، حسب ما يقوله مسؤولو البرنامج، ومن هذه المستودعات يتم إرسال المواد إلى مئات المستودعات التي يديرها الشركاء قبل توزيعها للأسر المستفيدة.
وعن إتلاف المواد الغذائية الفاسدة، قال مسؤولو البرنامج إنه يتم التنسيق مع السلطات المحلية لإتلاف الأغذية التي لا تفي بالمعايير العالمية للغذاء، حسب تعبيرهم. وأكد المسؤولون بأن ما يتم إتلافه لا يسقطه البرنامج من حصة اليمن من المساعدات الإنسانية.
أما عن القمح المتسوس وهل يمكن الاستفادة منه للحيوانات؟ فقد أوضح مسؤولو البرنامج بالقول: إذا لم تكن المواد الغذائية مناسبة للاستهلاك البشري في بعض الحالات، يمكن توفيرها للقطاع الزراعي لاستخدامها كعلف للحيوانات.
ومن خلال المتابعة الميدانية اتضح أن الأغذية التالفة التي يقوم برنامج الغذاء العالمي بتوزيعها عن طريق شركائه من المنظمات الداخلية لا تقتصر على القمح المتسوس فقط، بل وهناك حالات تسمم كثيرة حدثت لأطفال نتيجة تناولهم بسكويتاً يتم توزيعه عبر (التغذية المدرسية) بحيث إن معظم المواد الإغاثية التي يوزعونها تكاد لا تخلو من إصابتها بتسوس وديدان أو تعرضها للشمس بشكل مستمر أو أنها رديئة من بلد المنتج أو حتى مقاربة على الانتهاء ويؤدي سوء تخزينها ونقلها بين المحافظات إلى تلفها فتصبح غير قابلة للاستهلاك الآدمي.

جرائم مماثلة في سوريا والعراق
قيام برنامج الغذاء العالمي بتوزيع الأغذية الفاسدة لا يقتصر على اليمن فقط، بل سبق وقام بنفس الشيء في عدد من الدول ومنها سوريا والعراق، حيث انتشرت حالات تسمم جماعي معظمهم من الأطفال في كل من العراق وسوريا. فقد أكد ناشطون سوريون في الأيام الفائتة، إصابة عشرات الأشخاص بحالات ‏تسمم غذائي، في بلدتي مضايا ‏وبقين بريف دمشق، جراء تناولهم مواد غذائية فاسدة من ‏المساعدات التي أدخلتها الأمم المتحدة والمقدمة من برنامج الغذاء العالمي، وحدثت 120 حالة تسمم معظمهم من الأطفال.
كما اعتذر برنامج الغذاء في الأعوام الماضية عن فضيحة البسكويت العالي الطاقة في العراق والمستخدم في مشروع التغذية المدرسية. وقال ممثل برنامج الاغذية العالمي التابع للأمم المتحدة جين بيرس، في بيان لهم حينها، إن البرنامج يعلن عن أسفه العميق إزاء التطورات الأخيرة المتعلقة بصلاحية البسكويت عالي الطاقة والمستخدم في مشروع التغذية المدرسية، وضمّن بيانه طلباً إلى وسائل الإعلام العراقية بالتخفيف من تناول ذلك.
إذن برنامج الغذاء العالمي له تاريخ في توزيع المواد الغذائية الفاسدة كمساعدات، وما حدث في اليمن وسوريا والعراق ليس إلا مجرد نماذج لما يقوم به هذا البرنامج من ممارسات ظاهرها الرحمة وفي باطنها العذاب، ففي الوقت الذي يدعي فيه تقديم المساعدات الإنسانية لمتضرري الحروب، لكن في حقيقة الأمر فإنه يتسبب في قتلهم بالمواد الغذائية الفاسدة التي يوزعها.
هنا أتفق جدا مع ما قاله أحد المتضررين بأن يتركنا العالم وشأننا ويرفعوا حصارهم ويتوقفوا عن قتلنا، فبلادنا تمتلك ما يكفي قارة بأكملها من الثروات التي تجعلنا في غنىً عن تلقي أي مساعدات سواء كانت صالحة للاستخدام الآدمي أم لا.