أبــرز الاختراعــات: جهـاز فحص السكـر بـدون وخز، واستخراج الأكسجين، وسترة الغسيل الكلوي
معظــم العقــول اليمنية هاجــرت بالإغـراء والحــل استقطابهـا محليــاً

بشرى الغيلي/ لا ميديا -
وصفها بعض من تابعوا تفاصيلها بأنها ثورة صناعية يمنية، لأن المشاريع الابتكارية والمخترعات التي قُدمت فيها كشفت أن الإنسان اليمني يمتلك عقلاً عبقرياً لا تعيقه الظروف، بل على العكس صبّت تلك الاختراعات والابتكارات في إيجاد بدائل الحصار الاقتصادي، لتخفيف معاناة المرضى. إنها أول مسابقة وطنية تنافسية لرواد المشاريع الابتكارية، نظمتها وزارة الصناعة والتجارة، واكتشف القائمون عليها اختراعات مدهشة تلبي احتياجات المرحلة التي يمر بها الوطن وظروفه الصعبة، كالحصار الاقتصادي الذي تفرضه دول العدوان على اليمن للعام الخامس.
صحيفة "لا" تسلط الأضواء على هذا الموضوع في التقرير التالي:

30 اختراعاً
60 ابتكاراً تنافس بها شباب وشابات من مختلف المحافظات يحملون طموحات اليمن الجديد. 30 ابتكاراً تم تسجيلها براءات اختراعها، قبل أن يتم اختيار 15 ابتكاراً للتنافس على المركز الأول. من ضمن الـ30 ابتكاراً التي تقدم أصحابها بطلب تسجيل براءة اختراع من وزارة الصناعة والتجارة: جهاز غسيل كلى منزلي، مبخرة كهروطينية، معمل لصناعة جهاز مراقبة والتحكم بمستوى الماء في الخزانات، أداة مسحوق غسيل، روبوت متعدد الوظائف، عصا شاحنة للكهرباء، قناص ليزري تدريبي، شاحن يدوي لبطاريات الليزر الصغيرة، غسالة رياضية، كاشف إلكرتوني، جهاز قياس نسبة الأكسجين في الدم بدون وخز، نظام طباخ ذكي، حذاء كهربائي، دواء للجروح الملتهبة، جهاز إنذار مياه الصرف الصحي، مصنع ولاعات سجائر، منظومة الصماد نيوليد الزراعية الاقتصادية... إلخ، ولا يتسع المقام لسرد القائمة كلها، والتي تحتاج للأخذ بيدها لترى النور.
الحاصلة على المركز الأول، ريهام المختاري، باختراعها جهاز غسيل كلى منزلي، أوضحت أن ما دفعها لهذا الاختراع هو معاناة المرضى، خاصة في ظل الأوضاع الراهنة، وأن مشروعها يساعد مرضى الفشل الكلوي ويغنيهم عن الذهاب إلى المشافي وقطع المسافات الطويلة من محافظة لأخرى، وأن من ميزاته أنه لا يحتاج لمحطة مياه كبيرة، ويخفف التكاليف الباهظة أثناء عملية الغسيل.
وعن القيمة التي أضافتها لها الجائزة، قالت المختاري إنها مثلت حافزاً ودافعاً كبيراً لها ولزملائها، وزادتها إصراراً وعزيمة لمواصلة جهودها في هذا الجانب.

طابعة ثلاثية الأبعاد
صاحب المركز الثاني، محمد الغيل، اخترع طابعة ثلاثية الأبعاد يقول إنها الأولى من نوعها وتم تصميمها وتصنيعها وفقاً لمعايير هندسية محلية وتكلفتها أقل من الطابعات المستوردة، وتؤدي العمل بالكفاءة نفسها. وأكد الغيل أن توفير هذه التقنية للمجتمع سيساعد في تطوير مجالات عدة، ويساهم بإنتاج منتجات محلية تحقق النهضة الاقتصادية للبلد، وستمثل للسوق نهضة اقتصادية كبيرة، حسب قوله، وضرب مثالاً في المجال العسكري، من حيث تصنيع طائرات مسيرة وغيرها من المجالات الأخرى. أما عن القيمة التي أضافتها له الجائزة فقال إنها معنوية قبل أن تكون مادية، وبما أن الحكومة أصبحت الآن تهتم بالابتكارات وتشجع وتحفز فإن ذلك سيعطي دافعاً أكبر له ولبقية زملائه.

الكف الذكية
بازل رمضان حصل على المركز السابع مكرر على اختراعه "الكف الذكية" (smart gloves)، التي أوضح أنها صُممت لتكون وسيلة تواصل جديدة وفعالة مع الصم والبكم، وستمكنهم من تعلُّم القراءة والكتابة وتخفف من معاناة وصعوبة تواصلهم مع الآخرين. ويرى رمضان أن ابتكاره سيكون في متناول الصم والبكم في القريب العاجل. وقال إن الجائزة كان لها دور أساسي في تطوير مشروعه الخاص والحصول على القطع المناسبة، وأنها حفزته على إنجاز مشروعه.

جائزة المبتكر اليمني
عن الجائزة والمسابقة التي أقيمت لأول مرة وأطلق عليها "جائزة المبتكر اليمني"، قال عبدالله يحيى شرف، مدير عام مكتب نائب وزير الصناعة والتجارة: "تقدم للمسابقة عدد كبير وصل إلى 60 متقدماً وتقلص العدد إلى 20، ثم 10 تنافسوا على المركز الأول". وأضاف أن الجوائز الأولى عبارة عن 3 سيارات إضافة إلى مبلغ نصف مليون ريال، فيما تنافس الـ7 الآخرون على مبالغ مالية، ودروع، وشهادات".
وأوضح شرف: "في ظل الوضع الراهن تم تنظيم المسابقة الوطنية الأولى باهتمام من القيادة السياسية ولأول مرة"، مؤكداً أنها ستستمر بشكل منتظم.
أما عن رؤية الوزارة لتطوير الجائزة، يقول شرف: "الوزارة مهتمة بتطويرها، رغم أن برنامج الجائزة الذي أقيم لأول مرة كان قصير جداً".
وكشف شرف أنه في القريب العاجل سيقام معرض خاص بالمخترعين وسيتم تحديد المكان والزمان في وقت لاحق. أمام عن التطبيق العملي للابتكارات الفائزة على أرض الواقع والاستفادة منها يوضح شرف أن هناك دراسة كاملة لتطوير الأعمال المتفوقة للعشرة الحاصلين على المراكز الأولى، ومن ضمنها جهاز غسيل الكلى لريهام المختاري الذي يتم تجهيزه حالياً ليتم تطبيقه وتجهيزه في اليمن، فتكلفة الجهاز 3 آلاف دولار فقط.

نسبة كبيرة
مشاريع كثيرة تتكدس في أرففِ الجامعات، وتظل حبيسة الأدراج. وحين قررت وزارة الصناعة إقامة أول مسابقة تنافسية في تقديم الاختراعات والابتكارات، التي هي عبارة عن مشاريع تخرّج، وجدت ما يستحق أن يوثق ويخرج إلى حيز الوجود. عن نسبة الإقبال على هيئة المبتكرين بوزارة الصناعة والتجارة يقول يونس محمد السوسوة، مدير عام الصناعات الصغيرة ـ رئيس اللجنة التحضيرية للمسابقة الوطنية لرواد المشاريع الابتكارية: "إن النسبة كبيرة جداً قياساً إلى أن المسابقة أول مشروع وطني يُقام على مستوى الجمهورية اليمنية يهتم بالمبتكرين والمخترعين ومشاريعهم الابتكارية وبالشكل الذي يحتوي أفكارهم"، مشيراً إلى أن عدد المتقدمين بلغ 370 مخترعاً ومبتكراً، كما تم تسجيل 30 براءة اختراع.


تجاوب ضعيف
مرتْ أعوام كثيرة دون الاهتمام بالعقول المبتكرة، لذلك هاجر الكثير من العقول لتواصل مشوارها في المهجر. ومع فتح باب التنافس في المسابقة الوطنية الأولى التي نظمتها وزارة الصناعة والتجارة، لم يتوقع المخترعون والمبتكرون أن تلك نقطة ضوء تأخذ بأيديهم. ويوضح السوسوة أن التفاعل كان ضعيفاً في البداية، خاصة في مرحلة الاستقبال، وأن من أهم الأسباب تردد البعض وتشككهم في جدية الأمر، وحين بدأت المسابقة في مراحلها الأولى تشجع الكثيرون، فمنهم من ذهب لاستكمال مشروعه وتسليمه، أو استكمال جهازه، أو ملفه، وقدموا مشاريعهم التي دخلت المنافسة.

التعليم هو الحل
عن آلية التعليم وفلترته وتوجيه العقول يقول السوسوة إن كل الجهات الرسمية لديها جزئية مهمة لاحتضان ما تنتجه العقول، والتربية والتعليم هي النواة الأولى لبذر ذلك في طلابنا بالمدارس، وتليها وزارة التعليم العالي، تليها الصناعة والتجارة للدفع بمخرجات ابتكاراتهم ومشاريعهم إلى حيز الوجود، تليها بقية الجهات بحسب اختصاص كلٍّ منها... موجهاً رسالته إلى وزارة التربية والتعليم بأن يكون اهتمامها أكبر بهذا الجانب، مؤكداً أن وزارة الصناعة قامت بالتنسيق مع التربية والتعليم لتكوين حاضنة مشتركة.
وفي كلمته التي ألقاها أمام المخترعين والمبتكرين الفائزين، أكد الدكتور عبدالعزيز بن حبتور رئيس وزراء حكومة الإنقاذ، أن التعليم هو ما يصنع التقدم للأوطان، وبدونه تظل هذه الغايات مجرد مسألة إعلامية استهلاكية.

بدائل للحصار
 تنافس كثيرون في تقديم ما ابتكروا، لكن المراكز الأولى كانت لمن استحقوها بجدارة، حسب السوسوة، وأن الاختراعات التي سُجلت لدى وزارة الصناعة والتجارة كثيرة، لكن أهمها هي تلك التي تلبي احتياجات ومتطلبات المرحلة والسوق، وتقدم بدائل لما غيبه الحصار الاقتصادي القائم، منها: جهاز فحص السكري بدون وخز، وجهاز استخراج الأكسجين بدلاً من الأسطوانات، وجهاز المخترعة ريهام المختاري الحاصل على المرتبة الأولى، الذي يخفف من معاناة مرضى الفشل الكلوي (سترة الغسيل الكلوي)، وهي كلها تلبي احتياجات الوضع الراهن.

بلورة الابتكارات واقعياً
تظل الاختراعات بلا قيمة إن لم تجد من يتبناها ويخرجها إلى النور. عن تلك الجزئية قال السوسوة إن الاختراعات والابتكارات لم تكن تحظى بأي اهتمام سابقاً، أما حالياً فإن القيادة السياسية تولي الابتكار والإبداع الكثير من الاهتمام، وتحث على إيلائها الاهتمام والرعاية، وتوجه باحتضانها وبلورتها واقعياً، وإخراجها إلى حيز الوجود لتلبي متطلبات المجتمع اليمني. أما عن احتمال تسريبها فيقول السوسوة: "بطبيعة الحال، في السابق كانت معظم الابتكارات والاختراعات يتم استقطابها عبر منظمات، واستقطاب مبتكريها، واستقطاب العقول وذوي الأفكار الجيدة والمتعلمين بشكل عام إلى خارج البلاد، عبر مسابقات وإغراءات معينة، وعبر وظائف معينة، لذلك معظم العقول اليمنية هاجرت إلى خارج الوطن، وضيعوا جهود الدولة في تعليمهم وتدريبهم وتأهيلهم، والحل الأنسب لهذه المشكلة هو إيجاد آلية لاستقطابهم محلياً والأخذ بأيدي الشباب وتقديم يد المساعدة لهم ليحققوا أحلامهم، لأن وطنهم هو الأولى بذلك".
وإذا كان البلد خسر الكثير من المليارات في تعليم شبابه وتأهيلهم، فإنه قد خسر تلك العقول التي هاجرت بسبب الإهمال، والحل هو استقطابها محليا والأخذ بيدها حتى الوصول وقطف الثمار، وما المسابقة الوطنية التنافسية الأولى لرواد المشاريع الابتكارية، التي تبنتها ونظمتها وزارة الصناعة والتجارة، خلال الفترة أبريل - يونيو 2019، إلَّا خطوة في طريق هذا الاستقطاب الذي نأمل استمراره لإخراج ما ينتجه العقل اليمني الذي لا يعترف بحصارٍ اقتصادي، ولا يحد من طموحه وتفكيره وإبداعاته عدوان غاشم فشلت كل أوراقه، فالمسؤولية كبيرة أمام الجهات المختصة لرعاية هؤلاء الشباب واحتوائهم في وطنهم الأم.