غازي المفلحي/ لا ميديا-

المجال الرياضي أصبح شماعة بعض الدول العربية للتطبيع مع الكيان الصهيوني بذريعة الالتزام بقوانين الاتحادات الرياضية الدولية في قبول جميع الفرق الرياضية المشاركة من جميع الدول. وبعد أن تمكن العرب في السبعينيات من طرد منتخب الكيان الصهيوني من المشاركة في بطولات آسيا لكرة القدم، وكانوا يقاطعونه في كل محفل رياضي دولي، باتوا اليوم يستقبلونه على أراضيهم ويعزفون نشيده ويرفعون علمه.

الآخرون يقفون والعرب ينبطحون
في العام 1976 تمكن العرب من طرد منتخب الكيان الصهيوني من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم. كان النائب الكويتي أحمد السعدون آنذاك رئيساً للاتحاد الكويتي لكرة القدم. تقدم السعدون، باسم الاتحاد الكويتي، بمشروع قرار لطرد الكيان من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، ونجح في ذلك بمساعدة دولة ماليزيا التي استضافت المؤتمر السابع للاتحاد الآسيوي ذلك العام، ليصبح الكيان الصهيوني خارج المنافسات والبطولات في قارة آسيا بمساعٍ عربية وبفضل الكويت ومساندة ماليزيا، فقام اتحاد كرة القدم في أوروبا بتعديل نظامه الأساسي ليتسنى قبول منتخب الكيان المتشرد حينها ضمن فرق أوروبا، وحينها كان العدو الصهيوني عدواً للعرب بملء الفم على المستوى الرسمي والشعبي، والقطيعة معه كانت رياضية كما هي سياسية...
وفيما عملت ماليزيا على تطوير نفسها اقتصادياً وصناعياً وسياسياً وتعليمياً وحافظت على مقاطعة الكيان الصيهوني، حافظ العرب، وعلى وجه الخصوص عرب الخليج، على تخلفهم الاقتصادي والصناعي والسياسي والتعليمي، وتسابقوا في الانبطاح والتطبيع مع "إسرائيل" في مجالات كثيرة.
ماليزيا رفضت بشكل قاطع السماح لأي وفد صهيوني بدخول أراضيها، مهما كانت صفته. ووصف مهاتير محمد، رئيس وزراء ماليزيا، في 2018، دولة الكيان الصهيوني بالدولة المجرمة، مدافعاً عن حق ماليزيا في عدم السماح لوفود الصهاينة بالدخول إلى أراضيها.
أما بعض الدول العربية فقد تطور تطبيعها الرياضي من استقبال الفرق والوفود الصهيونية بشكل سري وتحت الضغط الأجنبي، إلى الاستقبال العلني بالترحاب والحفاوة!

"هاتكفا" يدوي في المدن العربية
في السابق كان يسمح للرياضيين "الإسرائيليين" بالمشاركة في مناسبات رياضية في الدول العربية لكن على استحياء وبشكل سري، وفي حالة فاز أحدهم بميدالية أو كأس كان يرفع علم الاتحاد الخاص باللعبة التي يلعبها ويعزف نشيد الاتحاد أثناء التتويج والتكريم، ولم يكن يسمح برفع العلم الصهيوني، وكان يمنع إظهار هوية اللاعبين "الإسرائيليين" أو رفع علمهم وعزف نشيدهم في حالة الفوز. أما الآن فقد تغيرت الأمور. والبداية الأقوى في التطبيع الرياضي كانت في الإمارات، حيث بدأ رفع العلم "الإسرائيلي" في محيط المدينة المستضيفة للبطولة كما في أبوظبي، وظهوره في لوحة النتائج وأزياء الرياضيين المشاركين، ويعزف النشيد "الإسرائيلي" (هاتكفا) عدة مرات في البطولة قبل بداية المباريات وعند التتويج بأي لقب أو ميدالية. وعبرت الحكومات العربية كالقطرية والإماراتية والمغربية عن عدم ممانعتها لرفع علم الكيان الغاصب وعزف نشيده والالتزام بمعاملته كأي دولة في المناسبات الرياضية.
ونماذج تطبيع بعض الدول العربية مع الكيان الصهيوني في المجال الرياضي كثيرة، أحدثهاً مثلاً:
- في العام 2017 في بطولة "غراند سلام" بأبوظبي، حين فاز لاعب الجودو "الإسرائيلي" تال فليكر بالميدالية الذهبية فئة وزن أقل من 66 كيلوغراماً، إلى جانب لاعبة "إسرائيلية" أخرى هي جيلي كوهين.
- في العام 2018 شارك منتخب سيدات الإمارات للنساء في بطولة كرة السلة في جبل طارق، وتواجه مع نظيره الصهيوني، وتعانقت لاعبات المنتخبين في ختام المباراة.
- في العام 2018 شارك فريقا الدراجات الإماراتي والبحريني في طواف إيطاليا، الذي نظمه الكيان الغاصب في مدينة القدس المحتلة...
- في العام 2018 شارك الكيان "الإسرائيلي" رسمياً في كأس العالم للراليات الصحراوية "كروس كانتري" في أبوظبي. وحظي الفريق باستقبال حار واحتضان من قبل المنظمين، حسب تصريحات "الإسرائيليين".
- في 2018 شارك منتخب الكيان الصهيوني في بطولة العالم للجمباز في قطر. وعبر مدير الوفد الصهيوني في تصريح له عن سعادته بالضيافة القطرية والاستقبال الجيد. وحسب معلومات فإن المنتخب ضم جندياً من جيش الكيان الصهيوني. وسبقت تلك المشاركة ثلاث مشاركات رياضية خلال ذلك العام، إحداها في رياضة التنس والأخرى في كرة اليد لفرق المدارس.
- في 2019 زارت وزيرة الثقافة والرياضة الصهيونية، ميري ريغيف، الإمارات لحضور مباريات جودو، وحظيت باستقبال وحفاوة كبيرة.
- في العام 2019 شارك فريق صهيوني في بطولة الجودو الدولية في المغرب، وتم رفع علم "دولته" وعزف نشيدها في الأراضي العربية. وقبل ذلك بعام كان لـ"إسرائيل" مشاركة وكذلك قبل 3 أعوام...

الأنظمة ليست الشعوب
موقف الأنظمة العربية المطبعة مع العدو الصهيوني، والتي تقول معلومات إن عددها بلغ 15 نظاماً عربياً بوجوه عديدة، منها الرياضي، وهي بالتأكيد مخالفة لقناعة شعوبها وكل الشعوب العربية، فالمسيرات والمظاهرات تخرج باستمرار رفضا للتطبيع، وعلى وجه الخصوص من اليمن، بالرغم مما يعانيه من عدوان كوني لأكثر من 4 أعوام، بالإضافة إلى وجود جمعيات ومنظمات وتيارات في معظم الدول العربية والخليجية تأسست لمناهضة التطبيع بشكل خاص، إلى جانب الحراك الشعبي والناشطين والحملات المناهضة على مواقع التواصل في هذا الاتجاه.
يقول أستاذ الإعلام الرياضي المشارك بجامعة البيضاء د. محمد النظاري: "للأسف الشديد التطبيع في الجانب الرياضي مع العدو الصهيوني هو هروب من القضية الفلسطينية. وقد أصبحنا نرى عدم اكتراث كثير من الدول العربية والإسلامية بالمشاركة في اللعب مع فرق العدو، بمبرر أن الاتحادات الدولية تفرض ذلك".
ويضيف الدكتور النظاري: "ماليزيا هي الاستثناء الواضح، حيث ترفض حتى إعطاء تأشيرة لأي إسرائيلي لحضور أي فعالية على أراضيها، ناهيك عن اللعب معهم. وسياسة التطبيع العربي السرية سياسياً سبقها للعلن التطبيع مع العدو تحت شعارات زائفة من قبيل أنه مفروض علينا أو أننا نسعى لأن نكون مع العولمة التي تبيح المحظور... وكلها ادعاءات كاذبة من أجل إقناع المسلمين بما لن يقتنعوا به أبداً".
ويختم الدكتور النظاري: "علينا جميعا أن نعي أننا بالتطبيع الرياضي مع العدو نجمّل صورته أمام أنفسنا وأجيالنا والعالم، وننسى قتله للفلسطينيين وهدم ديارهم واستباحة أموالهم ومصادرة حقوقهم، وأننا بذلك نبيع قضيتنا الأم من أجل كسب ود أمريكا والغرب. لقد تم إخراج الكيان الصهيوني من آسيا في المجال الرياضي نتيجة امتناع غالبية دولها عن اللعب معهم، وهي رسالة صريحة بأنه كيان منبوذ وينبغي أن يبقى كذلك حتى يعيد الحق في فلسطين لأهله".
وعلى الساحة الرياضية كان هناك نماذج من الرياضيين العرب الذين وضعوا مقاطعة العدو الصهيوني المغتصب والمجرم فوق كل اعتبار آخر تختبئ خلفه الأنظمة المطبعة، وضحوا بإنجازاتهم الرياضية الشخصية والوطنية لأجل القضية العربية الأهم والأعلى: فلسطين والقدس.
- اللاعب المصري محمد أبو تريكة رفض خوض مباراة في إيطاليا من أجل السلام عام 2014، بسبب مشاركة اللاعب "الإسرائيلي" يوسي بنايون في المباراة.
- الحكم التونسي محمد علي الشريف رفض التحكيم في مباراة كاراتيه أحد طرفيها لاعب "إسرائيلي" في بطولة العالم للكاراتيه في إسبانيا، وتعرَّض للمساءلة من الاتحاد الدولي للكاراتيه.
- المبارزة التونسية بالسيف عزة بسباس رفضت مبارزة اللاعبة "الإسرائيلية" ناعومي ميلس في نهائي مونديال كاتانيا للمبارزة عام 2011، حيث وقفت بلا حراك على منصة المبارزة أمام اللاعبة "الإسرائيلية"، في إشارة واضحة لمقاطعة المباراة ولتتجنب أي إدانة تحرمها من المشاركة في مبارزات أخرى.
- استبعد لاعب المنتخب الكويتي لتنس الطاولة ذوي الاحتياجات الخاصة عام 2012 عوض الحربي من البطولة بعد أن رفض لقاء منافسه "الإسرائيلي" ليران جيفع في الدور نصف النهائي للمسابقة.
- رفضت بطلة الجودو الجزائرية مريم بن موسى خوض نزال مع اللاعبة "الإسرائيلية" شاحر ليفي ضمن بطولة العالم للجودو عام 2011، وكانت فرصة مريم للوصول لأولمبياد لندن 2012، لكنها ضحت بفرصتها لأجل القضية العربية الأسمى.
- انسحب البطل الليبي محمد الكويسح من بطولة العالم للجودو بعد أن عرف أن خصمه اللاعب "الإسرائيلي" أرشانسكي أرتيوم، وضحَّى كذلك بفرصته للترشح لأولمبياد ريو دي جانيرو 2016.
- جودي فهمي، البطلة السعودية في الجودو، انسحبت من أولمبياد ريو دي جانيرو عام 2016 لأن القرعة وضعتها مع اللاعبة "الإسرائيلية" جيلي كوهين، بالرغم من أنها كانت الأوفر حظاً بين المتنافسين، وهو ما أحرج السلطات السعودية، حيث قالت اللجنة الأولمبية السعودية إن اللجنة الطبية أوصت بعدم مشاركتها في منافسات الجودو بسبب الإصابة.
- "لن أواجه قاتل إخوتي في مجرد لعبة. الأصح أن أواجهه على أرض القدس". هذا ما قاله الطفل التونسي محمد حميدة، ذو العشر سنوات، ممثل تونس في بطولة العالم للشطرنج عام 2016، التي انسحب منها لكي لا يواجه لاعباً "إسرائيلياً". وقال محمد حميدة للإعلام حينها إنه انسحب تضامناً مع أطفال فلسطين ومساندة لأطفال غزة.