تقرير:غازي المفلحي / لا ميديا-

الاعتقاد السائد لدى غالبية الناس أن الأميرات يولدن وفي أفواههن ملاعق من ذهب، ويعشن حياة غاية في الرفاه والسعادة، وطالما استخُدِم تعبير «تعيش كالأميرة» للدلالة على أن حياة الأميرات هي نموذج وصورة شبيهة بنعيم الجنة.إلَّا أن الأميرات في دول الخليج يتركن كل ذلك النعيم والسعادة المفترضة، 
ويولين هاربات، وكثيراً ما وصفن القصور الفاخرة التي يسكنها بـ«الأقبية والزنازين» في مقاطع فيديو يتم تسريبها بين الحين والآخر، وكان لكثير من الأميرات محاولات هرب من بلدانهن نجحت بعضها وفشلت أغلبها، فلماذا تهرب الأميرات الخليجيات؟ سنحاول في هذا التقرير معرفة الأسباب التي تدفع الأميرات الخليجيات إلى ترك نعيم القصور، ومحاولاتهن المتكررة للفرار.

 نماذج من هروب الأميرات
آخر محاولات الهروب التي تشغل الرأي العام اليوم وتعيد إلى الأذهان حوادث هروب أميرات في السابق، هي هروب الأميرة هيا بنت الحسين (45 عاماً)، زوجة محمد بن راشد، حاكم دبي، وأخت ملك الأردن، إلى ألمانيا، في يونيو الماضي، لتطلب اللجوء في مدينة دوسلدورف الألمانية، بمساعدة دبلوماسي ألماني، وتطلب الطلاق من محمد بن راشد، وهو ما أعقبه أزمة دبلوماسية غير معلنة بين ألمانيا والإمارات والأردن.
هربت الأميرة هيا وأخذت ابنتها الجليلة (11 عاماً) وابنها زايد (7 أعوام)، وأخذت معها ما يقارب 31 مليون يورو، حسب تقارير، وقد تكون قصة هروبها ناجحة إذا لم ينجح الجانب الإماراتي في إعادتها كما فعل بأخريات من قبل.
قبل هذه الحادثة كانت قصة الهروب الفاشلة للأميرة أو الشيخة -كما تعرف نساء وبنات الحكام في الإمارات- لطيفة بنت محمد بن راشد (33 عاماً) المسجونة حالياً بعد محاولتها الهرب من الإمارات عام 2018، عبر البحر على متن يخت يملكه فرنسي ثري قيل إنه رجل استخبارات سابق، ولكنها أعيدت خلال أيام بعد أن لحقت بها السلطات الإماراتية، وأعادتها بالقوة من أمام الشواطئ الهندية.
وروت الأميرة لطيفة في مقطع الفيديو الذي سجلته وبلغت مدته 39 دقيقة، سبب هروبها وتفاصيل حبسها السابق عندما حاولت الهروب عام 2002 نحو عُمان، وأطلعت الرأي العام والعالم على حقيقة حياة أميرات الخليج التي تختلف تماماً عما يتوقعه البعض من رفاه وسعادة. وقالت فيه إنه ربما يكون الفيديو الأخير الذي تسجله، مشيرة إلى أنها تواجه خطر الموت أو الأذى الشديد في حال تم اللحاق بها.
وقبل لطيفة فشلت شقيقتها الكبرى الأميرة شمس (37 عاماً) في محاولة الهروب من أحد منازل العائلة الحاكمة الإماراتية، في بريطانيا، عندما كانت بعمر الـ19 عاماً، وقد تم احتجازها في دبي من حينها وحتى الآن، واشتكت شمس من أنها ضحية ظلم وتنكيل والدها، وقالت بأنها تريد فقط أن تعيش حياة طبيعية.
من ضمن القلائل اللاتي نجحن في الهرب كانت رهف محمد القنون، ابنة حاكم منطقة السليمانية في شمال السعودية، التي نجحت في الحصول على حق اللجوء في كندا، في يناير الماضي، بعد رحلة فرار صعبة، وقد ساعد الصدى الدولي الذي أحدثته قصتها في نجاحها في الهروب.

قلة من ينجون أو نسمع عنهن
وتبقى كثير من الأميرات ومحاولات هروبهن الفاشلة طي الإخفاء، فحسب تقرير "ميدل إيست" الصباحية في أبريل الماضي، فقد تلقت جماعة حقوق الإنسان (ALQST) في لندن، والتي تقول إنها تعمل نيابة عن النساء العربيات اللواتي يسعين للهرب من الاضطهاد، اتصالاً في 2013، من 4 من بنات الملك السعودي السابق عبد الله، اللاتي كن تحت الإقامة الجبرية كل اثنتين منهن في مكان مختلف، وكن يردن الهرب من السعودية. ولكن الاتصال باثنتين منهن مع والدتهما انقطع بعد تولي الملك سلمان الحكم.
ويذكر التقرير أن يحيى عسيري، مدير (ALQST)، لايزال يتلقى مكالمات من أميرات أخريات في العائلة المالكة السعودية، يطلبن مساعدته في مغادرة البلاد.
كثير من الأميرات الخليجيات إما تحت الإقامة الجبرية أو في السجون، ويتم سحب جوازات السفر منهن.
وحسب صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية، فإن اتصالات عدة وردتها في مارس 2014، من الأميرتين السعوديتين سحر (46 عاماً) وجواهر (42 عاماً)، ابنتي الملك عبدالله من طليقته العنود الفايز، تستنجدان لكونهما محتجزتين بأمر والدهما الملك، في المقر الملكي في مدينة جدة، منذ 13 عاماً، وأن شقيقتيهما الأخريين هالة (43 عاماً)، ومها (41 عاماً) محتجزتان كذلك في قصرين منفصلين.
بعد ذلك بشهر تمكّنت الأميرتان سحر وجواهر من الاتصال ببرنامج "عين على الديمقراطية" على قناة "الحرة"، وتحدثتا عن معاناتهما بالصوت والصورة أمام العالم، وشاركتهما الحديث والدتهما الأميرة العنود الفايز. وأكدتا حينها أنهما وشقيقتيهما الأخريين محتجزات منذ 13 عاماً، ولم يقابلا بعضاً منذ 3 أعوام.
وقالت الأميرتان إنهما محتجزتان في ظروف سيئة جداً، حيث يتم قطع الطعام والماء عنهما لفترات طويلة أو إعطاؤهما طعاماً معلّباً منتهي الصلاحية.
"لقد هددنا، وقال لنا إن وضعنا لن يتغير أبداً، أما بعد وفاته فإن أشقاءنا (الذكور) سيستأنفون اعتقالنا وسيستمرون في الإساءة إلينا، ما نحن إلا نموذج لما تعانيه الكثيرات، في عائلات كثيرة. ما نحن إلَّا مثال بسيط جداً. فإذا كان (الملك) يفعل ذلك ببناته، فماذا تظنون هي حال باقي البلد؟". هذا ما قالته الأميرة جواهر في حديث آخر حينها للقناة الرابعة البريطانية، عن والدها الملك عبدالله، والوحشية التي يتعامل بها مع بناته.
قبل أيام تحدث المغرّد القطري الشهري بموقع "تويتر" (بوغانم)، عن مفاجأة جديدة بشأن هروب الأميرات، وبحسب المعلومات الأولية التي نشرها (بوغانم) فإن الأميرة سارة بنت عبدالله بن عبدالعزيز بن سعود، زوجة الأمير فهد بن بدر بن عبدالعزيز بن سعود، أمير منطقة الجوف سابقاً، قد هربت إلى فرنسا بعد عملية هروب وصفها بالذكية للغاية، وقال إنه يتحفظ على بقية التفاصيل حالياً.

اختلال الأسر الحاكمة
وتشير بعض المعلومات إلى أن جوازات الأميرات تبقى بأيدي الأوصياء عليهن من آبائهن وإخوانهن، ويتم تقييد حريتهن وتحركاتهن وسفرهن وتعليمهن، ومصادرة حقوقهن كما قُلن، خاصة في دول تدَّعي الانفتاح والحرية كالإمارات التي أنشأت وزارة للسعادة في دبي، وهي مفارقة عجيبة أن تكون هناك وزارة للسعادة في إمارة لم يستطع حاكمها إسعاد زوجته وبناته. 
السلوك المتبع لدى الأسر الحاكمة الخليجية فاحشة الثراء، يقوم على تسلُّط الرجال على النساء، ففي الوقت الذي يجد الأمير أو الشيخ الخليجي طرقه التي تكون أغلبها مشبوهة للاستمتاع بما يمتلكه من أموال طائلة، تعجز الأميرات أو الشيخات عن القيام بالمثل، فكثير من الأميرات اللاتي يملكن الأموال الطائلة محرومات حتى من شراء وقيادة السيارة كما كانت المرأة السعودية بشكل عام إلى قبل عامين، بينما يبدد أمراء الخليج أموالهم في كل دولة وملهى حول العالم، وهذا ما يدفع النساء في الأسر الحاكمة إلى المطالبة بذات الحرية، فيفكرن بالهرب.
يقول دكتور النفس اليمني عبد الكريم زبيبة، إن الفراغ وعدم تحقيق الذات عبر العمل والكفاح والنجاح والفشل، يفقد الإنسان إدراكه لأهميته ولأولويات الأشياء لديه، وهؤلاء الأميرات والأمراء لديهم من الإمكانات المادية الكثير، وبالتالي فهم يبحثون عما هو مثير من الأفعال والأقوال حتى يشعر بالجديد في حياته، وهذا سوف يجده في المجتمعات الأكثر انفتاحاً في الدول الغربية.
ويضيف زبيبة في حديثه لـ"لا": ومن ناحية أخرى هناك عوامل في صميم تركيب الأسرة الخليجية، والتي اختلت بسبب الانحرافات الفكرية والسلوكية التي صاحبت الغنى السريع والفاحش والانتقال من مجتمعات البداوة الى المجتمعات المدنية الأكثر تحضراً، فاختلط لديهم جلافة التعامل مع المرأة واعتبارها عورة وتربية الأبناء في النمط الاجتماعي الجديد المصاحب لطفرة النفط والغنى الفاحش.
وأشار الدكتور زبيبة إلى أن الممارسات اللاإنسانية من قبل البدوي المتمدن ظاهراً والمتخلف جوهراً، هي أحد الأسباب المهمة لتطلع بعض من تلك الأميرات للانعتاق من ازدواجية الفكر والسلوك الممارس ضدهن، واللجوء للهرب، وسوف نلاحظ تغيرات عميقة في سلوكيات الجيل الجديد في هذه المجتمعات، وثورة للأسف الشديد قد تكون منحرفة عن القيم والأخلاق الإسلامية، خاصة أن تلك المجتمعات عاشت فترة من الزمن تحت حكم إسلام سطحي منغلق ومتشدد هيمنت عليه العادات والتقاليد أكثر من القيم الإسلامية الرفيعة والوسطية والأصيلة.

لماذا هربت هيا؟
تقول بعض الروايات إن الخلاف بين هيا ومحمد بن راشد بدأ بعد أن قام الأخير بإغلاق مؤسسة خيرية تحمل اسم الأميرة هيا، وأوقف موازنتها، ليتطور الخلاف إلى المستوى الشخصي والعائلي، وطلبها الطلاق من محمد بن راشد، ونشوب خلاف بينهما حول حضانة الأطفال.
لكن المغرد القطري الشهري بموقع "تويتر" (بوغانم) الذي يحظى بمتابعة عشرات الآلاف، وينشر تسريبات سياسية وأمنية كانت صحيحة في عدة مناسبات، روى شيئاً آخر عن قصة الهروب، حيث زعم أن الأميرة هيا كانت طرفاً في المحاولة الانقلابية الفاشلة على أخيها ملك الأردن، حيث تحدثت تقارير سابقة عن تورطها مع سلطات أبوظبي في المشاركة في محاولة الانقلاب ضد الملك عبدالله الثاني، وأن محمد بن راشد هو نفسه من هرب زوجته حتى لا يتم ابتزازه هو وملك الأردن من قبل حاكم أبوظبي محمد بن زايد بإدخالها طرفاً في عملية ضغط من أجل صفقة القرن.
أما الأميرات الأخريات فقد ذكرن أسباب هروبهن ضمن التسجيلات التي تم تسريبها، ففي الفيديو الذي سجلته الشيخة لطيفة أشارت في بدايته إلى أنها تواجه خطر القتل، وقالت إنه ليس لديها الحق في الاختيار والتصرُّف، فهي لا تستطيع حتى السفر إلى إمارة أخرى أو قيادة السيارة، وعن ظروف حبسها بعد محاولتها الهرب في المرة الأولى، تحدثت عن ضربها وتعذيبها إلى الحد الذي لم تكن تستطيع معه المشي، ولم تكن تحصل على الماء والغذاء النظيف ولا الرعاية الصحية، وقالت إنهم بتلك الطريقة أرادوا التخلص منها.
أما رهف القنون فقد قالت بعد أن أصبحت في كندا، إن حال "كل النساء في السعودية مثل حالها، ما عدا المحظوظات ممن لهن والدان متفهمان. أريد أن أكون مستقلة في ما أختار ومن أتزوج، واليوم أنا قادرة على اتخاذ كل هذه القرارات".
وقالت رهف إنها تعرضت للعنف والحبس لأشهر في منزلها لأسباب تافهة منذ أن كان عمرها 16 عاماً، ما دفعها للهرب من السعودية.
هناك من يقول إن عمليات الهروب تسهلها أجهزة الاستخبارات الأجنبية، مستغلة رغبة الأميرات في الحرية، فتساعدهن في الهرب، وتحصل منهن على معلومات في ملفات معينة عن الدول الخليجية، أو أن تكون تلك الأميرات قد وظفن فعلاً لصالح المخابرات، لأن لا وجود لروابط أسرية في دهاليز الأسر الحاكمة، ويبدو أن حالات هروب الأميرات تأتي بسبب خليط من الدوافع الاجتماعية والأسرية والنفسية، وهي دوافع تجد الأيدي والأعين السياسية والاستخباراتية لاستغلالها وتوظيفها والاستفادة منها.
جدير بالذكر أن حالات هروب الأميرات وظروف اعتقالهن أو احتجازهن ومعاملتهن بطرق غير إنسانية تختفي غالباً عن واجهة الإعلام العالمي إلَّا في الحالات التي تؤدي إلى أزمة دبلوماسية متعددة الأطراف كقصة هروب الأميرة هيا، ويرى مراقبون أن هذا التغييب تقف خلفه الأموال والضغوط الخليجية. وليس هناك شك أن قصور الأمراء والملوك في الخليج واحدة من أكثر المناطق ظلماً وسواداً، فهي- أوكار حياكة الدسائس والمؤامرات وزنازين وأقبية تغييب وتعذيب.