تحقيق استقصائي: محمد أبو الكرم/ لا ميديا -

ليست الحرب الاقتصادية على اليمن أقل تأثيراً وعنفاً من نظيرتها العسكرية، بل إن الأولى أكثر وأشد فتكاً بالمواطن وقوته اليومي، وإن كان العدوان قد حشد تحالفه العسكري لقتل اليمنيين، فإن عدوانه الاقتصادي أكبر وأوسع وأكثر جرماً واحترافية من العدوان العسكري. 4 سنوات مضت تفنن فيها العدوان وشركاؤه باستهداف الاقتصاد ومؤسساته، ضارباً بكل الأعراف والقوانين الدولية والإنسانية عرض الحائط. الحرب الاقتصادية هي الوجه الآخر للعدوان على اليمن، وقد دعت القيادة السياسية والثورية في صنعاء مرارا لتحييد الاقتصاد عن هذه الحرب، في سياق المحاولات الهادفة لحماية المواطن وقوته من تداعيات الصراع.
ففي الوقت الذي أدركت فيه قوى العدوان أن نتائج الحرب العسكرية ترتد عكسية عليها، أعدت العدة للحرب الإنسانية والاقتصادية. في هذا التحقيق نكشف كيف أسهمت دول العدوان في الحرب الاقتصادية، وكيف أثر ذلك على المواطن. نكشف ذلك من خلال شهادات وتقارير غربية تجعل ما نورده طي هذا التحقيق أقرب إلى عين الحقيقة. 

تعمد استهداف البنى الإنتاجية
يقول دانييل لاريسون، الصحفي الاقتصادي في دورية الـ"نيويورك تايمز"، إن هجمات التحالف على اليمن أثرت على إنتاج وتوزيع الأغذية، وإن قوات التحالف ضربت أهدافاً مدنية عن عمد من ضمنها مصانع وبنى تحتية، وقال إنهم يفعلون ذلك بقصد حرمان الناس من سبل العيش التي توفرها المصانع والمزارع وقوارب الصيد، وهكذا تم حرمان الناس من الوصول إلى الغذاء الذي يأتي من هذه المنشآت، وقال إن استهداف التحالف لإنتاج وتوزيع المواد الغذائية معروف لبعض الوقت.

ظروف معيشية تهدد بالموت جوعاً
تتحدث بدور العريقي (42 عاماً)، إحدى ساكني محافظة تعز والنازحة إلى العاصمة صنعاء، عن حالة الجوع التي وصلت إليها عائلتها وكيف فقدت أحد أبنائها بسبب الجوع، تقول العريقي: فقدت طفلي بسبب المرض والجوع أثناء نزوحنا نحو العاصمة، لم نكن نملك شيئاً تقطعت بنا السبل، زوجي فقد وظيفته وراتبه في المحافظة، ومنزلنا القريب من مركز المدينة تعرض إلى جانب عشرات المنازل للضرر نتيجة الغارات المتواصلة، لم يكن أمامنا سوى الاستجابة لموجة النزوح التي فرضت علينا، ذهبنا إلى محافظة إب، ولم نستطع التكيف هناك، وانتقلنا إلى صنعاء.
وتواصل حديثها: ظروفنا الاقتصادية لم تكن أفضل حالاً من الكثير، حاول زوجي إيجاد عمل، وفعلاً بدأ في العمل في أحد مطاعم العاصمة، غير أن راتبه البالغ 30 ألفاً لم يكن بالكفاية التي تحمينا من التشرد والجوع، كان طفلي الأصغر يبلغ من العمر عاماً واحداً، أصيب حينها بسوء التغذية مع عدم استجابته للعلاج، لنفقده بعد ذلك، في ظل هذه الأوضاع الاقتصادية والأسعار المرتفعة وانعدام سبل العيش، أصبحنا نحسد طفلنا الراحل على المصير الذي وصل إليه. 
بدور العريقي ليست سوى واحدة من ضمن حوالي 22 مليون يمني يقعون تحت خط الفقر، وضمن 18 مليون يمني مهددون بالمجاعة، أما زوجها فهو من ضمن مليون ونصف يمني فقدوا رواتبهم بسبب العدوان على اليمن.  

نتائج وخيمة
المحلل الاقتصادي ياسر الواسعي تحدث عن النتائج الوخيمة التي خلفتها الحرب الاقتصادية على اليمن، وكيف استطاع العدوان تحويل هذه الأداة إلى كارثة إنسانية، وقال لـ"لا": لجأ العدوان إلى هذه الحرب منذ اللحظة الأولى لحربه العسكرية على اليمن، واتخذت هذه الحرب عدة أشكال بدأها العدوان باستهداف المنشآت والبنى التحتية للمصانع والمؤسسات وإغلاق كل المنافذ البحرية والبرية والجوية ونقل البنك المركزي إلى عدن، والحادثة الأخيرة كانت كفيلة بانهيار الاقتصاد اليمني بشكل كبير جداً، بالإضافة إلى تدهور العملة اليمنية.  
التأثيرات السلبية لنقل البنك المركزي
عن نقل البنك المركزي وكيف أثر ذلك على الوضع الاقتصادي للبلاد، يقول مصطفى الشامي (صحفي اقتصادي): إن نقل البنك إلى محافظة عدن أدى في البداية إلى تجميد الكثير من الأصول الأجنبية لدى البنك، عوضاً عن الأصول والدفعات اليمنية في بنوك إنجلترا والولايات المتحدة وألمانيا ودول أخرى.
وأضاف: عمليات التحويل توقفت تماماً، خصوصاً أن عملية نقل البنك وإلى جانب الحرب زعزعت ثقة الكثير، وخصوصاً التجار والموردين، في إيداع أموالهم لدى بنك عدن، ويقول: في عدن استطاعت أدوات العدوان تعطيل الكثير من أدوار البنك المركزي، مما تسبب في تضخم هائل في العجز المالي السنوي والناتج عن الأسباب المذكورة آنفاً، ويضيف: بدأ العدوان لعبته من خلال طباعة مليارات الريالات دون غطاء من العملة الصعبة، مما أدى إلى انهيار كبير في قيمة العملة المحلية، وبالتالي ارتفاع كبير في أسعار المنتجات والمواد المستوردة، وهو ما انعكس بصورة سلبية على المواطن والاقتصاد. 

واشنطن تدير الحرب الاقتصادية
معهد واشنطن المهتم بشؤون الشرق الأوسط، وفي تقرير صدر عن مجموعة "جورج تاون الاستراتيجية"، تحدث عن قيادة الولايات المتحدة الأمريكية لحرب اقتصادية على اليمنيين، وأوضح التقرير أن هناك مؤامرة أخرى لاستهداف سيادة الأمة اليمنية تحت عنوان "الإنسانية وخطط الطوارئ لإنقاذ الاقتصاد"، حيث بين أن هناك انتهاكات لسيادة اليمن واستقلاله، قائلاً: إن توصيات الولايات المتحدة توصيات مغطاة بالرحمة، ولكنها في حقيقة الأمر تشكل انتهاكاً للسيادة اليمنية.
وأظهر التقرير أن هذه الحرب الاقتصادية على اليمن تديرها الولايات المتحدة، خاصة بعد أن جاء نائب وزير الدفاع الأمريكي للمطالبة بتنفيذ هذه التوصيات.
تم الكشف عن هذه المؤامرة في التقرير تحت عنوان "خارطة الطريق الاقتصادية للإغاثة الإنسانية في اليمن"، حيث أشار التقرير إلى أنه يجب استخدام الدولار في الاقتصاد اليمني من خلال "نقل البنك المركزي"، واتضح لاحقاً أن انتقال البنك المركزي اليمني إلى عدن الواقعة تحت سيطرة هادي في المنفى، أدى إلى عدم دفع رواتب شهرية لـ1.5 مليون موظف في القطاع العام منذ سبتمبر 2016، على الرغم من التأكيدات التي قدمتها دول العدوان والولايات المتحدة وحكومة هادي في المنفى إلى المجتمع الدولي على أنه سيتحمل جميع التزامات البنك المركزي اليمني. 

تحالف العدوان أقوى من الأمم المتحدة
ويقول المحلل ياسر الواسعي: كان هناك رفض أممي لنقل البنك المركزي إلى عدن، حتى إن المدعو خالد اليماني (مندوب حكومة فنادق الرياض في الأمم المتحدة حينها) التقى بمجموعة من السفراء في مجلس الأمن، والذين أبدوا حينها رفضهم لنقل البنك إلى عدن لما له من نتائج وخيمة على العملة المحلية.
واستطرد الواسعي: لكن ولأن القرار بيد دول تحالف العدوان، تم تجاهل كل التحذيرات، وتم نقل البنك إلى عدن، مما تسبب في تجميد الكثير من الأصول اليمنية في بعض الدول، وعن طريق المملكة السعودية بدأت الوعود الوهمية بالعمل على إيداع مبالغ مالية ضخمة في سبيل استقرار العملة، لكن لم نشاهد نحن سوى استحداث طباعة العملة المحلية بمليارات الريالات دون غطاء، مما تسبب في أزمة يصعب حلها خلال الأمد القريب. 
أعذارهم أقبح من أفعالهم
التقى معد التحقيق مع موظفي وعمال (مصنع الميتمي الأدوية، مصنع مياه الخير، ومصنع كفاءات لإنتاج البلاستيك)، وجميعهم أكدوا لـ"لا" تضررهم تماماً من عمليات قصف العدوان للمنشآت الصناعية التي يعملون فيها وانقطاع سبل العيش بهم، يقول أحمد جابر، العامل في مصنع مياه الخير: إن العدوان لا هم له سوى قتل الشعب اليمني، وببساطة تامة، سوف يقصف مصنعك ويقتل موظفيك ومن ثم يعتذر ويقول هناك اشتباه في وجود عمليات أو معدات عسكرية في المصنع، يقول جابر: "أعذارهم أقبح من أفعالهم"، ويضيف: "نحن الآن بلا عمل ولا نجد قوت يومنا".

الحصار الاقتصادي كسلاح حرب
تقول صحيفة "الجارديان" البريطانية، في تقرير سابق لها حول الحرب الاقتصادية على اليمن، إن تحالف العدوان استخدم الحصار الاقتصادي كسلاح حرب، وورد في التقرير: "ليست فقط القنابل والأسلحة من تهدد أطفال اليمن، هناك حرب من نوع آخر، يتم استخدام الحصار الاقتصادي من قبل التحالف الذي تقوده السعودية كسلاح حرب، ويستهدف الوظائف والبنية التحتية وأسواق المواد الغذائية وتقديم الخدمات الأساسية وارتفاع أسعار السلع والمنتجات وتدهور قيمة العملة المحلية"، وقال التقرير: لا توجد إحصائيات لعدد الضحايا جراء هذا الحصار الاقتصادي، لكن مقابل كل طفل مدفون تحت أنقاض مبنى أصابته "قنبلة ذكية"، هناك العشرات من الأطفال مهددون بالجوع.