فـي إسبانيا مزجنا اللحن اليمني بالموشح الأندلسي

حاوره : عبدالرقيب المجيدي
لا يمكنني بكلمات قليلة أن أتحدث عن تجربة المنشد الكبير علي محسن الأكوع، فكل ثمرة من ثمار تجربته الفنية تحتاج إلى أسطورة تنسج أجزاءها.
عندما التقيت بالأستاذ علي محسن الأكوع لإجراء هذا الحوار أذكر فقط إحساسي بالبهجة الصافية برؤيته والاستماع إليه، وأحسست أيضاً أن هناك تماثلاً بين روحه وروحي، يقارب الامتزاج رغم الاختلاف في طريقة تعبير كل منا.
أعماله الإنشادية تعجبني وتبهرني وتثير في قلبي شجناً جميلاً، وأرى في كتابه «روائع شعر النشيد الصنعاني» ما أطمح له وأطمع فيه وما لن أصل إليه أبداً.
كما أن أعماله الإنشادية تتسم بالكمال الفني، ونال شهرة واسعة داخل الوطن وخارجه.
أسهم في الارتقاء بالحياة الثقافية حاملاً بصوته العذب ملامح الأصالة اليمنية. يمتلك موهبة ثرية مدعمة بثقافة فنية عميقة.
علي محسن الأكوع شخصية إبداعية وإنسانية ووطنية بامتياز.

توثيق التراث ونشره
 كرئيس لجمعية المنشدين اليمنيين، لماذا أنت مقل في الأعمال الإنشادية، وما الأسباب التي أدت إلى ذلك؟
أنا هوايتي توثيق التراث ونشره على مستوى اليمن والعالم، وبالفعل استطعت أن أساهم في نشر أكثر من 11 كتاباً، سواء كانت هذه الكتب التي جمعناها أو التي حققناها أو التي تولينا طباعتها، تشجيعاً للمبدعين والأدباء والمثقفين، سواء من اليمن أو من مصر والمغرب... فأنا حريص على توثيق تراثنا للإذاعة والتلفزيون وبعض قنوات الوطن العربي، وهذا العمل هو أكثر من مجرد أن تقوم بتسجيل أسطوانة أو كاسيت ونشره في المجتمع.

ليس له نظير
 ما هي المعايير التي تشترط توافرها في القصيدة لكي يتم إنشادها؟
نحن نعتز دائماً بتراث الآباء والأجداد والذي توارثناه منذ آلاف السنين، فالتراث اليمني غني وغزير، فالآباء والأدباء والمنشدون والمثقفون اليمنيون ما تركوا فراغاً على الإطلاق، فكل مناسبات المجتمع اليمني ويصاحبها الإنشاد سواء في المآتم أو في الأفراح والأتراح أو المناسبات الدينية المختلفة، مثلاً في ذكرى الإسراء والمعراج أو في مولد الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو الهجرة النبوية أو في استقبال الحج أو مناسبة قدوم شهر رمضان... لم يتركوا فراغاً قط، بل أثروا هذا اللون من الفن ومن الموشحات اليمنية بالألحان وجعلوا لكل مناسبة ألحاناً خاصة وقصائد خاصة بكل مناسبة.
نعتز أننا ننشد هذا التراث الذي ليس له نظير في العالم، سواء من حيث الكلمة أو من حيث اللحن. والقصائد الحديثة التي ننشدها قليلة، وهي في الحقيقة قصائد بليغة وتستحق أن ننشدها، مثل قصيدة "ولد الهدى فالكائنات ضياءٌ" لأمير الشعراء أحمد شوقي والذي حذا حذو شاعر الرسول، المرحوم البوصيري والذي مدح الرسول "ص" بغرر القصائد التي ما زالت إلى اليوم تنشد وتغنى في كثير من دول العالم.

مركز للثقافة والإبداع العربي
 إلى أي حد استطاع علي محسن الأكوع أن يحقق طموحاته؟
استطعنا من خلال جمعية المنشدين اليمنيين أو من خلال الاتحاد العربي للثقافة والإبداع الذي تم تأسيسه في مصر عام 2004م، وأصبحنا مركزاً رئيساً في اليمن ونحن نرأسه على مستوى الوطن العربي، ولدينا فروع في 10 من دول العالم، وقد استضفنا عدداً من الشخصيات وأصدرنا لهم قرارات تعيين مدراء فروع في الوطن العربي، وحضر إلى اليمن الكثير من مدراء الاتحاد، وأشهرنا الاتحاد في مصر في المركز الثقافي اليمني، وأشهرناه في احتفال كبير بحضور وزير الثقافة الدكتور محمد أبو بكر المفلحي إلى أن جاء العام 2012 فكان تتويجاً لهذه الفعالية فتم إصدار قرارات معمدة من رئاسة الاتحاد ومن وزارة الثقافة ممثلة بالدكتور عبدالله عوبل وزير الثقافة آنذاك، وكان احتفالاً ضخماً وكبيراً وتم استضافة كل مدراء الاتحاد العربي للثقافة والإبداع في الوطن العربي وأقيمت الأمسيات الثقافية والفنية بحضورهم.

بين الفنان والمنشد
 الاستماع إلى الموسيقى الراقية جزء من تكوين المثقف الشامل. ماذا تقول في هذا الجانب؟
أستمع كثيراً للموسيقى وأستمتع وأنا أستمع لأم كلثوم أو لصباح فخري أو لمحمد عبده. هناك فنانون كبار، ولا شك أنني أعتز وأنا أستمع للفنانين اليمنيين الذين لا يزالون على قيد الحياة أو من توفاهم الله مثل الفنان محمد أبو نصار وعلي الآنسي والفنان محمد حمود الحارثي والفنان القدير أحمد السنيدار رعاه الله وفنانين كُثر كان لهم دور كبير في حفظ وتوثيق التراث، وأنا أعتبر أن التراث اليمني الغنائي جزء لا يتجزأ من التراث الإنشادي، فكثير من الفنانين تغنوا بقصائد الإنشاد حباً في جمال ألحانها، فالإنشاد والغناء جزء لا يتجزأ من بعضهما، والفرق بينهما أن الفنان تصاحبه آلة العود والمنشد يصاحبه الكورال.

آلاف الموشحات اليمنية
 هل قلة الموشحات تعود لصعوبة تلحينها؟
بالعكس، لا توجد قلة في الموشحات. قد تستغرب وأنا أقول لك إنها تفوق الآلاف، ونحن من خلال كتابنا "روائع شعر النشيد الصنعاني" لو استطعنا أن نحصر ألحانه لكانت تجاوزت الـ450 لحناً، وهذا عدد 
مخيف، ولذلك نحن سميناه "روائع شعر النشيد الصنعاني"، فما بالك لو سميناه روائع شعر النشيد اليمني؟! سيكون هناك من تهامة ومن إب ومن حجة ومن عمران ومن حضرموت ومن عدن ومن تعز...
اليمن غنية وتزخر بموروث ثقافي لم يسبق لأي دولة في العالم أن امتلكت هذا الكم الهائل من ألوان الموشحات كما تمتلكه اليمن.  وفي كثير من الدول يتغنون بالموشحات اليمنية وبالتراث اليمني، ومع ذلك يرتكبون جرماً بحق التراث اليمني، ولا ينسبون ما يتغنون به إلى التراث اليمني، فنحن أصحاب ثقافة وحضارة وفن، ولو أمعنت واستمعت للأناشيد التراثية في محافظة ريمة مثلاً فإنك ستستغرب من أين تأتي هذه الألحان! وإن الجهات المعنية في الدولة ممثلة بوزارة الثقافة ووزارة الإعلام ووزارة السياحة هي المسؤولة عن عدم نشر تراثنا إلى العالم، فلا يوجد التشجيع الكافي للمنشدين والفنانين والملحنين والمؤلفين على الإطلاق.
 سأسألك عن كتبك بشرط ألا تقول في جوابك إنها مثل أبنائي لها المعزة نفسها، ما أهمية كتبك؟
كتابنا الأبرز والأقوى والأروع هو "روائع شعر النشيد الصنعاني"، وعندما بدأنا في الإنشاد كنا نبحث عن القصيدة ونذهب إلى أماكن كثيرة حتى نستطيع أن نجدها ونكتبها، سواء في دار الكتب أو غيرها، فالفنانون والمنشدون عندما يريدون أن يحفظوا أناشيد الزفة أو المقيل سواء كانت في العرس أو في المآتم لا يجدون المصدر الكافي من هذه القصائد، والشيء الذي تمنيته وحقق الله هذه الأمنية هو أننا استطعنا خلال 5 سنوات إعداد وجمع هذا الكتاب المجلد والذي يحتوي على أكثر من 600 صفحة وأصبح في متناول كل منشد.
وفي مهرجان صنعاء السابع للإنشاد أهدينا ما يقارب 350 نسخة لـ350 منشداً من مختلف محافظات الجمهورية، وهذا اعتزاز وفخر أن نهدي التراث الصنعاني إلى التراث الحضرمي والريمي والتعزي، فنحن نعتبر تراثنا تراثاً متكاملاً وتراثاً واحداً، إلا أن كل محافظة تمتاز بفنها وتمتاز باختلاف لهجاتها، فكل محافظة لها طابع معين، وهذا الكتاب استطعنا أن نجمعه وضحينا من أجله بالكثير من الجهد والمال، وهذه كانت أمنية كل أعضاء وجمعية المنشدين، ووفقنا الله وتمت الطبعة الأولى والطبعة الثانية، وحالياً نحاول إصدار الطبعة الثالثة التي ستكون منقحة وسيضاف إليها شيء جديد، وستكون مفاجأة لنا وللآخرين وسنوثق فيها كل الألحان.

اللحن والكلمة قطبا النجاح
 ما الذي يوصل الموشحات إلى النجاح، الكلمة أم اللحن؟
اللحن والكلمة معاً، وبغيرهما لا تستطيع الموشحات أن تصل إلى النجاح، ففي كل المسابقات العربية شبابنا حازوا مراكز متقدمة بالكلمة واللحن، ولم يفوزوا إلا عندما تغنوا بألحان من التراث اليمني لشعراء يمنيين، فكان لها وقع في القلوب واستطاعوا أن يوصلوا الكلمة واللحن إلى الجمهور العربي، سواء في مهرجانات إنشادية أو غنائية، وهذا دليل على عمق الكلمة واللحن التراثي اليمني الذي غزا قلوب أبناء اليمن والعالم العربي.
 من يتصدر المشهد الفني؟
لا يوجد منشد واحد يتصدر المشهد اليوم، بل هناك 50 منشداً يتصدرون المشهد، رغم أن هناك آلاف المنشدين في بلادنا، وكان الشيخ محمد حسين عامر رحمه الله المجدد الأول للفن والتراث والثقافة وتعلمنا منه وتعلم منه كثير من المنشدين مثل الأستاذ قاسم زبيدة والأستاذ يحيى المحفدي وعبدالرحمن الحليلي... فالمنشدون الأوائل هم من حافظوا على اللحن والكلمة حتى استطاعوا أن يوصلوها لهذا الجيل، وهذا الجيل سيوصلها إلى الجيل الذي يليه، وهذا التراث توارثه الآباء والأجداد جيلاً بعد جيل وسيتوارثه الأبناء إلى أن تقوم الساعة. والـ50 منشداً هم من يتصدرون المشهد اليمني من خلال مشاركاتهم المحلية والعالمية، واستطاعوا أن يبرزوا الأنشودة اليمنية بالوجه الصحيح واللائق. نحن شاركنا في كثير من المهرجانات، وأبرزها مهرجان "سماع" الدولي للإنشاد، وهو مهرجان سنوي يقام في مصر، وكثيراً ما كنا نشارك بأداء جماعي، فكان الناس ينذهلون ونحن ننشد بقصيدة "يا حي يا قيوم يا عالم بما تخفي الصدور" سواءً بمقاماتها من خلال الموال أو بلحنها الذي يؤديه الكورال معاً، أو قصيدة عبدالهادي السودي "على العقيق اجتمعنا"، وهناك كثير من الألحان التي شاركنا بها وكان لها نجاح كبير، وأذكر أننا شاركنا بأداء جماعي في العاصمة الإسبانية مدريد، ومزجنا اللحن اليمني بالموشح الأندلسي عندما أنشدنا للشاعر الكبير أحمد بن حسين المفتي "يقرب الله لي بالعافية والسلامة"، إلى أن انتقلنا من هذه القصيدة إلى قصيدة لسان الدين بن الخطيب "جادك الغيث إذا الغيث همى يا زمان الوصل بالأندلس"، فانبهر كل الحاضرين وهم يستمعون كيف استطعنا أن نمزج ونعمل تداخلاً بين اللحن اليمني واللحن الأندلسي دون أن يشعروا أننا انتقلنا من لحن إلى لحن آخر؛ لأن المقام كان مقاماً واحداً من هذه القصيدة إلى ذلك الموشح، فشعرنا بالاعتزاز كثيراً ونحن نستمع إلى شهادات كثيرة من الفلاسفة والأكاديميين، وفي مقدمتهم الدكتور حسين بن عبدالله العمري، وهو يقول: "اغرورقت عيناي بالدمع وأنا أستمع لفرقة جمعية المنشدين اليمنيين في ذلك الفردوس المفقود الأندلسي، وهم يمزجون لحناً يمنياً باللحن الأندلسي". وكثير ممن كانوا حاضرين قالوا لنا: "استطعتم أن تقدموا مفاجأة لم نكن نتوقعها، توقعنا أن تقدموا شيئاً من التراث اليمني ولكن ما قدمتموه كان من القدود الحلبية ومن الموشحات الأندلسية والموشحات اليمنية". فما قدمناه ليس من صنعاء فحسب، بل حاولنا أن نمثل اليمن من أقصاه إلى أقصاه.
كل هذه الألحان التي قدمناها عبرت عن اليمن السعيد الذي عرفه وسيعرفه العالم، وسيظل قوياً وسعيداً ومتألقاً، من خلال الإبداعات التي توارثها من أولئك الأجداد رحمهم الله جميعاً، سواءً كانوا مثقفين أو منشدين أو فنانين.
 من المنشد الذي ترشحه لنا ونحن بدورنا سنتواصل معه ونجري معه لقاءً صحفياً؟
الأستاذ يحيى محمد المحفدي.
 كلمة أخيرة.
أشكرك لتواصلك المستمر لإجراء هذا اللقاء، والذي استطعنا من خلاله أن نبرز قليلاً من ثقافة اليمن وفن اليمن وتراث اليمن، سواءً كان إنشادياً أو غنائياً.



علي محسن الأكوع
- تاريخ الميلاد 1966.
- متزوج وله 5 أبناء.
- رئيس جمعية المنشدين اليمنيين.
- رئيس الاتحاد العربي للثقافة والإبداع.
- أكثر من 100 مشاركة في مصر وفي الأردن وفي أمريكا وفي فرنسا وفي سوريا وفي المغرب والسعودية والإمارات وفي إسبانيا وفي تركيا وفي لبنان وفي الجزائر...
- له كتاب «روائع شعر النشيد الصنعاني».
- له العديد من الأعمال الإنشادية والموشحات.
- حصل على جائزة التفرد والإبداع من مصر.
- حصل على شهادة تقدير من جامعة الدول العربية 2009.
- حصل على درع المركز الثقافي المصري وغيره من الدروع داخلياً وخارجياً.