حاوره/ أحمد عطاء / لا ميديا

الشعر الحقيقي هو الذي إن قرأته اهتزت روحك وانتشيت مخموراً، وتشعر أن ما تقرؤه يجري في أعماقك مجرى الدم.. والشاعر الحقيقي هو الذي يحافظ على مداه الأصيل ولغته وثقافته ودهشته وانحيازه إلى الوطن ضد أعدائه.. 
وفي ازدحام الشعراء في الساحة الثقافية اليمنية والثورة الشعرية الهائلة التي سخرت أقلامها لمقارعة العدوان الغاشم على الوطن، كان الشاعر عبدالقوي محب الدين قد سبق هذه الثورة بالفكر والمنطق والقضية اليمنية مناصراً المظلومين من أبناء الشعب، وقصائده ليست نصوصاً عادية لما تحملها من روح شاعرية 
حقيقية حد الإعجاز، فهو متصوف متشبع بالروح القرآنية والإنسانية والوجدان النبيل، يطير في أبياته إلى سماوات الدهشة ناهلاً من نهر الجبرتي وشلالات البردوني المتدفقة..
حينما تجلس معه تعرف مكنونه الجهادي، ولغته التي تسبق عينيه في اقتناص الصور
 المتطايرة وتجسيد المشهد وضراوة المعارك، وراسماً بكل اقتدار عظمة الصمود اليمني 
وقوة المقاتل اليمني الذي أدهش العالم بصرامته وبأسه الشديد..
لهذا كان لزاماً علينا التوقف أمام هذا الشاعر الجميل ضيفاً عزيزاً على الصحيفة..
• الشاعر الجميل عبدالقوي محب أهلاً بك في صحيفة "لا".
حياكم الله.

لم أبدأ بعد
• أنت من أسرة أدبية وعلمية كبيرة، منذ متى بدأت كتابة الشعر؟
بالنسبة لكتابة الشعر لم أبدأ بعد... وإن كنت تقصد النظم، فتأثري بالموسيقى الشعرية بدأ مبكراً. فقد تتلمذت على يد والدي رحمه الله سواء بالدواوين التي كانت في مكتبته أو بدراسة "المِلَح" والمتون مثل ملحة الإعراب ومتن الجزرية وغيرها... وأول منظومة لي كانت محاولة لنظم كتاب السيرة النبوية لسيدي الشهيد العلامة د. المرتضى بن زيد المحطوري، رضوان الله عليه.

• من أين تستمد روحك الشاعرية؟
من التوغل في تفاصيل اللحظة، الألم، القضية..

 • من هو الشاعر الذي أثر فيك؟
كان تأثري الأول بالمعري.. ثم تأثرت وما زلت بالبردوني.. وتأثرت بشعراء كثر من جيلي..

المشهد الثقافي فردي
 • ما هو رأيك في المشهد الثقافي اليوم؟
ظل المثقف اليمني لعقود يبحث عن قضية حقيقية.. وعندما وجدت القضية التي يفترض أن يجد ذاته فيها أو في جزء منها، بانت سوءات الكثيرين، وانكشفت حقيقتهم أنهم ليسوا سوى فراغات زائفة ونتوءات زائدة ومتطفلة على الجسد الثقافي اليمني.
بينما أعطت المرحلة بما تحمله من أعباء وجودية وإنسانية ووطنية للمثقف الحقيقي آفاقاً ليجد فيها نفسه، ويكون وجوده حاجة وضرورة.
ومن هنا يمكنك قراءة المشهد الثقافي اليمني الحقيقي.. مشهد فردي بامتياز. رغم غياب المؤسسات الثقافية -على كثرتها- إلا أن المثقف الحقيقي استطاع منفرداً أن يكون جزءاً من هذا المشهد، بل إن دور البعض يفوق دور مؤسسة ثقافية مكتملة.

غياب إجباري
 • أنت من الشعراء الكبار في المشهد الثقافي, لماذا تغيبت عن الساحة؟
حاولت بما أمتلك تقديم ولو الجزء اليسير سواء من كتابة شعرية أو من جمع بعض الأعمال الأدبية الخاصة بالمرحلة، ومنها ما خرج إلى النور، ومنها ما بقي في خانة الانتظار أو ربما النسيان.
أما عن تغيبي عن الساحة، ربما أخذتنا التزامات الحياة وضرورة البقاء إلى أعماقها. ولكن سأخلق ساحتي الخاصة في أعماق الأعماق حتى تجف الأعباء أو ينتشلنا الحظ أو نغرق معاً.

حرب كونية قذرة
 • ما الذي يشغل بال الشاعر عبدالقوي محب الدين؟
ما يشغل بال الملايين من حرب كونية قذرة.. وضرورة الانتصار.. بما يرافقهما من معاناة شعب بأكمله.. وكما قال البردوني:
(سـيـزيـف) نـــاء بـصـخـر واحــد وأنــا
 صــخــري جــــدارٌ حــديـديٌ وغــابـاتُ..!
 (الـسندباد) امـتطى ظـهر الـبحور، أنـا
 تأتي وتمضي على صدري المحيطاتُ...!

بين الضوء والعتمة
 • هناك ثورة شعرية هائلة واجهت العدوان، ولكن الضوء لم يكن إلا لشعراء بعدد الأصابع، ما تفسيرك لهذا؟
المشكلة عند من يقومون بتوجيه الضوء، وليست لدى الشاعر..
وغياب المؤسسات الثقافية جعل الكثير من الشعراء في الظل أو ربما في العتمة... وتولى تقديم (س) من الشعراء أشخاص لا علاقة لهم بالمشهد الثقافي إطلاقاً.
وكي لا نظلم بعض من سلط الضوء عليهم، فقد اشتغلوا على أنفسهم وعلى تجاربهم الشعرية، وأجبروا الأضواء على فتح أعينها لرؤيتهم.

النص يخلد الشاعر
 • ما هو الذي ينقص الشاعر للظهور؟
الشاعر الحقيقي لا يبحث عن الظهور، لأن ما بعد الظهور إلا الغياب... ولكن النص الشعري الصادق والمكتمل يرفعك كشاعر إلى الخلد.
أما الظهور الإعلامي إذا لم يكن مستحقاً فهو احتفاء لحظي، ولن يخلد في ذاكرة الناس وفي ذاكرة التاريخ إلا من أظهره كمال وصدق وجودة ما أنتجه فكرياً وأدبياً.

 • برأيك من هو الشاعر الذي يستحق لقب أفضل شاعر بالوطن؟
من الصعب تسمية شاعر ما بهذا اللقب، ولكن يمكن إطلاقه على "الذين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَذَكَرُواْ الله كَثِيراً وانتصروا مِن بَعْدِ مَا ظُلِمُواْ". وهم كل الشعراء الذين استشهدوا، وكتبوا قصائد الخلد بأحرفهم وأرواحهم..

 • ما هي القصيدة التي تجذب انتباهك؟
الصادقة.. وأصدق النصوص الشعرية هي نصوص الرثاء.. وأيضاً النصوص النبوية التي يذيب فيها الشاعر روحه في حضرة رسول الله (صلوات الله عليه وعلى آله)، فتشعر وأنت تقرؤها أن الشاعر استطاع أن يخترق كل الحجب الزمنية والمكانية، ووصل ساكباً آلامه وآماله بين يدي رسول الله.

ينفخ في القصيدة من روحه
 • ما الفرق بين الشاعر الحقيقي والشاعر المتصنع؟
كالفرق بين من يصنع سيارة تسير ومن يصنع سيارة بلاستيكية بدون محرك.
الشاعر الحقيقي يخلق الصورة والقصيدة، وينفخ فيها من روحه، فتخلد وتخلّد. أما المتصنع فيكتب ليقال.

 • ما هو آخر نص كتبته؟
يــا ربّ
وابتسمتْ لنا الأبوابُ...
وتذلّلتْ للطالب الأعتابُ..!
..
يــا ربّ
وانتفضتْ "متى" في داخلي...
وأنا يقينٌ في "متى" وجوابُ
..
والكون
-كلّ الكون-
 فيّ إرادةٌ...
والوعد ترسم صبحه الأسبابُ
..
يــا ربّ
والنصر المبين مشيئةٌ...
قُضيتْ 
وآياتي بها تنســــابُ
..
لكن وجه "النصر" في الدرب الذي
أسعى إلى تحقيقه
 خلاّبُ
..
وأخاف من نفسي على نفسي، 
ومن
دربٍ دخيلٍ حولها يرتابُ..!
..
وأخاف أن أحكي.. فيبتلع "الصدى"
صوتي
ويحجب ضفتيّ سرابُ
..
وأنا ابن هذا النهر
هل يُظمي فمي
تيهٌ
وشلالُ الهدى سكّابُ؟!
..
يــا ربّ بالمختار
والآل الإلى...
يــا ربّ
وانفتحت لنا الأبوابُ

التوق إلى العالم المثالي
 • من أين اكتسبت الروح الصوفية التي تطغى على قصائدك؟
ربما التوق إلى العالم المثالي الأصفى والأنقى، والهروب من الواقع المادي الكئيب. أو ربما تسربت إليّ وراثياً من جدنا القطب الصوفي السيد إسماعيل بن إبراهيم الجبرتي..

 •  متى يبكي الشاعر عبدالقوي محب الدين؟
بعيداً عن فلسفة الشاعر وقريباً من الحقيقة.. يبكي عبدالقوي عندما يكون عاجزاً، وتحاصره الأوجاع، فيسكب عينيه وروحه بين يدي الرحمن. ويستمد قلبه البهجة عندما يرسمها في وجه ابنته "زينب" وأمها.

شعر المواجهة
 •  "شعراء على منصات النفير" هذا الكتاب لاقى صدى كبيراً في الوسط الشعري اليمني، وأنت أحد معديه.. حدثنا عنه؟ 
كنا نعيش لحظات الزخم الشعري المواجه للعدوان، وأمام الكم الهائل من النصوص ومن الأسماء الشعرية، كان يسكننا هاجس التوثيق من قلب الحدث، فرأينا أنا وصديقي الشاعر وليد الحسام أن نقوم بجمع كل النصوص التي تنتجها المرحلة... كان هذا في بداية العدوان.. فجمعنا ما أمكن، وتمت طباعة الديوان الأول للجبهة الثقافية "فليقصفوا" عام 2015م، وبعد عامين تواصل بنا الأستاذ العلامة حمود الأهنومي، بخصوص إعداد كتاب عن الشعر المواجه للعدوان، مع شرح مبسط، فجاءت فكرة تقسيم الكتاب إلى عدة محاور استمدت من النصوص ذاتها.. كالدور الإلهي، ودور المرأة، والإعلام الشعري.. الخ.
لنكتشف أن المرحلة أنتجت شعراً جديداً لا يندرج ضمن الشعر الوطني أو القومي أو حتى المقاوم، بل يتجاوز إلى ما سميناه الشعر المواجه.. وعلى ضوئه تشكلت ملامح "شعراء على منصات النفير".

 • هل هناك سؤال غفلت عنه؟
لا.. ولكن لو قلت لي هل من سؤال تود طرحه أنت؟
سأجيبك: "لا" الصحيفة.. ما دلالة الهمزة التي في ترويستها؟

 •  كلمة أخيرة تود قولها؟
أشكر لكم هذه اللفتة.. وأشكرك أنت أخي الشاعر التهامي أنيق الروح أحمد عطاء.. وأسأل الله أن يبعث الروح في مؤسساتنا الثقافية، وأن يمن على شعبنا بالنصر والتمكين..