غازي المفلحي/ لا ميديا -

(البطاقة السلعية) و(الريال الإلكتروني) كانا من الحلول التي فكرت بها حكومة الإنقاذ ذات زمن بعيد، عندما كانت تفكر وتهتم بإيجاد حلول لأزمة الرواتب؛ الضائقة الأكبر بالنسبة لكثير من المواطنين. وبالرغم من أن آلية البطاقة التموينية عملت قرابة 3 أشهر فقط، إلا أنها توقفت منذ منتصف عام 2017 حتى اليوم، أي ما يقارب السنة والنصف، والريال الإلكتروني تم إعلان تدشينه وقرب انطلاقه في مارس 2018، إلا أنه لم ينطلق أبداً، هذه كانت آخر محاولات الحكومة وحلولها، التي فشلت، ولم يشاهد بعدها أحد حكومة الإنقاذ تتحرك أو تحاول أن تتحرك بذلك الاتجاه المنسي والمهمل على أهميته.

أزمة سيولة وفساد

لم تكلف حكومة الإنقاذ نفسها عناء تقديم تفسير رسمي لأسباب تعثر الآليتين، أو تقديم وعود بمحاولات جديدة، وكعادتها كما في مشاكل وأزمات أخرى وسط الحرب العدوانية هذه، التزمت الحكومة الصمت، وذهبت بعيداً في عزلتها تمارس أعمالاً لا تعني أي شيء لأي أحد، من اجتماعات شكلية وتدشينات وهمية.
تحدثت (لا) مع بعض المطلعين الذين أفادوا بأن لهذا التعثر جانبين رئيسين؛ الأول مرتبط بحرب دول العدوان على اليمن، الجانب الذي كان يمكن مواجهته وتخفيف أضراره وتجاوز بعض من معوقاته لو جرى العمل بكفاءة وطنية وقيادية وإدارية سليمة، أما الجانب الثاني فهو مرتبط بالتحرك الداخلي المختل من أغلب جوانبه.
فالبطاقة السلعية التي انطلقت وإن كانت مصحوبة بانتهاكات جريئة من قبل التجار الذين باعوا موادهم الغذائية بزيادة في قيمتها الأصلية تصل إلى 20% لكل من يشتري بواسطة تلك البطائق، إلا أن البطاقة السلعية توقفت بعد إطلاقها بأشهر قليلة، بسبب رئيسي حسب معلومات أكدها الأستاذ أحمد حجر، وكيل وزارة المالية لقطاع التخطيط، وهو عدم قدرة الحكومة على توفير سيولة من النقد المحلي والأجنبي أو جزء منها، لتسديد أموال التجار الذين تم الاتفاق معهم على آلية مزمنة للسداد، وهو ما حكم عليها بالفشل مبكراً، بسبب عدم قدرة الحكومة على البدء بسداد أجزاء من المبالغ، وهشاشة التخطيط والتنسيق لهذه الآلية، وبسبب انهيارات الريال اليمني المتلاحقة والمتوقعة، التي حاول التجار مواجهتها والاستعداد لها على حساب المواطن، بوضع أرباح كبيرة لبيع السلع التي ستسدد قيمتها بالآجل الذي قد تزيد مدته عن سنة، وكذلك بسبب استمرار الجفاف في الأوعية الإيرادية للدولة، وعدم قدرة الحكومة على توفير (الدولار) في المرحلة النهائية من أجل إعادة شراء المواد الغذائية والبضائع في الحركة الطبيعية للتجارة، لأنه تم بيع كميات كبيرة جداً بالآجل دون نقد، ثم لم يتوفر مال من قيمتها (رأس المال) لعملية إعادة شراء أخرى، ما أدى إلى امتناع التجار عن الاستمرار في هذا المشروع، بالإضافة إلى تهم الفساد الكثيرة التي تم توجيهها إلى هذه الآلية.

تقاعس حكومي
أما الريال الإلكتروني، فبالإضافة إلى مشكلة الحلقة الأخيرة من العملية، وهي عدم القدرة على توفير السيولة النقدية، فإن عدم إطلاقه -حسب معلومات- عائد إلى عدم وجود نية جادة من قبل الحكومة، وتقاعسها وفتورها في إتمام المهمة، ومنها العمل على حل أهم جوانب الإشكال فيها؛ الجوانب الفنية، كالخلاف بين البنوك ووزارة الاتصالات حول من 

يجب أن يتحكم بـ(السرفر) الرئيسي الذي يدير الآلية، ويضمن حمايتها من الاختراق والقرصنة، وأيضاً وزارة المالية في عدم وضع خطط منطقية صارمة في العمل والرقابة لتوفير سيولة.
وهذا العجز في إتمام المهتمين، وتجاوز العقبات التي تقف في طريقهما، بالإضافة لمشكلة (نقص الإرادة)، عائد بدوره لضربتين تلقاهما الاقتصاد المحلي اليمني البسيط، الأولى وجهها العدوان في حربه الاقتصادية على البلد، والثانية وجهتها الحكومة، بسبب سيرها منذ ما يقارب الثلاث سنوات على غير هدى، بدون رؤية منهجية وخطط متصلة ومزمنة وتنسيق بين جميع وزارات وهيئات الحكومة.

حرب العدوان الاقتصادية
حسب خبراء في مجال العملة الإلكترونية، فإنه لا يمكن أن تنجح البطاقة السلعية والريال الإلكتروني بدون أن يكون هناك ما يقابل قيمتهما نقداً حقيقياً، وعملية نجاحها ونجاح أية خطط مشابهة في الوقت الحالي يعتمد على القدرة على توفير هذا النقد، وهذا لا يتم إلا بأمرين، الأمر الأول يتمثل في تعديل سلوك ونوايا العدوان والمجتمع الدولي المتعاون معه، ومحاولة الضغط على المنظمات والعالم، ليضغط بدوره على دول العدوان لترفع الحصار أو حتى الجانب الاقتصادي منه، وتفتح ميناء الحديدة ومطار صنعاء، ويتم توحيد إيرادات جميع الموانئ اليمنية، وإيقاف حرب العدوان الاقتصادية على العملة اليمنية، والتعويل على هذا الأمر يعد سذاجة كبيرة، فالعدوان أصبح (احتلالاً) اغتصب مناطق الثروات النفطية اليمنية (الجوف، مأرب، شبوة، حضرموت، المهرة) والموانئ والممرات المائية المهمة كـ(باب المندب)، وحرم الشعب اليمني من إيراداتها وثرواتها، وأحد أهم أسلحته يتمثل في الحصار الشامل لإنهاك وتجويع أية مقاومة مادامت تقاوم.

مطلوب كفاءة تصرف
أما الأمر الثاني فهو الإدارة السليمة والمسؤولة لإيرادات جزء اليمن غير المحتل الذي انحصرت إيراداته بعد ضياع أهم الإيرادات (النفط والغاز) في فتات ليس بالكثير لإقامة عمود اقتصاد دولة كاملة، وليس بالقليل لتنهبه جهات الفساد ويضيع في أروقة الجبايات غير المنظمة، التي يصب كل منها في جهة أو جيب، مفتتة بدورها كما هي مواردها في كل زاوية واتجاه من مفاصل البلد، وهذا هو جانب الشأن الداخلي الذي لم تنجح عملية إدارته وتسييره كما يجب، فثلاثة أعوام من عمر الحكومة كانت لتحقق كثيراً من النجاحات والاختراقات في جدار الحصار العدواني لو كانت هناك رؤية منهجية مسؤولة غير مشتتة، فمن خلال النظر لوضع اليمن الآن فلا شك أن الأولوية بالتأكيد يجب أن تكون لشؤون الدفاع عن الوطن في مواجهة العدوان الذي لا يهدد فقط حاضر اليمن، بل ومستقبلها لسنين وحقب طويلة، وأن ما يتبقى هو ما يمكن صرفه كرواتب وفي مصارف واحتياجات مشابهة، لكن ولكي تتوفر موارد كافية لصرف مرتبات الموظفين، الأمر الضروري الذي لا يجب تجاهله، ولتحسين حال البلد بقدر الممكن، يجب على الحكومة أن تتحرك بكفاءة في التصرف والوصول الى ما تبقى من إيرادات، وتنظيم جمعها، وتوحيد مصباتها في أوعية إيرادية تابعة للبنك المركزي، تدار باقتدار وحسب خطط قريبة ومتوسطة المدى، وتحت رقابة، وأن تبقى بعيدة عن أيدي العابثين، حتى تسهم في علاج حالة الشلل الاقتصادي والمالي، والعجز حتى عن توفير نصف راتب شهرياً بشكل نقد أو سلع، بالإضافة الى كبح أوجه الفساد الكثيرة، والنهوض بعمل مؤسسي استثنائي وطني يعي صعوبة وخطورة التراخي في مثل هكذا وضع داخلي وخارجي خطير.