أحمد الشريفي / لا ميديا -

جبهة أخرى يواجهها اليمنيون، مسرحها شوارع المدن الرئيسية في أمانة العاصمة 
وبقية المحافظات، ضحاياها بالآلاف. إنها معركة مع الكلاب الضالة التي انتشرت بشكل ملفت وبدأت برسم مشهد  مقلق وقاتل في كل الحارات، وأصبح السكان في رعب، خصوصاً أثناء الليل وحتى الفترات الأولى من الصباح.
الذاهبون لصلاة الفجر ينتابهم الخوف، فلقد تعرض عديد منهم لعدوان الكلاب الضالة، والمتأخرون عن منازلهم يحملون الهراوات والسلاح الأبيض خشية أن تطالهم أنياب تلك الكلاب المتحكمة في مداخل ومخارج الحارات، بعضها مصاب بالسعار، داء الكلب. 
في عيادة داء الكلب بالمستشفى الجمهوري التقينا المصاب قاسم سالم (32 عاماً) أحد النازحين القادمين من الحديدة. قال للصحيفة: "لي فترة أبحث عن عمل، وعندما ابتسم لي الحظ قالوا لي أروح أقابل مدير مصنع البلاستيك في مذبح، وأنا قريب من المصنع عضني الكلب في القدم".
الأطفال هم الضحايا الأبرز. حميد عبده الوهاب السنحاني (9 أعوام) يقول إنه تعرض للعض في القدم، قبل أسبوعين، وذلك في قاع الحقل بذمار بعد الفجر، وقد تم إعطاؤه حقنة واحدة حتى اللحظة...
يحيي حسين المطري (55 عاماً) تعرضت قدمه اليسرى للعض أثناء الليل في حارة سبأ، أمام النقل البري، حد وصفه.
المضحك المبكي أن الأخ عبد الواحد الحداد (42 عاماً) يقول: "أنا ضمن فريق التطعيم ضد داء الحصبة. وعند العاشرة صباحاً قام الكلب بتطعيمي! (ثم يضحك)، وأنا الآن في العيادة كما ترى، منتظر دوري في الطابور".
في يوم الخميس الماضي وأثناء الظهيرة، يقول أحمد الحبابي (29 عاماً)، "عندما رجعت من السوق إلى البيت في مسيك، ما سمعت غير القحصة، ما دريت أنا دعست ذيله وإلا هو من نفسه عضني".
أما مالك عبدالله الحارثي، من أبناء منطقة شعوب، فيروي طريقة انقضاض الكلب عليه بالقول: "أنا رايح الظهر أجيب أغراض وفجأة ما دريت إلا والكلب قفز وعضني بدون أن ألحظ اقترابه مني والآن أنا في المستشفى ومنتظر ايش بايقول لي الدكتور".

إحصائيات 
يكشف الدكتور أحمد الورد، مدير مكافحة داء الكلب في وزارة الصحة والسكان، لصحيفة (لا) عن إحصائيات داء الكلب بالقول:
"ازدادت مشكلة داء الكلب بشكل كبير هذه الأيام. فعدد الذين تعرضوا للعض في عام 2018 بلغ 13541 شخصاً والوفيات 52 حالة وفاة وهذا رقم مخيف جداً".
من جانبه تحدث الدكتور عبده غراب، مدير مركز مكافحة داء الكلب بهيئة المستشفى الجمهوري بصنعاء، لصحيفة (لا)، عن عدد الإصابات والضحايا قائلاً إن "الحالات كثيرة ونستقبل باليوم حوالي 30 إلى 40 حالة، وعدد المصابين الذين ظهرت عليهم الأعراض وتوفوا خلال شهري يناير وفبراير 2019م تسعة. أما فيما يتعلق بعدد الحالات التي استقبلها المركز في العام الماضي 2018م فكانت 4214 حالة منها 17 حالة وفاة".
وحرصا من صحيفة "لا"، على معرفة آراء الشارع حول ظاهرة انتشار الكلاب الضالة ومخاطرها على الجميع، أجرت الصحيفة استطلاعاًً على عينة من القاطنين في أمانة العاصمة والذين أكدوا أن انتشار الكلاب الضالة أصبح ظاهرة ومشكلة ولا بد من إيجاد الحلول العملية لها وعلى الجهات المعنية القيام بحملة للقضاء على هذه الكلاب.
علي المريسي، أحد ساكني حارة القادسية بالأمانة، قال: "أصبحت الكلاب ظاهرة مخيفة، لم نعد نأمن على خروج أطفالنا للعب في الشوارع كما كان في السابق مخافة أن تعضهم الكلاب وتكون مسعورة".
ويرى هلال أحمد علي (بيت معياد) أن الخروج لصلاة الفجر أصبح محفوفاً بالمخاطر "وأنا لا أخاطر بالخروج قبل أن أتأكد من أن هناك آخرين في الشارع ذاهبين للمسجد، خوفاً من أن تهاجمني الكلاب وهي كثيرة، ونأمل أن تقوم الجهات المختصة بمسؤوليتها في القضاء على هذا الخطر".
سليم علي غازي (دار سلم) تحدث للصحيفة مختزلاً الظاهرة بطرفة حيث قال: "لم نعد ندري من هم الساكنين في الحارة نحن أم الكلاب!".
أما مصلح العامري فيرى أن عودته من عمله متأخراً تمثل مغامرة "خصوصاً إذا لم أكن أحمل عصا أو قطعة حديد فستهاجمني الكلاب وهي كثيرة جداً". ويضيف العامري: "أحد الأسباب الرئيسية أحياناً في تأجيل ما تبقى من العمل للصباح التفكير في كيفية مواجهة الكلاب أثناء العودة ليلاً".
أما خالد النمر فوجهة نظره تختلف عن الآخرين إذ يقول: "ربما الكلاب تكون ذات جدوى فهي تمنع السرقات في الحارات خصوصاً إذا كان السارق من غير قاطني الحارة".
ويرى مجيب قداح (الأصبحي) أن الكلاب ناقلة للأمراض وتسبب انتشار الأوبئة خصوصاً إذا كانت هناك قمامة متكدسة في الشوارع فهي تجلب الكلاب، معتبراً انتشارها بشكل مهول كارثة وبالذات على الأطفال أو كبار السن الذين هم أقل الناس استطاعة في الدفاع عن أنفسهم، كما أن إصابتهم تكون قاتلة كون المناعة لديهم ليست كما هي لدى الشباب.

مآسٍ
قد لا تكون عضة الكلب وحدها هي المأساة، وإنما التخلص من السعار وعلاجه هي رحلة من المآسي الحقيقية التي يعاني منها المصابون، خصوصاً مع ارتفاع تكلفة الحقن الخاصة بعلاج السعار، فقد يصل سعر الحقنة الواحدة إلى 5000 ريال، وهو مبلغ أغلب المصابين لا يستطيعون دفعه، إذ تقدر تكلفة الجرعة المحددة بـ5 حقن، أي بسعر  25 ألف ريال، وللحقن ملحقات بقيمة 7 آلاف ريال، بالإضافة إلى التكاليف الأخرى. 
 أحد الجراحين رفض الكشف عن اسمه أوضح للصحيفة أن "الكثير ممن يصابون بداء الكلب عاجزون عن دفع تكاليف العلاج فيطلبون منا أن نضع لهم مادة اليود فقط، ثم يعودون إلى منازلهم وبين أطفالهم، وهو ما يشكل خطورة عليهم بانتقال الداء إلى أفراد الأسرة. وتعاني أغلب المراكز الخاصة بعلاج سعار داء الكلب في الجمهورية من نقص حاد في الحقن العلاجية لداء الكلب مقارنة بأعداد المصابين".

تعريف داء الكلب
داء الكلب هو مرض فيروسي يسبب التهاباً حاداً في الدماغ ويصيب الحيوانات ذات الدم الحار، وهو مرض حيواني المنشأ أي أنه ينتقل من فصيلة إلى أخرى، من الكلاب إلى الإنسان مثلاً، وينتقل غالبا عن طريق عضة من الحيوان المصاب. 
يصيب الجهاز العصبي المركزي مما يؤدي إلى إصابة الدماغ بالمرض ثم الوفاة. 
من أعراضه الشعور بالضيق، الصداع، الحمى التي تتزايد لتتحول إلى ألم حاد، تشنجات عنيفة، وتهيج لا إرادي واكتئاب، ورهاب الماء، وينتاب المريض في النهاية نوبات من الجنون والخمول مما يؤدي إلى غيبوبة، وعادة ما يكون السبب الرئيسي للوفاة هو قصور التنفس...

تاريخ ظهوره
سبب تسمية داء الكلب جاء بداية من المصطلح rabies المشتق من اللاتينية ويعني الجنون، واشتق الاغريق اليونانيون مصطلح lyssa من كلمة لود وتعني العنف، وقد استخدم أصل هذه الكلمة في تسمية جنس الفيروس المسبب للسعار أو داء الكلب ليزا فايروس lyssa virus.
ولاحتمالية طبيعته العدوانية، عرف السعار (داء الكلب) منذ حوالي 2000 سنة قبل الميلاد، وتعود أول التقارير المدونة عن مرض السعار إلى حوالي عام 1930 قبل الميلاد وقد تضمنتها مخطوطات اشتونة ببلاد الرافدين، ونصها: "على مالك أي كلب تظهر عليه أعراض السعار أن يتخذ تدابير وقائية ضد عضات الكلب، إذا عض الكلب المصاب بالسعار شخصاً آخر وتوفي ذلك الشخص نتيجة ذلك، يتم تغريم صاحب الكلب بشدة". وقد اعتبروا داء الكلب كجلاد لشدة انتشاره في القرن الـ19 الميلادي.