بشرى الغيلي/ لا ميديا

أخرجت روشتة علاجها التي هي عبارة عن وصفتين يبلغ ثمنهما 100 ألف ريال، تحكي بوجعٍ وغصة عن عدم قدرتها على شراء الدواء الباهظ الثمن.. هناء عقلان (أم لثلاثة أطفال ـ من محافظة إب)، أظهر التشخيص أنها مصابة بورمٍ سرطاني خبيثٍ في الرحم، تعاني منه منذ 3 سنوات، وتتنقل بين المشافي الحكومية والخاصة دون جدوى، تحدثت لصحيفة (لا): من أين آتي بهذا الدواء الغالي؟ وضعي المادي يعلمه الله، شهر وأنا أبحث عن الدواء، ولم أستطع الحصول عليه.. ما يقلق هناء أن ينتشر المرض في بقية جسدها بسبب تأخر حصولها على العلاج في وقت مبكر. ومثل هناء عقلان، هناك الكثير ممن يدفعون فاتورة العدوان والحصار الباهظة الثمن من أعمارهم.
وزيارة واحدة للمركز الوطني لعلاج الأورام بصنعاء، كفيلة بتبيان مدى الضغط الكبير الذي يعانيه جراء تزايد أعداد حالات الإصابة بمرض السرطان التي ترتاد المركز.. فما هي أسباب تزايد حالات الإصابة بالسرطان خلال السنوات الأخيرة؟ وهل للعدوان الأمريكي ـ السعودي وما يستخدمه من أسلحة ـ خاصة في الأماكن التي تعرضت للقصف مباشرة بالصواريخ، أو القنابل المحرمة دولياً ـ دور في زيادة انتشار السرطان؟ 

إصابات جديدة أثناء العدوان
توكل الأخرم (5 سنوات ـ من محافظة حجة) تعاني من ورمٍ خبيث في البطن منذ 6 أشهر، يقول والدها: بدأت حالة الإصابة لديها على شكل تكسرات في الدم، وكنا نعطيها حوالي (قربتي) دم في الشهر في أحد مشافي مدينة حجة، وبعدها قرر الطبيب المعالج أن يأخذ عينة من العمود الفقري (النخاع العظمي)، فكانت نتيجة الفحص أنها مصابة بورم خبيث في البطن، وتم تحويلها إلى مركز الأورام بصنعاء منذ 3 أشهر والحمد لله هناك تحسن في حالتها.
ومن نفس المحافظة، التقينـــــا منصــــــور اليوسـي (مديريـــة كشر)، الذي أصيب منذ 5 أشهر بورم في البلعوم، لم يستطع معه ابتلاع الطعام والشراب، وبعد أن ساءت حالته أكثر تم إسعافه للمركز الوطني للأورام، وهناك تم تشخيصه بأنه ورم خبيث.
أفراح علي المنصور (محافظة الحديدة)، هي الأخرى مصابة منذ 5 أشهر أيضاً بورم خبيث في المستقيم والكبد.
ومن الحديدة أيضاً فوزية أحمد إبراهيم (13 عاماً ـ وادي مور) مصابة بورم خبيث في الرأس، تقول والدتها: بدأت حالتها كصداعٍ ونزيف من الأنف، فأسعفتها إلى أحد مشافي مدينة الحديدة، ليتم تشخيص مرضها بأنه ورم خبيث، وقاموا بتحويلها إلى المركز الوطني للأورام للعلاج.. فوزية فقدت السمع، ولا تسمع من يحدثها إلا بإشارةٍ من والدتها التي ترافقها بالمركز.
خناش عبدالله معوضة (باجل ـ محافظة الحديدة) أخرج بطاقته من جيبه لنتعرف على اسمه من خلالها، فهو غير قادر على الكلام، حيث يعاني من الإصابة بورم خبيث في فمه.
أما محمد توفيق (8 سنوات ـ محافظة صنعاء) فهو يعاني من ورم خبيث في البطن يقول والده: منذ حوالي 10 أشهر بدأ بطن ابني محمد ينتفخ، ذهبنا به إلى المشفى لإجراء فحوصات للديدان، إلا أن الفحوصات لم تبين شيئاً، فلجأنا إلى إخضاعه للأشعة المقطعية التي أظهرت أنه مصاب بورم في البطن، وبعد الفحص الزراعي تبيّن أنه ورم خبيث.
تالين بلال (سنة ونصف ـ محافظة إب) تقول والدتها: أول ما بدأت الحالة ذهبنا بتالين (لمجبر الكسور) ظناً منا أنها تعاني من شيء في أضلاعها، ثم أخذناها لمستشفى، وعملوا لها عملية فحدث لها نزيف داخلي نتيجة تشخيص طبي خاطئ. وتضيف أم تالين بحسرة: الطبيب (فقش) الورم، ولم يعرف أنه ورم خبيث، ثم اعتذر لنا، وبعد الفحوصات تبين لنا أنه ورم سرطاني يبعد 8سم عن الأمعاء.

إصابات في مناطق تعرضت للغارات
عبدالخالق محمد البحري (13 عاماً ـ أمانة العاصمة) يقطن مع أسرته في منطقة سعوان بالقرب من جبل نقم الذي استهدفه طيران العدوان الأمريكي ـ السعودي، تقول والدته: منذ عام بدأ يعاني من ورمٍ في الحوض، بدأت كحبةٍ صغيرة ثم أخذت تكبر مع الأيام لدرجة أنه لم يعد يستطيع المشي، مضيفة: نسمع عن إصاباتٍ كثيرة مماثلة في نفس المنطقة، البعض يرجح أنها لذات السبب.
وفي ذات السياق، يؤكد أمين عبدالله الصوفي (بني يوسف ـ المواسط ـ محافظة تعز) الذي يعاني من ورم سرطاني تحت عينه اليسرى منذ حوالي شهر فقط، يؤكد ظهور حالات إصابة بالسرطان في قريته التي تعرضت لغارات العدوان، حيث يقول: أقيم في منطقة تعرضت للقصف، قريبة من الصلو ودمنة خدير، وقد ظهرت في قريتي 7 حالات سرطان لنساء ورجال، وجميع من في المنطقة شكوكهم تتزايد في ارتفاع عدد الحالات نتيجة الأسلحة المستخدمة في الحرب.

الحاجة إلى بحوث ودراسات ميدانية
خلال زيارتنا للمركز الوطني للأورام بصنعاء، لاحظنا أن العديد ممن يرتادون المركز للعلاج أصيبوا بالمرض أثناء فترة العدوان، كما أنهم ينحدرون من مناطق تعرضت لغارات العدوان كمحافظتي الحديدة، وحجة، وغيرهما من المناطق، فهل هناك علاقة بين انتشار حالات السرطان والأسلحة التي يستخدمها تحالف العدوان في غاراته على المناطق السكنية؟
يشير حميد اليادعي (رئيس رابطة مرضى السرطان وأحد ضحايا الأورام الخبيثة) إلى أن العدوان فاقم من مرضى السرطان سواء بسبب الصواريخ أو نقص الأدوية جراء الحصار المفروض على البلد، حيث يقول: منذ عام 2015 وحتى عام 2018 تزايدت حالات الإصابة بمرض السرطان بصورة مهولة، حيث ارتفعت نسبة الحالات إلى ما بين 40 و50% عما كانت عليه قبل 2015م.
غير أن محمد المحفدي (المسؤول الإعلامي بالمركز الوطني للأورام بصنعاء)، يؤكد أن لا أحد يستطيع أن يفيد في أسباب زيادة حالات السرطان غير المختصين، حيث يقول: (نحتاج إلى مختصين ومراكز أبحاث متخصصة لتفتي في هذا الأمر، ولا بد من إجراء بحوث ودراسات ميدانية للتأكد ما إذا كانت هذه الزيادات سببها الإشعاعات أم لا).
ويؤيده في هذا الطرح المهندس زايد عبدالله (أمين عام اللجنة الوطنية للطاقة الذرية) الذي قال في حديثه مع (لا): لا توجد حالياً دراسة ميدانية وبيانات من الميدان تبين علاقة ازدياد الحالات بآثار الحرب، فالمفترض أن تقوم وزارة الصحة بإجراء دراسات ميدانية في المناطق المشتبه بها، أو المتوقع أنها تأثرت بالقصف، وأن تُشكّل لجنة علمية متخصصة من وزارة الصحة لدارسة وتقييم حالات المرضى، وللتأكد إذا كان هناك ارتباط بين زيادة الحالات وبين آثار الأسلحة المستخدمة، والاستعانة بمنظمة الصحة العالمية، والمنظمات المعنية في هذا المجال.

35 ألف حالة سنوياً
بغض النظر عن الأسباب، فإن هناك تزايداً في عدد حالات الإصابة بمرض السرطان أثناء فترة العدوان، وهو ما يؤكده تقرير منظمة الصحة العالمية الذي يشير إلى أن هناك ألف مصاب لكل مليون نسمة، وأورد التقرير إحصائية قدرت عدد حالات الإصابة بالسرطان في اليمن ما يقارب 35 ألف حالة سنوياً، بسبب أوضاع الحرب، وبسبب سوء التغذية، وقصف الصواريخ والقنابل العنقودية، مما ضاعفها للأكثر.
وفي إحصائية للمركز الوطني للأورام عام 2013، فإن عدد المرضى كان يصل إلى 4939 مصاباً بالسرطان (2444 ذكوراً و2495 إناثاً)، بينما في العام الحالي أصبح المركز يستقبل ما بين 300 و400 مريض يومياً، كما أنه يقوم بتسجيل ما بين 400 و450 حالة جديدة خلال الشهر الواحد فقط، وهي حالات جديدة تضاف للحالات السابقة التي تتردد على المركز.

الحصار يفاقم معاناة مرضى السرطان
العدوان أثّر كثيراً في تفاقم حالات الإصابة بالسرطان، ومضاعفة معاناة المرضى، إن لم يكن بسبب القصف، فجراء الحصار الذي يفرضه على اليمن، حيث يقول محمد المحفدي: نؤكد فعلاً أن العدوان أثر في تأخر علاج الحالات، وعدم تمكنها من السفر قبل تفاقمها بسبب إغلاق مطار صنعاء، إضافة إلى أن هناك عجزاً كبيراً في توفير الأدوية لعدة أسباب أبرزها الحصار، وعزوف الكثير من شركات الأدوية عن استيراد هذه الأدوية، الأمر الذي سبب انتكاسة للكثير من الحالات.
وهو ما يؤيده حميد اليادعي بقوله: مرضى السرطان يمرون بظروفٍ صعبة في ظل العدوان، كما أن إغلاق المنافذ والحصار أثر كثيراً على عدم دخول الأدوية، إضافة إلى أن أسعارها باهظة جداً، وكل هذا ضاعف من معاناة مرضى السرطان.
ويضيف: قبل هذا الوضع كان المريض يأتي إلى المركز الوطني للسرطان، ويجد الدواء بكل سهولة ويسر، ولكن حالياً للأسف تعقدت وسيلة العلاج أكثر للمركز وللمرضى.
الكثير من مرضى السرطان يكابدون صنوفاً من المعاناة في سبيل الحصول على ما يخفف من آلامهم، فمنصور اليوسي يشير إلى أن عدم توفر الدواء بسبب الحصار المفروض على بلادنا وشعبنا، ضاعف من تدهور حالته الصحية، خاصة أنه معدم، وحالته المادية متعبة.
خناش معوضة، هو الآخر، أحد ضحايا الحصار، حيث إن الورم الذي أصابه في فمه، كان قد تم استئصاله في فترة سابقة، إلا أنه عاوده مرة أخرى بعد شهرٍ ونصف، والسبب تأخر وصول الدواء في موعده.
أما أفراح المنصور فتقول إن صعوبة وضعها كنازحة، وغلاء المعيشة، وعدم قدرتها على شراء الأدوية، ضاعف من حالتها المرضية.
أمين الصوفي تحدث عن معاناته في العلاج بالقول: العلاج في تعز أصبح الحصول عليه صعباً جداً، وانعدام الأمان سبّب صعوبة التحرك للعلاج، ففضلت السفر إلى صنعاء للعلاج.
علي هادي زايد (عبس ـ محافظة حجة) يشير إلى أن طفله الذي لم يتجاوز الــ10 أعوام، يعاني من ورم سرطاني كان قد تم استئصاله وتعافى بعدها، غير أن الورم عاد من جديد عام 2018.
يقــــول زايــــد: العـــــدوان والحصار ضاعفا من معاناة المرضى، والفرق بين 2012 و2018 يتمثل في صعوبة الحصول على الأدوية، وإن وجدت فأسعارها باهظة ومكلفة، وكذلك صعوبة المواصلات والسفر والتنقل بين المحافظات.
وعن تأثير صعوبات التنقل والسفر على مرضى السرطان، يقول المسؤول الإعلامي بالمركز الوطني للأورام بصنعاء: إن معاناة مرضى السرطان وتنقلهم للسفر سواء بين المحافظات أو تأخر سفرهم للخارج عبر سيئون، أو عدن، نظراً لطول المسافة، وحالة المريض المتعبة، يؤدي ذلك غالباً إلى الوفاة في ظل إغلاق مطار صنعاء الدولي.
ويختتم المحفدي: كثير من المنظمات التي تنادي بالشعارات الإنسانية، ونسمع أصواتها هنا وهناك، لم نسمع عن إنسانيتها في ما يخص فتح مطار صنعاء الذي يقدم خدماته لأكثر من 14 مليون مواطن، ونناشد الجميع أن يفكروا بإنسانية لفك الحصار عن مطار صنعاء وفتحه للجوانب الإنسانية وتخفيف معاناة المرضى.

منعطف
من خلال التحقيق الذي قمنا به لحالات مرضى السرطان، والاطلاع عن قرب،  لاحظنا أن العديد من نزلاء المركز الوطني للأورام أتوا من مناطق تعرضت لغارات العدوان كمحافظتي الحديدة وحجة وغيرهما، وكان ذلك بشكل ملفت، إضافة إلى أن عديد الحالات كانت إصابتها بالمرض أثناء فترة العدوان، وهو ما يشير إلى احتمال وجود علاقة بين انتشار السرطان ونوعية الأسلحة التي يستخدمها تحالف العدوان في غاراته على المدنيين، إلا أن إثبات ذلك يتطلب إجراء دراسات وبحوث ميدانية من قبل مختصين ومراكز متخصصة لمعرفة تأثير إشعاعات الأسلحة وعلاقتها بزيادة انتشار الأورام.
غير أن الشيء المؤكد هو أن العدوان بما يفرضه من حصار، يعد سبباً رئيسياً في تفاقم معاناة مرضى السرطان، فإذا كان الصاروخ يقتل 100، فإن الحصار وإغلاق المنافذ والمطار، وانعدام الدواء، يقتل مئات الآلاف.