تعيين موقوف سابق على رأس الدبلوماسية السعودية، وإبعاد وزيري الإعلام والحرس الوطني، ونقل رئيس الهيئة الرياضية المقرب من ولي العهد السعودي محمد بن سلمان. تلك جملة من التغييرات جاءت في نهاية عام (صعب) للمملكة، شهدت في أشهره الأخيرة أكبر أزمة في تاريخها الحديث، عقب مقتل الصحفي جمال خاشقجي.
المحلل المصري مختار غباشي، نائب رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والاستراتيجية، يقول بحسب وكالات: (كلمة السر في هذه التغييرات التي تأتي في نهاية العام هي جمال خاشقجي).
ويضيف: (إدارة المملكة لهذا الملف بدرجة أو أخرى لم تكن مرضية، ولأجل ذلك نقل وزير الخارجية إلى وزير دولة معناه لا رضا عن هذا الأداء في هذه القضية تحديدا).
ويتابع: (هذه القضية خلقت ضغوطا على السعودية من الجانب الأمريكي الذي صارت علاقة مؤسساته بالمملكة تكاد تكون متوترة للغاية، فكان لازما إجراء هذه التغييرات).
ويمضي قائلاً: (وزير الحرس الوطني أو وزير الخارجية لهم دور كبير في ملف خاشقجي، وتركي آل الشيخ كان محل جدل في إدارته لملف الرياضة).
ونقلت وكالة أنباء الأناضول عن المحلل البارز في الشأن الخليجي عبد الله باعبود، قوله إن التغييرات السعودية تحمل تطمينات للرأي العام وللاستهلاك الداخلي، وترضية للعائلة المالكة، خاصة بعد أزمة المملكة الأخيرة.
وحول دلالة وصول (العساف) إلى منصب وزير الخارجية بديلاً عن (الجبير)، يضيف باعبود: (العساف رجل اقتصادي، ومهم أن تقول السعودية إنها عفت عنه بعد إثبات براءته، وهذا التغيير أتوقع أن له علاقة بجلب الاستثمار للمملكة، خاصة وأنه مسؤول يتحدث بلغة المستثمرين).
ويتوقع باعبود، الأستاذ الزائر بجامعة حمد بن خليفة، أن ما حدث مع (الجبير) متعلق بأزمة المملكة الأخيرة، وعدم القدرة على حماية بن سلمان، أو أن يتفرغ للتحدث باسم الوزارة، أو المملكة.
ومتطرقا إلى إعادة تشكيل المجلس الأمني والاقتصادي برئاسة ولي العهد، توقع باعبود أنه لن يحمل تغييرا في السياسات، ولا في الوجوه، في ظل السعي من وقت إلى آخر لتمكين محمد بن سلمان.
وتجري العائلة الحاكمة في السعودية، بين الحين والآخر، تغييرات واسعة قد توهم، في أول سماعها، بوقوع انقلاب أبيض. حمى التغييرات الواسعة، وعلى حين غرة، كانت من مزايا العهد السلماني (إشارة إلى سلمان بن عبد العزيز الذي تسلم دفة الحكم في مستهل عام 2015)، فما هي دوافع هذه التغييرات الواسعة والمباغتة والمتكررة في العهد السلماني؟ 
سلمان بن عبد العزيز تولى عرش بني سعود في مخاض إقليمي صعب كانت فيه السعودية محاصرة بثورات الربيع العربي وصعود الأحزاب الإسلامية إلى الحكم بشكل دفع السعودية إلى موقف المنفعل والعمل على قيادة ثورات مضادة، وهي ترى أن حليفها في مصر يسقط، ورجلها في اليمن يسقط، والبحرين تعصف بها تظاهرات شعبية ومطالب بالإصلاحات السياسية والاجتماعية.
وكان أول قرارات العهد السلماني إعلان الحرب على اليمن، لإعادة الرئيس الهارب أو المستقيل عبد ربه منصور هادي إلى الحكم في صنعاء، وتأمين حدود السعودية مع اليمن وحصر أنصار الله في ثلاث محافظات هي صعدة وحجة وعمران. وكان الادعاء الأكبر للمهاجم السعودي هو عدم السماح لإيران بالسيطرة على اليمن. وكان هذا القرار هو الأكثر تأثيرا على السعودية واقتصادها وسمعتها الدولية.
العاهل السعودي تحرك، الخميس، لتعزيز ولده وولي عهده واحتواء التداعيات السياسية بعد مقتل الصحفي المعارض جمال خاشقجي، فرقّى حلفاء ولي العهد وأحاطه بمستشارين ذوي خبرة.
وفي سلسلة من المراسيم الملكية، رقّى العاهل السعودي، البالغ من العمر 82 عاماً، مساعدين موثوقين لولي العهد محمد بن سلمان، الذين قالت الاستخبارات الأمريكية إنه من المرجح أن يكون قد أمر بالقتل، بينما قالت الحكومة السعودية إن الأمير لم يكن متورطاً.
وعين الملك سلمان الأمير عبد الله بن بندر، الذي يعتبر مقرباً من ولي العهد البالغ من العمر 33 عاماً، ليرأس الحرس الوطني السعودي، وهو أحد أعمدة قوات الأمن في البلاد.
وفي الوقت نفسه، عيّن الملك مسؤولين سعوديين مخضرمين للقيام بأدوار محورية في صناعة القرار في المملكة، واستبدل وزير الخارجية عادل الجبير ليحل محله وزير المالية السابق إبراهيم العساف الذي يرأس مجلس إدارة شركة النفط السعودية المملوكة للدولة (أرامكو).
كما عين الملك سلمان، الذي قام بدور أكثر فاعلية في الحكومة منذ اغتيال خاشقجي، مستشاراً جديدًا للأمن الوطني، وهو مساعد العيبان، وهو تكنوقراط مخضرم في الخدمة ركز على الأمن والسياسة الخارجية، وقد جذب مزيداً من الاهتمام منذ مقتل خاشقجي.
وتظهر التحركات أن النظام الملكي السعودي يحتشد خلف ولي العهد على الرغم من الانتقادات الدولية الواسعة النطاق التي أعقبت مقتل خاشقجي.
كما تشير ترقية كل من (العساف) و(العيبان) إلى رغبة الملك في إحاطة نجله بمستشارين ذوي خبرة بعد سلسلة من الأحداث هزت تحالفات المملكة مع الولايات المتحدة ودول أخرى.
وقالت بيكا واسر، وهي محللة سياسية متخصصة في شؤون الشرق الأوسط في مؤسسة (راند): (على السطح يبدو أن الكثير قد تغير، لكن هذه التحركات إلى حد كبير هي مجرد ترتيب جديد جذاب في فاترينة محل، وما زالت قبضة محمد بن سلمان على السلطة قوية، ولا يتطلع الملك سلمان إلى تقويض سلطة نجله، بل يعززها بإحاطته بمستشارين من الجيل القديم).