بشرى الغيلي/ لا ميديا
مواطنون دونما وطن. مطاردون كالعصافير على خرائط الزمن، وموتى دونما كفن. يتجسّد ذلك فيما يحدث للمسافرين القادمين من صنعاء والمحافظات الشمالية أثناء عبورهم النقاط الأمنية، أو ما يسمى بالحزام الأمني الذي يديره الاحتلال الإماراتي، وما يحدث من تعسفاتٍ وابتزازٍ للركاب، وتفتيشهم بصورة مستفزة، والتعامل معهم كأنهم مجرمون، حسبما وصف معتصم (35 عاماً) حالة مرضية استدعى سفرها للخارج: (أسعفنا شقيقي الذي يعاني من ورمٍ خبيث، واضطرتنا حالته أن نسافر به براً نظراً لحظر الرحلات المدنية في مطار صنعاء، وكنّا من ضمن الموعودين بالسفر على متن طائرة الأمم المتحدة التي تكفلت بنقل المرضى والجرحى بالتنسيق مع وزارة الصحة، وحين فقدنا الأمل غامرنا براً، لأن حالته كانت حرجة، ورغم وضعه الصحي السيئ لم يشفع لنا ذلك عند النقاط الأمنية، فأوقفونا أكثر من مرة بحجة أننا مشبوهون ونقوم بنشاطٍ استخباراتي.. توسلناهم بأن يسمحوا لنا لنصل في الوقت المحدد قبل أن تفوتنا الرحلة إلى الهند، ولم تجد توسلاتنا. ومع ذلك فارق شقيقي الحياة قبل أن نصل إلى عدن، وعدنا به محمولاً على الأكتاف). . مثل حالة شقيق معتصم الكثير مما يعانيه المسافرون. (لا) ناقشت ذلك مع من تعرضوا لتلك الانتهاكات أثناء مرورهم بالنقاط الأمنية التي أدت إلى منعهم وحرمانهم من السفر لأسبابٍ سنعرفها في السياق التالي.
الحزام المفخخ
ما إن يصل المسافر القادم من صنعاء والمحافظات الشمالية إلى النقاط التابعة لما يسمى بالحزام الأمني الذي تديره قوات أمنية يشرف عليها الاحتلال الإماراتي وتتلقى توجيهاتها من داخل الإمارات، يتم التعامل معهم بطرق استفزازية ولا إنسانية. يقول عبدالكافي (37 عاماً): (وصلنا أول نقطة أمنية تم تفتيشي وجميع ركاب الحافلة بطرق استفزازية لحقائبنا وأجهزتنا الخاصة، وفي النقطة الواحدة يأخذ الوقت أكثر من 30 دقيقة، في أكثر من 10 نقاط، مما يضاعف ساعات السفر وتكون الرحلة قد أقلعت). يضيف: (تقريباً كل النقاط عملت معنا نفس الشيء حتى وصلنا مشارف عدن وهي النقطة الأخيرة، منعونا من دخول عدن بلا سبب، سألناهم لماذا؟ قالوا: توجيهات، دون أن يحددوا توجيهاتهم ممن! وإذا بي ألتفت لأرى مجموعة من المواطنين الشماليين أنزلوا من الحافلات وتركوا في الصحراء تحت حرارة الشمس ليعودوا من حيث أتوا، وإن مروا لا يمرون إلا بعد تفتيشات دقيقة، واستجوابات مستفزة، كأن يقولوا لنا: أنتم شماليون؟ لصالح من تعملون؟ وغيرها من الأسئلة). ويختم عبدالكافي: (أغلب أولئك المسافرين بسطاء، إما طلاب أو مرضى أو عمال نزحوا من الحرب ويبحثون عن فرص عمل تساعدهم على البقاء).
غرباء في الوطن
التعاملات التعسفية في النقاط الأمنية الواقعة في ما يسمى بــ(الحزام الأمني) الإماراتي الواقعة على طريق عدن ـ الضالع طالت أيضا مجموعة من الإعلاميين والصحفيين، منها ما حدث مؤخرا مع الصحفي عبدالناصر الهلالي الذي تم منعه من المشاركة في مؤتمر الصحافة الاستقصائية بالأردن، وكان قد نشر على صفحته بالفيس بوك وثائقه التي أبرزها للنقطة الأمنية ولم تسمح له بالمرور، كالموافقة الأمنية من وزارة الداخلية الأردنية، والفيزا، فقال: (المفارقة أن تمنع من دخول جزء في بلدك، فيما توافق الداخلية الأردنية على دخولك أراضيها! والمفارقة الأخرى أكثر مأساوية أن الحراك الجنوإماراتي سمح لأجنبي من أصول هندية بالدخول إلى عدن ومنعني أنا! صرنا غرباء في بلدنا!). تواصلت (لا) مع الهلالي الذي لخص ما حدث له قائلاً: (كانت المرة الأولى التي أسافر فيها من صنعاء إلى عدن يوم 27 نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي منذ اندلاع الحرب في اليمن. مررنا بكل النقاط من صنعاء حتى الحبيلين، دون أن يستوقفنا أحد، وفي نقطة الجبلين القريبة من مدينة الحبيلين التابعة لمحافظة لحج، باتجاه العند، استوقفتنا نقطة أمنية تابعة للحزام الأمني المدعوم إماراتياً، وتفحصوا هويات المسافرين بمن فيهم أنا، وبعد ثوانٍ من تفحص جوازي طلب مني النزول من الباص، وحمل حقيبتي معي).
إن عدت.. سنسجنك!
يواصل الهلالي: (بعد أن أنزلوني من الباص طلبوا من السائق مواصلة رحلته باتجاه عدن، فيما ظل أفراد النقطة الأمنية يفتشون حقيبتي، وتفحصوا تليفوني وجهازي المحمول (اللابتوب) والتحقيق معي لمدة ساعة ونصف، بعدها أوقفوا شاحنة (دينا)، وطلبوا منه أن يحملني معه في طريقه باتجاه مدينة إب. ركبت معه عائداً إلى مدينة الحبيلين، وبقيت فيها إلى الصباح وعدت صباحاً باتجاه عدن واستوقفتني النقطة ذاتها ومنعتني من دخول عدن مرة أخرى، وقالوا لي إذا عدت مرة أخرى سنسجنك). يختم الهلالي: (النقطة ذاتها تتعامل مع مسافرين كثر بمناطقية، وتمنع البعض من دخول عدن حسب ما عرفت بعد عودتي إلى صنعاء).
تفتيش واستجواب مهين
صحافي آخر له نفس تجربة الهلالي مع فارق التوقيت فقط، حيث حصلت للهلالي قبل أسابيع على نهاية 2018، بينما تجربة محمد الحسني حدثت العام المنصرم 2017، في النقطة الأمنية ذاتها.. يقول محمد: (تجربتي تتلخص في رحلتي العام الماضي إلى الأردن لحضور مؤتمر خاص بالصحافة، كانت الرحلة نقطة تحول لي في كيفية معرفة تعامل أبناء المناطق الجنوبية مع من ينتمون إلى الجزء الشمالي من الوطن، حيث قرأت عن حوادث كثيرة من هذه التعسفات والاعتداءات ورأيت الكثير ممن يروون لي قصصهم، لكن معايشتي للموقف رسخت الفكرة لدي وخلقت صورة أقل ما توصف به أنها محزنة جداً عن الحالة التي وصلنا إليها، فأكثر من 30 نقطة عسكرية خلال الطريق الرابط بين محافظتي الضالع وعدن، تخللت هذه النقاط عمليات تفتيش، إهانة، واستجواب شديد اللهجة لمجرد أنك تنتمي لإحدى المناطق الشمالية، وتزداد شدته عندما تكون من العاصمة صنعاء. بعد أن تجاوزنا أغلب تلك النقاط تم توقيفي في نقطة الجبلين في منطقة الحبيلين من أطفال دون الـ18 عاماً، تم استجواب الكثير وأنا منهم وتم احتجاز الذين هم من العاصمة صنعاء وبعض المناطق الشمالية واستمر البقية، لنتعرض لبعض الإهانات العنصرية والاعتداءات الجسدية، والتي اضطررنا بعدها للعودة كلٍّ من حيث أتى. مشاكل الجنوب مع الشمال متعلقة بشخصيات سياسية وحوادث معينة، الخاسر الوحيد فيها هي اللحمة والروابط الوطنية بين أبناء الوطن الواحد).
شرعيتهم تمنعهم من الهبوط بمطار عدن
لم تكتف النقاط الواقعة تحت مسمى (المناطق المحررة) من منع أبناء المناطق الشمالية من الدخول إلى عدن، وتوقيفهم في النقاط الأمنية، بل حدثت مع وزراء حكومة الرياض ومنعهم من النزول في مطار عدن لأكثر من مرة، رغم أن هؤلاء الوزراء يمثلون ما يسمى بالشرعية، وهي الشرعية ذاتها التي يزعم الاحتلال الإماراتي السعودي أنه تدخل عسكرياً لنصرتها وإعادتها إلى اليمن، في الوقت الذي يمنعون وزراءها من العودة إلى اليمن كما حدث مع وزير الدولة المستقيل صلاح الصيادي الذي كتب على صفحته بالفيسبوك: (حجزت للعودة إلى عدن لزيارة والدتي المريضة، وأبلغت أني ممنوع من العودة إلى اليمن وعدن بالذات، من قبل التحالف الذي تعهد للعالم ومجلس الأمن والأمم المتحدة بإعادة الشرعية إلى اليمن).
وعلّق أحد المتابعين لما يحدث لمسؤولي الشرعية: (يدعون أنهم يسيطرون على معظم النقاط الجنوبية، بينما هي في حقيقة الأمر سيطرة شكلية صورية فقط، بينما يبقى المسيطر الحقيقي على الأرض هي قوات التحالف الإماراتي السعودي، خصوصاً في العاصمة عدن التي تديرها قوات أمنية تحت مسمى الحزام الأمني، وتتلقى توجيهاتها مباشرة من الإمارات).
توقيف في مأرب بسبب لقب
ليست النقاط الأمنية الواقعة على خط الضالع ـ عدن فقط تستفز المسافرين القادمين من صنعاء والمحافظات الشمالية، بل النقاط الأمنية على الطريق إلى مأرب هي الأخرى لها حادثة هزت الرأي العام تمثلت في اعتقال البروفسور مصطفى المتوكل، الذي اعتُقل لا لذنب سوى لقبه العائلي. وكتب عنه محمد عايش إبان اختطافه حينها: (أن تـعتقل بسبب رأيك أو موقفك فإن ذلك ظلمٌ شائع ومألوف، وهو على كونه مداناً، ظلمٌ يحتمل. أما أن تـعتقل بسبب لقبك العائلي فقط، وفقط لا غير، فإن ذلك ما ليس شائعاً ولا مألوفاً، ولا يمكن احتمال مرارته بحال).
وكانت زوجة د. المتوكل، إلهام المتوكل، قد اتهمت قوات الفار هادي باعتقال زوجها في مأرب العام الماضي وبيعه إلى السعودية. وأكدت في تصريح لموقع (العربي) اللبناني الأسبوع الفائت أن (حزب الإصلاح وحكومة هادي أقدما خلال الأيام الماضية على بيع زوجها للسعودية، وتم نقله من مأرب إلى سجون المملكة، في انتهاك فاضح تقترفه الحكومة التي تدعي الشرعية وتبيع مواطنيها لدولةٍ أجنبية مقابل حفنة من المال، وحملت في الوقت ذاته حكومة هادي وحزب الإصلاح وعلي محسن الأحمر كامل المسؤولية عما سيتعرض له زوجها).
تظل بارقة الأمل لدى أبناء اليمن فيما يخرج به المتحاورون في العاصمة السويدية ستوكهولم، وعيونهم تترقب المخرجات التي سيخرج بها الطرفان، منها إعادة فتح مطار صنعاء الذي بإعادته إلى الخدمة سيخفف معاناة المرضى والجرحى والطلاب والمدنيين بشكل عام، والذي كان إغلاقه سبب كل المعاناة والتعسفات التي اكتوى بنارها كل من مرّ بتلك النقاط التي أفرزت تعاملاً لا إنسانياً، منافياً لكل الأعراف والتقاليد بين أبناء المجتمع الواحد.
المصدر بشرى الغيلي/ لا ميديا