في ظل الخلافات العميقة بين مشروعي العدوان وتصادم مصالحهم, تفجرت الأمور في عدن، الأسبوع الماضي، على نحو دراماتيكي ساخن بعد انتهاء مهلة الانتقالي التي تطالب بإقالة ومحاكمة حكومة هادي.. بعد معارك انطلقت الأحد من دار سعد وانتهت الثلاثاء في كريتر, فرضت قوات المجلس الانتقالي الموالي للإمارات سيطرتها على معظم مناطق عدن، واستولت على معسكرات قوات هادي، وبتدخل من طيران التحالف الذي ساند قوات المجلس لتحقيق أهدافها.. تمكنت قوات الانتقالي من محاصرة قصر المعاشيق الرئاسي الذي تتواجد به حكومة هادي ورئيسها، غير أنها لم تقتحم القصر بأوامر من التحالف السعودي، ونقل بن دغر وحكومته إلى خارج عدن.. في البداية حاول معسكر الشرعية عبر رئيسهم الاستعانة بكتائبهم المتواجدة في مأرب والمكونة من عناصر حزب الإصلاح الإخواني، لمساندة قواتهم في عدن.. إلا أن الفشل كان يدق على أبواب إسفينهم.
سيناريو الـ48 ساعة
منذ دخول الاحتلال السعودي الإماراتي إلى مدينة عدن في يوليو 2015, تغيرت خارطة الانتشار العسكري بشكل كبير, من أبرز ملامحها ألوية بأسماء فضفاضة (حماية رئاسية وحزام أمني) ومعسكرات بقوة بشرية ضعيفة غير متجانسة ومناطق قيادات أمنية وعسكرية خاصة بالسعودية والإمارات.
يمتلك معسكر شرعية الرياض في عدن, 4 ألوية حماية رئاسية أبرزها اللواء الرابع التابع لمهران القباطي والواقع في دار سعد, ولواءا القوات الخاصة والأمن المركزي في حي العريش ومعسكر بدر المحاذي للمطار، والوحدات التابعة لوزارة الداخلية، واللواء 39 مدرع ومعسكرات فضل باعش والنقل بخورمكسر ومعسكر 20 في ساحل أبين ومعسكر طارق بكريتر, بالإضافة إلى القوات التي كانت تتولى مهام حماية قصر معاشيق، والبالغ عددها أكثر من 2000 جندي، ناهيك عن المسلحين بزي مدني، التابعين لحزب الإصلاح، جميعهم قاتلوا باسم الحكومة الموالية لهادي، لكن كل تلك التشكيلات العسكرية والمدنية، هُزمت في وقت قياسي، ولم تتمكن من الصمود لأكثر من 48 ساعة، وكان يمكن أن تكون أقل، لو لم يتم إيقاف القتال من قبل التحالف لإفساح المجال لتعليق يافطة النصر لفريقه الآخر للعب دور جديد على المشهد الجنوبي.
في المقابل, يملك المكون السياسي والعسكري الآخر والمدعوم إماراتياً، عدداً من الألوية والمعسكرات أبرزها اللواء الثالث مشاة التابع لعيدروس الزبيدي، ويبلغ قوامه ما يقارب 2000 فرد، وهذا اللواء هو الذي استطاع أن يسقط معسكر النقل في خورمكسر أول يوم من المواجهات، ومن ثم حسم معركة معاشيق بأقل من 6 ساعات, ولواء شلال الذي يدين أفراده بالولاء لمدير أمن عدن شلال شائع, واللواء الأول دعم وإسناد، وقائده أبو اليمامة،, وقوات الحزام الأمني بقيادة هاني بن بريك نائب رئيس المجلس الانتقالي, والوحدات التي يقودها مختار النوبي، وهي من أقوى الوحدات العسكرية المنضوية في إطار قوات الحزام الأمني، وموقعها ردفان, وجميع تلك الوحدات والتشكيلات العسكرية هي مزيج من السلفيين ومن بعض أنصار الحراك الجنوبي، وهو ما شكل فرقاً في ترجيح الكفة لصالحهم في معارك عدن، وعامل ضغط على ألوية الحماية الرئاسية، وبالذات اللواء الرابع حماية، بقيادة مهران القباطي، والذي بسقوطه، سقطت آخر معاقل القوة الموالية لحزب الإصلاح في عدن.
خرج المجلس الانتقالي منتصراً في المعركة التي خاضها لمدة 3 أيام مع القوات التابعة لشرعية هادي وحزب الإصلاح، وباتت قواته تسيطر على معظم مناطق عدن، وجاء موقف التحالف الذي تقوده السعودية والإمارات في حربهما على اليمن، متناغماً مع الانتقالي، في مؤشر واضح على بدء مرحلة جديدة تشهدها مدينة عدن، يكون اللاعب الأوحد فيها المجلس الانتقالي بصيغته الجنوبية.
اتهمت الحكومة العميلة بالفساد من قبل المواطنين، واستغل الشريك الآخر الصوت وحرك الموجة وسقط 250 بين قتيل وجريح.. أنفقت الحكومة الموالية للسعودية في حربها في عدن، ملياراً و200 مليون ريال خلال 48 ساعة، لا تشمل العتاد العسكري الذي كانت تملكه ألوية الحماية الرئاسية، والتي أضحت أثراً بعد عين في غضون يومين فقط.

فصل سجال ثانٍ
من خلال النظر إلى المشهد العام في الجنوب، تؤكد الصورة أن الفصل الثاني من مسلسل السجال السياسي والعسكري سيبدأ سريعاً، حتى وإن أحرز الانتقالي بعض المكاسب العسكرية الجيدة على الأرض. فالأزمة اليمنية، بما تحتويه من قضية جنوبية، بعيدة عن أولويات الحلول الخليجية، ولاتزال معقدة ومتداخلة الأسباب والحلول نتيجة للاعبيها الكُثر.
فالأمور، بما فيها العسكرية، لاتزال مرشحة لمزيد من التعقيد والصدام, وسيخرج صراع اليوم من أبواب عدن إلى بقية المحافظات الجنوبية في حالة حرب أهلية مناطقية هي الأسوأ.
خلال العامين الماضيين، عطّلت الإمارات والسعودية مطارات وموانئ الجنوب، وضربتا الاقتصاد ونهبتا الثروات، ودعمت الدولتان عدداً من المليشيات في الجنوب، كما عقدتا صفقات وتفاهمات مع تنظيمي القاعدة وداعش.
فالإمارت ومعها السعودية الوكيلان A275; A175;A198;A267;A194;ان A193;A261;A247;A172; A183;A256;A262;A169;A268;A172;، ودورهما في اليمن عدمي A259;A194;A235;A258; A165;A247;A188;A268;A248;A262;A247;A172; A193;A261;A253; A165;A203;A176;A240;A198;A165;A197; A227;A194;A253; A191;A166;A211;A172; A261;A165;A247;A170;A276;A193; A227;A166;A251;A172;، كما تقوم الدولتان بإنشاء ودعم الجماعات الإرهابية، وتفرضان أجندة يراد منها إقامة إمارة داعش على أجزاء كبيرة في الجنوب, كما تسعى A165;A273;A251;A166;A197;A165;A173; A275;A255;A176;A200;A165;A225; A203;A240;A220;A198;A263;، وتسعى في المقابل السعودية لانتزاع حضرموت من اليمن، A261;A175;A194;A197;A241; الدولتان A155;A253; A195;A247;A242; A251;A204;A176;A188;A268;A246; A235;A266; A223;A246; نظام موحد وقوي، لذا A267;A176;A220;A248;A168; تحقيق هدفهما A175;A252;A200;A267;A238; اليمن.
هذه الأحداث العسكرية تسارعت مع عودة الحراك الدبلوماسي الدولي والإقليمي الأخير الذي صارت سلطنة عمان قِبلتهُ بغية الدخول بتسوية سياسية للأزمة اليمنية بعد أيام من تغيير المبعوث الدولي لليمن, وتوجه وفد صنعاء إلى مسقط، وقيام الإمارات وبتفويض سعودي بتسوية الأرضية الجنوبية بالدفع بطرف جنوبي مؤقت، قبل الشروع بتسوية منتظرة على طاولات المفاوضات, فيما بقيت على الأرض بعض الأوراق للقضية الجنوبية في الصف الآخر المناهض للسياسة الإماراتية والسعودية.
مؤخراً هاجم رئيس الحراك الثوري الجنوبي حسن باعوم، التحالف العربي، واصفاً إياه بالاحتلال متعدد الجنسيات.
ويصف باعوم الصراع الذي احتدم خلال الأسبوع الماضي في عدن بأنه صراع بين أقطاب شرعية 7/7 الاحتلالية وأطراف جنوبية رهنت تبعيتها للاحتلال الخارجي، ويؤكد نجله فادي (رئيس الحركة الشبابية في الحراك اليمني الجنوبي) أن ما حدث في عدن من أعمال عنف لا علاقة له بالجنوب والقضية، واصفاً الشرعية المتمثلة بهادي بأنّها (دولة احتلال)، وأنها ومعها المجلس الانتقالي مرتهنان للسعودية والإمارات. وبالنسبة لما يجري في الجنوب يرى باعوم أن الحل هو عبر إقامة (دولة جنوبية)، معتبراً أن اليمنيين جنوباً وشمالاً مستهدفون من قبل السعودية والإمارات بشكل صريح.
وعلى الواجهة السياسية, قدم الرئيس السابق علي ناصر محمد، مبادرة سياسية جديدة لإنهاء الحرب في اليمن، مطالباً المجتمعين الإقليمي والدولي بمساعدة اليمن في الخروج من أزمته التي يمرّ بها منذ عام 2015, من دون أن يتعرض للإشارة للسعودية والإمارات ودورهما في معركة عدن.
تضمنت مبادرة ناصر تشكيل مجلس رئاسي لإدارة المرحلة الانتقالية، على أن يتكون المجلس من 5 أفراد (رئيس ونائب أول و3 أعضاء) ولمدة عامين, وفي حالة اختير رئيس مجلس الرئاسة من الجنوب يكون نائبه الأول من الشمال، وأن يكون الأعضاء الثلاثة الباقين من الشمال والوسط والجنوب، على أن يتم اختيار رئيس الحكومة من الوسط، والعكس في حالة اختيار رئيس للمجلس من الشمال، مقترحاً أن تتوزع حقائب الحكومة على المكونات السياسية (حزب المؤتمر الشعبي العام)، (جماعة أنصار الله)، (أحزاب اللقاء المشترك) ممثلاً بـ(الشرعية)، و(الحراك الجنوبي السلمي)، على أن تراعى نسبة 50‎%‎ لكل من الشمال والجنوب.

اتجاه البوصلة
ذاب تمثال الثلج (الشرعية) بفعل صمود اليمنيين أمام العدوان الأمريكي السعودي مع اقتراب عامه الرابع، وبات على الفريق الأمريكي البريطاني أن يغيروا قواعد اللعبة ببيادق أخرى لرسم خارطة جديدة لليمن وجنوبها خاصة، وذلك كتكتيك لتغطية عجزهم عن الحسم العسكري, وهنا تطرح الأسئلة: هل سيمضي مشروع الانفصال؟ وما هو شكل الدولة الفيدرالية- ربما تكون فقط محصورة في الضالع ولحج وعدن وأبين، في ظل استحالة وجود شبوة وحضرموت والمهرة وسقطرى, دولة من دون جزر وموانئ وثروات- مناطق النفط في شبوة وحضرموت تحت إدارة الإمارات، وكذلك معها جزيرتا سقطرى في بحر العرب وميون على مدخل البحر الأحمر كقواعد عسكرية إلى جانب ميناء المكلا, والمهرة تجهزها السعودية كقاعدة كبرى للتيار الوهابي على مستوى الجزيرة العربية.
قبل انفجار معارك عدن بيومين, كشف موقع (المونيتور) الأمريكي، أن المجلس الانتقالي الجنوبي، المدعوم من الإمارات العربية المتحدة، تعاقد مع منظمة (غراس-روتس بوليتيكال كونسولتينغ)، مطلع الشهر الحالي، لقاء مبلغ يقدر بنحو 15 ألف دولار شهرياً، لافتاً إلى أن جماعة الضغط الأمريكية المذكورة سوف تعمل في المقابل على (حشد الدعم للمجلس الانتقالي الجنوبي، ولعموم اليمنيين الجنوبيين، بغية استعادة سيادتهم واستقلالهم)، إلى جانب (تقديم المشورة السياسية والاستراتيجية) للمجلس، و(الانتظام كجماعة ضغط ترمي إلى كسب التأييد له داخل دوائر الحكم في الولايات المتحدة، فضلاً عن توفير المواد الإعلامية والدعائية وتنظيم الاجتماعات واللقاءات وعرض تقديم شهادات من قبلها في جلسات الاستماع أمام لجان الكونغرس).
منذ الإعلان عن تأسيس المجلس الانتقالي في الـ11 من مايو 2017, عمد هذا المجلس إلى إنشاء قوات باسم النخبة في المحافظات الجنوبية وإعدادها كنواة لجيش مستقبلي لدويلات المحافظات.
تجاوز الانتقالي الثوابت التي ينطلق منها الحراك، وذهب بعيداً بالتنازل عن الكثير من الأراضي في الجنوب للإمارات، وقدم نفسه كتابع قذر لكل ما تمليه عليه أبوظبي حتى بالنسبة لمشوار الصراع, فقد أماط الزبيدي فور انتهاء معركته مع معسكر الشرعية، اللثام عن مجلسه من خلال تأكيده على بسط سيطرة مجلسه الكاملة على أراضي الجنوب، وتنظيفها من القوات التابعة للإصلاح, ورفد الجبهات في الشمال لقتال أنصار الله والوقوف مع التحالف حتى إسقاط صنعاء، ومساندته لطارق محمد عبدالله صالح لخوض الحرب ضد صنعاء انطلاقاً من عدن، وهي القضية التي أثارت جدلاً بين أوساط الجنوبيين، الذين اعتبروا أن دماءهم تباع في الجبهات للتحالف مقابل مزايا لتلك القيادات التي تزج بهم في الجبهات، دون أن تحقق للجنوب أي مكاسب سياسية أو حتى معيشية.
تعمد التحالف اتخاذ موقف محايد من أحداث عدن، فيما كان على الأرض يدعم بشكل واضح قوات الانتقالي للسيطرة على عدن.
ما جرى في عدن كان مسرحية سعودية إماراتية وبإخراج أمريكي فج، الغرض منها تمكين المجلس الانتقالي أداتهم الأخرى من عدن والمحافظات الجنوبية، ليكون الحامل لمشروع انفصال الجنوب عن اليمن تنفيذاً لرغبة السعودية والإمارات. الإعلام الرسمي السعودي وصف قوات الانتقالي بأنها (قوات انفصالية) بهدف الترويج لمبدأ الانفصال وفرضه كأمر واقع.