على وقع صراع الديوك في عدن والغزو السلفي للمهرة
الجنوب  دورة دم جديدة

أعادت السعودية اليوم بذرتها الأصيلة للصراع المستقبلي في اليمن من خلال إنشاء مراكز دينية متطرفة، فما يحدث في محافظة المهرة، وخاصة مديرية قشن، هو إعادة إنتاج هذه الجماعات التكفيرية تحت أعذار واهية
مع كل يوم تنفتح على المجهول.. هذا هو واقع عدن والمحافظات الجنوبية، فما تشهده لعبة شد الحبل يجري عبر تحالف العدوان (السعودية والإمارات) اللتين تدعمان وتغذيان ديوكهما المتصارعة.. ومن خلال مجريات الأمور والمستجدات الأخيرة والمتسارعة في محافظة عدن, ينذر صراع الأجنحة المتحالفة مع العدوان بدورة دم جديدة ستدفع ثمنه عدن وأبناؤها.
وفي تطور جديد لصراع الأجنحة الجديدة, تصاعدت الخلافات بين فصائل ما تسمى المقاومة الجنوبية وجماعات الفار وأعوانه, بعد بيان ما يسمى مجلس المقاومة، وإعلانهم حالة الطوارئ في إطار فصائلهم وجماعاتهم، والتوجيه إلى أتباعهم وعناصرهم بالحشد والزحف والتوجه إلى مدينة عدن, والذي قوبل بحشد واستعداد مماثل من الجناح الآخر، وتلويحه للانتقالي والفصائل الموالية له بورقة الإرهاب.
فبعد أن أعلن المجلس الانتقالي وبعض القيادات الجنوبية الموالية للإمارات في مدينة عدن، الأحد الفائت، حالة الطوارئ، وإعطائها مهلة أسبوع لتغيير حكومة العميل بن دغر, ومطالبتها بعدم عقد جلسة للبرلمان المجمع من فنادق الرياض في عدن, وتهديدها لفريق الرياض (هادي والإخوان)، بتشكيل حكومة حرب في حال عدم امتثالهم لمطالبها، وصلت الأزمة إلى ذروتها، وأضحى المجلس الانتقالي مسلحاً بموجب هذا البيان الذي انتقل بمسمى (المقاومة الجنوبية) إلى (قوات المقاومة الجنوبية) في أولى فقراته، وأكد أنها هي النواة لقوات الأمن والجيش الجنوبيين.
لايمتلك الطرفان أية هوية واضحة بقدر ما يتمتعان بالمحسوبية إما للسعودية أو الإمارات, وباتت مسألة المواجهة المرتقبة بين الفريقين في رهن الركلة الأولى التي يجب أن تنطلق اليوم - بحسب الموعد المحدد بأسبوع - ينتهي ابتداءً من يومنا هذا (الأحد 28 يناير 2018).
في قالب ساخر, يضع ظهور القيادة المكناة بـ(المقاومة الجنوبية) بمظهر كأتباع ينقادون بتوجيهات من قصر المعاشيق، في نفس مرتبة (الانتقالي) الذي يقولون إنه يتلقى أوامره من أبوظبي، ويفقدهم الرصيد الشعبي الذي كانوا يتباهون به، وبهامش الاستقلالية التي لطالما لاموا قيادات المجلس على التفريط بها, ها هم اليوم أزلام السعودية (القاعدة وتنظيم داعش) يفاجئون الجميع بأنهم ملكيون أكثر من الملك، وحريصون على حكومة بن دغر أكثر من حرصها على نفسها، وعلى استعداد تام لدخول المعركة ومنح الألوية الرئاسية وغيرها من الوحدات العسكرية الخاضعة للعميل هادي وحلفائه كـالإخوان المسلمين، أفضلية المشاهدة والمتابعة عن بُعد، لأية مواجهة أو صدام مع أذناب الإمارات (الانتقالي)، إذا ما قرّر فعلياً تنفيذ تهديداته العنترية.
يشهد معسكر ما يطلق على نفسه الشرعية فساداً ومحسوبية، وبيع وشراء ولاءات، بالإضافة إلى تشكيل مراكز نفوذ متعددة ومختلفة يقودها سماسرة الحرب ولصوص المال العام, ويغرق هذا المعسكر في خسائر عسكرية في الجوف, فيما ينشغل الانتقالي في معارك خارج حدود جفرافيته الجنوبية التي يدعيها، وتتنامى خسائره الفادحة عبر فاتورة دفع ثمنها من دماء أبناء الجنوب تنفيذاً لأوامر الإمارات بالقتال ضد القوى المدافعة عن كرامة اليمنيين في جبهات الساحل الغربي, كما يدرك جيداً أن الإقدام على أية خطوة تصادمية في عدن، قد يعني خسارته لداعمه الوحيد، أي الإمارات, وبالتالي تبدو حركته مجرد مناورة سياسية في وجه وكلاء الرياض.. وفي النهاية يبقى فتيل البارود رهن إشارة السعودية والإمارات (المحرك الفعلي لأوراق الصراع في الجنوب).
كما هي تعيسة هذه المدينة, تتناهش لحمها كلاب العدوان المسعورة.. خلال الأسابيع القليلة الماضية, شهدت مدينة عدن حالة مثيرة من الانفلات الأمني نتيجة احتقان شديد بين قوى الاحتلال ومرتزقتها بعد اعتراض المليشيا التابعة للعميل هادي والإخوان المسلمين على خطوات قامت بها قوى الاحتلال الإماراتي من خلال جلبها مجاميع جديدة فتحت لهم معسكرات بالمدينة وفتح معها حنفية جديدة لنزيف الدم, ومقابلة هذه الخطوة بإرسال السعودية لواءين عسكريين إلى المعاشيق.
هذه الأمور تأتي في ظل روتين تمر به عدن، ويتمثل بظاهرة الاغتيالات والاشتباكات المسلحة, وحظر متواصل لنشاط مينائها، وتفاقم في الأوضاع الاقتصادية والمعيشية التي انعكست سلباً على المواطنين هناك في ظل نفوذ وسيطرة قوى الغزو والاحتلال السعودي الإماراتي ومرتزقتهم. كما تشهد الحالة الإنسانية والأمنية في الجنوب تدهوراً على كافة الصعد، بات فيها المواطن عرضة لكل أشكال الانتهاكات التي تحرمها الشرائع السماوية قبل القوانين الدولية.

سباق دموي أخير
في مشهد التحول الدراماتيكي.. استغلت جماعة الإخوان المسلمين (اليمنية) حالة الفراغ السياسي في المشهد الجنوبي بعد خروج النظام الحاكم لجمهورية اليمن الشعبية (قبل العام 1990) بهزيمة عسكرية في صيف 1994, على يد المؤسسة العسكرية الشمالية بقيادة صالح وجماعة الإخوان المسلمين (حزب الإصلاح).
ومنذ تلك الفترة, اشتغل حزب الإصلاح والجماعات السلفية على إعادة بلورة البنية الاجتماعية في المحافظات الجنوبية من المنظور الوهابي المتشدد.
وفي خضم سباق الحقبة المتسارعة على قضم مائدة الجنوب على المستويين الجغرافي والبشري, تنوعت القسمة بين الفريق الإخواني والفريق السلفي الجهادي بالسيطرة على العديد من المحافظات الجنوبية.. بل ووصل الأمر حتى على بعض الأحياء هناك: الإصلاح في كريتر والسلفيون في البريقة والقاعدة في زنجبار.. ووفق قاعدة السيطرة لجماعة الإسلام السياسي على الجنوب، وبالذات منذ عملية يوليو 2015 التي وفرتها السعودية والإمارات بدعم أمريكي بريطاني بعد احتلالها للمحافظات الجنوبية, تنامت حالة سباق السيطرة على الأرض بين فريقي الإخوان والسلفيين إلى جانب فريق ثالث (الحراك) الذي يدخل الحلبة اليوم كحصان أعرج.
لتعيد معها السعودية اليوم بذرتها الأصيلة للصراع المستقبلي في اليمن من خلال إنشاء مراكز دينية متطرفة, فما يحدث في محافظة المهرة، وخاصة مديرية قشن, هو إعادة إنتاج الجماعات الدينية تحت أعذار واهية.
وبرعاية إماراتية - سعودية - سلفية - وهابية - جهادية - إخوانية، ترتدي القاعدة وتنظيم داعش بزة (الجيش الوطني)، وتشكل قوام قوات (الحزام الأمني), وتجتاح موجة تطرّف المحافظات الجنوبية وبعض المناطق الشمالية كـ:تعز ومأرب والبيضاء والجوف بشكل مخيف يوماً بعد يوم.
تخصص الرياض ومعها أيضاً أبوظبي دعماً كبيراً لشيوخ السلفية الجهادية وتلاميذهم في اليمن، الذين هم اليوم قوام قوات (الحزام الأمني) في عدن, كما أن طلاب مركز دماج وفروعه هم اليوم قوام كتائب اللواء الأول, والثاني, والخامس حماية رئاسية, ولواء الوحدة, بقيادة هاني بن بريك وبسام المحضار ومهران القباطي وعبيد بن الآثلة, وعلى الوجه الآخر في المحافظات الشمالية تقوم كتائب أبو العباس وحسم ولواء الفتح بقيادة عادل عبده فارع وعدنان زريق وأحمد الكينعي، وجميعهم تلاميذ في مدرسة مقبل بن هادي الوادعي، ويحيى الحجوري التكفيرية، ولم يسبق لهم الالتحاق بالسلك العسكري، لكنهم اليوم مع الفصائل الإخوانية كلواء تهامة والمقاومة البيضانية وغيرها من المليشيا الارتزاقية والعميلة.. كونوا حزاماً أمنياً وجيشاً يطلق عليه الوطني, وشكلوا مجاميع السلفيين يتم تدريبها على يد القوات الأمريكية في قاعدة العند, وتزايدت أعداد معسكراتهم مروراً من سلسلة شبوة حتى معسكر31 في بئر أحمد في عدن، وذلك بهدف خوضهم جولات قادمة لقتال مذهبي يؤسّس لصراعات طويلة في اليمن والمنطقة.
خلال الأسابيع الأربعة الماضية, بدأت السعودية بإنشاء مركز سلفي في المهرة الواقعة على الحدود مع سلطنة عمان, وقامت بنقل المئات من السلفيين اليمنيين الذين كانوا يقاتلون بمعيتها في الحد الجنوبي والبقع، وقبلها في منطقة دماج, بالإضافة إلى مئات السلفيين الأجانب تحت حجة استقدامهم لتأمين المنافذ البحرية والبرية في المحافظة التي تدعي السعودية وعملاؤها في اليمن أنها تستخدم لتهريب السلاح إلى أنصار الله، في خطوة قوبلت بمظاهرات واسعة في مدينة قشن - ثالث أكبر مدن المحافظة- من قبل الأهالي الذين رفضوا توطين الأجانب في مناطقهم وإقامة مركز لهم يراد منه أن يكون بؤرة لزعزعة استقرار المهرة وسلطنة عُمان واليمن أولاً.
وجدت الجماعة السلفية في محافظة المهرة مكاناً مناسباً لإعادة تجميع صفوفها، مستغلة حالة التخبّط الأمني الذي تعيشه منذ دخول ضباط سعوديين وطلائع من القوات التابعة للتحالف إليها أواخر العام الماضي، وإلحاقها بـ200 شاحنة نقل عسكرية تحمل معدات حربية وعربات ثقيلة ومضادات جوية مطلع يناير الجاري، في رسالة سعودية إماراتية ضاغطة بوجه سلطنة عمان بعد برود واضح في علاقتهما، وخصوصاً منذ أن نأت الأخيرة بنفسها عن المشاركة بالعدوان على اليمن، وآثرت الحياد، وهذا الموقف لوحده عدته الدولتان موقفاً عدائياً من عمان، وتمرداً على البيت الخليجي.. وصول قوات العدوان السعودي وتأسيس هذا المركز الديني التكفيري في المهرة، سيكون خنجراً مصوباً بظهر السلطنة العمانية ذات الأغلبية الإباضية، التي ترى فيها السلفية الوهابية، فرقة ضالة خارجة عن الكتاب والسنة، شأنها ـ أي السلفية ـ في ذلك شأن ما تراه من ضلالة في الشيعة والإسماعيلية وغيرها من المذاهب السنية أو الفرق الصوفية.. ورسالة واضحة المعالم للسلطنة الصامتة مما يحدث من تحولات على تخومها الغربية، كانت أول إشارة فيه مقتل مواطن عماني طعناً من قبل أشخاص ملثمين في عاصمة المحافظة (الغيضة)، الجمعة قبل الماضية، في حادثة استهداف لمواطن أجنبي هي الأولى من نوعها في المهرة.
نجحت الرياض في إحداث اختراق في الجبهة المهرية المتماسكة من خلال شرائها ذمم بعض مشائخ القبائل، وتزويدهم بالسلاح، وتعيين رجلها راجح باكريت، محافظاً للمهرة، ووجدت الجماعة السلفية المهرة مكاناً مناسباً لإعادة تجميع صفوفها, ويشرف يحيى بن علي الحجوري، وهو أحد شيوخ الجماعة السلفية التقليدية باليمن، والذي خلف الشيخ مقبل الوادعي في إدارة دار الحديث بصعدة، على مراحل إنشاء المركز، الذي يحظى بدعم من السعودية التي تحاول ابتزاز سلطنة عُمان لتحجيم علاقاتها مع حركة أنصار الله.
كما أن هناك مسألة أخرى يجب قراءتها بالنسبة لتسارع وتيرة الوجود السعودي بالمهرة, فقد استشعرت الرياض بأن أبوظبي أوجدتْ لها موطئ قدم على غفلة منها ليس فقط بالجنوب بل بالمنطقة ككل في البر والبحر، وهو الأمر الذي تعده الرياض بأنه تجاوز للحجم الطبيعي لأبوظبي، وعلى حساب النفوذ والمصلحة السعودية، وبالذات سيطرتها تماماً على الضفة اليمنية المشرفة على مضيق باب المندب من الجهتين, فضلاً عن وجودها بالجزر اليمنية وجميع الموانئ في المحافظات الجنوبية لليمن، الذي أتاح لها تواجداً أيضاً في بحر العرب, هذا التوسع الإماراتي المضطرد أثار حفيظة السعودية الحليف الرئيسي في العدوان على اليمن, ورأت المملكة في هذا التمدد ضرراً بنفوذها واستهدافاً لمصالحها الاستراتيجية؛ خصوصاً بعد أن تمكنت الإمارات من التواجد بقوة في مناطق نفطية وغازية مهمة بشبوة وحضرموت، وهو ما جعل السعودية تشرع في تدارك تخلفها العسكري والوجودي، وتوفير ما يمكن توفيره من كلفة شنها عدواناً باهظاً على اليمن، بخطوات أكثر سرعة وأكثر حضوراً عُدة وعدداً كما نشاهده اليوم بصورته الجلية في المهرة.