المقاتل اليمني مدرسة قتالية جديدة
سلالم طروادة  عودة الأسطورة

من الأساطير التي لم ينسها التاريخ مهما مر الزمن (حصان طروادة) الذي استطاع أن يدمر أسطورة مدينة طروادة التي كان يفاخر أهلها بأنها بنيت بواسطة إله البحر وأبولو إله الشعر والفنون، وجعلوها مدينة منيعة يصعب الدخول إليها.
تعددت الأساطير حول قيام حرب طروادة وحصارها في القرن الحادي عشر قبل الميلاد, ومن أحد هذه الأسباب تقول بعض الروايات التاريخية بأن ابن ملك طروادة (باريس) قام مع شقيقه هيكتور بخطف هيلين ملكة إسبرطة، وهي زوجة منيلاوس شقيق أجاممنون، وهنا ثار الإغريق لشرفهم، وقرروا إعلان الحرب على طروادة.. استمرت الحرب لمدة 10 سنوات, وكان من أبطالها محارب إغريقي قوي يدعى (أخيل) جاء الى هذه المعركة برغم كرهه الشديد لأجاممنون، لكى يكتب اسمه في التاريخ.. لكن أهم جزء في هذه الأسطورة هو سبب هزيمة طروادة الحصينة بعد حصار دام 10 سنوات، فالإغريق جاءتهم حيلة: حصان خشبي ضخم يختبئ بداخله بعض مقاتليهم مع قائدهم أوديسيوس, ففي صباح يوم وجد الطرواديون جنودهم واقعين على الأرض كأن أصابتهم لعنة أبولو أو الطاعون، بعد أن أدخل الحصان الخشبي الضخم الى وسط المدينة ليلاً، وخرج منه أبطال الإغريق الذين فتحوا أبواب المدينة المحصنة لجيوشهم، لتنتهي أسطورة طروادة.. لتعود قصة طروادة في العهد القديم.. من بوابة أخرى حملتها أسطورة عصرية اسمها (غزوة السلالم) التي كان أبطالها 7 فرسان يمنيين أذهلوا العالم ببطولاتهم الخارقة.
أبطال من فولاذ
يقع موقع الضبعة الجبلي خلف الشريط الحدودي داخل أراضي نجران من الجهة الغربية قُرب سلسلة جبال عليب الشهيرة، وهو أحد المواقع القريبة من سد نجران. يطلُّ على أكثر من جهة في نجران وما يقابلها من أراضي البقع وكتاف.
تم اختيار الموقع لأنه محصن من جميع الجهات، بالإضافة إلى أنه مرتفع عن سطح البحر بأكثر من 2000 متر، وتم تجريف سطح الجبل وجعل الصخور مانعاً طبيعياً، وبالإضافة إلى خصوصية موقع الضبعة الرقابي، فقد ضاعف الجيش السعودي من أعمال التحصين في الجهة المقابلة لمواقع الجيش واللجان الشعبية، جاعلاً منه حصناً جبلياً يستحيل الوصول إليه بالآليات العسكرية أَوْ المشي على الأقدام لتسلقه، خَاصَّة مع التشديدات الرقابية التي يستخدمُها حرس الحدود السعودي من كاميرات رقابة ومناظير رصد واستطلاع ومتاريسَ مستحدثةٍ في خطوط متقدمة عن هذه المراكز.
تبدأ هذه القصة البطولية النادرة بتقدم 7 من مقاتلي الجيش اليمني واللجان الشعبية صوب الضبعة، بعد دراسة طبيعة الموقع واستطلاعه ورصد أعداد الجنود وعتادهم الحربي في الموقع, متحدين كل الحسابات البالغة التعقيد التي يحتمي خلفها الجنود السعوديون, ومتجاوزين جهودَ وأسوارَ شهور من الأعمال التحصينية العسكرية السعودية.
لم يضعْ جنود العدو السعودي أَي احتمالٍ على لائحة احتياطاتهم العسكرية يتعلّق بإمْكَانية نفاذ المقاتلين اليمنيين إلى موقعِهم شديدِ التحصين، فالضبعةُ حصنٌ أكثرُ منه موقعاً عسكرياً رقابياً.
وبما أن أقوى عامل يركن إليه العدوُّ في الموقع هو الطبيعة الجبلية البالغة الارتفاع والشديدة الانحدار، إلا أن هذا الأمر بالنسبة للمقاتل اليمني لا يحتاج لتجاوزها سوى (سُلّم) بارتفاع يبلغ 15 متراً يجتاز عبرَه الأبطال المنحدرَ الأخيرَ قبل إكمال المسير لبلوغ التحصينات وغرف العمليات والرقابة في أعلى قمة فيه، بالفعل يتحَـرّك 7 من الأبطال اليمنيين إلى الموقع و(السلم) أحد أهم سلاح سيستخدمونه في عملية إسقاط الضبعة، وبينما توافي وحدات الرصد والاستطلاع المشاة السبعة بالمعلومات المتعلقة بتحَـرّكات العدو في الدقائق الأخيرة، يستمر المسير مشياً على الأقدام لمسافة ساعة، وبعدَ بلوغ المكان قبل الأخير، يتم رفع السلّم واستخدامه لعبور العقبة الجبلية الأكبر، يمر الجميع من على السلم، ويواصلون المشيَ مسافة أمتار، لتبدأ بعدها معركة (نزلة السلم)، ليقع العدو السعودي -وبين أفراده ضباطٌ- ضحية لمباغتة المقاتل اليمني القادر على الوصول إلى أية نقطة يُقرر بلوغها.
توثق مشاهد المعركة المصورة انهمار الرصاص من جميع النواحي، ولحظات الرعب المحاصرة للجنود السعوديين, يستمر أبطال الجيش واللجان الشعبية في التنكيل، وفي المشاهد صراخ يتعالى وبكاء وعويل ودماء تغطي ترابَ الجبل التي ثُبّتت عليها مرابضُ مدفعية العدو ورشاشاته وحتى كاميرات الرقابة والرصد، في لحظات الهجوم كان الطيران الحربي يُحلّق بجنون، لكن هذه المرة لا يُمكنه القصفَ، يكتفي بفتح حَاجز الصوت، وبصورة تشبه صياحَ جنودهم على الأرض.
بعد 3 دقائق من العملية, تبدأ المغادَرة بعد التأكُّد من قتل الجميع، يحمل الأبطال الغنائمَ ويعودون إلى مواقعهم، وفي الطريق وقبل الوصول تحضُرُ الأباتشي للنجدة، لكن الطيارَ لا يجد مَن يقصفه ولا يرى من ينصُرُهُ؛ لذا يحاولُ عبر الاقتراب من الأرض أكثر والتحليق على علو منخفض، التأكّد من وجود مقاتلين على الأرض، غير أنه لا يجدُ شيئاً على الموقع سوى جثث جنودهم، وأدخنة تتصاعَدُ من أحد المخازن، وجسم معدني طويل ملتصق على منحدر القلعة العسكرية.

جولات معادلة 
يسير اليمن شيئاً فشيئاً نحو ترسيخ المعادلة الكبرى، سياسة الصبر الاستراتيجي التي أخذت منحى تصاعدياً بعد أشهر قليلة على العدوان, لتبقى معها السعودية وأمريكا ومن سار معهما في العدوان على اليمن، على موعد مع جولات جديدة بعد أن استباحوا اليمن بأرضه وسمائه وشعبه خلال 3 سنوات.
على الرغم من بروز (قاهر والصمود والصرخة وزلزال) لفرض واقع جديد على الأرض, إلا أن المعادلة الأولى بين قوات الجيش اليمني واللجان الشعبية بدأت من خلال صاروخ (سكود) السوفييتي الذي استهدف قاعدة خالد بن عبد العزيز الجوية في مدينة (خميس مشيط) جنوب السعودية، والتي تعتبر من أهم القواعد الجوية، ليشكّل علامةً فارقة في مجرى الحرب عبر تأسيسه لمعادلات جديدة.
توالى العدوان، وتوالت معه المعادلات البريّة التي جاءت نتيجة للجهود الجبارة للقوة الصاروخية اليمنية التي نجحت في تعديل صاروخ (سكود) الباليستي عبر زيادة مداه إلى أبعد من 800 كيلومتر، ليشكّل الصاروخ الجديد الذي حمل اسم (بركان 1) عنواناً لمرحلة باليستية جديدة طالت قاعدة الملك فهد الجوية في منطقة الطائف جنوب السعودية، والتي تبعد أكثر من 500 كلم عن الحدود اليمنية.
استمرّ العدوان، فتوالت معه المعادلات التي طالت العاصمة السعوديّة هذه المرّة عبر صاروخ (بركان2) المطوّر من (بركان1)، مستهدفاً قاعدة عسكرية سعودية في منطقة المزاحمية غرب الرياض. لم تقتصر المعادلة على أطراف الرياض، بل أدخلت المجازر السعودية بحقّ الشعب اليمني مطار الملك خالد الدولي، ولاحقاً قصر اليمامة في معادلة الرياض، عبر صاروخ (بركان إتش2).
حالة أخرى على الصعيد البري, فما قامت به وحدات القنص والمشاة للجيش واللجان في العمق السعودي ومعارك السواحل الغربية من العمليات العسكرية، سوف يكتب على مدى التاريخ بخط من ذهب، فمن خلال العمليات الدفاعية والهجومية التي راح فيها الآلاف من الجنود السعوديين والإماراتيين والسودانيين وغيرهم من الجنسيات، بالإضافة الى عدد كبير من القيادات اليمنية المرتزقة المنتمية لتحالف الشيطان, فإن هناك منحى آخر على صعيد العمليات البرية.
فقد أخذت عمليات القنص المتصاعدة في جبهات القتال تؤرق المرتزقة مع إنتاج وحدة التصنيع الحربي لقناصات يمنية متطورة ومتعددة المهام والمديات, حيث حصد سلاح القناصة في الجيش واللجان الشعبية ما يقارب 750 جندياً وضابطاً سعودياً على مدى عامين، ناهيك عن عمليات القنص التي ارتفعت وتيرتها منذ مطلع العام الجديد 2018، وبأرقام كبيرة شملت جنوداً سعوديين ومرتزقة يمنيين وأجانب على كافة الجبهات.
منذ وقت سابق أعلنت دائرة التصنيع العسكري للجيش واللجان الشعبية, عن المنظومة الواسعة من أسلحة القناصة المصنعة بقدرات محلية يمنية خالصة, وتمثل بإنتاجها 7 قناصات هي: (قاصم - خاطف - أشتر - حاسم - ذو الفقار1 - ذو الفقار2 - سرمد)، بالإضافة إلى تعديل قناصة ثامنة أطلق عليها (صارم).
وتتنوع الخواص والمواصفات والقدرات لهذه القناصات، التي تبدأ في مداها المؤثر من 1600 متر لتصل إلى 5000 متر، وهذا المدى ينافس بل يتفوق على أحدث القناصات في العالم، وشمل هذا الإنجاز التصنيعي لتشكيلة القناصات, فرادة نوعية لأداة قتالية لا توجد في أي جيش من الجيوش في المنطقة العربية.
وبما أنّ العدوان لم يكن برّياً فحسب، بل استخدم التحالف البحر لمهاجمة الأراضي، فضلاً عن محاصرة الموانئ، كان لا بدّ من ردّ بحري يردع العدوان.
بدأ الرد اليمني من خلال استهداف سفن وزوارق حربية تابعة لكل من السعودية والإمارات، ليشكّل استهداف الفرقاطات والبوارج والزوارق الحربية لدول العدوان، منعطفاً في المعادلة البحرية، ليتوج بعدها المجهود اليمني رمزيته بمنظومة (المندب)، وهي صواريخ بحرية مذهلة, واستخدام التقنية الإلكترونية باصطياد الغواصات التجسسية عن بعد, وهو العامل الذكي للعقول اليمنية في استخدام التكنولوجيا مع كل يوم جديد في المعركة.
فيما تبقى معادلة الجوّ هي الأصعب على قوّات الجيش واللجان نظراً للتفوّق التسليحي الذي تمتلكه السعودية بسبب صفقاتها القذرة مع واشنطن, ورغم ذلك نجحت القوّات اليمنية في إسقاط 29 طائرة متنوعة للتحالف، منها طائرات  F15 و F16 وتايفون، وطائرتان (بلاك هوك) و19 طائرة استطلاع واثنتان من مروحيات الأباتشي وعدد من الطائرات بدون طيّار، خلال العام الماضي. ومؤخراً، وبعد ساعات قليلة من إسقاط طائرة حربية لتحالف العدوان من طراز تورنيدو في كتاف صعدة بواسطة الكاميرا الحرارية (أول عملية عسكرية يتم فيها تجربة منظومة الدفاع الجوي الجديدة)، أعلنت الدفاعات الجوية في السابع من يناير الجاري عن إصابة طائرة F15 تابعة للعدوان في سماء العاصمة صنعاء بصاروخ أرض جو، ليتمّ الحديث عن مفاجأة من شأنها تغيير قواعد الحرب مع السعودية ودول التحالف.
ورغم تحقيق قوى الجيش واللجان الشعبية قفزات نوعيّة في أقلّ من 3 أعوام, إلا أن هذه القوى لازالت تنتهج استراتيجية الردع الدفاعي، حتى وإن حمل الطابع الهجومي، ليبقى الرهان على نجاح هذه المعادلة رهن الميدان، إلا أن الإعلان عنها بعد أكثر من عامين ونصف يشي بنجاح جزئي على أقلّ تقدير، كون المعادلات البريّة والبحرية لهذه القوّات أذهلت الصديق قبل العدو الذي لم يأخذها على محمل الجدّ.
لقد كان عام 2017 الماضي عاماً للتنكيل، واستطاع المقاتل اليمني في رسم المعركة أن يسقط أسطورة البرادلي والإبرامز بالكورنيت، ويحرق الكايمان الخارقة بولاعة, ويجتاح الحصون العسكرية للعدو بسلم.