سيسيل دو سيز صحافية لقناة (آر تي إل)

إنارة:
إن التوترات بين السعودية وإيران لا تبارح أن تهدأ، ويجد لبنان نفسه وسط صراع نفوذهما على العالم العربي الإسلامي.

تبقى العلاقات بين إيران والسعودية قائمة، ويجد لبنان نفسه بين لعبة نفوذ الدولتين المتخاصمتين على الشرق الأوسط؛ فقد تأثرتا بالخلافات الحية المستمرة التي بدأت منذ سقوط نظام صدام حسين في العراق في 2003, وهو حدث استفادت منه إيران في خلق دور متألق لها في العالم العربي الإسلامي على حساب السعودية التي بدأت إذن تفقد نفوذها شيئاً فشيئاً؛ ولا تطيق السعودية صعود وتنامي منافسها التاريخي, وبعد تصاعد الخلافات بداية 2016 بسبب الموافقة على البرنامج النووي، ظهر تصاعد جديد في العلاقات الإيرانية-السعودية في الرابع من نوفمبر الجاري، مع الاستقالة المفاجئة لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري، من الرياض، وهو نفسه متقارب مع السعودية، فهو لبناني - سعودي, يقول البعض إن استقالته كانت تحت الإكراه من قبل رجل السلطة محمد بن سلمان, ونفس هؤلاء الأشخاص يعتقدون أن سعد الحريري لم يعد حراً في تحركاته وخطاباته, وخروجه هذا يسجل نفسه في جو من تطهير سياسي غير مسبوق في السعودية، وقد أخبر جان إيف أنه في يوم الأربعاء الـ15 من نوفمبر، كان ذاهباً لمقابلته في نفس اليوم الذي كان فيه قد ذهب إلى الرياض.

مصير رئيس الوزراء اللبناني في قلب الخلافات
في تغريدة له نشرت في 14 نوفمبر 2017م، كان سعد الحريري يريد أن يبعث على الاطمئنان من خلال وعده بالعودة قريباً إلى لبنان، بينما تبقى عائلته في السعودية (بلده) (مملكة الخير), ومصيره عالق وسط الخلافات بين السعودية وإيران، وهو يقلق المجتمع الدولي, وقد دعا الاتحاد الأوروبي وفرنسا -عبر جان إيف لودريان، إدوارد فيليب وحتى إيمانويل ماكرون - لأن يحظى رئيس الوزراء اللبناني بالحرية, وبعد خطاب زعيم حزب الله حسن نصر الله، يعتبر الرئيس اللبناني ميشيل عون أن حرية رئيس وزرائه السابق (محدودة), فهو لم يقبل الاستقالة من الخارج؛ وعلى العكس يؤكد سعد الحريري أنه (حر).

صراع النفوذ الشيعي السني
تجد بيروت نفسها إذن في منتصف هذا الصراع، والذي تفسره المنافسة بين المسلمين الشيعة (الأغلبية في إيران) والمسلمين السنة (أكبر عدداً في السعودية), وإن لبنان - الذي يستوعب السنة والشيعة - قد تحمل وطأة صراعات النفوذ الباردة في المنطقة - ليس فقط بين الشيعة والسنة - في الماضي مع 15 عاماً من الحرب الأهلية.
ينتقد سعد الحريري، وهو مسلم سني ومدعوم من قبل نظام الرياض (تحت ضغط من قبل السعودية؟) النفوذ المتصاعد لميليشيا حزب الله في العالم العربي, حيث يتلقى حزب الله الناشئ في الثمانينيات، دعماً مالياً وعسكرياً منذ فترة طويلة من إيران ليقاوم التدخل والاحتلال الإسرائيليين في لبنان, وقد صرح سعد الحريري: (أقول لحزب الله من مصلحتهم -إذا كانوا يريدون الحفاظ على لبنان - أن يتركوا المناطق التي يتدخلون فيها).

حزب الله اللاعب الرئيسي 
في الخلاف
التنظيم - الذي على القائمة السوداء لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي كمجموعة إرهابية-قد سمح لإيران أن تنشط في عدة جبهات إقليمية, يؤكد هلال خشان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في بيروت، لوكالة الأنباء الفرنسية: (كانت الجماعة مهمة جداً في الترويج للنفوذ الإيراني).
وصل الأمر بزعيم حزب الله حسن نصر الله إلى أن يتهم الرياض بأنها طلبت من إسرائيل أن تهاجم لبنان, إن الوحش الأسود لإسرائيل -الحركة الشيعية- هو الطرف اللبناني الوحيد الذي لم يتخلَّ عن ترسانته في نهاية الحرب الأهلية, وبالنسبة لبعض الخبراء إذا كانت السعودية اليوم تحاول فتح جبهة ضد حزب الله، فإن خطر اندلاع كل المنطقة سيكون حقيقياً فعلاً.

اليمن وسوريا مناطق الصراع
من بين المناطق اليمنية هناك الوجود المزعج للميلشيا (الحوثية الشيعية), بالنسبة لحزب الله وزعيمه فإن السعودية مسؤولة عن الحروب التي تمزق الشرق الأوسط، ابتداء من سوريا وحتى اليمن, ولدى الجماعة (عملاء) في اليمن، وحيث (المتمردون الحوثيون الشيعة) هم هدف للهجوم السعودي، تقود الرياض هناك (حملات قصف) ضد المتمردين الشيعة الحوثيين.
سوريا هي الأخرى أصبحت مسرحاً للتوترات بين إيران والسعودية, وتقدم كلا السلطتين دعمهما اللوجيستي للطرفين النقيضين, الأول يدعم النظام العلوي (القريب من التشيع) لبشار الأسد، والثاني يساند المتمردين الذين يحاولون تحقيق إسقاط النظام منذ الثورة الفاشلة في 2011 ومنذ بداية الصراع, ومن الجانب اللبناني والجانب الروسي يبحث حزب الله أيضاً عن انتصار (للديكتاتور السوري), وعلى النقيض دعمت الرياض الجماعات المتمردة ضد الجيش النظامي وضد التنظيم الإسلامي.
إذا كانت التوترات لا تهدأ، فإن لبنان الذي لا يزال هشاً سياسياً، ويعتبر مسحوقاً، يمكن أن يغرق مرة أخرى في السنوات المظلمة من الصراع والتمزق على حساب مواطنيه.

في 15 نوفمبر 2017 
من موقع لقناة (آر تي إل) الفرنسية