المفكر والقيادي الاشتراكي علي نعمان يحاكم انحـرافات الحركة الوطنية
- تم النشر بواسطة صلاح العلي/ لا ميديا
المفكر والقيادي الاشتراكي علي نعمان يحاكم انحـرافات الحركة الوطنية ويؤكد :
اشتراكيو الرياض اغتصبوا اليسار وليسوا يساراً
في حوارٍ عميق وحافل بالنقد أجرته صحيفة "لا" مع المفكر والقيادي الاشتراكي علي نعمان، عضو مركزية الحزب الاشتراكي اليمني، يقارب المسار التاريخي للحركة الوطنية راصداً منعطفات انحرافه ويتحدث عن خيانات اليسار والقوميين وعلاقة بعض رموزهم بالسعودية ويرى في ثورة 21 أيلول امتداداً للحركة الوطنية بتقاليد وثقافة واقعية، فإلى مجريات الحوار:
ما الذي يحدث في تعز اليوم؟ ولماذا التركيز على هذه المحافظة تحديداً، سلباً وإيجاباً؟
لا شك أن محافظة تعز محافظة هامة جداً، ولها ثقلها السكاني الاجتماعي والسياسي والاقتصادي والاستراتيجي والثقافي، ولدور تعز التاريخي الوطني، فتعز كانت خلال العقود السابقة مركز الحركة الوطنية اليمنية ومركز التنظيم السياسي الجمهوري الذي فكر بثورة سبتمبر ومركزاً للحراك السياسي الوطني خلال مراحل الصراع في الداخل السياسي الاجتماعي، والتأثير السياسي الاجتماعي، كانت قاعدة للثورة التحررية الوطنية ضد الاحتلال البريطاني في الجنوب، وكانت أيضاً قاعدة رئيسية لثورة سبتمبر ودعمها وإسنادها بالرجال والمقاتلين، وكان لها دور حاسم في حصار السبعين يوماً، وهي التي قادت الصمود في العاصمة وفك الحصار عن طريق المحافظات الأخرى. هذه الأهمية لتعز تجعلها باستمرار مشروع عداء مع الاستعمار والإمبريالية والقوى الرجعية، ومع الرجعية السعودية بالذات، والسعوديون يعرفون أن أبرز الوحدات العسكرية التي قاتلتهم كانت الصاعقة والمظلات، خلال حصار السبعين ومعظم كوادرها من محافظة تعز وإب، وبالذات تعز كانت حاضنة للقضية الوطنية وللحراك الوطني الشعبي، وحاضنة للفكر الثوري القومي التحرري وللفكر الاشتراكي، حاضنة لكل تيارات الفكر الحديث بما فيها الفكر الليبرالي وفكر الإدارة والتقدم، هذه كلها حضنتها تعز، ومن هنا تعز، بثقلها وبدروها، بكوادرها، وبنسبة الثقافة والتعليم فيها، بموقعها الاستراتيجي والجيوستراتيجي كمنطقة واسطة تلحم كل المحافظات الشمالية والجنوبية والشرقية والغربية معاً وهي ملتقى لكل التيارات السياسية والاجتماعية في الشمال والجنوب، وكذا موقعها الاستراتيجي الدولي، حيث باب المندب والممرات الدولية وجزيرة ميون التابعة لها. هذا كله يجعلها موضع طمع لكل القوى، الخارجية أو المحلية، وكل قوة تريد السيطرة على اليمن كانت دائماً تضع تعز في مقدمة حساباتها، فإن لم تستطع أن تجتذب تعز إلى صفها هي تعمل على تفكيك تعز أو تحييدها إلى حدٍ كبير، لأنها تعرف أنه بدون تعز لا يمكن لأي مشروع داخلي أو مشروع سلطوي أو سياسي أن ينجح سواءً في الشمال أو في الجنوب.
هل من مكاسب عسكرية تُجنى بالسيطرة على تعز؟
أهم مكسب هو كسر صمود الشعب وصمود الجيش واللجان، وأيضاً السيطرة على باب المندب والساحل، وهذه المعركة هي الأهم وليست المواجهات في المدينة، والمعركة في المدينة فُجرت لغرض تشتيت القوى الوطنية وإدخال المجتمع في صراعات بينية، بينما تستطيع قوى العدوان أن تقوم بإنزالاتها على السواحل وترجيح الكفة لصالحها، المعركة في تعز ليست تكتيكية بل استراتيجية.
برأيكم، ما دافع الحرب على اليمن؟
في 2011م ومع تغير معادلة التوازن في الوطن ومع شعورها بالخطر إزاء ما يمكن أن يحدث من تغييرات يفقدها مصالحها، سارعت لاحتواء الثورة عبر عملائها في الداخل، واستطاعت لجم حركة التغيير في البلد عبر مبادرتها التآمرية وآليتها، وهي بتلك الطريقة ضمنت إدارة سلطة تخدم مصالحها وتمرر مشاريعها بسهولة أكبر بكثير من السابق، وهذه المرة وجدت فرصة سانحة لتلج إلى صلب مشروعها التآمري التمزيقي القائم منذ عقود، وهو قضم ما تبقى من أراضي النفط وضمها إلى أراضيها، ومن جانبٍ آخر تحقق مشروعها الهادف بالوصول إلى البحر العربي لبناء مينائها و تقليص أهمية مضيق هرمز، وفي سبيل ذلك شرعت في إضعاف مركزية الدولة أكثر، وبدأت بتوجيه أوامرها لعملائها في المحافظات الشرقية، كما بدأت تنفذ مشروع الهيكلة الهادف لتدمير بنية الجيش وتقطيع أوصاله من خلال إعادة توزيعه العشوائي المتصادم مع قدراته وإمكانياته، ثم تنفيذ قائمة بالاغتيالات كاملة تشرف عليها أجهزة المخابرات الأمريكية والأردنية والإسرائيلية، والقائمة استهدفت قادة أركان وضباط مخابرات وعسكريين أكاديميين وطنيين وقوميين، وكذا شرعت بتدمير الطيران اليمني واغتيال الطيارين، كما عمدت لإغراق البلد بالقاعدة وإشعال الحروب البينية بدءًا من حرب دماج. هادي والإخوان حزب الإصلاح بدأوا أولاً بإغراق الجيش بعناصر القاعدة والإخوان مثلما فعلوا في أبين.. وكذلك الحملة القبيحة التي خاضها العدوان وإعلامه ضد الجيش ووصفه بكونه "حرساً عائلياً" بينما القوات التي يتزعمها علي محسن وطنية! هذا ضرب من الجنون، ولم يكن هروب هادي إلى عدن إلا جزءًا من هذا المشروع الاستعماري، واستمرت في تخريب الجيش وتدميره فقد أرادته منكسراً ممزقاً ولا يستطيع التصدي لها حين تقدم على غزوها البري، هذا كله كان المقدمة للعدوان، لكن رهانها كان فاشلاً واستطاعت القيادة الوطنية أن تستعد مُسبقاً لهذا المشروع وأن تكون على جهوزية كاملة.
بعد 21 سبتمبر/ أيلول، فزعت السعودية حين رأت كل ما بذلته من أموال وإمكانيات تتبخر أمام تلك الجموع الثائرة بسلاحها الشعبي القبلي.. عامة الشعب من المسحوقين زعزعوا عرش المملكة في صنعاء الذي تبنيه منذ تسعة عقود تقريباً، ولذا وجدت نفسها أمام خيار القدوم بنفسها وكل حلفها الإمبريالي لإعادة الشعب إلى بيت الطاعة مرة أخرى.
الولايات المتحدة كان لها مصالحها في البحر والقواعد العسكرية التي أتاح لها عبد ربه منصور المجال في الأراضي اليمنية في "العند" وغيرها، ومن الغباء تماماً أن نربط العدوان على اليمن بشرعية هادي المزعومة، هذا غباء فادح وسقم في التفكير. هذا مبرر واهٍ قد ينطلي على المغفلين لكن ليس على أبناء الشعب المتقدين بالثورة والروح التحررية.
كيف تقرأ موقف اليسار من مجمل القضية الوطنية؟ وهل هناك أي مؤثرات عملت على تغيير موقفه؟
إن موقف اليسار اليوم وجزء منه القيادات بالذات هو موقف سيئ، لقد وقفوا مع العدوان للأسف وهذه مسألة تحسب عليه وتؤدي لانهياره الوطني والضميري بالمعنى الأخلاقي لكن جزء كبير من قاعدته ليست مع العدوان لكنها فاقدة للتأثير فاقدة للتنظيم، إن الديمقراطية مصادرة للأسف والبيروقراطية الفاسدة سادت لهذا لم تنعقد المؤتمرات والاجتماعات وصودر الصوت الوطني الديمقراطي داخل هذه الأحزاب وفُرض مناخ يغيب الرأي الوطني والتاريخي. إن اليسار تاريخياً هو الذي حمل القضية الوطنية والقومية وهذه تحسب له وطنياً وليس القادة الذين يذهبون إلى الرياض، حيث لا يمثلون اليسار ولا حتى حبة خردل منه، لقد اغتصبوا اليسار وليسوا في الأصل التاريخي يساراً؛ لأن العداء للسعودية والقوى الإمبريالية هو الأساس تاريخياً.
السعودية اخترقت النظام في الجنوب من وقت مبكر، مستغلة الصراعات التي نشأت بين التيارات، مدت خطوطًاً واستغلت الصراعات، وحاولت في البداية أن تظهر بصورة المُشفق على الجنوبيين والمتعاطفة معهم ضد الشماليين، ولعبت على مسائل كالشافعية والزيدية كونها هي سنية.
التراجع والتفكك الذي شهده الاتحاد السوفييتي انعكس بدوره على الجنوب، وكانت القيادة تشعر بالضعف وارتفاع المظلة الدولية عنها، وبدأت تيارات تميل باتجاه السعودية للأسف، وخاصة قيادته، البيض والعطاس، وخصوصاً العطاس كان له علاقاته بالسعودية منذ وقتٍ مبكر، وكان يعمل ضمن هذه الأجندات السعودية والمشاريع السعودية. ولذلك فُتح الخط مع السعودية في ظل هذا الصراع، حينما شعروا أن التحالف الدولي لليسار أصبح ضعيفاً، وجزء من القيادة الجنوبية يريد ترتيب وضعه مع الخليج والسعودية، معتقداً أنه سيأمن شرها، ومع الوحدة ظنوا أن السعودية بإمكانها أن تكون مرجعيتهم أو حليفتهم، وستدعم صفهم في الصراع مع علي صالح أو الصراع مع الشمال. هُنا بدأ الانحراف السياسي والفكري سواءً داخل القضية الجنوبية أو داخل اليسار، هُنا أصل الانحراف، التحليل للواقع اليمني، الخطأ في هذا التحليل المنظور إليه، عدم فهم اليمن بشكل واضح والتركيبة الاجتماعية في الشمال وتاريخها لم يمكنهم من استيعاب الوضع وأوقعهم في نوع من التمركز الجهوي: جنوب شمال، شرق غرب، وهذا التمركز الجهوي وضعهم في فهم خاطئ للصراع.
وقعوا في إطار مفهوم ضيق مفاده أنه يمكن التفاهم مع الغرب، مع أوروبا، يمكن قبول المشروع الليبرالي الرأسمالي، تصوروا أن المشروع الليبرالي مقبول، وأنه طالما فشل المشروع الاشتراكي عندهم في الجنوب فيمكن طرح آخر ليبرالي.
والقادة الجنوبيون سلموا الملف الجنوبي والقضية للسعودية، واعتقدوا أنها ستعيد دولتهم، بينما هي تركز عينها على حضرموت وشبوة، ولم يحدث في يوم أنها أرادت الجنوب دولة مستقلة، وعملياً وجود القادة في أراضيها جعلهم في المحور السعودي البريطاني الأمريكي، وبالتالي في حالة التزام بمشروعهم.
نسوا مقولة الشهيد عبدالفتاح إسماعيل، ومقولة برنامج الحزب الاشتراكي حول التحليل الاستراتيجي القائل بأن لليمن عدوًا تاريخيًا معروفًا، سواء كان قادمًا من خلف البحار أو من شمال اليمن. وفي هذه الظروف أصبح العدو الرئيسي هو السعودية.
كيف حصل التخلي عن هذه الحقائق وليس المقولات؟ هذه أسباب رئيسية في الانهيار الفكري والانهيار المعنوي الذي عانته الحركة الوطنية ووجدت نفسها في النهاية قريبة من السعودية أكثر مما هي مع اليمن.
هل لا تزال هنالك حركة وطنية برأيك؟
الحركة الوطنية قائمة، موجودة، هذا الذي يجري الآن من دفاع عن الوطن جزء من الحركة الوطنية، 21 سبتمبر امتداد للحركة الوطنية، كل هذا الحراك الآن والصراع ضد السعودية وتجلياتها وضد التبعية، مهما تغيرت الأسماء والأشكال واستخدمت ألفاظ وأيديولوجيات هي حركة وطنية، لكن يجري التعبير عنها بألفاظ مختلفة، كان في الماضي يجري التعبير عنها بألفاظ يسارية وماركسية واشتراكية وقومية، وعندما تراجعت هذه التيارات الآن الحركة الوطنية تعبر عن ذاتها بتقاليدها وثقافتها الواقعية.
الحركة في المجتمع حركتان، حركة موضوعية شعبية تلقائية ذاتية، وهذه تستمر، والتغير هو الجزء الثاني من الحركة، وهو الحامل السياسي، كان في السابق التيار اليساري والقومي هو الحامل، وعندما تراجع هذا أو حصلت له مشكلات وانتكاسات..، تقدمت الحركة الاجتماعية نفسها ومن واقعها أنتجت تعبيراتها، قدمت تيارات دينية، تيارات شيعية، تيارات ثورية تلقائية، قدمت قوى وطنية أخرى، قدمت أشكالاً أخرى كثيرة في التعبير.
حركة أنصار الله كانت تعبر عن هم جزئي وصارت معنية هي بالهمّ الوطني وتصدرت المشروع الوطني والتحرري، أما القوى الأخرى فأنهكت وأصبحت ضعيفة وبعضها أصبح مجرد تابع، لقد تم تسليم الراية لهذه القوى الأخرى، هذه القوى التي لم تقدر السعودية على ابتلاعها.
حين أصبح الخطر يأتي من الشمال؛ القوة الشمالية القبلية أخذت دوراً محورياً موضوعياً تاريخياً ليس له علاقة بالبشر، ولا بالسياسة، هذا الوضع هو الذي يملي عليك هذا الموقف وهذا الدور بسبب هذا الموقع الجغرافي وهو موقع الصراع مع السعودية، فالحدود اليمنية السعودية هي دوماً محل أطماعها التوسعية وهناك الغطرسة السعودية الاستعمارية، إذن القوة القبلية الحدودية هي التي تصدرت مقاومة هذا المشروع فقادت حركة وقادت الصراع الوطني ويجب على الناس أن تفهم هذا الواقع.
هل من مستقبل لـ 21 سبتمبر؟
بالتأكيد، كل ثورة حقيقية وطنية تحررية يرتبط مصيرها بأغلبية الشعب، هي تنتصر لا محالة، مهما حاولت القوى ردع ذلك، والقوى السياسية لم يكن أمامها إلا أن تقف مع الشعب أو ضده، والقوى السياسية اليمنية لن تستطيع إيقاف الثورة مهما فعلت؛ لأن الثورة حركة شعبية وجماهيرية شاملة عفوية وواعية في آن، تجد طريقها وتجد من يقودها باستمرار لأنها تعبر عن مطالب واضحة ومحددة وكبيرة. وهذ الظرف وطني يشهد بقرب تفجُّرات وطنية تحررية في المنطقة وتحولات إقليمية، وتوسع حركة المقاومة والممانعة مع انحسار في الجهة المقابلة للقوى الرجعية والتابعة في المنطقة، وهذا يصب في صالح الحركة الوطنية والتحرر ويعبئ الطاقات أكثر. والتغيرات الدولية الآن في صالح تحررنا الوطني وهو يتطلب وعيًا ومسئولية في التعامل مع هذه المعطيات.
كيف يمكن التوفيق بين المفهوم الحديث للثورة بما هي ثورة القوى الحديثة في المجتمع، وبين الواقع القائم لسبتمبر الراهن كثورة تقودها قوى تقليدية وقبلية وبأيديولوجيات دينية، وكذا قواها الرئيسية في الميدان هي قوى قبلية مسلحة، يمكن أن نصفها بثورة القبيلة المسلحة؟
لاحظ معي، يجب أن نؤكد بعض النقاط المهمة حول المفاهيم، لا يوجد في علم الاجتماع نهائياً لا الماركسي ولا القومي ولا البرجوازي، ولا أي فكر اجتماعي حديث أو قديم، علم أو فكر يشترط أو يحدد أن تكون الثورة إما حديثة أو لا ثورة، الثورة هي ثورة، حسب وعي المجتمع ومستواه تقوم الثورة، الشعب قام بثورة وبحسب إمكانيات الشعب وطاقاته سواء قادته القوى التقليدية أو الحديثة، هذا يعتمد على طبيعة هذه القوى وليس الشعب فقط، على وعي الناس وقدرة المجتمع وطبيعة قدرة هذه القوى.
أما هذه المفاهيم: القوى الحديثة واللا حديثة، هي ليست دقيقة وليست علمية، المفهوم العلمي يقول: هناك ثورة بروليتارية ثورة برجوازية ثورة إقطاعية أو فلاحية أو شعبية أو طبقية عمالية، هذا هو معنى الحديثة في الثورة، لكن حديثة ما حديثة؟!!، هذا ليس صحيحاً هذا إغفال وخلط للأوراق وتضليل!!
ماذا تعني حديثة؟ لنسأل، هل كل القوى الحديثة هي قوى ثورية؟ الإمبريالية قوة حديثة، هل هي ثورية؟!!.. قطعاً لا، بل هي استعمار، وهل كل القوى التقليدية والقديمة هي قوى رجعية؟! هل الفلاح رجعي لأن وعيه متخلف فقط؟!.. لا بالتأكيد، هو بحاجة للثورة، الثورة ثورة الأغلبية الاجتماعية التي تسقط نظامًا قائمًا وتأتي ببديل له، بأي شكل، هذه هي الثورة، والمفهوم الاجتماعي يوضحها نهضة شعبية لأغلبية شعبية معينة بقيادة طبقة أو فئة ثورية معينة تنتزع بالعنف السلطة من الطبقة القديمة المستغلة.
الثورة الفرنسية نفسها كمرجع مثلاً (للحديثين) هؤلاء كلهم، حين يقومون بعمل إحصاء حول أبرز رجالها وقادتها سيجدون غالبيتهم عبارة عن رجال دين، قساوسة ورهبان، وخصوصاً أولئك أبناء الفلاحين أو البرجوازية الصغيرة، لكن هم قساوسة، وأهم مركز كان للثوار في فرنسا التيار الثوري اليساري روبيسبير وجماعته، هذا كان يجتمع في (دير) اسمه دير سان يعقوب وسموهم "اليعاقبة"، كانوا يجتمعون للصلاة وهو دير مسيحي، وفيه كانوا يرتبون للثورة. إذن الثورة لا تشترط أن تكون رجل دين أو لا، بل تشترط كون قادتها ثوريين، وقادة الثورة قد تكون ثقافتهم دينية أو علمانية، حسب الظروف الاجتماعية.
في التاريخ العربي، ثوراتنا طيلة ألف عام قادتها قوى دينية، الإسماعيلية أو القرامطة أو الزيدية وغيرها، هذه تعبيرات الثورة يحددها الظرف الاجتماعي نفسه، ولا يمكن اعتبارها ليست ثورة.
الهوية الوطنية اليمنية.. ما إشكالياتها؟ وكذا علاقة ذلك بالعدوان ومشروعه الاحتلالي؟
أهم إشكاليتين واجهتهما الهوية اليمنية خصوصاً في القرون الثلاثة الماضية: حالة العزلة التي أوجدها الاستعمار بين المناطق اليمنية وأنتجت تباعدات ثقافية، وبدورها أوجدت تفاوتاً في التطور الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. هاتان الإشكاليتان أو الأزمتان واجهتا الهوية اليمنية، وسبق ووضحت ذلك في الأسئلة السابقة وكيف كان للقوى التي لها أطماع في اليمن كبريطانيا وقبلها العثمانيون ثم السعوديون والأمريكان دور في ذلك، وكيف اشتغلوا على هذه الإشكاليات كي يتمكنوا من السيطرة على البلد ونهب ثرواتها. هذه العزلة وهذا التفاوت في التطور الاقتصادي والسياسي ولَّدا حالةً من الشعور بالذات المناطقية المنسحبة من الكل اليمني، وفترات الصراع أنهكت الدولة وقدرتها في إمساك البلد ككتلة واحدة، وفي هذا السياق جاء مشروع (الأقاليم الستة) المطروحة في الحوار، لجعل هذه الإشكاليات حالة دائمة، أي تصبح مع الوقت هويات سياسية منفصلة.
الانقسامات السياسية وتجاذبات القوى هي جزء من هذه الإشكالية ونتاج لها في آنٍ، والقوى السياسية تورطت في مشاريع الاستعمار بعلمها أو بدونه، لقد خاضت صراعات وجعلت من الخارج مرجعيتها واستقوت بالخارج ضد الداخل، بينما الوضع اليمني لم يكن يحتمل مثل هذا الانقسام.
وانتصار اليمن على العدوان وفك الحصار هو انتصار على هذه الإشكالية التاريخية، ويترك للمجتمع أن يكتشف نفسه وللمثقفين كذلك، ويلتفت لثباته وتماسكه، والعدوان من حيث أراد تمزيق الشعب اليمني هو من زاوية أخرى يوحده ويلغي التفاوت القديم، والتغلب على العدوان بعد أي فترة سيخلق انصهارًا وطنيًا قوميًا لأول مرة منذ عقود، سيكون هناك انبعاث وطني قومي جديد، والسعودية لهذا السبب لا تريد منح اليمن السلام في ظل الثورة وفي ظل اتفاقيات سياسية تضمن حقوقه، سيبني نفسه وسيكون متماسكاً قوياً.. واليمن الآن يعرف إمكانياته والثروات التي لديه.. السعودية ووكلاؤها المحليون يرغبون ببقاء الشعب في حالة الإفقار والجوع والتخلف، لأن هذه الحالة تضمن بقاء مصالحهم وهذه المصالح هي السبب في حالة كهذه وهي الآن تدمر كل شيء في هذا السياق، لأجل بقاء الشعب فقيراً متعباً يستجدي المساعدات منه ويبقى راكعاً خاضعاً لهم ولسياساتهم.
الجنوب العربي.. هل هو واقع وهوية، أم اختلاق أيديولوجي ؟
اليمن هي الجنوب العربي، لا يوجد جنوب عربي خارج اليمني، فاليمن هي من أطلق عليه الجنوب العربي أي جنوب الجزيرة، ضمن الأسماء الكثيرة التي أطلقت عليها كاليمن السعيد، أما هذه التسمية التي يُروج لها الآن، فهي ليست أكثر من مشروع استعماري، هي تسمية استعمارية.
لماذا أُسقطت هذه التسمية في ثورة أكتوبر؟ أسقطتها الحركة الوطنية، الجبهة القومية، لأن الاستعمار البريطاني هو من اختلقها، كي تؤبِّد سيطرتها على عدن، أقدمت لبناء النموذج الخليجي، كخطوة استباقية لقطع الطريق على التحرر والاستقلال وقطع الطريق أمام محاولات التوحد مع الشمال، ولذلك جمعت السلاطين وأوجدت لهم سلطنات مستقلة، ونصبت نفسها (الأم الراعية أو الأم الحنون)، وصنعت لهم إطاراً اسمه "اتحاد الجنوب العربي" تحت سيطرتها مع استثناء حضرموت، وبنت لهم مجلسًا تشريعيًا، والذي هبت الجماهير في عدن ضده في تاريخ 25 سبتمبر 62م عشية الثورة في الشمال، هبت ضده وأحرقته، ورفضت أي ديمقراطية في ظل وجود الاستعمار، وهذا المجلس لم يعترف به أحد وكان معروفاً للجميع بكونه مهزلة بريطانية، والقوى التي اشتركت معه سقطت بسقوطه.
أبداً لم تقم هوية سياسية اسمها الجنوب العربي، بل كان هناك يمن وكل من عليه ينحدرون من قبائل واحدة، والجبهة القومية كان اسمها الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن المحتل، وجبهة التحرير لجنوب اليمن المحتل، عدا تلك التنظيمات التي كانت مرتبطة بها كحزب الرابطة، وهذه سقطت بسقوطها.
في 2007م عندما عاد علي سالم البيض للمشهد السياسي بعد صمت طال 13 عاماً، هو تحدث بهذا الأمر، بعودة الجنوب العربي. هذا هو المشروع السعودي الأمريكي. عندما يبدأ شخص يتحدث بهذا المعنى معناه تورطه بمشروع الاستعمار الذي يريد سلخ الجنوب من اليمن وضمه للخليج وليس حتى دولة مستقلة في الجنوب. قيادات لم تعد تتكلم عن كونها يمنية أصلاً، تتحدث عن هوية مختلفة، وتتكلم عن "احتلال يمني"!! والحراك الوطني الآن مضروب وليس له مستقبل ويتعرض للتصفية والتآمر، وليس أمامه إلا أن يعود للوحدة الوطنية، لأن الجنوب لا يمكن أن يتحرر بعيداً عن اليمن؛ فالسعودية تسعى لفصل الجنوب، وليس الجنوب كله، بل ذلك الجزء الذي يوصلها للبحر العربي، ويسمح بإنشاء مشروع قناتها، وهذا تحدث عنه العطاس مؤخراً وبدأ يمهد له مع الجفري، إعطاء السعودية إدارة حضرموت كمكافأة لها على جهودها معهم، هذا تصريح في العلن ولا يمكن التغاضي عنه.
المصدر صلاح العلي/ لا ميديا