تداولت أشهر الصحف الأجنبية ووكالات الأخبار التقرير الذي صدر عن جمعية هنري ديكنسون، أحد مراكز الأبحاث في بريطانيا، والذي يعد مركزاً للدراسات التي تهتم بمكافحة التطرف، وأحد صناع السياسات وموجهي الرأي العام، تحت عنوان (التطرف في المملكة المتحدة الممول من الخارج).
يشير التقرير إلى أن دول الخليج وإيران مسؤولة عن التطرف في المملكة المتحدة، لكن السعودية بالتحديد هي من أنفقت الملايين على تصدير الفكر الوهابي إلى الجاليات الإسلامية في الغرب منذ عام 1960م.. الجدير بالذكر أن حكومة ديفيد كاميرون قامت عبر وزارة الداخلية بعمل دراسة حول التطرف في بريطانيا، لكن نتائج البحث لم تنشر حتى الآن. حيث تتعرض حكومة تيريزا ماي إلى ضغط شديد من حزب المحافظين من أجل الإفصاح عما توصلت إليه الدراسة. واعترف متحدث باسم وزارة الداخلية لصحيفة (الغارديان) البريطانية بأنه من المحتمل ألا يتم نشر التقرير (لأن محتواه حساس للغاية).

تصدير الوهابية بملايين الدولارات
وجاء في التقرير كما يلخصه توم ولسون ناشر التقرير (أن التمويل الذي يأتي للجماعات الإسلامية المتطرفة في المملكة المتحدة يسلط الضوء على الحاجة إلى تحقيق عام حول مصدر الدعم والتمويل الذي يحصل عليه المتطرفون).
وجاء في مقدمة التقرير: نحن نبلغ عن دليل وحجة حول التأثير الكبير للتمويل الأجنبي الذي يلعب دوراً في تنامي التطرف في بريطانيا والبلدان الغربية الأخرى. ويتضمن التقرير النتائج التالية:
التمويل الأجنبي الذي يحصل عليه المتطرفون يأتي بشكل أساسي من حكومات ومؤسسات مرتبطة بها في دول الخليج وكذلك إيران.
وجاء في التقرير أن السعودية تتصدر هذه الحكومات، والتي ترعى تصدير ونشر الوهابية بملايين الدولارات منذ 1960م، في جميع أنحاء العالم الإسلامي، بما فيها الجاليات الإسلامية في الغرب.
ويصف التقرير صور وأشكال الدعم الذي كان يصل بشكل أساسي على هيئة هبات ومنح مقدمة للمساجد ومعاهد التعليم الديني، والتي تحولت بوضوح إلى ملاذ ومأمن للوعاظ والخطباء المسلمين المتطرفين وتوزيع النصوص الدينية المتشددة. حيث تم إحداث تأثير بشكل أكبر من خلال تدريب وتدريس رجال الدين البريطانيين المسلمين في السعودية، بالإضافة إلى استخدام نصوص من المنهج السعودي في عدد من مدارس المملكة المتحدة المستقلة.
وأضاف التقرير (أن هناك عدداً من الخطباء والوعاظ البريطانيين الذين يحرضون على الكراهية على صلة بأيديولوجيا السلفيين الوهابيين، ولهم ارتباطات واضحة برعاية ودعم التطرف من خارج البلاد سواء من خلال الدراسة في السعودية عبر برامج منح دراسية أو من خلال الحصول على النصوص والمواد التي تحث على التشدد والتطرف داخل المملكة المتحدة نفسها).
وجاء في التقرير أيضاً (لقد كان هناك العديد من الحالات في أوساط البريطانيين الذين انضموا إلى الجماعات الجهادية في العراق وسوريا، يعتقد بأن تطرفهم يعود إلى المؤسسات الدينية والخطباء الذين يحصلون على تمويل أجنبي).

ارتباط سعودي بتمويل شبكات إرهابية
أما صحيفة (إندين إكسبريس) فإنها تعيد إلى الأذهان وتستحضر عنواناً تم نشره مسبقاً حول الارتباط السعودي بأحداث الـ11 من سبتمبر، وتقول بأن ما يدعو للسخرية هو أن السعودية فرضت الحصار على قطر بتهمة دعمها وتشجيعها للإرهاب، بينما النخبة في السعودية تدعم الجهاديين والسلفيين منذ وقت طويل. ففي الوقت الذي تقاتل فيه السعودية تنظيم القاعدة وتنظيم داعش، فإن هناك سعوديين متهمين بتمويل شبكات وخلايا إرهابية في باكستان مثل شبكة حقاني والاشكار الطيبة، وهما شخصان نشرت وثائق ويكيليكس تصنيف وزارة الخزانة الأمريكية لهما كقياديين للجماعات الإرهابية في العام 2008م، وهما على ارتباط بأحد الشخصيات السعودية والذي تم تمويله لإنشاء الشبكتين المتطرفتين والإشراف على الجماعة نفسها داخل السعودية وتكثيف نشاطاتها وأجنداتها ضد منظمات المجتمع المدني في السعودية ورجال الأعمال.
وأضافت الصحيفة أنه على سبيل المثال (عندما رفض البرلمان الباكستاني إرسال جنود إلى اليمن تظاهر أعضاء جماعة أهل السنة والحديث وطالبوا بدعم غير مشروط للسعودية).

اتهام حكومة ماي بحجب الحقائق
صحيفة (نيويورك تايمز) ذكرت من جانبها أن حكومة رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماي تحفظت مؤخراً على دراسة حول الدور السعودي في رعاية التطرف في بريطانيا واتهمها معارضوها بأنها تخفي نتائج التقرير حول الإرهاب في بريطانيا، وذلك لحماية الاتفاقيات التجارية البريطانية مع السعودية، خصوصاً وأنها تنظر للشركاء الرئيسيين لما بعد خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوربي.
وحول ما يجري في قطر قال توم ولسون ناشر التقرير: (إن اتهام السعودية لقطر بتمويل الإرهاب يعد كذبة واضحة).
واتهم الحزب الليبرالي رئيسة الوزراء بوضع الصفقات والاتفاقيات التجارية مع السعودية قبل أمن وسلامة المواطنين البريطانيين في الداخل من خلال رفضها الإفصاح والكشف عن نتائج الدراسة. وقال رئيس الحزب الليبرالي تيموثي فارن، في تصريح له: (نحن نسمع بشكل متكرر عن صفقات الأسلحة السعودية أو حول سفر السفراء البريطانيين إلى الرياض للتزلف أمام الأسرة الحاكمة في الرياض، لكن حكومتنا حتى الآن لم تسمح بنشر التقرير الذي سينتقد السعودية بشكل صريح).

التطرف في الخليج.. هدف متحرك
الجدير بالذكر أن وزارة الداخلية البريطانية هي من نفذت الدراسة حول التطرف في بريطانيا، حيث أنكرت في تصريح لها أن الحكومة تحجب التقرير لتفادي إحراج أو إغاظة السعوديين. ولكن الناطق باسم وزارة الداخلية رفض التعليق حول ما إذا كانت نتائج التقرير توصلت إلى دور سعودي في نشر الإرهاب. وقالت وزارة الداخلية (إن الوزراء يدرسون ما يمكن نشره وعرضه أمام البرلمان في الوقت المناسب).
وقالت جين كينمونت، باحثة في تشاثام هاوس، أحد مراكز الأبحاث في المملكة المتحدة: تدور رحى الخلاف بين ما يسميه ويلسون (فكرتين مختلفتين تتنافسان حول ما هو التطرف)، حيث تعرف السياسة البريطانية التطرف بأنه أيديولوجيا تعارض الديمقراطية الليبرالية، بينما الحكومة تأخذ بجزئية من هذا التعريف كجزء من الخلاف مع حلفائها العرب. وتعد جين هي من عرفت التطرف في منطقة الخليج (بالهدف المتحرك).
وأضافت (إن مسألة تعريف الإرهاب والتطرف تظل مسألة صعبة، فعلى سبيل المثال بالنسبة للحكومات الملكية في السعودية والإمارات العربية المتحدة فإن جماعة الإخوان المسلمين تعد جماعة متطرفة لأنها تريد أن تطيح بعروش الملكيين، ولهذا كان السبب الرئيس لاتهام قطر بالتطرف هو تحالفها مع الإخوان المسلمين. لكن التعريف هذا للإرهاب لا تشاركه المملكة المتحدة أو الولايات المتحدة وفرنسا).
وقال التقرير أيضاً إن التمويل تم استخدامه لدعم التفسيرات المتطرفة للإسلام، حتى تلك التفسيرات التي تتجاوز الممارسات والشعائر التي تمارس في البلدان الإسلامية نفسها والأعراف المعتدلة. وذكرت صحيفة (نيويورك تايمز) الأمريكية أن السفارة السعودية في واشنطن لم تستجب بشكل فوري لطلب من صحيفة (يو إس توداي) للتعليق، لأن السعودية غارقة بنفسها في الجدال حول ماهية الإرهاب، متهمة جارتها القطرية بدعم الجهاد خارج البلاد ودعم حركة حماس وجماعات أخرى تم تصنيفها كجماعات متطرفة في المنطقة.