البتــرودولار

التلاعب بالأسعار النفطية وهيمنته على السيادة الخليجية
البتــرودولار

الحرب على اليمن وتدميره وتشريد أهله، لم تكن للإطاحة بيمن أيلول، يمن الثورة المنتصرة على الإقطاع، والعسكرتارية الفاسدة، وسماسرة النفط وثالوث البترودولار، ولا للقضاء على الحوثيين، أو إعادة الشرعية غير المشروعة بقرار أو قانون، أو وقف التمدد الإيراني وصون الأمن الإقليمي والدولي، أو حماية اليمن واستقراره ووحدته وحريته، ولا من أجل السنة والشيعة أو الفرس والعرب، ولا من أجل نشر الديمقراطية والعدالة كما يزعمون.
الحروب على مر التاريخ حروب اقتصادية وفرض نفوذ وسيطرة على الثروة والسيادة والقرار السياسي. وجعل اليمن والمنطقة سوقاً شرهة لاستهلاك السلع والسلاح والخدمات، وإضافات إلى المكتنزات من الثروة في الداخل والخارج، والاحتفاظ بأدوات بيروقراطية ضخمة غير منتجة، وبمؤسسات عسكرية أكثر تكلفة، وليس أكثر جدوى. وفي الوقت ذاته تدفق فوائض البترودولار إلى الشركات الأمريكية والغربية، وإلى الجيوب الخاصة لحكام وملوك وأمراء البلدان الخليجية التي لاتزال تسير على أسس وعلاقات بدائية، ليس هناك فاصل بين الإيرادات القومية والجيب الخاص للحاكم.
لذا، فإن اليمن تعتبر ضمن منظومة النفوذ والرؤية الاستراتيجية الأمريكية، وأداتيها السعودية وإسرائيل، وساحة هامة لنفوذها السياسي والاقتصادي، ولذا نرى استماتة الأمريكان وثالوث البترودولار للحفاظ على سيطرتهم ونفوذهم ف اليمن والمنطقة بشكل عام، وتحبكون مختلف المؤامرات والخطط لكي لا تسقط هذه المنطقة الحيوية من أيديهم، وتضيع، أو تضعف الأرباح الخيالية التي يجنونها من فوائض عائدات البترودولار على حساب المستضعفين والمقهورين.
وللامبريالية الأمريكية ثلاث أذرع ضخمة للسيطرة والهيمنة والتحكم بالشرق الأوسط، وجعله مستهلكاً غير منتج:
1 - البترودولار     2- إسرائيل       3- الإرهاب.           
 ويعتبر البترودولار شرياناً مغذياً ومحركاً للذراعين الثانية والثالثة من العائدات المالية للريع النفطي. 
قبل مرحلة اكتشاف النفط كان اقتصاد الجزيرة العربية يمثل شكل الاقتصاد المغلق، ويقوم على المجهود الشخصي غير المنظم، غايته تأمين متطلبات الحياة اليومية بحدها الأدنى. كان نشاط سكان منطقة الخليج والجزيرة العربية يتركز على رعي الماشية والزراعة المطرية البسيطة، واستخرج اللؤلؤ والمرجان، والسيطرة على تجارة الشرق والملاحة وتجارة الحرير والتوابل. وهو ما يمكن وصفه بالاقتصاد المغلق القائم على نشاط غير منظم ومستمر، هدفه تأمين الحياة اليومية بالحد الأدنى. وعاشت المنطقة أطواراً من المجاعات والركود الاقتصادي بسبب تدمير الاستعمار وسائل النقل البحرية التي كانت بمثابة محرك لأنشطة الحياة المختلفة في المنطقة، بحجة القرصنة، والآن يمارس البترودولار تدمير البلدان العربية الرافضة لنفوذه وسيطرته، بحجة الإرهاب والشرعية والديمقراطية.
إن اعتبار العائدات النفطية (ريعاً نفطياً)، وأن تلك العائدات هي إيجار تتقاضاه البلدان النفطية من تأجير أراضيها إلى الشركات النفطية. وهي بذلك، ريع خارجي غير مكتسب، ولم يتولد من هذا الريع النفطي أية عمليات إنتاجية للاقتصاد الوطني. تحويل الثروة النفطية الناضبة كأصل عيني إلى أصول مالية، أي تحويلها من ثروة في باطن الأرض إلى أوراق نقدية (حيث إن الأوراق المالية والنقدية تتعرض لمخاطر مثل تغير أسعار الصرف).
في الفترة بين عامي 1973 و1990، تم رفع كمية الصادرات النفطية ورفع أسعار النفط، حتى بلغت التدفقات التراكمية للريع المالي المتحول من الريع النفطي، حوالي 600 مليار دولار، وتوجهت الحصة الأكبر منها إلى الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا الغربية وبقية الدول الصناعية، وهذا تم بخطة مدروسة من الولايات المتحدة، لأن كل العائدات المالية سوف تعود إليها كتحصيل فواتير بيع الأسلحة الدول الخليجية، وتمويل حروب أمريكا في المنطقة، مثل الحرب الإيرانية العراقية وأفغانستان والصومال واليمن الشمالي والجنوبي. واستطاعت الولايات المتحدة من تلك العائدات تطوير التكنولوجيا النفطية، واستخراج النفط في مواقع لها جديدة مثل بحر الشمال. ومن 1982 تدرج انخفاض أسعار وصادرات النفط ليصل إلى أقل من 9 دولارات في يوليو 1986، في ما سميت (الصدمة النفطية المعاكسة)، ولم تتجاوز الصادرات النفطية للدول العربية الأعضاء في (أوبك) 11 مليون برميل يومياً، بعد أن كانت صادرات النفط في 1979 بلغت 20.3 مليون برميل يومياً.
ونتيجة لذلك تراجع الريع المالي الناتج من الريع النفطي من حوالي 208 مليارات دولار، عام 1980، إلى حوالي 51 مليار دولار في 1986، وعملت تلك الدول على خفض صادراتها، إلا أن الميل للاستيراد ظل مرتفعاً، الأمر الذي أدى - من تناقص صادرات النفط ـ إلى انخفاض في الميزان التجاري من 127.7 مليار دولار عام 1980 إلى حوالي 26 مليار دولار في 1985.
ونتيجة لاستمرار العجز لحساب الخدمات والتحويلات، وقد أديا إلى تحول الفائض في الحساب الجاري إلى عجز منذ عام 1983 حتى 1986، ليصل إلى 11.7 مليار دولار. وهذا ما دفع بعض الدول النفطية للاقتراض الخارجي لتمويل العجز، ودولاً أخرى إلى الاقتراض المحلي من خلال أذون وسندات الخزانة. . ومن المؤكد فإن القيمة الحقيقية للفوائض المالية النفطية العربية مرتبطة بالدول الصناعية الخارجية من ناحية تقلبات سعر صرف عملاتها، أو معدل التضخم، أو زيادة ونقصان الطلب على النفط.. كما أن شركات وبنوك الدول الغربية تقوم بإدارة بعض الفوائض المالية من الريع النفطي لصالحها.
وساهم الريع النفطي في توسيع أسواق المال في الدول الخليجية بأنواعها: أسواق رأس المال (أسواق الأوراق المالية)، وأسواق النقد (البنوك).

البنوك العربية الدولية
تتضمن قائمة أكبر 20 بنكاً عربياً دولياً، 14 بنكاً تعمل خارج الوطن العربي، و6 بنوك أوفشور* تعمل في الداخل. وتوزعت البنوك التي تعمل في الخارج بين 7 بنوك في فرنسا و3 بنوك في المملكة المتحدة، وبنكين في لوكسمبرج، وبنك واحد في كل من الولايات المتحدة وإيطاليا.
وخلال فترة الفورة النفطية، وعلى مدى سبع سنوات من 1974 إلى 1981، قدرت الفوائض المالية المستثمرة في الخارج للدول العربية الأعضاء في (أوبيك)، بحوالي 300 مليار دولار، توزعت بين ودائع مصرفية ومحافظ مالية واستثمارات مباشرة وأوراق حكومية وقروض للدول النامية وصندوق النقد الدولي والبنك الدولي. وشهدت لندن وباريس وجنيف ولوكسمبرج ونيويورك، إنشاء عدد من البنوك العربية الدولية، إضافة إلى بنوك الأوفشور في البحرين، ودخلت تلك البنوك أسواق المال الدولية عبر المساهمات المختلفة في القروض المصرفية الدولية، حيث استطاعت قيادة قروض مصرفية قيمتها الإجمالية 48 مليار دولار للمقترضين من مختلف دول العالم، منها 20 مليار دولار للمقترضين العرب في فترة ما قبل حدوث الصدمة النفطية المعاكسة عام 1986.

افتعال الأزمات
وبتلك العوامل المفتعلة تدير الدول الغربية لعبة البترودولار دوماً بافتعال الأزمات المالية والنفطية المحلية والعالمية في مختلف أنحاء العالم، بحيث يصبح النفط تحت سيطرتها وملكاً لها تجني الأرباح الخيالية بواسطة الشركات الاحتكارية المستغلة للنفط، هي التي تستخرجه، وهي التي تكرره، وهي التي تسوقه، وهي التي تخزنه، وبذلك تجني الأرباح في كل خطوة تخطوها صناعات النفط حتى يصل إلى المستهلك، ولا تحصل الدول النفطية العربية على دخل، وإنما تآكل ثروتها.
ومن خلال تلك العمليات يتبين كيف تستفيد دول هذه الشركات من توظيف العائدات المالية من الريع النفطي، إضافة إلى بيع الأسلحة، وهناك مهام أخرى تقوم بها دول البترودولار أمنية وسياسية، للهيمنة على مقدرات وخيرات المنطقة، وكبح أي تطور أو تقدم تنموي في أية دولة من دول المنطقة، بحيث تصبح سوقاً مستهلكة للمنتجات الغربية، ولا يكون لها أي قرار سياسي. 
إن بناء معامل التكرير بعد الحرب العالمية الثانية، في أماكن استهلاك النفط، بدلاً من بنائها في أماكن الإنتاج، يسبب إضعافاً للقوة التفاوضية للحكومات المنتجة، وخسارة مادية كبيرة نتيجة حرمانها من قيام صناعات وتنمية وطنية توفر سبل العمل لأبنائها.
تلك السياسة في حرمان مناطق منتجة للنفط من الصناعات النفطية والأولية فيها، مثل التكرير، إنما هي تطبيق لروح اتفاقية الخط الأحمر التي تنص: (تحرم إقامة معامل تكرير في البلاد العربية إلا بالقدر الكافي لسد حاجة السوق المحلية للبلد المنتج). بل هناك مشروع احتكار يتضمن إعداد مستودعات في الأراضي الأمريكية لتخزين جزء من احتياطي النفط الخليجي عامة والسعودي خاصة، لتبقى بعيداً عن مخاطر الحروب في المنطقة، ويوفر المشروع للدول الخليجية ضمان جزء من احتياطياتها النفطية في الأراضي الأمريكية، بدلاً من تخزينه في ناقلات نفط عملاقة بالموانئ العالمية، ومن نفقات تأمين وصيانة وحراسة، مع استمرار الإنتاج اليومي من النفط للدول الخليجية. كما يمكن المشروع الدول الخليجية من تسديد قيمة فواتير صفقات السلاح من الأرصدة النفطية المخزونة، دون المساس بالميزانيات السنوية. فالدخل إيراد دائم متجدد يمكن الحصول عليه بشكل مستمر مع بقاء الثروة أو الطاقة الإنتاجية على ما هي عليه، ويمثل إضافة صافية إلى موارد الفرد أو الدولة. الدول النفطية لا تعرف شيئاً من ذلك، فهي تكسب موارد نقدية ورقية، وتخسر في نفس الوقت مورداً طبيعياً، ويتضاعف الريع النفطي من تضاعف استخراج وتصدير الثروة النفطية، تراكمات وفوائض مالية قابلة للاستثمار، توجهها إلى أسواق المال في الدول الصناعية المتقدمة، بهدف الانتقال من الاعتماد على (الريع النفطي) إلى (الريع المالي).
وقد ارتبطت فكرة الريع دائماً بظاهرة المضاربة في جو من الظروف المناسبة نفسياً لإمكانيات الكسب دون جهد، وتبرز فئات ريعية من السماسرة والوكلاء، والمضاربين العقاريين والمضاربين بأسواق الأسهم والمتاجرين بوثائق الإقامة وفقاً لنظام (الكفيل). وفي كل تلك النشاطات ينفصل العائد عن الإنتاج.

تحكم البترودولار بالقرار السياسي والسيادي للدول العربية
وعلى صعيد العلاقات العربية- العربية، فإن الفوائض المالية المتوافرة للدولة النفطية تدفعها باتجاه استبعاد التكامل الاقتصادي، وصولاً إلى التكامل الإقليمي سياسياً، فالأولوية بالنسبة لها أن تتمكن من استثمار فوائض أموالها في أي مكان من العالم، ولا يمنع ذلك من توجيه قدر متواضع من تلك الفوائض إلى دول العجز العربية، لأغراض سياسية، أولها التأثير على النظم القومية والتقدمية (مثلما حدث مع مصر وسوريا). وثانيها إعاقة التكامل السياسي (مثلما حدث مع اليمن الشمالية حتى لا تتوحد مع اليمن الجنوبية) ومع (تونس لإبعادها عن الوحدة مع ليبيا)، وآخرها دعم النظم المحافظة والمنسجمة معها مثل المغرب والأردن.. وإن توجهت الفوائض العربية لأغراض اقتصادية في الوطن العربي، تتركز في الأنشطة المالية والخدمية، دون إضافة حقيقية للطاقات الإنتاجية. وفي حالة احتياج دول الفائض العربية للعمالة من دول العجز العربية، فإنها لا تفضل تنظيم انتقالها، حتى لا تحصل على حقوقها، ولا تتمكن من الاندماج في مجتمع الدولة النفطية. فإن دول العجز العربية تدرك أنها تشارك الدول النفطية في الانتماء الى كيان ثقافي واحد، هو الأمة العربية، إلا أنها لا تشاركها الثروة النفطية، وقد حاولت دول العجز العربية -  من قبل - عبر الأيديولوجية القومية، حل ذلك  التناقض، كما غامر العراق محاولاً حل التناقض عسكرياً بغزو الكويت.
 ويتصاعد الإنفاق على مشتريات السلاح دفاعاً عن مصالحها ومصالح الاحتكارات الاستعمارية الأمريكية والإسرائيلية.
لم يكن انتقال الأموال من دول الفائض الى دول العجز، لمجرد اعتبارات أخلاقية، وإنما دفعت إليه مصالح سياسية وخدمة لإسرائيل وأمريكا، وقد كان انتقال الأموال في غير المصلحة القومية في بعض الأحيان، فالأموال العربية استخدمت على هيئة مساعدات لضم الدول الأفريقية (الصومال - جزر القمر - جيبوتي) لجامعة الدول العربية، رغم كونها غير عربية، وتدفقت الأموال على تونس عامي 1974 و1975، بهدف منع ارتمائها في أحضان دولة راديكالية هي ليبيا، المرتبطة معها باتفاقية الوحدة، وهددت اليمن الشمالية بوقف المساعدات عنه ـ عند تقاربه ـ مع اليمن الجنوبية، وبذلك حولت النظرة السياسية الضيقة المساعدات المالية الحكومية من أداة للتكامل الاقتصادي إلى أداة لتكريس تجزئة الاقتصاديات العربية.
إن أهم شرط فعال للسعودية لتقديم أية مساعدة اقتصادية أو مالية لأية دولة عربية، هو التخلي عن الإرادة السياسية والسيادة الوطنية، والتنازل عن الأراضي المحادة للسعودية كما حصل في اليمن، وفي أغلب الأراضي العربية، وآخرها الجزر المصرية تيران وصنافير.
ولم تساهم المساعدات وصناديق التمويل العربية في توفير التنمية الاقتصادية والصناعية، أو إرساء قاعدة إنتاجية في أي قطر عربي، أو القضاء على التخلف الحاد في مستويات تطور القوة الإنتاجية المادية والبشرية، أو الحد من تفاقم مشكلة المديونية الخارجية بالنسبة لمعظم الأقطار العربية.
كما وضعت مؤسسة التمويل العربية قيوداً للحد من قيمة القروض، فقد حددت القروض بنسبة مئوية من تكاليف المشروع، أو بنسبة مئوية من رأسمال الصندوق، مما أدى إلى لجوء دول العجز لمؤسسة التمويل الدولية وسوق القروض المصرفية لإكمال تمويل مشروعاتها بتكلفة أعلى، في حين كان الهدف من تكوين مؤسسات التمويل العربية تمويل برامج إنمائية بأكملها، وليس تمويل حصص بمشروعات.


الأوفشور هي مفتاح السر للعديد من الأعمال المالية خارج حدود البلاد، ويصفها البعض بأنها الساحر لغسيل الأموال والنصب والاحتيال، ولكن ما بين الشرعية والخصوصية والكتمان يحتمي بها الكبار ويستثمرون، فلا وجود للرقابة ولا مطالبة بالقوائم المالية، وحتى الجمعية العمومية يكفي اجتماعها من خلال الهاتف، وجميع المعلومات حول هذه الشركات أو البنوك لا يمكن إظهارها للعامة مطلقاً، وهذا ما يتيح لأصحاب هذه البنوك العمل في الخفاء.