أمين عام مساعد الحزب الاشتراكي باذيب قال لي: لاتنسَ أصلك
عضو اللجنة الثورية العليا المثير للجدل القيرعي لــ ( لا ) :
لم يعد هناك يسار سياسي وأنصار الله هم الوريث الفعلي لتاريخ الحركة الوطنية اليمنية

 السيد عبدالملك الحوثي قائد سياسي ملهم لديه رؤية تقدمية حقيقية لمستقبل البلاد ومستقبل العلاقات الإنسانية جمعاء


خلال ساعتين من الزمن خاضت (لا) حواراً واسعاً مع متحدث لبق واسع الإدراك والرؤية، متصالح مع ذاته وواقعه وقضيته، التي لم تعزله عن عمومية القضية الوطنية والاجتماعية اليمنية، هو زعيم (حركة الأحرار السود) وعضو (اللجنة الثورية العليا) واللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام، وعضو لجنة مركزية سابق في الحزب الاشتراكي، الأستاذ محمد القيرعي الزعيم السياسي والثوري والأب الروحي لشريحة واسعة مقهورة ومهمشة من المجتمع، هي (الأخدام).. بلا كلل، أو مواربة، ناقش معنا القيرعي الكثير من القضايا الوطنية الراهنة، وناقش قضايا الواقع الاجتماعي المعقدة، ومنها التي تكتنف شريحة الأخدام، فكك سواتر الواقع المعاش والسائد الاجتماعي، بدءاً من التهميش الاجتماعي ضد الأخدام أو السود، وأسبابه، وحتى التحولات التي أفرزتها ثورة 21 أيلول المجيدة. ويقول إن التهميش بدأ منذ أكثر من 1400 عام، كان المجتمع طيلتها متوحداً ـ على الرغم من صراعاته ـ لاضطهاد الأخدام، إلا أن القيرعي يرى تحولاً عميقاً أفرزته ثورة 21 أيلول في المجتمع وعلاقاته، اختصرت 150 عاماً من النضال، وغيرت بنية الوعي السياسي على كافة المستويات، وزاد من تعميق هذه التحولات الحرب على اليمن، التي أنتجت فرزاً وطنياً واسعاً في المجتمع.
وفي إطار حديث القيرعي عن معاناة الأخدام ونضالاتهم، يؤكد أن هذا النضال من أجل التحرر الاجتماعي هو جزء لا يتجزأ من النضال الاجتماعي والوطني، باعتبار شريحة الأخدام هي جزءاً من المجتمع. كما يصف أن (التهميش) لم يطل شريحة الأخدام فقط، بل كل المجتمع؛ لكن (الأخدام الجدد) بحسب ما يصف به القوى المهمشة الأخرى، وعلى عكس (الأخدام التقليديين)، لم تتقبل واقعها وتفهمه كي تستطيع التحرر منه.
القيرعي، يعتبر أن قبوله بسيارة مصفحة هو خيانة لثقة الشعب الذي أتى من صفوفه ومن خضم معاناته، وبأنه انسلاخ عن واقع (المحوى) القادم منه والمدافع عنه، واكتفى بقبول سيارة 2005 تكفي لتأدية واجبه الوطني، وتؤدي غرض تنقلاته وحركته في الميدان.
سياسياً، تنوعت القضايا التي تحدث فيها معنا، فمفاوضات الكويت، يقرأها من عدة زوايا، الأولى هي التعيينات الأخيرة في صفوف عملاء الرياض، وأبرزها علي محسن وأحمد عبيد بن دغر، والتي يقرأها كعملية استنهاض جغرافية للقبيلة المحاربة في الشمال وفي حضرموت إلى صفوف العدوان، على اعتبار أن التعيينات رسالة تطمين تقول إن تمثيلهم السلطوي لا يزال قائماً، وهو ما يقول بأن العدوان يسعى لتوسيع رقعة الحرب في البلاد.

 أين اختفى القيرعي في الآونة الأخيرة، واختفت مداخلاته النارية؟ البعض يقول إنه منع من الظهور على الشاشات بعد السباب الذي أمطر به المداخل السعودي (حام العنزي) على قناة (RT).
لم أمنع، لا زال حضوري الإعلامي قائماً، لكن بحدود، فقد ركزنا جهودنا هذه الفترة ميدانياً تارة في تعز وتارة في المحويت وتارة في الجوف، لتعزيز الصمود الاجتماعي، خاصة في ظل الظروف التي تمر بها اليمن.

 أكنت لتكررها لو افترضنا أنك عدت لنفس اللحظة؟
بالتأكيد، بالتأكيد سأكررها، لأني كنت أحاور شخصاً مهووساً بقيم التفوق والقوة والازدراء للآخرين، ينظر لنا بانتقاص كامل، شخصاً لا يستحق أبداً أن نتحاور معه بشكل لائق وشكل حضاري، وهكذا يجب التعامل مع هذه العينات.
هؤلاء لا يستحقون منا التحاور بشكل حضاري، لأنه لا منطق لديهم ولا فكر ولا حجة في أطروحاتهم.

 هل تعتقد أن كونك عضواً في اللجنة الثورية العليا باعتبار كفاءتك السياسية والثورية، أم لكونك تمثل شريحة واسعة من المجتمع (الأخدام)؟
يمكن النظر للأمر من زاويتين كل في سياقه. لا يمكنني الجزم أن لديَّ كفاءة سياسية، الآخرون هم من يقومون بهذا الشق، الشق الآخر وهو كوني أمثل فئة، فهذا مؤكد، حتى حضوري في (المؤتمر الوطني) باعتباري أمثل فئة الأخدام، ونحن اجتمعنا مع أنصار الله في العقيدة الثورية. وكان من الطبيعي أن نتعارف نحن كمهمشين مع قوى ثورية وليدة باعتبار أننا جميعاً جزء من المجتمع اليمني، ويمكن القول بأننا أقليات عرقية ومذهبية مضطهدة، ونظرتنا للأمر من زاوية أننا أقليات عرقية ومذهبية ينبغي أن نلتقي مع بعضنا من أجل حقوق سياسية ومدنية مشتركة، وفي إطار القضية الوطنية اليمنية. وانضمامي للجنة الثورية هو من إيماني بمظلومية ومعاناة كافة أبناء الشعب اليمني، بما فيهم الأخدام، ونحن إذ نناضل من أجل تحرر الأخدام، لا نعزل أنفسنا عن النضال من أجل التحرر الاجتماعي لشعبنا بالكامل.
كما أن انضمامي للجنة الثورية لم ينسني انحيازي الاجتماعي للشعب ورهان الناس علينا، وبأنني كادح وقادم من المحوى، ولذا رفضت قبول أن يكون لدي سيارة مصفحة لأنني سأعتبرها خيانة للقضية التي أمثلها، واكتفيت بسيارة موديل 2005م تلبي حاجة حركتنا الميدانية وتنفيذ مهامنا الوطنية.

 وفقاً لقراءتك.. كيف ستكون نهاية العدوان؟
إذا أمعنتم التدقيق في تصريحات المتحدث باسم العدوان، ستعرفون النهاية، في أول تصريح له مع بدء العدوان أعلن أنه في الـ15 دقيقة الأولى من الضربة الجوية على الوطن تم تدمير 95% من قدرات الوطن، اليوم الشعب اليمني أثبت قدرة هائلة على الصمود والتصدي للعدوان خلال 13 شهراً، وبإرادة فولاذية.
ويمكن قراءة النهاية التي سيلاقيها العدوان من خلال قراءة ملامح الصمود الشعبي على كافة المحاور والأصعدة. الشعب لا يزال متحدياً صامداً متماسكاً مقاوماً وبشكل تصاعدي مستمر، لا يزال يحقق التقدمات والانتصارات البطولية، لا يزال يواجه ويستخدم الصواريخ الباليستية التي سبق وأعلن العدوان عن تدمير 95% منها، علاوة على أن اليمن يقوم بصناعة الصواريخ وتطويرها، وما خفي كان أعظم، وطننا لم ينهر اقتصاده على الرغم من حجم التدمير في البنية التحتية والمنشآت الإنتاجية والخدمية و...، وبالمقابل العدوان يعاني من تصدعات مستمرة في جبهاته السياسية والاجتماعية والعسكرية، وكذا الاقتصادية، ويكابد أزمات سياسية وقانونية وأخلاقية مترتبة كلها بشكل رئيسي على عدوانه الهمجي المتوحش على وطننا وشعبنا.
إذن، النهاية وخيمة لا محالة، وهي نتيجة طبيعية يلاقيها المعتدون.

 بأي شكل ستكون النهاية بناء على المفاعيل التي يقدمها الميدان؟
في الميدان المعادلة راجحة لنا بالتأكيد، وشكل النهاية هي بالتأكيد ستكون كنهاية أية أزمة سياسية أو وطنية أو حروب وغيره، بتسوية سياسية، ومهما طالت حرب العدوان ستكون نهايتها باتفاق سياسي بالمفاوضات.

  مفاوضات من يفرض شروطه فيها؟
الطرف الأقوى في الميدان والممسك بزمام المبادرة.. ومع ذلك فإن حرباً بهذه البشاعة ستكون لها عواقبها الوخيمة على مرتكبيها، والسعودية اليوم تقف أمام تملص شبه جماعي من شركاء الحرب على اليمن، تملص من المترتبات السياسية والعسكرية والاقتصادية والقانونية، وبجانب ما تعيشه السعودية من أزمات داخلية، فإن ذلك كله لن يجعل النتائج هينة في ظل هذه الخسارة المروعة للعدوان على اليمن، والسعودية هي محض أداة حين تفشل في تأدية المهمة سيتم تغييرها، ومالكة هذه الأداة هي أمريكا القائدة الفعلية للحرب.

 هل ترى النهاية قريبة؟
مهما طال العدوان فلا بد من نهاية، والسعودية الآن تعاني من مآزق جمة داخلية وعلى مستوى المنطقة، هي تستنزف الآن مالياً واقتصادياً، بدأت الصراعات الداخلية، لا سيما داخل العائلة الحاكمة، تشتد حدة عن السابق، وباتت تخرج للعلن أكثر وأكثر، كله سيعجل بالنهاية.. حتى بنية التحالفات التاريخية التي ربطت دول الخليج أصبحت اليوم مفككة في ظل التضاد الموجود، هذا كله طبعاً من إفرازات عوامل العدوان.

 قريباً ستعقد المفاوضات في الكويت حسب ما أعلن، كيف تقرأ المفاوضات على الميدان؟ وما الذي ستحققه هذه المرة؟
أرى من خلال القرارات التي أصدرها المأفون هادي، أن هذا ترتيب يتزامن حالياً من قبل عملاء السعودية لجعل مفاوضات الكويت مساعي لشن سنوات أخرى من العدوان، لأن التغيير الآن في معادلات النظام العميل في الرياض، وفرض علي محسن وبن دغر هو محاولة يائسة من قبل نظام هادي لاستعادة ثقة القبائل الحربية في شمال الشمال من خلال إعطائهم صورة أن حضورهم السلطوي لايزال قائماً، وهو الذي يمثله علي محسن، وجعلهم يقاتلون من أجل هذا المكسب، وبالنسبة لبن دغر كحضرمي، نحن نعرف أن حضرموت مسلَّمة من قبل العدوان للقاعدة، وهي تشكل خزاناً استراتيجياً بشرياً هائلاً يمكن أن يدعم المجهود الحربي لعملاء العدوان، وبالتالي فإن تعيين بن دغر كرئيس للوزراء هو محاولة استقطاب واستنهاض الحضارم إلى جانب النظام العميل، وهو نفس التوجه الذي ينطبق على تعيين علي محسن الأحمر في هذه الظروف بالذات، وهو كله استنهاض للقبائل الحربية التي كان لها ولاءات سابقة لهذه المنظومة، وهذا كله ينم عن رغبة لتوسيع نطاق الاحتراب، وبالتالي لست متفائلاً بالمطلق بمفاوضات الكويت لما ذكرت آنفاً، ولسبب آخر هو أن من يتفاوض معنا اليوم لا يمتلك بالمطلق قراراً سياسياً مستقلاً، فهم عبارة عن أدوات بيد الاستعمار ودوائر المخابرات الغربية والخليجية، وبالتالي لا يمكنها اتخاذ أي قرار حول إيقاف العدوان أو عدمه. إذن، فالمفاوضات هي عملية سياسية عبثية ليس إلا.

 لماذا لم نرك في مفاوضات جنيف الأولى والثانية؟ وهل سنراك في مفاوضات قادمة؟
نحن في اللجنة الثورية العليا لسنا معنيين بالمفاوضات، فممثلو المفاوضات هم من القوى السياسية المدافعة، بينما نحن كسلطة وطنية معنية بشؤون الداخل وتنظيم شؤون الدفاع عن الوطن، والمفاوضات تركناها لأصحاب الشأن السياسي.

 ما أخطر القرارات التي اتخذت في الفترة السابقة وشاركت في صياغتها؟ يقال بأنك صاحب مقترح سحب الجنسية اليمنية من كل السفراء الذين وقفوا مع العدوان!
كنت صاحب مقترح سحب الجنسية من كل السفراء والإعلاميين الذين يعملون ضد البلد في الداخل والخارج، وكنت من الدافعين الأساسيين لاتخاذ إجراءات الردع الوطني بحق كل القوى السياسية التي أيدت العدوان، وبالذات حزب الإصلاح، والقرار لم يتم تزكيته في أي من اجتماعات اللجنة الثورية، ولذا قلت في مقابلة تلفزيونية مع قناة (العالم) إننا في اللجنة الثورية اتخذنا هذه القرارات، مما جعل الزملاء في اللجنة الثورية أمام الأمر الواقع، وأنا أفخر حقيقة بهذا. كما أنني لا تربطني خصومة شخصية بهؤلاء. ما دفعني لذلك هو الواجب الوطني وإحساسي بالمسؤولية أمام الناس. كما كنت صاحب فكرة توجيه مذكرة رسمية حادة للجامعة العربية بعد إعلانها الوقوف مع هادي والعدوان، ومطالبتها بعدم التدخل في الشأن الداخلي اليمني وغيره. 

 كيف تقيِّم أداء اللجنة الثورية العليا، لاسيما فترة العدوان على الوطن؟
اللجنة الثورية حتى الآن أداؤها جيد جداً، قادرون على دفع رواتب الناس، تمكنا من ضبط الكثير من الفساد، لا زلنا قادرين على تنظيم الحياة بشكل جيد، وتنظيم النشاط الوطني والمقاومة الوطنية وتقليص مساحات تأثير العدوان، وهذه قضايا ومهام أساسية.
كان بمقدور اللجنة الثورية ـ على ما أرى ـ تحقيق نقلة نوعية على مستوى بناء نظام وطني حقيقي في البداية لو أتيحت لنا الفرصة.
هناك إخفاقات، من المؤكد أننا أخفقنا في بعض الأمور، ومنها عدم إسراعنا في البداية، أي ما بعد 21 أيلول، لإعلان مجلس وطني انتقالي وتشكيل حكومة الوحدة الوطنية وتشكيل مجلس رئاسي؛ وهذا ناجم عن حسن نية وعن وقصور في الوعي السياسي.

 ما أبرز متغير سياسي واجتماعي يمني تخلق بفعل العدوان؟
العدوان أسفر عن وجود حالة فرز سياسي واجتماعي ووطني واسعة النطاق، والقوى التي حددت موقفها ضد الشعب وضد الوطن أصبحت معروفة، وأصبح للشعب موقف منها بالتأكيد، وأنا لست على ثقة أن تلك القوى قد يكون لها مستقبل في أية تسوية سياسية وأي حضور وطني، اليوم العدوان فرز قوتين رئيسيتين بغض النظر عن طبيعة تكويناتهما، قوى مع الشعب والوطن، وتخوض غمار الدفاع عن الوطن والاستقلال ضد العدوان، وقوى صفت نفسها مع العدوان وأموال العائلة السعودية، ووضعت نفسها في زاوية ضيقة ومظلمة من التاريخ، ولا أعتقد أن الشعب سيغفر لهذه القوى مستقبلاً.

 هناك مقولة لأحد الفلاسفة تقول إن للحروب دورها في إعادة تخليق المجتمعات.. ما رأيك؟
نعم، للحروب دورها في إعادة تخليق المجتمعات، وفي إعادة صياغة مفهوم الوطنية اليمنية ذاته.
اليوم الناس صارت تحمل أرواحها وسلاحها على أكفها، وتقاوم بكل السبل، واليوم لا تزال الناس تغني وترقص وتزومل وتفرح...، على الرغم من بشاعة العدوان والحصار؛ فالحرب صقلت الانتماء والولاء الوطني والوعي بالهوية الوطنية، صقلت مقاومة الناس وصلابتها ووعيها بنفسها وقضيتها ووطنها.

 ما المشهد السياسي الذي سيتخلق بنهاية العدوان؟ وأين ترى موقع الأحزاب اليمنية لاسيما الاشتراكي وأحزاب اليسار؟ وأين سيقف القيرعي منه؟ اشتراكي، مؤتمر، أنصار الله؟!
أولاً.. لم يعد هناك يسار سياسي في اليمن بالمطلق، أحزاب المشترك تحديداً فقدت كل مقومات وأسباب حضورها الشعبي، و21 أيلول لم تُسقط حكومة باسندوة بقدر ما أزالت الأقنعة عن هذه الوجوه، مكون أنصار الله أصبح هو الوريث الفعلي لتاريخ الحركة الوطنية اليمنية. أرى أن مستقبل هذه الأحزاب انتهى تماماً، خصوصاً مع الدور الذي لعبته مع العدوان، ولا أعتقد أن الشعب سيثق بها مجدداً، أو سيقبل أن يتم التفاهم معها.
أما عن القيرعي فسيقف مع قضايا الناس، مع القضية الوطنية، وأنا عقائدي ماركسي من الأساس، لكنني خرجت من الحزب الاشتراكي حين أدركت أنني الماركسي الوحيد الباقي، وحين انضممت إلى المؤتمر لم أكتب كلمة لتمجيد الزعيم أو المؤتمر، بل انتقدت النظام من داخل الحزب، وكنت ألقى انتقادات من قيادات مؤتمرية، وعندما انضممت إلى المؤتمر اشترطت أن أحافظ على منهجي الماركسي وموقفي الوطني السياسي، وانضمامي كان لضرورات فرضها الواقع، منها تأمين الجانب الاقتصادي كي نستطيع الاستمرار في سبيل نضالنا، ومن أجل تأمين كوادرنا وتحسين أوضاعهم.

 برأيك، ما الذي أنجزته 21 أيلول للأخدام وسائر المقهورين اليمنيين؟
21 أيلول اختصرت 150 عاماً من نضال الأخدام، وجودنا اليوم، وإن كان بعضو واحد في اللجنة الثورية العليا، هو تمكين حقيقي بعد تهميش طال لمدة 1500 سنة. ومن أبرز سمات التحول الثوري الاجتماعي العميق لثورة 21 أيلول، هو التحول الاجتماعي العميق الذي حدث على صعيد القبيلة، القبيلة التي كانت واقعة ضمن الهيمنة الاحتكارية لآل الأحمر، كانت تشكل أبرز أدوات الاستبداد الاجتماعي الموجهة من قبل آل الأحمر وباقي السلطة ونظام الدولة العميقة التابعة للمنظومة الامبريالية العالمية.
اليوم عندما تحررت القبيلة، تحولت من أدوات حرب واستبداد إلى مؤسسة اجتماعية رائدة تسهم بشكل رئيسي في الدفاع عن المجتمع، وتقدم المال والرجال والتضحيات، في واحدة من أبرز ملاحم الصمود الشعبي، وهذه واحدة من الحسنات العديدة لثورة 21 أيلول على الصعيد الاجتماعي.
بالنسبة للقوى المهمشة، فأغلب فئات المجتمع اليمني هي مهمشة بالتأكيد، لكن مشكلتهم أنهم غير راضين بواقعهم الاجتماعي كأخدام جدد، على عكسنا نحن الأخدام التقليديين؛ فالمهمش هو مصطلح يطلق على كل من تم إقصاؤه عمداً من ممارسة حقوقه السياسية والمدنية، وليس فقط نحن الأخدام. هناك جملة إشكاليات اجتماعية، لكن معالجة قضايا اجتماعية شائكة بهذا الشكل لن تتم من خلال مرحلة ثورية معينة، بل تتطلب عقوداً طويلة أحياناً من الصبر، من الحداثة، من التقدم، من العمل، وهذا يتطلب أولاً مصفوفة وطنية واسعة من القوانين التي تُحترم أولاً، وتنفذ من أجل إعادة التوازن الاجتماعي، وخلق شروط وفرص العدالة الاجتماعية على كل المستويات.
في ما يتعلق بنا نحن الأخدام، كانت هناك دعوات من الحكومات السابقة للدمج المجتمعي من باب ضياع الوقت، كنا دائماً نقول إن مسألة الدمج الاجتماعية مسألة مؤجلة، دعونا أولاً نقرّ عبر مصفوفة وطنية تشريعية بوجود معاملة عنصرية، من أجل البدء بخلق القوانين الكفيلة بتقزيم الهوة الاجتماعية، وبالتالي سيأتي الدمج كنتيجة طبيعية للتطور الاجتماعي للمجتمع...

 تقصد ليس تطوراً قسرياً؟!
نعم، كي لا يكون تحولاً قسرياً، الدمج سيأتي كنتيجة حتمية وموضوعية تبدأ عبر تذويب الفوارق الاجتماعية وتهيئة الظروف الأولية للدمج الاجتماعي، كخلق فرص عمل في كافة المجالات، والمشاركة في أجهزة الدولة ومؤسسات التعليم والصحة وغيرها.
ونحن رأينا في ثورة 21 أيلول فرصة لخلق تحولات اجتماعية عميقة، لو كانت أتيحت لنا الفرصة - أي قبل شن العدوان - كانت قد تسهم على مدى السنوات القليلة القادمة في تذويب الفوارق الاجتماعية بيننا نحن الأخدام وبين باقي أبناء المجتمع الأبيض.

 كيف تجد استبدال لفظ (الأخدام) بــ(المهمشين) كما حدث في مؤتمر الحوار؟!
أولاً رفضت المشاركة في المؤتمر، وعقدت مؤتمراً صحفياً في قاعة السعيد بمحافظة تعز حينذاك، ورفضنا بشكل قطعي مشاركتنا باعتبار أنها صدقة، يتم منحنا مقعداً أو مقعدين، وليس باعتبارنا مكوناً سياسياً مدنياً يمثل شريحة واسعة من المجتمع، ووجنا أن هناك توجهات للإبقاء على تطلعاتنا رهناً لأمزجة بعض النخب السياسية المتورطة في صياغة معادلة إبقاء البلد في ظل الارتهان والمعاناة من داخل الحوار الوطني، ولم تكن عملية إحضارنا إلى المؤتمر إلا استغلالاً من قبل السلطة الجديدة الممثلة بحكومة الوفاق، لإيهام العالم بأنه تم الاعتراف بقضايانا وإعطاؤنا تمثيلاً، بينما الذي كان يحدث في الأساس هو قتل أي تطلعات مستقبلية لـ(الأخدام) من خلال هذه المسرحية، وأنا رفضت طبعاً المشاركة، بينما شارك غيري للأسف، لأنني اعتبرت أنه سيتم قتل تطلعاتنا المستقبلية لـ100 سنة قادمة.
وبالنسبة لرفضي مصطلح (المهمشين) واحتفاظي بلفظ (الأخدام)، فإنه يعكس رغبتنا في الحفاظ على الخصائص العرقية التي تكتنف قضيتنا، باعتبار الأخدام جزءاً من خارطة التهميش المتولدة، وهناك عوامل تاريخية نشأت ضدنا نحن الأخدام منذ أكثر من 1400 سنة، وبرغم كافة ظروف الاحتراب والصراع والمذهبي والمناطقي والعرقي والطبقي، ظل المجتمع اليمني كله متماسكاً ضدنا نحن الأخدام فقط من خلال أدوات الاستبداد التاريخي. الأخدام مُنِعوا تاريخياً من امتلاك الأرض وأدوات الإنتاج ومقومات التطور الحضاري، ومنعوا من التعليم والانخراط في الوظائف المدنية والعسكرية والقضائية وغيرها، في ظل الصراع السياسي القائم للسلطات المتعاقبة على البلاد، وقد أصبح تهميشنا جزءاً من وعي اجتماعي جمعي سائد، وبالتالي إصراري على لفظ (الأخدام) هو تمسكنا بحقنا في مقاضاة المجتمع، وفي حقنا في الإنصاف التاريخي كطبقة مقصية ومهمشة بمعزل عن بقية فئات المجتمع المهمشة الأخرى.

 هل ترى هذا تغيراً في ثورة 21 أيلول باعتبار أن الثورة قائمة ضد السائد وأولاً في وعي الناس؟
الثورة لم تكن عملية سياسية منظمة بقدر ما كانت هبة جماهيرية شعبية أزالت كل القيم السياسية الفاسدة في وعي السلطة والمعارضة ومنظومة الأحزاب، وفي وعي الناس، وبالتالي تغير جزء كبير من الوعي الاستبدادي السائد في وعي الناس ضدنا بفضل ثورة 21 أيلول، وأنصار الله كقوة جديدة منذ 2011 أثبتت أنها القوة الوحيدة التي تدافع عن قضايا الناس.

 ما مدى إسهام هذه الشريحة في جبهات الدفاع عن حياض وكرامة الوطن واستقلاله؟
هناك وجود، لكن لا أستطيع أن أقول إنه بالشكل الكبير الذي كنا نتوقعه؛ لكن عليك أن تنظر إلى عوامل التخلف السياسي والاجتماعي العميقة التي تكتنف شريحة الأخدام على امتداد وجودها المكاني والزماني، هناك تخلف إلى جانب عدم وجود ثقة أصلاً من قبل الأخدام ببقية المجتمع الأبيض بمختلف بناءاته، وكذا الظن لديها أنه لا ثقة لدى المجتمع الأبيض فيها، وبالتالي هناك الكثير من العزوف من قبل الأخدام، باعتبار أن المعركة معركة بين البيض، ولا تخصهم. وهذه في الغالب هي تصرفات فردية ولا يمكن تعميمها، وتحكمها ظروف اجتماعية لا يمكن تجاهلها أو شطبها بجرة قلم، ولها أثرها اليوم بالضرورة، لكن بالتأكيد واقع الأمس مختلف عن واقع اليوم، فالتحولات الاجتماعية بالضرورة تطال الأخدام. 
 ضاق بك الحزب الذي يدعي التقدمية، واتسع لك المجال في حركة تتهم بالسلالية، ما تقييمكم لأنصار الله مقارنة بالحزب الاشتراكي حالياً؟ وأين هي التقدمية فعلاً؟ ومن يجسدها؟
كنت عضو لجنة مركزية في الحزب الاشتراكي اليمني حتى 2008، لأن القيادات الجديدة التي صعدت بعد المؤتمر العام الخامس للحزب، ضاقت بنا، بقيادة ياسين وباذيب، وكان من أبرز أسباب خروجنا هو الصراع الذي خاضته هذه القيادة، والتي هجنت الحزب ودجنته، وتاجرت بتاريخه السياسي والنضالي والثوري، وضاق علينا الخناق. لست وحدي، ولكن الكثير من الكوادر النوعية للحزب، أمثال الرفيق خالد سلمان رئيس تحرير صحيفة (الثوري) سابقاً، والذي أرسل رسالة استقالته عبري إلى اللجنة المركزية، مبرراً أن معظم أسباب استقالته وطلب لجوئه إلى بريطانيا، هي بسبب مضايقات المكتب السياسي والأمانة العامة، والحال ذاته حدث معنا من قطع الإعانات التي كانت تساعدنا في النضال بين فئاتنا، حتى إننا لم نستطع أن نوفر قوت أطفالنا، وكان في إحدى المرات أن قدمت اعتراضاً على سياسة ياسين وباذيب لأتفاجأ أن باذيب يقول لي: (لا تنس أصلك ولا تنس من أنت، لا ينقصنا إلا القيرعي)، وهذا تذكير منه بأنني خادم أسود، تعبيراً عن الانحطاط الوضيع والنظرة الدونية التي عليها هؤلاء، والتي عليها تقدميتهم المزعومة، وهي ليست إلا تقدمية زائفة. كما أنني أتذكر أنني تعرضت للمضايقات أكثر من مرة من قبل حرس الأمانة العامة، ومنعت من الدخول أكثر من مرة، وغير ذلك الكثير. علماً أن مشكلتي ليست مع الحزب، بل مع هؤلاء. حدث في اجتماع اللجنة المركزية الثالث، وبعد الحراك الجنوبي، تم وصف الحراك في تقرير للمكتب السياسي بأنهم قطاع طرق، وهو ما تسبب بانسحاب الجنوبيين من اجتماع اللجنة المركزية، وإحداث شق عميق داخل الحزب لايمكن معالجته.
أما مع أنصار الله فموقفي معهم منذ اللحظة الأولى للحرب على صعدة، وأكثر من مرة تكلمت وذكرت في مقالات ومداخلات تلفزيونية أنني ضد الحرب معهم، كما أنني لا أرى في أنصار الله التخندق المذهبي والطائفي، بل هم فئات مقصية ومهمشة مثلنا في المجتمع، ومحرومة من الحقوق السياسية والمدنية، وهم اليوم يتحملون المسؤولية الوطنية بالكامل والهم الوطني، وقد خرجت هذه الحركة من لب المعاناة الاجتماعية، ولذلك هناك إحساس متبادل وتضامن اجتماعي بيننا جميعاً كمقهورين ومستضعفين. والحزب نتيجة لكل الانحرافات الأيديولوجية والفكرية والسياسية التي خلقتها هذه القيادات الجديدة، يقف اليوم ضد الوطن وضد القضايا التي قام من أجل الدفاع عنها.

 التقيت السيد عبدالملك الحوثي قائد الثورة قبل فترة، كيف وجدت الرجل؟
على عكس ما كنا نتصور أنه زعيم ديني فقط، هذا الرجل هو قائد سياسي ملهم ومعلم بكل معنى الكلمة، يمتلك ثقافة سياسية ودينية واسعة النطاق، متحدث طلق ومستمع جيد، ورجل يمتاز بتواضع جم وأخلاقيات عالية، ولديه رؤية تقدمية حقيقية لمستقبل البلاد ومستقبل العلاقات الإنسانية جمعاء، يمتلك كماً هائلاً من الثقافة السياسية، يناقشك من كل الأبعاد بدون أبعاد، وبدون العودة إلى الأوراق، وطليق اللسان. والسيد عبدالملك الحوثي هو زعامة قلما يمتلكها القادة السياسيون في المنطقة، وملهم حقيقي للجماهير، وصادق جداً.

 ظهرت تسميات ما بعد 2011 (أخدام الله) و(أحفاد بلال).. كيف تعلق؟
(أخدام الله) كانت مدفوعة من قبل علي محسن للأسف عبر نعمان الحذيفي بالمواجهة مع أنصار الله، وهي حركة رخيصة قام بها محسن لتوظيفها سياسياً، لكنه فشل فشلاً ذريعاً، أما (أحفاد بلال) فكنت أنشأتها في محافظة تعز، لأني رأيت أن القوى الدينية المتطرفة كالتجمع اليمني للإصلاح في حال وصلت إلى السلطة، قد تنسف مشواراً طويلاً من النضالات التي خاضتها حركة الأحرار السود، ولذا جعلنا من (أحفاد بلال) حركة احتياطية للانطلاق فيما إذا وصل الإخوان المسلمون إلى السلطة.

 لكن التجمع اليمني للإصلاح في تعز أخرج عدة مسيرات للأخدام استخدمت فيها هذه التسمية، كيف تفسر هذا؟
الإصلاح كما هو شأنه طيلة حقبة سياسية طويلة من الأعمال الانتهازية المقيتة بتوظيف آلام الناس ومعاناتهم، وظف شعار (أحفاد بلال) في خدمة أغراض سياسية ضمن صراعاته داخل المحافظة، إلا أنه فشل كفشل باقي مشروعاته؛ فالأخدام لم يصدقوا هذا الحزب، لأنهم يعرفون كما يعرف كافة أبناء الشعب أنه لم يحدث أن تكلم منبر من منابر مساجدهم حول المعاناة التي يعيشها الأخدام.

 ثمن رأسك 250 ألف ريال سعودي عرضه العدوان وسواطيره.. أتراه ثمناً بخساً أم باهظاً؟
كثيرون رأوا هذا الثمن ثمناً بخساً، أما بالنسبة لي كخادم قادم من المحوى وأنتمي إليه، أراه ثمناً باهظاً مقارنة بمعيشتي في هامش الحياة الاجتماعية، كما أنه باهظ في نظر الأخدام، وبأنهم أصبحوا قوى مقلقة ومهددة على مستوى المنطقة والإقليم.

 ألا يزال القيرعي على قناعة بأنه سيموت قتلاً كما ذكر في إحدى المقابلات السابقة له؟!
نعم، لا زلت على قناعة بذلك، وقد تعرض منزلي في دارس مؤخراً لعملية إطلاق نار، ووثقت هذه العملية لدى الجهات الأمنية. وهذه ليس المرة الأولى.