فساد جامعة صنعاء
- تم النشر بواسطة عبدالرحمن هاشم اللاحجي

إلى أي مدى كانت قرارات تغيير الرئيس ونوابه صائبة؟ وما هو حجم الفساد المستشري داخل الجامعة؟ وهل هو فساد مالي أم إداري أم أكاديمي أم.. إلخ؟! وما علاقة نقابة هيئة التدريس بالأمر؟ ولماذا يتظاهر طلاب جامعة صنعاء ضد إيقاف التعليم؟ وهل المشكلة سياسية أم إدارية؟! إليكم الأجوبة مدعّمة بالوثائق المطلوبة.
ازدادت وتيرة المشادات والمناكفات الإدارية، وتصاعدت حدتها بدرجة غير مسبوقة، وصلت حد إضراب بعض أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء، وتنصلهم من القيام بواجباتهم التعليمية والمهنية، مما أعاق العملية التعليمية في بعض كليات وأقسام الجامعة، وحال دون حصول الطالب الجامعي على حقه التعليمي كأبسط الحقوق الأساسية المكفولة في قوانين الجامعات ولوائحها الداخلية المختلفة، وهو ما اضطره للخروج بمسيرات حاشدة مطالباً (بالقضاء على الفساد، وعدم تجيير القضية) كما تقول اللافتات التي رفعتها مسيراته الحاشدة تلك.
وكانت وزارة التعليم العالي أصدرت قراراً إدارياً قضى بتعيين ثلاث شخصيات إدارية خلفاً للقيادة السابقة، وقضت المادة الأولى من القرار بتكليف الأساتذة التالية أسماؤهم بالمهام والوظائف المحددة قرين اسم كل منهم:
الأستاذ الدكتور فوزي حمود الصغير قائماً بأعمال رئيس جامعة صنعاء.
الأستاذ الدكتور محمد علي شكري قائماً بأعمال نائب رئيس جامعة صنعاء لشؤون الطلاب.
الأستاذ الدكتور إبراهيم أحمد المطاع قائماً بأعمال نائب رئيس جامعة صنعاء للشؤون الأكاديمية.
وقضت المادة الثانية من القرار بالعمل به من تاريخ صد وره، وعلى الجميع تنفيذه كل في ما يخصه.
ويرى مراقبون أن تلك القرارات (الصارمة) أدّت بالنتيجة إلى توحيد الموقف بين أطراف القيادة السابقة، مما جعلها تبحث (مجتمعة) عن وسيلة تمكنها من التشبّث بقشة قد تساعدها على العودة، حتى لو أدّى ذلك بالمجمل العام إلى تعطيل العملية التعليمية وإغلاق أبواب الجامعة من جهاتها الأربع.
يقول الدكتور عبدالله الشامي (القائم بأعمال وزير التعليم العالي) إن الفساد داخل الجامعة بلغ ذروته مع حلول العام 2016م، إلى الحد الذي جعل الوزارة تُقدم على اتخاذ قرار استثنائي، وتمضي بحزم نحو تطبيق القرار واقعاً حقيقياً وملموساً.
وأضاف الشامي على صفحته بالفيس بوك أن (عجلة التغيير داخل جامعة صنعاء تحركت، ولن تستطيع مراكز القوى وجماعة المصالح الفاسدة إيقافها. ولابد للجامعة أن تستعيد دورها الذي وجدت من أجله كمركز للتدريس والبحث العلمي وخدمة المجتمع. ولابد لقيادة الجامعة الجديدة من إيقاف عمليات النهب المنظم الذي تتعرض له الجامعة، وبمشاركة ومباركة ما يسمى نقابة الأكاديميين والإداريين).
وكان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة كشف في وقت سابق ما قال إنها عملية مراجعة وتدقيق لدفاتر الجامعة وسجلاتها المالية بنهاية العام 2015م، وقال: (إشارة إلى مذكرة الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة رقم 396 بتاريخ 6/3/2016م، والموجهة للأخ رئيس جامعة صنعاء، والمنسوخ لنا صورة منها، والتي أظهرت عجزاً في النقدية على أمناء الخزائن بتاريخ 31/12/2015م، وبعد تصويب الأرصدة الدفترية بلغت 24.124.873، وعهدة بمبلغ 93.883.551، وعهدة نقدية بمبلغ 24.801.773 ريالاً لدى أمناء خزائن سابقين لم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة بشأنها)!
بدورها أعلنت نقابة هيئة التدريس في جامعة صنعاء إضراباً عاماً قالت إنه سيشمل جميع أعضاء هيئة التدريس، وعزت أسباب ذلك إلى أن قرارات وزارة التعليم العالي كانت (مسيّسة) وغير شرعية، واستندت إلى القانون والدستور كمرجعية لحل الخلاف، حد بيانها الصادر بتاريخ 31 مارس 2016م، حيث جاء فيه التأكيد على الآتي: أولاً: رفض التكليف الصادر عن نائب وزير التعليم العالي (المكلّف) لعدم شرعيته وقانونيته، وحملته مسؤولية تعطيل العملية الدراسية، وقالت إن ذلك سيكون له تبعاته، كما أكدت رفضها لأي قرار يصدر بشكل منفرد.
ثانياً: رفض الاتهامات الموجهة للنقابيين ومجلس الجامعة بالخيانة والعمالة والارتهان للخارج عبر بلاغات ومنشورات وغيرها، وقالت إن النقابة تحتفظ بحقها في مقاضاة كل من تورط في هذه الممارسات، وقالت إن ذلك يعتبر بلاغاً للنائب العام للقيام بمسؤولياته.
ثالثاً: استمرار تعليق العمل الأكاديمي والإداري في الجامعة، وشددت على أعضائها الالتزام بذلك!
وكان أكاديميون وإداريون يمنيون ونُخب ثقافية واجتماعية ومحللون قانونيون وسياسيون استنكروا قيام نقابة هيئة التدريس بتلك الخطوة، واعتبروها (ارتجالية) وغير مهنية، ودعوا إلى إيقافها كونها كما قالوا (خرجت عن إطار المهام الأساسية والثانوية التي تمارسها النقابات في مختلف دول العالم)، وأفادوا بالقول إنه ليس من حق النقابة التدخل في شؤون الجامعة وقراراتها، خصوصاً في ما يتعلق بالتعيينات لرأس الهرم الإداري، والتي هي مكفولة فقط لوزارة التعليم العالي، كون الجامعة على ارتباط إداري بالوزارة، وعزّزوا كلامهم بالقول: إن مهام النقابة تقتصر فقط على الاهتمام بالكادر التدريسي، وتوفير متطلباته واحتياجاته، كما ليس من حق أعضاء هيئة التدريس أنفسهم الاعتراض على القرارات الوزارية!
وفي ما يتعلق بالحجج التي استندت عليها النقابة في خطوتها تلك، حيث قالت إن (القرارات الأخيرة أتت مخالفة للدستور والقانون)، قال قانونيون: ما المقصود بالدستور هنا؟ هل هو الدستور الذي ثار عليه الشعب في ثورة فبراير 2011؟ أم دستور (الأقاليم) الذي أريد له أن يكون في مؤتمر الحوار الوطني؟!
ومضوا بالقول: إن الشرعية الثورية التي خرج الشعب اليمني في 21 سبتمبر 2014 لترسيخها وتثبيتها، هي الوحيدة التي يجب على كل مكونات البلد الالتزام والانقياد لمضامينها وأهدافها، وما عداها (حِبر على ورق)!
وكان الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تلقى مذكرة رسمية من نيابة الأموال الثانية المختصة بقضايا الفساد، تطالبه فيها بالفحص والمراجعة لأعمال المتوفين من أعضاء هيئة التدريس بجامعة صنعاء، وما تم خصمه من أقساط على ذويهم وأهاليهم، بالإضافة إلى الوقوف على النظام الأساسي واللوائح الداخلية للنقابة والمهام المرتبطة بها، إلا أنه لم يجد أي تجاوب من قبل النقابة.
وقال في إجابته طي مذكرته المبتعثة إلى نيابة الأموال الثانية المختصة بقضايا الفساد، إن الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة تلقى مذكرتكم رقم 184 بشأن القضية رقم 4 لسنة 2014م، والخاصة باتهام أعضاء نقابة هيئة التدريس المتضمنة طلب موافاتكم بتقرير فحص ومراجعة، وعليه فقد تم الآتي:
أولاً: تمت عملية الفحص للجوانب المرتبطة بأعمال جامعة صنعاء، ومنها ما تم خصمه من مبالغ خاصة بالمتوفين من أعضاء هيئة التدريس!
ثانياً: تبقى أعمال المراجعة للوقوف على النظام الأساسي للنقابة واللوائح الداخلية وتعديلاتها والقرارات المرتبطة بها!
ثالثاً: سبق مخاطبة الوزارة بموافاتنا بالوثائق والمؤيدات اللازمة لعملية الفحص، إلا أننا لم نجد أي تجاوب، وبالتالي نرى أن تقوم النيابة بإلزام رئيس النقابة والمسؤول المالي ومحاسب النقابة بسرعة موافاة الجهاز بكافة البيانات اللازمة لعملية الفحص!
المشكلة تبدو صغيرة جداً، وهي إدارية أكثر من كونها سياسية، ولكن التجاذبات والمماحكات لعبت دورها في إظهارها للعلن، ويبدو أن النخبة التعليمية وبعض أعضاء هيئة التدريس في الجامعة، ومن خلال تواصلنا معهم، ومعرفتنا عن قرب بنفسياتهم وانطباعاتهم، خصوصاً من أبدوا تأييدهم لقرار الإضراب، غير مقتنعين أساساً بفكرة الثورة أو بفكرة دكتور أكاديمي يحمل درجة دكتوراه مقارنة تماماً لما يحملونه من مؤهلات، لأنهم اعتادوا أن يروهم في المستويات الدونية، لكن الثورات تقول كلمة الفصل في هذا الجانب، وما على الجميع سوى القبول والانقياد وعدم تعكير الأجواء الدراسية للطلاب، وإن كانت هناك مشكلات معينة فيجب أن تُحل بعيداً عن حقوق الطلاب واهتماماتهم، كما تقول المسيرات الطلابية الحاشدة التي خرجت منددة بقرارات الإضراب وملحقاته.
شريحة واسعة من الدكاترة والأكاديميين المحسوبين على أحزاب وتكتلات وجماعات مختلفة، تفهموا القرارات الإدارية، حتى أولئك المحسوبين على حزب التجمع اليمني للإصلاح، وتعاونوا معها بشكل إيجابي، وأبدوا استعدادهم لإكمال العملية التعليمية بعيداً عن المماحكات الحالية، واستغربوا من قيام النقابة باتخاذ قرار الإضراب، في الوقت الذي يعاني فيه الطالب الجامعي من قصور كبير في التعليم بسبب العدوان وما خلّفته آلة الحرب المدمّرة!
كما أبدى مراقبون خشيتهم من تفشي الفساد إلى القطاع التعليمي، وطالبوا بسرعة البت في القضية المطروحة، وعدم التساهل مع المتورطين بقضايا كهذه، ودعوا إلى عدم تجيير القضية لما لها من مآلات خطرة على المستقبل التعليمي للطلاب، كونها عملت على توقفهم عن التعليم في بعض كليات الجامعة، وهو ما دعاهم للتظاهر والتنديد والشجب، ودعوا الجهات المختصة للقيام بواجباتها على أكمل وجه!
المصدر عبدالرحمن هاشم اللاحجي