عدلي العبسي لـ(لا): قرار مجلس الأمن يهدف لإطالة الحرب وتنشيط سوق السلاح الأمريكي
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / عبدالقادر حسين
الحزب الاشتراكي تحول إلى حزب ليبرالي يدور في فلك الاشتراكية الدولية وحركة أنصار الله امتداد للحركة الوطنية
القوى الامبريالية تسعى لتركيع الشعوب وإذلالها لكنها تعاني من أزمة بنيوية وعما قريب ستنهار مع أدواتها العميلة
في الوقت الذي غاب فيه اليسار عن الموقف الوطني، وراح يتبنى مواقف ومشاريع تتناقض مع تضحيات الحركة الوطنية عموماً واليسارية بشكل خاص، يطل الكاتب والناشط السياسي عدلي عبدالقوي العبسي، برؤية اشتراكية ثورية يقرأ واقع ذلك التناقض الذي تعيشه الأحزاب اليسارية، ومآلات العدوان السعودي الأمريكي في ظل الصراع الإقليمي والدولي القائم.
ويؤكد عدلي أن استمرار الحركة الوطنية في نضالها ضد القوى الامبريالية والرجعية هو دليل على ديمومة أثر الذاكرة الوطنية واستمرار حمل راية النضال بين الأجيال، موضحاً أن القوى الدولية والإقليمية استطاعت إحداث شرخ لدى القوى المحلية، غير أنه لا يوجد مبرر للقوى السياسية في تأييدها للعدوان. فإلى الحوار:
اليسار كرؤية ونهج لم يعد قائماً.. من هو اليساري الحقيقي اليوم بعيداً عن الأطر الجامدة؟
اليسار موجود، وشهد عودة إلى المشهد الاجتماعي كشكل (حركات اجتماعية جديدة) منذ منتصف العقد السابق، حيث رفعت هذه الحركات، وأهمها الحركة الجنوبية السلمية، والحركة الزيدية الشمالية، مطالب شعبية أبرزها العدالة الاجتماعية والشراكة الوطنية وإلغاء الإقصاء والتهميش التنموي والسياسي، بمعنى أن مطالبها هنا كانت مطالب سياسية ثورية، وليست إصلاحية كما هو الحال لدى برامج ومطالبات تكتل اللقاء المشترك. وكانت سياسات الإفقار الاجتماعي المطبقة منذ 1995 كوصفة نيوليبرالية رأسمالية متوحشة، هي من حفز لدى جماهير الشعب وطليعتها السياسية بغالبيتها الفقيرة، ردود الفعل الثورية.
كما أن اليسار موجود أيضا بشكله الإصلاحي الليبرالي ممثلاً في الحزب الاشتراكي اليمني،وأهداف هذه الحركة السياسية أهداف إصلاحية،حيث رفعت شعار الإصلاح السياسي الشامل وبلورة رؤية إصلاحية تطورت منذ العام 2005 في برنامج الإصلاح السياسي الشامل، وحتى مشروع (وثيقة الإنقاذ الوطني) في سبتمبر 2009، وأغلب ما جاء في هذه الوثائق من طروحات ورؤى إصلاحية بطابعها الليبرالي الاجتماعي، هي نتاج الإسهام الأساسي للحزب، وإسهام نخبته المثقفة المفكرة.
وعلى هذا لا يمكن القول بأن اليسار كرؤية ونهج لم يعد قائماً إلا اليسار الثوري الكلاسيكي؛ يسار السبعينيات والثمانينيات، فهذا الاتجاه لم يعد موجوداً كإطار سياسي وحزب ثوري وحركة سياسية ثورية تسترشد بالمرجعية النظرية العلمية، ولم يتبق من هذا اليسار إلا شريحة ضئيلة العدد داخل الإنتلجنسيا اليمنية، وغيابه لا ينفي حقيقة صوابيته العلمية وتفوقه التاريخي الاجتماعي، خصوصاً بعد حركة المراجعة النقدية أواخر الثمانينيات.
أما الشطر الثاني من السؤال عن اليساري الحقيقي، نقول هو ذلك الذي ينخرط في حراك اجتماعي شعبي سياسي منتهجاً كافة وسائل النضال الممكنة، وبأي شكل من أشكال الإسهام في فعل ثوري تغييري يهدف إلى تحقيق أهداف الثورة الشعبية 2007 -2014 في العدالة الاجتماعية والسيادة الوطنية والديموقراطية الحقيقية التي تقوم على أساس الشراكة الوطنية والحقوق الإنسانية والتمثيل الشعبي العادل.
كان مواتياً جداً أن يقيم الحزب الاشتراكي تحالفاً مع (أنصار الله) نظراً لوفرة المشتركات بينهما، إلا أن الحزب تلاشى في الموقف الإخواني المعادي للأنصار. لماذا يفعل الحزب ذلك بالضد للواقع والتاريخ؟
من الطبيعي أن يحدث تباين بينهما، الحزب الاشتراكي الذي تحول كما قلت آنفاً إلى حزب ليبرالي اجتماعي يدور منذ مطلع العقد السابق في فلك الاشتراكية الدولية، وهي منظمة دولية تحكمها برامج وأهداف ورؤى وسياسات أحزاب حاكمة في الغرب الأطلسي الامبريالي المعاصر، وتمثل هذه الأيديولوجية العالمية الجديدة، وتدّعي سقوط الأيديولوجيات.
أما حركة أنصار الله فهي (حركة اجتماعية جديدة) تحمل فكرة وطنية لا تخرج عن سياق تراث الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة، (ككل الحركات الوطنية الراديكالية في بداية أمرها)، هناك كماً كبيراً من الممارسات الخاطئة والتجاوزات، وهي ترفع شعارات اجتماعية الطابع، وكانت مكوناً سياسياً بارزاً في الانتفاضتين الأخيرتين فبراير وأيلول، ولكنها محكومة بواقع اجتماعي متأخر يعكس نفسه في أدائها السياسي وخطابها الأيديولوجي، فضلاً عن قلة خبرتها السياسية والإدارية، لكنها حركة واعدة عندما تراجع أداءها، وتقيم تجربتها في المستقبل القريب.
ترزح تحت الاحتلال عدد من المحافظات الجنوبية، وباعتبار الجنوب ولد يساريا.. كيف تقرأ هذا الانبطاح؟
الأسباب معروفة.. هناك قوى الثورة المضادة الدولية والإقليمية والمحلية بأحابيلها المتعددة وتلاوينها وقدرتها وإمكانياتها الهائلة، إلى درجة أنها أحدثت شرخاً وانقساماً حتى لدى القوى الوطنية والثورية، وجرتها إلى صراعات جانبية مدمرة آخرها الحرب الامبريالية الأخيرة والمسماة (عاصفة الحزم)، رأينا كيف حدث استقطاب إلى طرفي الصراع، وكيف انحازت قوى وطنية، هنا وهناك، وإحداها للأسف أيدت العدوان الامبريالي الرجعي، واعتبرته تحركاً أممياً لإنقاذ الثورة، وهذا موقف غريب ولا توجد له أي مبررات مهما كانت، وأخطاء وانتهاكات الطرف الآخر لا تبرر ارتكاب هذا الطرف لخطأ سياسي جسيم، بل يبدو على أنه جرم سياسي وانتهاك لمبادئ الحركة الوطنية بالوقوف صفاً مع العدوان الامبريالي الرجعي على الوطن.
تعز التي اشتهرت بتصدير التوجه المدني إلى عدد من المحافظات اليمنية، مختطفة اليوم بيد العصابات الإجرامية.. باعتبارك أحد أبناء هذه المدينة.. ما هي المآلات التي تتجه إليها تعز؟
تعز هي عاصمة الثورة اليمنية ومركز ثقل سياسي للحركة الوطنية اليمنية منذ مائة عام تقريبا، وهي دائما تنتصر تاريخياً بسبب ثوريتها ومدنيتها، وكل ألاعيب القوى المضادة داخل تعز ستبوء بالفشل، وكما قلت لك إن القوى المضادة موجودة ومتنفذة داخل طرفي الصراع، والجميع يعرف ذلك، ولا داعي لتبسيط مشهد الصراع والمشهد السياسي الاجتماعي ككل، واختزاله في ثنائيات مبسطة جرياً على اشتهاء هذا الطرف أو ذاك، وترديد ببغائي لإعلام سطحي موجه، وغالبية أبناء تعز لازالوا مع أهداف الثورات اليمنية الثلاث التي كان لهم شرف ريادتها، وإذا كان ثمة تشنج وظواهر متطرفة هنا وهناك من قبل بعض أبناء المدينة، فهي ظاهرة عابرة ستزول بـ - لا أقول - فشل الثورة المضادة، وإنما انحسار مفعولها بحكم منطق التطور وحركة التاريخ.
تركزت تضحيات الحركة الوطنية على مدى ثلاثة عقود مضت، في مواجهة المد الامبريالي والرجعية الخليجية، هل أثمرت تلك التضحيات؟ وكيف يمكن ربطها بواقع اليوم ومواجهة العدوان السعودي الأمريكي؟
التضحيات ضد الرجعية والامبريالية عمرها التاريخي يعود إلى مطلع الثلاثينيات بالمواجهة بين الشعب اليمني وقواته من جهة والعدوان السعودي البريطاني في الشمال الذي قضم أجزاء من تراب الوطن، والبريطاني في الجنوب (قمع الانتفاضات الفلاحية)، واستمرار دورات الصراع الوطني ضد هذه القوى الدولية حتى يومنا هذا، دليل على استمرار أثر الذاكرة الوطنية بين الأجيال واستمرار حمل الراية جيلاً بعد جيل.
كيف تفرز ضفاف الصراع القائم اليوم على المستويين الإقليمي والدولي؟
يأخذ الصراع شكلين؛ شكلاً فاشياً (صراع امبريالي - امبريالي) بأذرعهما الرجعية بالوكالة، بمعنى صراع على النفوذ بين امبرياليات وصراع اقتصادي على الثروة المواردية الطبيعية والأسواق، وصراع تحرري قومي ببعد يساري بين هذه الشعوب وما تتعرض له من هجمة استعمارية غربية أطلسية جديدة تستهدف ثرواتها ومصالحها وكرامتها وهويتها الثقافية أيضاً.
ما هي قراءتك للوضع الإقليمي والدولي في ظل العدوان على الشعب اليمني؟
هناك صراع نفوذ بين امبرياليات على المنطقة وصراع مصالح اقتصادية جيوسياسية، وهناك هجمة امبريالية أطلسية جديدة على المنطقة (العراق وسوريا ولبنان وفلسطين وليبيا واليمن) لديها رغبة في اجتثاث أنظمة وطنية، وإن كانت بملامح فاشية، واجتثاث أيضاً قوى ممانعة متعددة المشارب والاتجاهات السياسية والفكرية، كما تلاحظ في بلدان الشعوب الثائرة، والهدف من هذه الهجمة تصفية مقاومة هذه الشعوب وتركيعها وإذلالها.
لكن هذه القوى الامبريالية الغاشمة تعاني من أزمة عالمية بنيوية تضرب النظام الدولي الذي تنتظم داخله، وهي حتماً لن تقوى على الصمود طويلاً في المنطقة لعقد أو عقدين قادمين، وستنحسر معها كل أدواتها وأنظمتها العميلة، بما فيها النظام السياسي الصهيوني نفسه، سيشهد سقوطاً مروعاً وانتصاراً تاريخياً للشعب الفلسطيني والمقاومة العربية الإسلامية.
ما هي توقعاتك لخارطة القوى السياسية التي ستتشكل وفقاً للموقف من العدوان لاسيما وأن المعارك تلوح بانتصار الشعب؟
أتوقع تشكيل اثنين من التكتلات السياسية المدنية:
إسلامية - ليبرالية (أيدت العدوان).
قومية وطنية (جابهت العدوان).
وهذان التكتلان السياسيان لن يستمرا طويلاً في أية حكومة شراكة وطنية أو وحدة وطنية هشة مقبلة، وكلا التكتلين سيشملان أيضا قوى أخرى متعددة الانتماءات. وخارج هذين التكتلين سيستمر نشاط القوى الأصولية الراديكالية أو ما يسمى اليمين المتطرف بارتباطات غريبة ومشبوهة، ولكن المنتصر دوماً هي إرادة الشعوب الحرة.
كيف ترى قرار مجلس الأمن الجديد، وتمديد فترة العقوبات لمدة عام؟
أنظر له من زاوية كونه مؤشراً خطيراً على نوايا سيئة مبيتة لدى القوى المتحكمة بهذه المنظمة الدولية في إطالة أمد الحرب وتحقيق مكاسب اقتصادية (مبيعات السلاح وتنشيط الاقتصاد الأميركي) من جهة، ومكاسب سياسية أهمها إنهاك طرفي الصراع وانتزاع تنازلات منهما لتسوية سياسية ناقصة لا تخدم إلا مصالح المستعمر وخرائطه الجديدة المعدة للمنطقة تفتيتاً وترتيباً جديداً للانتشار العسكري (قواعد عسكرية) ولأطماع اقتصادية معروفة، وتفتح المجال في المستقبل لدورات صراع جديدة موجهة أميركياً، ومبنية على أساس ترحيل المشكلات والأحقاد، ومفتاح مستقبلي لإعادة رسم الخرائط والتحكم بأطراف الصراع منفردين وبمقدرات البلد ككل.
المصدر صحيفة لا / عبدالقادر حسين