قصف الوعي ..حروب ميدانها العقل وقتلاها بلا قبور
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / صلاح علي
في كل حرب وطنية تحررية (حروب العصر الحديث) كالتي تخوضها بلادنا اليوم، يتعاضد محوران لا ينفصمان، السلاح والإعلام، أداتان حاسمتان تشكلان تركيباً جدلياً تظهر عبقرية كل شعب في قدرته على توظيف كلتيهما في خضم تحقيق أهدافه الوطنية، لاسيما وأن (الحروب الوطنية الحديثة) يعتمد تحقيق نصرها قبل أي شيء على استهداف المعنويات المقابلة وتحطيم إرادة القتال وضرب الشعور بجدواه لدى المقاتلين، وبالتالي يكون الإعلام هو الوسيلة الأكثر فاعليةً وفتكاً لتحقيق هذه النتيجة.. والمرجو من هذا التحقيق بين يدي القارئ، هو إيضاح الطرق والأدوات والأساليب والكيفية التي يعمل بها إعلام العدوان في حربه على اليمن قبل وبعد 26 مارس، لما لمعرفتها من أهمية بالغة في سبيل التصدي لها وتعزيز صفوف المقاومة الوطنية بمقارعة العدوان وكسره.
حرب الدعاية.. "أسلحة صامتة"
الحرب على اليمن لم تبدأ فعلياً في 26 مارس العام المنصرم، بل بدأت منذ فترة سابقة بكثير، حرب إعلامية هدفت لتضليل وخداع الوعي الوطني اليمني وتهجينه بأفكار الاستعمار ومشاريعه، في سبيل تدجينه من الحالة الوطنية المقاومة والانتماء العميق للوطن وقضاياه إلى الرخاوة السياسية والاستسلام لمخادع الاستعمار والخضوع له والتسليم به سيداً أبدياً، ولم يكن تاريخ الـ26 من مارس 2015 إلا بداية حرب عسكرية فقط جاءت تكمل ما بدأته منذ عقود دوائر مخابرات منظومة السيطرة الدولية ومراكز أبحاثها الموجهة لترسانتها الإعلامية والسياسية، التي تجاهد ليل نهار لاستعمار عقول الشعوب وتطويعها لبلاط العبودية والمجون وحضائر التبعية والعمالة والشحذ.
عندما خرج الآلاف من الناس في محافظة تعز للشوارع يرددون بامتنان عميق (شكراً سلمان) تعبيراً عن شكرهم لطائرات الـ(f16) وهي تقصف الأحياء السكنية، مخلفةً آلاف الضحايا الأبرياء، وعندما ترى العلم الوطني يدوسه ويمتهنه أصحابه، بينما يلقون التحية لأعلام دول أخرى ويرفعونها في شوارعهم كما حدث في عدن، هُنا فقط كانت جهود قصف الوعي من قبل ماكينات الإعلام الجهنمية قد آتت أكلها.
هنا بوضوح يبدو ما يمكن أن تقوم به مؤسسة إعلام ما عندما تمتلك إمكانيات التأثير الجماهيري المرعبة، وما كانت لتصير بذلك التأثير لولا أنها تحركت وفق قواعد علمية دقيقة قائمة على أسس تراكمت من خلال تجربة تاريخية عريقة من غسل الأدمغة، استطاعت أن تحشد أجهزة اليوم (مخابرات الاستعمار ومراكز البحوث التابعة لها) كل هذه التجربة ضمن أجندة مركزة وموجهة، كان آخر أهدافها ـ وليست الأخيرة بالطبع- بلد فقير مطحون بالمعاناة اليومية سياسيوه ومثقفوه أحد أعدائه وأحد مرتكزات هذه الأجهزة.
يشير المفكر الأمريكي نعوم تشومسكي في مقال بحثي له (استراتيجيات التحكم بالبشر والسيطرة على الجمهور)، إلى ما تنتهجه منظومة السيطرة الدولية التي تتزعمها الإدارة الأمريكية أو ما يعرفها بـ(النخبة المسيطرة عالمياً في الاقتصاد والسياسة) من استراتيجيات للنفاذ إلى الوعي والتحكم بفعل ورد فعل الشعوب بما يخدم مصالح المنظومة عبر وسيط عبقري هو الإعلام بمختلف أنواعه (تلفاز...)، بدءاً من سياسات الإلهاء والتشتيت عن القضايا الرئيسية للمجتمعات إلى قضايا ثانوية بل وأكثر ضآلة منها، والعكس من ذلك، وتضخيم الذات (الفردانية) على حساب الانتماء الجمعي الوطني، واختصار الحياة بالهم والمسؤولية الشخصية المجردة، مروراً بـ(افتعال الأزمات وتقديم الحلول) داخل الأوطان، وانتهاج خطاب يوجه للعاطفة بدلاً عن العقل، ويتعامل مع الجمهور كقصَّر، ويحيل جذوة التمرد والثورة لدى الفرد إلى مشاعر الإحساس بالذنب والاعتقاد بأنه هو المسؤول الوحيد عن مسار حياته سلباً وإيجاباً، ووصولاً إلى استراتيجية إغراق الجمهور بالتخلف التكنولوجي والعلمي والتعليم الرديء للحفاظ على فجوة ضخمة بينه وبين النخبة، الأمر الذي يضمن استمرار جهله بوسائل وأدوات السيطرة عليه.. وتستهدف هذه الاستراتيجيات التي تنفذ على مدى سنوات طويلة، وليس وقت الحروب العسكرية فقط، تستهدف اللاوعي أو العقل الباطن (الذهن) بدرجة أساسية (مركز المفاهيم الراسخة)، بمجموعة هائلة من الصور والمعلومات والأفكار والقيم... ستنتج في نهاية الأمر، وعياً قاصراً مهجناً بقيم الاستعمار وأفكاره، وتدجين الشعور الوطني وحالة التأهب الاجتماعي في مواجهة المهددات الوطنية بشعور اللا انتماء والانكفاءً على الذات والهم الفردي، وتحول هذه الاستراتيجيات المنطق السليم إلى منطق مشوه يرى الواقع الموضوعي طبقاً للصورة التي يرسمها العدو لا وفق ما هي عليه في الواقع. كما تشتغل على خلخلة البنى الاجتماعية من الداخل وزرع/ توسيع الشقاقات الاجتماعية التي تنتهي بانقسام شعبي في اللحظات الوطنية الحرجة، وخصوصاً ساعة الحروب الوطنية، ويجد العدو منها منفذه للتدخل المباشر في الأوطان كما هو الحال اليوم في وطننا.. هذه الاستراتيجيات يعرفها علم النفس وعلم الاجتماع والسياسة بـ(الحرب الدعائية)، وهي حرب تهدف للإقناع بخطاب العدو وتغيير الأفكار والمعتقدات وتبديل القناعات الوطنية وقلب الحقائق وخلط الأولويات والتغمية على الحقائق وإحلال موقعها أوهام مضادة لها يصبح فيها الجلاد نبياً في عين ضحيته، فمثلاً حين يتم تمويه العدو الفعلي للشعب وتقديم آخر على أنه العدو، مثلما هو الحال مع تقديم السعودية (الكيان الوظيفي في المنطقة القائم على المصالح الاستعمارية وعصاها الغليظة) على أنها صديق، فيما تقدم دول أخرى كالجمهورية الإيرانية كعدو في الوقت الذي لم ترتكب فيه أي عدوان على اليمن، وهي جزء رئيس من محور المقاومة في المنطقة، على العكس تماماً من الكيان السعودي منذ تأسيسه.. ومن عملية قلب الحقائق والمفردات كذلك، التنديد بالرحلات الجوية المدنية مع دولة صديقة ضمن اتفاقيات رسمية بين البلدين، فيما الطائرات الحربية التي استباحت سماء الوطن وقتلت أبناءه ودمرت مقدراته، يتم الترحيب والتهليل لها!
والأمر نفسه حين يُدعَى ابن البلد بـ(المحتل) فيما الجيوش الأجنبية وفيالق المرتزقة والإرهاب القادمة من كل حضائر العالم تسمى (جيوش تحرير)! ويصبح العدوان والاحتلال حرباً أهلية، ويدمر الوطن وجيشه ومكتسباته الوطنية وتاريخه بدعوى (شرعية) لم يقرها الشعب، بل أعداؤه، ولم تأتِ باستفتاء شعبي بل بتوافق سياسي للنخبة المسيطرة نفسها، وأكثر من هذا أن مدتها (العامين + عام التمديد) انتهت في 21 فبراير 2015م.. وفيما يتم حصار وطن بأكلمه والتنكيل بأبنائه، يظهر في الإعلام وتردد الألسنة عن (حصار تعز)، ليتم تناسي حصار الوطن والالتفات لحصار وهمي صنعته مخيلة العدوان لا أكثر. ولا مجال كافياً هنا لسرد البقية.
وتعمل هذه الحرب في أطر وآليات ذكية تخفي الواقفين خلفها، بأساليب عدة، أهمها جعل المتلقي يؤمن بصدق الإعلام وحياديته، أي إنكار وجود التضليل الإعلامي وإخفاء شواهده باستمرار، فالتضليل يكون ناجحاً عندما يشعر المتلقي (بأن الأشياء على ما هي عليه من الوجهة الطبيعية والحتمية) وفقاً لما يوضحه ألبيرت شيلر في كتابه: (المتلاعبون بالعقول).
وبحسب الكتاب، فإن التضليل ليس مقتصراً على الإعلام فقط، بل حتى في العملية التعليمية التي لا تخلو من الأيديولوجيا على عكس ما يظن المواطن، ويتعرض منذ مراحل التعليم الأولى لعملية التضليل وفبركة المفاهيم لديه وتخريب منطقه في فهم الظواهر ورؤية ما يدور حوله، ومن التضليل تلقينه مفاهيم عن حياد مؤسسات البلد الإعلامية والسياسية.
أستاذ التاريخ الدولي الحديث ونائب مدير معهد دراسات علوم الاتصالات في جامعة ليدز البريطانية د. فيليب تايلور، في كتابه (قصف العقول)، يذكر أن الدعاية كثيرا ما تحاكي الهواجس والمخاوف التي تعتري حياة المجتمعات بفعل دعاية سابقة، وهي في هذا الصدد تجعل منها واقعية وعلى وشك الحدوث.
ونذكر جيدا كيف روجت غالبية وسائل الإعلام في اليمن عن مخاطر وأهوال اختلقتها عن أنصار الله والجيش اليمني، وعن المصير الذي ينتظر كل منطقة ستصل إليها، مثلما حدث في جنوب البلاد من دعاية عن النهب واستحلال الأموال والممتلكات والأعراض، بينما اليوم يحدث هذا الأمر بشتى الصور البشعة من قبل الجماعات التي قيل عنها (محررة) ومخلصة للجنوب! وسط نوع من القابلية فيها تبرر بـ(الضرورة) أو يتم مقارنتها بأنها نتيجة أقل وقعا مما روج من وهم عن الجيش واللجان! وبالتالي القبول بها.
وتندرج هذه الدعاية ضمن استراتيجية تهيئة المجتمع لأحداث مستقبلية يتم التلاعب مسبقا بردود الفعل تجاهها.. وجزء من عملية التهيئة هذه، ترويض المشاعر الإنسانية على رؤية المناظر البشعة من دماء وقتل وذبح للإنسان كما يفعل داعش، وتدريجيا حتى تصبح هذه البشاعة منظرا اعتياديا لا تتأثر به المشاعر الإنسانية مع مرور الوقت، يمكن وصفها بحالة موات يعيشها الإنسان في ضميره وقلبه وروحه.
وحملات الدعاية المتواصلة منذ شهور حول اقتحام صنعاء ما هي إلا عملية تهيئة -كما يفسرها علم النفس - تهدف لخلق شعور لا مبالاة واستكانة لدى المواطن تجاه المعركة جراء الدعاية الكاذبة، إذ يدخل في حالة من الطمأنينة تكسر حالة التأهب لديه لأي طارئ، فهذه الحملات تتجاوز كونها إشاعات آنية تهدف لإحداث إرباك، لكونها متكررة ودوماً ما تتكشف حقيقتها أمام المشاهد في الداخل والخارج.
يقول د. فيليب إن (الحرب في جوهرها تبادل منظم للعنف. والدعاية في جوهرها عملية إقناع منظمة. وبينما تهاجم الأولى الجسد، فإن الثانية تنقض على العقل، الأولى حسية، والثانية نفسية. وفي زمن الحرب تهاجم الدعاية والأعمال الحربية النفسية جزءاً من الجسد لا تستطيع الأسلحة الأخرى أن تصل إليه، في محاولة للتأثير في طريقة أداء الأطراف المشاركة في ميدان القتال. إنهما تحاولان رفع معنويات أحد الجانبين، وأن تنسفا إرادة القتال لدى الآخر).
الحرب النفسية.. حرب المعنويات والإشاعة والتفكيك
الشق الآخر من الحرب الإعلامية هي الحرب النفسية، التضخيم الإعلامي والإشاعة والبروبجاندا السياسية، وهذه الحرب تنشط بشكل ملحوظ ساعة المواجهة العسكرية المباشرة، تستهدف المعنويات القتالية وعزيمة الصمود والمثابرة لمواجهة العدوان وزرع الشك والذعر والقلق إزاء هذه المواجهة وجدواها وضرورتها وإمكانية انتصارها.
وقد مورست هذه الحرب على اليمن من قبل العدوان منذ أشهر سابقة لبدئه وحتى اللحظة، بدأت بالتهويل الإعلامي حول (العزلة السياسية) عقب 21 أيلول وأزمة الاقتصاد اليمني والأوضاع الإنسانية المتردية، وحول الإمكانيات العسكرية للعدوان، ومجريات المعارك في مختلف الجبهات.. ولهذه الحرب دورها في حسم المعارك على الميدان العسكري، فهي تستهدف نفسية المقاتلين والمواطنين ومعنوياتهم، وقد وجه العدوان هذه الحرب النفسية لاستهداف المعنويات اليمنية في جانبيها العسكري والمدني، ويأتي ذلك في سبيل إنجاز غرضين متصلين، الأول هو استهداف معنويات ووعي الحامل الاجتماعي في المدينة والريف للمقاومة ضد العدوان، وهو الأمر الذي ينشر حالة تخاذل وذعر يحيل البيئة الحاضنة للمقاومة الوطنية إلى بيئة طاردة تحاول الانكفاء بنفسها كي تدرأ عنها ثمن الانتصار للقضية الوطنية وشرف الذود عن البلد في الجبهات المختلفة، ويأتي التهويل من تردي الحالة الاقتصادية والإنسانية لصنع حالة تذمر واسعة في صفوف المجتمع تلقي باللوم على القيادة الوطنية والجيش اليمني. أما الغرض الثاني الذي ينتج بمعية الأول، هو انهيار في معنويات المقاتلين وخلخلة صفوفهم، وبالتالي تراجعهم أمام جحافل الغزاة.
ولما لهذه الحرب من أهمية بالغة يذهب بعض المفكرين للقول إن من كسب الحربين العالميتين الأولى والثانية، هو سلاح الحرب النفسية الذي مورس على الجنود بشكل أخص.
وكانت أبرز الوسائل التي استخدمها العدوان لتحقيق غرضه هذا، تضخيم الإمكانيات العسكرية لحلف العدوان على اليمن، والتهويل من قدراته العسكرية والأمنية والتجسسية، وكذا حول نوعية الأسلحة التي يستخدمها في عدوانه كـ(القنابل الفراغية) أو (القنابل الخارقة للتحصينات) التي أشيع بأنها تقوم باختراق تحصينات عسكرية على مسافة 30 مترا، وقد استخدمت في منطقة فج عطان وغيرها من الأماكن، وقيل بأن لها الفضل في تدمير 95% من القدرة الصاروخية اليمنية الباليستية، وفي غضون أسابيع قليلة اتضح كذبها مع أول صاروخ باليستي أطلقته القوات اليمنية على مواقع عسكرية للعدوان، وألحقت به حتى اليوم عشرات الصواريخ، وهي نفسها الصواريخ التي كشفت القدرات الصاروخية الأمريكية الدفاعية كمنظومة (الباتريوت) حين لم تستطع الحيلولة أمام الدمار والخسائر النوعية في العتاد والأرواح التي أنجزتها الصواريخ اليمنية.
والأمر نفسه مع سلاح الجو التابع للعدوان الذي لم يتمكن من تحقيق بنك الأهداف المعلنة منذ اليوم الأول للعدوان بحسب اعترافات قادته أنفسهم، وكذا مع إشاعة إفلاس البنك المركزي وانهيار أسعار الصرف، وأيضاً مع شائعة استشهاد قائد الثورة السيد عبد الملك الحوثي، وغيرها من الدعاية المضادة الفاشلة.
يقول المخطط العسكري الصيني صن تزو: (إن أعظم درجات المهارة هي تحطيم مقاومة العدو دون قتال). فالهزيمة حالة نفسية مداها الاقتناع بعدم جدوى المقاومة، أي الاستسلام، والتوقف عن الحرب. والحرب وسيلة من وسائل إقناع الخصم بالهزيمة، فإذا اقتنع بالهزيمة وبعدم جدوى المقاومة، تحقق الهدف من الحرب.
وفي التاريخ اشتهرت حروب من هذا النوع كان لها أكلها، فمثلا (التتار) استخدموا عامل الذعر لدى الخصم، إذ اتجهوا لنشر الأساطير المختلفة حولهم كالتحكم بالطبيعة والتوحش التي جعلوها صفة زيهم وهيئتهم الحربية.
وفي (فتح مكة) لجأ النبي لاستخدام الحرب النفسية كي تستسلم قريش ولا تحارب.
وقد اشتهرت ألمانيا خلال الحرب العالمية الثانية أيضا باستخدام الحرب النفسية واللجوء لها بشكل كبير وبطرق مختلفة، كتسريب الأخبار والمعلومات الكاذبة للبريطانيين، وحرب المعنويات مع الروس، والتضخيم مع الفرنسيين والهولنديين.
ولا تقتصر الحرب النفسية على استهداف المعنويات، بل تقوم بأدوار أخرى، كإنجاز غرض تكتيكي يعرف بالموسوعة العسكرية (بالتشتيت)، تمويه الضربة القادمة والحفاظ على عنصر المباغتة: لتضرب في الغرب أحدث الضجة في الشرق، وهو ما يمكن قرنه بالهجوم على البوابة الشرقية للعاصمة التي تتضح ميدانياً بأنها ليست هجمة جادة أكثر من كونها جلبة إعلامية تشتيتية لا أكثر تخفي هدفاً آخر.
ولا يعتمد العدوان في حربه على وسائل الإعلام فقط، بل لديه مجندون في الداخل يلوكون بألسنتهم السوداء خطاب العدوان من أكاذيب وإشاعات تضليلية وترويج لمشاعر الكراهية والحقد والانقسام، وهم لا يقلون خطرا عن الإعلام.. وتجد الحرب النفسية الإعلامية مساحتها الملائمة في الوسط الشعبي بمختلف تنوعه في اللحظة التي تنزاح فيها عن الساحة المؤسسة الوطنية وخطابها الوطني الثوري المتواصل والمواكب سواء مع المستجدات الاجتماعية وتغيرات الوعي الوطني أو في مواكبة المد المضاد للعدو سلماً وحرباً على السواء، ويؤكد علماء النفس الاجتماعي أن العصر الحالي (عصر الصحف والإنترنت والشاشة المعولمة أو المتجاوزة للأوطان وللقارات) ليس فيه من أوقات محددة للمواجهة، ففي كلا الأمرين: السلم والحرب، تكون المواجهة قائمة وتوجب في المقابل ألا يهمد الخطاب الوطني، وزلة واحدة تأخذ (استراحة محارب) فيها قد توقع الأوطان في أسر الإعلام المضاد، فالترسانة الإعلامية (لوبي الإعلام) لمنظومة السيطرة الدولية التي تتزعمها أمريكا الصهيونية العالمية، لا تتوقف لحظة واحدة عن جهادها استعمار الرؤوس والتحكم بالوعي ومساره وجعل مخرجاته تصب في خدمة مصالحهم.
القائد الألماني روميل يقول: (إن القائد الناجح هو الذي يسيطر على عقول أعدائه قبل إبدائهم).
ويجدر القول أخيراً، إن مجتمع القبيلة في اليمن الذي لم تصل إليه عوامل الاتصال والتكنولوجيا، ظل بينه وبين (العولمة) جدار مانع حال دون تدجين وعي أبنائها وسلاحهم، وتهجين انتمائهم للوطن، وتفكيك روابطهم الاجتماعية. كما أن هذه الحروب الإعلامية، واستراتيجيات السيطرة على العقول، هي آلية عامة تستخدمها منظومة السيطرة الدولية مع كل شعوب العالم، والحال ذاته مع المواطنين السعوديين والخليجيين الذين يقبعون في ظل هذه السيطرة بأشكال أكثر ضراوة عن غيرهم.
المصدر صحيفة لا / صلاح علي