أحمد الحبيشي في حوار مع(لا):
21 أيلول أسقطت الأوليغارشيات التي اختطفت ثورتي سبتمبر وأكتوبر ومايو



أحمد الحبيشي ذاكرة إعلامية وموسوعة تاريخية مهمة، عاصر العديد من المراحل التاريخية الهامة في التاريخ اليمني، ويعرف الكثير من خفاياها. في هذا اللقاء مع صحيفة (لا) يكشف للمرة الأولى قصة انضمامه إلى المؤتمر الشعبي العام، ويتحدث لنا حول الأحداث التاريخية التي شابها الغموض.
وباعتباره عضواً في اللجنة الدائمة يؤكد الحبيشي أن المؤتمر سيقف سنداً لأنصار الله في حال قرروا سد الفراغ السياسي، ويستشرف تفككاً قريباً لمملكة بني سعود، وخلاصاً لليمن وسوريا من المشروع الصهيوأمريكي. فإلى الحوار. 
 نبدأ من العام 2001 في هذا العام عدت من القاهرة التي كانت منفاك طيلة سنوات ما بعد حرب 94.. هل كانت عودتك ثمرة لتسوية انفرادية مع (صالح) بعيداً عن الحزب وملف الـ(16)؟
أولاً كان الحزب الاشتراكي قد تعرض لانقسام حاد بعد حرب 94، جزء من الحزب عاد إلى صنعاء بدون شروط، وكان يتهافت على العودة إلى الداخل والتعاون مع علي عبدالله صالح، ترأس هذا الجناح جار الله عمر وسيف صائل وآخرون معظمهم من الفرع الشمالي للحزب، والقسم الآخر انقسم إلى قسمين: قسم كان يدعو إلى إصلاح مسار الوحدة ودخل مع حزب الرابطة وآخرين في تشكيل الجبهة الوطنية للمعارضة وأسس صحيفة (الوثيقة)، كنت أنا رئيس تحريرها، كان خط الجبهة الوطنية للمعارضة والحزب الاشتراكي الذي دخل فيه وصحيفة (الوثيقة)، هو إصلاح مسار الوحدة، حتى إنه كان شعار الصحيفة (نحو إصلاح مسار الوحدة)، أما القسم الآخر فقد كان مرتبطاً بعلي البيض، وكان يدعو إلى الجنوب العربي وأصدروا صحيفة اسمها (بريد الجنوب).
الحزب الاشتراكي بعد حرب 94 انقسم إلى ثلاثة أقسام، قسم عاد إلى الداخل وتعاون مع النظام ثم تحالف مع حزب الإصلاح في إطار اللقاء المشترك، وآخر ظل في الخارج يعارض من أجل إصلاح مسار الوحدة وتصحيح نتائج حرب 94، وثالث ذهب إلى مشروع الجنوب العربي الذي يقوده علي البيض.
نحن الذين في الجبهة الوطنية للمعارضة لا ننكر أنه كان هناك نوع من التواصل مع الرئيس (صالح) شخصياً، وكانت مآخذنا هي حرب 94 وتغول التطرف والإرهاب، وضرورة تنفيذ قانون التعليم، هذا القانون الذي كان أحد أسباب أزمة 93 واندلاع حرب 94. وباعتبار أني كنت رئيس لجنة الثقافة والتربية والإعلام، وقرأت مشروع قانون التعليم، وهاجمتني حينها صحيفة (الصحوة) وبعض الصحف، اتصل بي (صالح) بعد تفجير السفينة (كول)، وقال إننا سندخل في معركة مع الجماعات المتطرفة، وسأصدر القانون، فيما يعتبر القانون نافذاً لأنه عُرض على مجلس النواب، لكن لم يصدر به الرئيس قراراً جمهورياً ولم يعده خلال الـ30 يوماً إلى السلطة التشريعية.
بعد أسبوع صدر قانون التعليم وأُلغيت المعاهد، نحن كنا نقول إن النشاط الإعلامي أثمر، وكان (صالح) يركز على إيقاف النشاط الإعلامي للمعارضة، لأنه يعرف أن النشاط الرئيسي للمعارضة هو إعلامي، الرسول حينها كان محبوب علي، نقيب الصحفيين الأسبق، وطرح الرئيس «صالح» عودة الإعلاميين بضمان نقابة الصحفيين اليمنيين وعبرها، نحن الإعلاميين الذين في الخارج التقينا وناقشنا هذا الموضوع، وكان هناك بعض الإخوة بالذات الذين يمثلون (صوت العمال)، خائفين من أن يتعرضوا لأذى، فتم التنسيق مع اتحاد الصحفيين العرب، كان حينها الأستاذ إبراهيم نافع هو نقيب الصحفيين العرب، وتواصل هو مع (صالح) وأخذ منه ضمانات بأنه لن يتعرض أي من الصحفيين لأذى بعد عودتهم.
فوجئنا ثاني يوم بعد المكالمة بين نقيب الصحفيين العرب و(صالح)، بأن نشرت صحيفة (الشرق الأوسط) وصحيفة (الحياة) خبراً في الصفحة الأولى أن الرئيس «صالح» وجه مبادرة بعودة الصحفيين، وأن الصحفيين وافقوا وسيعودون، وعلى رأسهم أحمد الحبيشي. نحن لم نكن متفقين على ذلك، والموضوع لم يُعلن، ففوجئنا بإعلانه من طرف واحد.
عاد محبوب مرة أخرى، وقلنا نريد أن نتحاور مع طرف يمثل النظام، لأنك تعتبر جزءاً منا، نحن صحفيون وأنت صحفي، وأعضاء في النقابة، وأنا من مؤسسي النقابة، وحتى تلك اللحظة لم يتم أي حوار بيننا وبين النظام، والحوار الوحيد كان بين نقيب الصحفيين العرب والرئيس «صالح».
أبلغونا أنه سيتم التفاوض عبر شخص في السفارة، وأول لقاء اشترطنا ألا يتم داخل السفارة، وأن يتم في فندق شيراتون المقابل للسفارة اليمنية بالقاهرة، فوافقوا، حضرنا هناك وطرحنا شروطنا ومطالبنا، واتصل بنا المفاوض وقال إنهم وافقوا على مطالبنا، وهي ذات طبيعة مهنية، أن نعود إلى أعمالنا لأنه صدرت قرارات بفصلنا من أعمالنا، وأن يعود أولادنا إلى نفس المراحل التعليمية، والذين يدرسون في الخارج يواصلون دراستهم على حساب الدولة، ولم نطرح أي مطالب سياسية.
 ماذا عن المطالب العامة؟
تلك كانت في البداية شروطاً لعودتنا، لكنه عُرض علينا (أننا في معركة تعالوا اشتغلوا معنا)، فعندما عدنا تم استقبالنا استقبالاً رسمياً، وأخذت تصريحات منا نشرت في الأخبار، وكانت عودتنا مشرفة، بعكس الآخرين الذين عادوا بشكل منفرد.
عارض عودتنا الكثير على رأسهم ياسين سعيد نعمان، لأنهم كان معهم خطوط مع النظام يبحثون مشاكلهم الشخصية، بينما كانت مطالبنا قانون التعليم، وحرب 94، وعاد بعدنا سالم صالح.
وبعد عودتنا توقف النشاط الإعلامي للمعارضة، حيث كان نشاطها بالدرجة الرئيسية هو نشاطاً إعلامياً، وكان هذا أحد أهداف النظام، وعندما عدنا وتمت تلبية مطالبنا الخاصة، استقبلنا (صالح) في عدن، قلت له حينها: (بالنسبة للحزب الاشتراكي اليمني شخصياً أنا أعتبر منقطعاً عن الحزب، صحيح أنني أحمل تاريخ الحزب ومبادئه، لكنني منقطع عن الحزب بعد 94، لأني أعتقد أنه لم يعد هناك حزب اشتراكي)، فقال لي: (لا الحزب الاشتراكي موجود، ونحن نريدكم أنتم الأصوات المتميزة تكون داخل الحزب)، وطلب مني أن نبقى داخل الحزب.
بقيت داخل الحزب، لكني شعرت أني أعيش في جزيرة متوحشة، في بيئة لا أعرفها، وليس الحزب الذي تربيت فيه وعملت فيه، فعملت رسالتي الشهيرة (لهذه الأسباب أعلن انسحابي من الحزب الاشتراكي اليمني).
 كيف ترى عودة ياسين سعيد نعمان؟ هل هي ضمن تسوية معينة؟ قائمة الـ(16) مثلاً.
لقد عادوا جميعهم.. و(صالح) كان على تواصل بهم جميعاً، أما قائمة الـ(16) فصدر بها عفو عام من العقوبة، وبالتالي لم يعد هناك قائمة الـ(16). وأول واحد عاد بعدنا كان سالم صالح، ذهب (صالح) إلى أبوظبي وعاد معه في الطائرة، وهو الوحيد الذي حصل على بروبجاندا إعلامية لأنه عاد مع الرئيس.
 عشت بياتاً سياسياً منذ ذلك الحين، فلم تشارك في المؤتمر العام الخامس للحزب، ولم تنشط حزبياً حتى 2011..
لا، لا.. قدمت استقالتي من الحزب، وأعلنت انسحابي في العام 2002 قبل المؤتمر الخامس، وهناك قضية أريد نشرها حول انضمامي للمؤتمر الشعبي العام، كان محمد عبدالمجيد قباطي وقتها رئيس الدائرة السياسية، اتصلت به وقلت له أنا كتبت وثيقة استقالتي، أريدك أن تراجعها، وقد كتبت في آخر الرسالة: (سلاماً علي عنتر، سلاماً عبدالله باذيب، سلاماً عبدالفتاح إسماعيل، سلاماً صالح مصلح)، يعني ودعتهم بأدب، وأن هؤلاء ليسوا منهم.
فأخذها قباطي في يوم اثنين، وفي يوم الخميس من ذات الأسبوع اتصل بي قباطي يقول هل اشتريت صحيفة (26 سبتمبر)؟ قلت: لا، فقال: ارسل ابنك يشتريها، نشروا استقالتك على صفحتين مع عناوين وسطية، فوجدت في الصفحة الأخيرة خبراً أن أحمد الحبيشي عضو في اللجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام، تواصلت بقباطي أستفسر منه عن ذلك، فجاء إلى عندي وقال نذهب عند عبده بورجي، ومررنا بالدكتور عبدالكريم الإرياني الأمين العام، فقام يرحب بي ويقول: (أهلاً وسهلاً بالرفيق أحمد الحبيشي)، قلت له: (كويس أنك قلت الرفيق أحمد الحبيشي).
علاقتي بالدكتور الإرياني قديمة من قبل الوحدة، فقلت له: (أنتم الآن دخلتونا المؤتمر وطلعتونا اللجنة الدائمة، يبدو أنكم لم تقرأوا استقالتي من الاشتراكي)، لأن واحداً من أسباب الانسحاب الخمسة هو أن الحزب تخلى عن الماركسية، فقال المؤتمر حديقة غناء فيها الزهور والورود، ثم قال: (اذهبوا عند عبده بورجي).
ذهبنا إلى عند بورجي، ويبدو أن الدكتور قد حدث عبده بورجي، فقال لي بورجي بالنسبة أنك ماركسي نحن سعداء بأن يكون لدينا ماركسيون أصليون حقيقيون مثلك، وعبّر عن آرائك كما تريد، وسنعطيك جريدة التي هي (22 مايو) اجعلها ماركسية كما تريد، فشعرت أنهم تقبلوا أني يساري.
وفي 2003 كان لديَّ صحيفة (22 مايو)، وزاد (صالح) ليغيظ علي محسن بتعييني ناطقاً رسمياً للمؤتمر الشعبي العام للفترة 2003 - 2004، وعندما اندلعت الحرب الأولى في صعدة، كان هجوم صحف حزب الإصلاح على (22 مايو)، أنها لا تغطي الأحداث في صعدة مثل (الميثاق) والخطاب الإعلامي الرسمي، وقامت صحيفة (الناس) بحكم أن حسين بدر الدين صديقي بنشر صورة ودية لي مع الشهيد حسين بدر الدين الحوثي، وقالت لهذه الأسباب صحيفة (22 مايو) تتعاطف مع (الحوثة)، طبعاً أنا لم أكن مقتنعاً بالخطاب الإعلامي الرسمي.
 كيف كانت تغطيتكم للحرب في صعدة؟
عندما ازدادت الضغوط كتبت مقالاً، كان سبب في الإطاحة بي من (22 مايو)، حيث كانت صحيفة (الشموع) أسبوعياً معها فصل من كتاب (اذهبوا فأنتم الرافضة)، فكتبت مقالاً بعنوان (لقد تشابه علينا البقر)، وأوردت فيه (يُخطئ من يعتقد أن الذين يتقاتلون اليوم هم جنود الحسين بن علي وقوات يزيد بن معاوية، وما يجري هو حرب عبثية في منطقة نائية لا يمكن أن تهدد الجمهورية بعد خمسة عقود من قيامها)، ويبدو أن هناك أناساً لازالوا يدافعون عن الخطاب الذي أتبناه، فقاموا بتنسيق لقاء مع حمدي قنديل في برنامج (قلم رصاص) على قناة (دبي) على أن يستضيف الناطق الرسمي للمؤتمر وآخر من صحف المعارضة، فجمعني اللقاء بجمال عامر رئيس تحرير صحيفة (الوسط).
بدأ حمدي قنديل المقابلة معي ووجه لي سؤالاً باعتباري الناطق الرسمي للمؤتمر الشعبي العام، عن حرب صعدة، وقال هناك اتهامات لكم أنكم تنسقون مع الأمريكيين من أجل قمع هذه الحركة، لأنها معادية لأمريكا، وهناك من يقول إن هذه الحركة تهدف إلى إسقاط الجمهورية وإعادة الملكية. فكان ردي هو أن هذه الحرب عبثية، ومن الخطأ أن تصدق هذه الشائعات، فالجمهورية بعد 50 عاماً راسخة وقوية، ولا يمكن لحركة صغيرة تمردت على الدولة في منطقة نائية أن تهدد الجمهورية إلا إذا كانت الجمهورية ضعيفة، فقال جمال عامر: إذا كان الناطق الرسمي للمؤتمر يقول هذا الكلام، فأنا لا أمتلك إلا أن أتضامن معه.
عدت إلى صنعاء بعد يومين، وإذا بصحيفة (الشموع) تقول: (الناطق الرسمي يُكذب رئيسه)، وكل الصحف تهاجمني وتتهمني بأني مع المتمردين، فكان القرار بإبعادي من (22 مايو) ونقلي إلى عدن.
 أحمد الحبيشي جنوبي يعيش في الشمال أم شمالي عاش معظم حياته في الجنوب؟! هذا هو الفرز اليوم.. أليس كذلك؟!
أنا يمني عشت في اليمن، ولازلت أعيش في اليمن، وليس مهماً المنطقة التي أعيش فيها، سواءً في صنعاء أو في عدن أو في تعز أو غيرها.
 كيف تقيِّم حرب صيف 94 من موقعك اليوم؟ وما الفروق الجوهرية برأيك بين (عفاش - خصم الأمس - صديق اليوم) من جهة و(علي البيض - صديق الأمس - خصم اليوم) من جهة مقابلة؟
أنا ضد حرب 94، وكنت من أوائل الذين وقفوا ضد الحرب، والذين تعاونوا مع الرئيس «صالح» ونائبه (البيض)، من أجل وضع حد لهذه الحرب من خلال اتفاق التنسيق بين الحزب والمؤتمر على طريق التوحد، اتفاق التنسيق التحالفي الذي وافقت عليه اللجنة الدائمة ورفضته اللجنة المركزية بتأثير من الفرع الشمالي للحزب الاشتراكي اليمني، وهذا أدى إلى انسحاب (البيض) من اجتماع اللجنة المركزية، واعتكافه أربعة أيامه في بيته، وقطع الاتصالات عن الآخرين، ثم ذهابه إلى أمريكا للعلاج وعودته إلى عدن، وهؤلاء الذين وقفوا ضد اتفاق التنسيق التحالفي من أجل التوحد، عملوا بعد ذلك على تنسيق تحالفي مع حزب الإصلاح، ويتواجدون الآن في الجبهة المعادية للسيادة والاستقلال.
كنت مع (صالح) و(البيض) عندما كانا يسعيان إلى منع قيام حرب 94، ولكن بعد أن اندلعت الحرب غادرت إلى القاهرة - كما أوضحت سلفاً - وظللت أعارض الحرب، ولازلت أعارضها وأحملها كل التشوهات والارتزاقات التي تحصل الآن في الجنوب، فلولا حرب 94 لما حدث ذلك.
الذين يهتفون الآن ضد الوحدة ويثيرون النعرات المناطقية ويحرضون ضد أبناء الشمال، هم من جيل الوحدة، معنى ذلك أن النظام الذي انتصر بعد 94 أخطأ في التعامل معهم، وكانت هذه النتيجة.
لا أنافق أحداً، (صالح) ارتكب أخطاء، ولا يمكن أن نبرئه، وله إيجابيات، ولا يمكن أن نبخس الناس حقهم، وكذلك (البيض)، والفارق الوحيد بينهما أن الأول أثبت قدرته على التطهر من أخطائه، واكتشاف الكثير من الزوايا الحادة ومحاولة الخروج منها، ويكفيه فخراً أنه موجود على الأرض، يقاوم العدوان في جبهة الدفاع عن السيادة والاستقلال، في حين أن الآخرين مع الأسف الشديد يقفون مع قتل أبنائنا وشبابنا ونسائنا، وانتهاك سيادتنا والاعتداء على أمننا واستقرارنا، ويعملون مخبرين مع أعدائنا التاريخيين، هذا الفرق بين أصدقاء الأمس وخصوم اليوم.
السياسة ليست ثابتة، الذين يمارسون العمل السياسي عليهم أن يدركوا أن السياسة بحد ذاتها كائن متغير، وأنا أحدد موقفي من خلال مبادئ عامة، وعندما أرى حزباً من الأحزاب أو شخصية من الشخصيات أو دولة من الدول تقف مع مصالحي الوطنية بدرجة رئيسية، أقف معها.
 هل نفهم من كلامك أن علي سالم البيض أحد عملاء الخليج اليوم؟
لا، لا.. علي البيض أكبر من أن يكون عميلاً، هو أُصيب بصدمة كبيرة جداً لأنه جاء إلى الوحدة بصدق، وصُدم لشعوره بخيانة.
 كيف تقيِّم موقفه اليوم؟
أنا لستُ مع (البيض) وهو يدعو إلى استعادة دولة الجنوب العربي، أعتقد أنه عندما يدعو بذلك هو يقرر فك ارتباطه بثورة 14 أكتوبر، وهو أحد قادتها وأحد أعلام هذه الثورة العظيمة، علي البيض هو الذي أسقط حضرموت، وكانت خارج الجنوب العربي، علي البيض أحد صُناع الاستقلال، هو أحد بُناة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، وأحد المناضلين من أجل الوحدة اليمنية، وأحد المدافعين عن الهوية الوطنية اليمنية. 
وليس من السهل بلحظة غضب أو جرة قلم أن أبخس حق الرجل، ولكنه يُخطئ إذا اعتقد أنه يقف في الموقع الصحيح، هو خارج إطار مبادئ ثورة 14 أكتوبر التي دافعت عن الهوية اليمنية للجنوب المحتل، وأسقطت مشروع الجنوب العربي يوم 30 نوفمبر، ومكانه الطبيعي هو العودة للكفاح الوطني تحت راية 14 أكتوبر وإدانة حرب 94 وتصحيح مسار الوحدة، وأنا شخصياً لازلت على موقفي ضد حرب 94، هذه الحرب الكارثية التي وصفوها بأنها دفاع عن الوحدة، دقت مسامير في جسد الوحدة، ووجهت طلقات قاتلة في ظهر الوحدة، ما يحدث في الجنوب الآن، من انقلاب تراجيدي على تاريخ عدن والوحدة، هو بفعل حرب 94 والمنتصرين في تلك الحرب.  
 هل تراهن على (البيض) في أن يتبنى موقفاً ينقذ الجنوب مما هو فيه؟
أعتقد أن علي البيض لو استمع إلى نصائح حيدر العطاس فهو لازال على ارتباط عميق بتاريخه الوطني، وأول رئيس لرابطة الطلبة اليمنيين شمالاً وجنوباً في القاهرة قبل الثورة اليمنية، وبعد التوقيع على وثيقة العهد والاتفاق كان (البيض) سيأتي إلى صنعاء، لكن ياسين نعمان وآخرين حذروه من العودة إلى صنعاء، في حين كان العطاس يريده أن يعود إلى صنعاء، والدليل أنه جاء إلى صنعاء، وحاولوا منعه من الدخول، وجاء بعدها إلى تعز، وترأس اجتماع مجلس الوزراء بعد توقيع وثيقة العهد والاتفاق، حيدر يدعو إلى إقليمين، أنا شخصياً إذا كان لابد منها من أجل الحفاظ على الوحدة والهوية اليمنية للوطن الواحدة، فهذه صفقة تاريخية أنا معها.
قبل ثلاثة أعوام استضافني محمد منصور في برنامجه على قناة (اليمن اليوم)، وقال لي إن هناك من يدعو إلى خمسة أقاليم، وهناك من يدعو إلى حكم ذاتي، فقلت له يا عزيزي دعك من هذا كله، أنا أدعو إلى الحفاظ على الوحدة في إطار دولة واحدة من إقليمين، وأضفت: أخشى أن يأتي يوم نطالب فيه بإقليمين وقد فات الأوان، ولا نجد من يؤيد الإقليمين. وهذا ما هو حاصل الآن.
   نفهم من كلامك أن مشروع الإقليمين لا يمكن أن يُطبق الآن..
مصير اليمن هو أن يكون واحداً، ولكن بعد ما حصل أعتقد أننا بحاجة إلى مرحلة انتقالية للوحدة، بتجربة الإقليمين، لأن ما حدث من بعد حرب 94 وما يحدث اليوم في الجنوب والعدوان والاحتلال عمَّق الكثير من النعرات والعوائق والعقبات التي تجعلنا بحاجة إلى أن نبحث عن شكل جديد للوحدة، لكي نحافظ على وحدة الوطن، ونحافظ على الهوية اليمنية للجنوب.
 تتبنى توافقية بين الشمال والجنوب تنتمي لأدبيات الاشتراكية القديمة.. ألا تظن أن مجرى الأحداث سلك منحىً معقداً لا تجدي معه هذه المقاربة؛ لاسيما وقد باتت هناك (قضية جنوبية) لا قضية (يمنية وطنية) ولا قضية قومية أممية؟!
لا أنتمي إلى الأدبيات القديمة للحزب الاشتراكي اليمني، أنتمي إلى مبادئ الحركة الوطنية اليمنية.. هل نعتبر أهداف سبتمبر أهدافاً ومبادئ قديمة؟! هل نعتبر مبادئ الحركة اليمنية المعاصرة من قبل ثورة سبتمبر مبادئ قديمة؟! أنا أنتمي إلى الحركة الوطنية اليمنية المُعاصرة والأهداف التي صاغتها الحركة الوطنية اليمنية المعاصرة والثورة اليمنية المعاصرة ممثلة بثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر. 
تطور المبادئ وتطور الخِطاب شيء موضوعي وطبيعي، لكن لا يجب التعاطي مع أي تطور للمبادئ والأهداف والخطاب بالانقطاع عن الأهداف الأساسية.. وأرفض أية قطيعة معرفية وتاريخية وطنية مع المبادئ والأهداف التي تربينا عليها. 
لا شك قد يكون لدينا أهداف جديدة تطورت، ولكن ستكون امتداداً للمبادئ الأساسية.. أنا أرفض أية قطيعة تاريخية أو معرفية أو مبدئية مع تاريخنا، ولكنني ضد الجمود العقائدي، ضد الجمود السياسي، ومن بين المبادئ الأساسية للثورة اليمنية، هناك شهداء ماتوا، وهناك تضحيات قُدمت، فهل هذه أدبيات قديمة؟! يعني هؤلاء الشهداء والتضحيات التي قدمها الشعب في مراحل تاريخية سابقة، هل نعتبرها جزءاً من تاريخنا القديم؟
 من هو الجنوبي الأصيل الذي يعتبر بعض فصائل الحراك وما عداه غير جنوبي، في ظل فرز تمزيقي لبنية المجتمع المتماهية بالجنوب؟! 
الجنوبي الأصيل هو اليمني، والذي بنى المداميك الأساسية لعدن الحديثة في القرن التاسع عشر قبل 200 سنة، هم القوى العاملة التي نزحت من المناطق الشمالية إلى عدن، وكانت تشكل أقلية عربية.. كانت نسبة العرب عندما احتل الإنجليز عدن لا تزيد عن 30%، حتى الجنوب الذي تتحدث عنه كانت المنافذ الساحلية له في أبين وشبوة تستقبل وتستوطن أفارقة وأجانب، وكانت الأسر العربية والعائلات العربية السلاطينية لا تزيد عن ألفين إلى ثلاثة آلاف شخص، وعدن والجنوب الحديث بُنيت بسواعد القوى العاملة التي جاءت من تعز والحديدة وإب والبيضاء بدرجة رئيسية..  
الجنوبي الحقيقي هو ابن تعز وابن البيضاء وابن إب، هؤلاء الذين ذهبوا إلى عدن قبل 200 عام، وشيدوا الموانئ والمدن والأحياء، ودافعوا عن عروبة عدن والهوية اليمنية الوطنية لعدن، وشاركوا في تحديث عدن وتحرير عدن والجنوب، معظمهم من اليمن، والجنوبي الحقيقي هو اليمني.
 وما تبعات مثل هذا الفرز القائم اليوم؟
نحن اليوم في لحظات فارقة يتعرض فيها الوطن ليس فقط للعدوان، أيضاً لاحتلال، 70% من أراضينا كما قال العسيري الشرعية تسيطر عليها،70% هي الصحارى والجبال، الجنوب كان أصلاً 76% من اليمن قبل الوحدة، وحتى بعد الوحدة، لكن لا توجد فيه مجتمعات حضرية، عدد سكان الجنوب كلهم 3 ملايين. 
عندما قامت الوحدة كان عدد سكان الجنوب مليوناً و900 ألف، وعدد سكان الشمال ثمانية ملايين، ومساحة الشمال أقل من مساحة الجنوب، لكن فيها مجتمعات حضرية، فيها كثافة سكانية، وبالتالي نحن في لحظة فارقة، لكن لن يستمر إلا ما هو موضوعي.
 أمس وجدت كثيراً من المنتجات الزراعية والصناعية التي تنتج في عدن وحضرموت، تُباع في صنعاء.. قالوا هم يمنعون الشاحنات الشمالية، لكن نحن نستقبلها، وأعتقد لو استمر هذا الوضع حسب هذا الخطاب العنصري، سيموت الجنوبيون جوعاً، إذا قرر الشمال إغلاق منافذه باتجاه الجنوب، لن يجدوا سوقاً يبيعون فيها منتجاتهم، ولا حتى يحصلون منه على احتياجاتهم. كانت عدن قبل الاستقلال مدينة حرة، وكان ميناء عدن حراً، وكانت فيها حركة تجارية قوية، وسوقها الأساسي كان في الشمال، وسوق عدن لم يكن يغطي واردات الميناء. 
لا مستقبل للجنوب دون أن يكون جزءاً لا يتجزأ من الوطن، دون أن يكون جزءاً من السوق الوطنية الواحدة، هم الآن لديهم هوس الجنوب الجنوب، لكن السوق لم يدخلوها الآن، والسوق هي أحد عناصر الدولة والهوية، بينما سوق عدن لا يتسع لمنتجات الجنوب، وإذا قرروا تنشيط ميناء عدن بينما الخطة هي تجميد ميناء عدن لأنه لا توجد مصلحة للمستعمرين الجدد في أن يشغلوا ميناء عدن حتى لا ينافس ميناء دبي، وبالتالي سيصلون الى طرق مسدودة، كما سيواجهون خطر الإرهاب الذي هو البديل الوحيد للدولة اليمنية، والجيش اليمني. 
 كلما انسحب الجيش من منطقة تأتي جماعات إرهابية بالحشود وتملأ الفراغ نيابة عنه، يريدون إرباك اليمن، يريدون نشر الفوضى في اليمن، يريدون تفكيك النسيج الاجتماعي، ويريدون تفكيك الدولة.. والجماعات الإرهابية هي صناعة غربية سعودية، وتستخدم كأدوات لتحقيق أجنداتهم.
 متى كانت آخر مرة زرت فيها عدن؟
أنا ابن عدن، وآخر زيارة لي كانت في يناير 2014م، قبل العدوان. ولم تكن بهذا السوء الذي هي عليه اليوم.
 ياسين نعمان سفيراً للرياض في لندن.. ما تعليقك؟!
عندما شاهدت ياسين في الصف الأول في مؤتمر الرياض، كان مميزاً، حيث كان وجهه إلى الأرض على عكس البقية، وعلقت حينها بـ(ياسين عليك ما أرحمك، ياسين عليك ما أخزاك).
 في المقابل (عفاش) يصطف إلى جانب الشعب في خندق مجابهة العدوان، ألا ترى في ذلك مفارقة؟!
لا أرى أية مفارقة، (صالح) كان في خندق الكفاح أيام ثورة 26 سبتمبر، في حين كان علي محسن في الخندق الإمامي الملكي، وقد استمر (صالح) يقاتل في خندق الدفاع عن الثورة منذ اليوم الأول لقيام ثورة سبتمبر وحتى المصالحة.
 أليست مفارقة بين موقف ياسين اليوم وموقف (صالح)؟
المفارقة أن ياسين قرر لنفسه هذه النهاية، بينما «صالح» لديه تجربة تاريخية وطنية ويراهن عليها وعلى القيم، وإن أخذنا عليه بعض الأخطاء، لكنه ينحاز إلى الوطن في أصعب الظروف.
 تتوافر على أرشيف معلوماتي يتعلق بتاريخ قوامه عقود.. هذا يجعلك في مقام (هيكل)، فإلى أي مدى يحميك هذا الكنز؟ وإلى أي مدى يضعك في مهب حظر لجهة من تعريهم وفضح تناقضاتهم؟!
الفضل الأول لعشقي للأرشيف هو لوالدتي، كان لديها صندوق تحتفظ فيه بكل الوثائق الشخصية والأشياء التي تحتاجها في سنوات لاحقة، وكذلك والدي كان لديه صندوق، وجدت فيه بعد وفاته بطاقات ووثائق كثيرة، وفاجأني أن وجدت له بطاقة عضوية في الجبهة العدنية الكبرى، التي رفعت شعار (عدن للعدنيين)، مع أن والدي كان يقول إن عدن للعرب، ومطالبنا كلها عربية. بعد ذلك خدمني الحظ حيث عملت منذ تخرجي مع قيادات الدولة والحزب في الجنوب، ولم أعتمد يوماً على قبيلة أو شيخ أو قيادي، واعتمدت على كفاءتي ومهنيتي، وقد اشتغلت مع القيادات كلها، وبالرغم من تصفية الكثير منهم إلا أنني الوحيد الذي لم يتم تصفيتي.
عملت مع علي ناصر، وبعد سقوطه عملت مع العطاس والبيض، والسوفيت كانوا مندهشين من هذا الأمر، وقد أخبرني أحد منهم مازحاً (أنت قبّار الرؤساء)، وسأضرب لك مثلاً: كنت أعمل مع عبدالفتاح إسماعيل ضمن الطاقم الرئيسي له، وقد استقال في أبريل 1980م من الأمانة العامة للحزب وهيئة الرئاسة، وكان علي ناصر رئيس وزراء، وكلَّف علي ناصر بأمانة الحزب ورئاسة هيئة الرئاسة ورئاسة الوزراء معاً، فبقيت في البيت على اعتبار أن علي ناصر يمتلك طاقماً سيقوم بمساعدته، ففوجئت باتصال من مكتب علي ناصر، بالتحديد من فوزية جوباني ـ رحمة الله عليها ـ  التي كانت تعمل ضمن طاقم مراسيم علي ناصر، وقالت لي الأمين العام يريدك، وأول ما خاطبني قال: (فينك يا أحمد ليش ما تجي تشتغل)، قلت له بأنهم أخبروني أن لديك طاقماً ولست بحاجة لي، قال لا (تقدر تجي الآن).. قلت له نعم.. وكنت المستشار والرجل الأول في سكرتاريته، وأدائي ومهنيتي جعلت الرئيس علي ناصر يتمسك بي، وشاركته في كل زياراته ومباحثاته للخارج، مع قيادات الشطر الشمالي حينها، إلى درجة أنه لا زال إلى الآن يستعين بي، آخرها أن طلب مني منذ فترة صوراً شخصية له، فأرسلت له حوالي 300 صورة، وقد حرصت على تصوير بعض الوثائق، وأعتقد بأن الله قد أكرمني بقوة الذاكرة أيضاً.
ولن أقول إني كهيكل.. هيكل عظيم، ويمتلك تجربة كبيرة وغير مسبوقة، ولن تتكرر، لكن أنا في حدود تجربتي الشخصية في اليمن ساعدتني الظروف، أهمها أني لم أكن محسوباً على أحد بحيث إن تمَّت تصفية الذي أعمل معه سيكون أمر تصفيتي مهماً، في 13 يناير لاحظت أن علي ناصر بدأ يميل إلى الخيار العسكري، فقلت له (خلي عبدالفتاح إسماعيل يجي إيش بيحصل).. غضب من طرحي هذا، وظل ساكتاً، وأمر بنقلي للعمل مع حيدر العطاس الذي كان يشغل حينها رئاسة الوزراء.
ومثلما أخبرتك لم أكن محسوباً على أحد، ولم أعبد آراء من أعمل معه، حيث أحتفظ دائماً بمسافة بيني وبين من أعمل معه، لكي يكون لي رأيي الشخصي، ولا أبخل أيضاً عليه بالمشورة.
 إلى أي مدى يحميك هذا الكنز؟
الحقيقة أنه من بين كل الذين عملت معهم كان حيدر العطاس يقبل النقد والرأي وإن كان مخالفاً له، وأيضاً سالم صالح محمد، وقد ساهما في حمايتي حين كنت سأتعرض لبطش الحزب عندما صدر قرار بفصلي من الحزب واتهامي بأني أسعى إلى تمزيق الوحدة التنظيمية والفكرية والسياسية للحزب، وأني مدفوع من الشمال، ولي علاقة بالأمن الوطني في الشمال، لأنني دعوت للتعددية الحزبية قبل الوحدة. والحقيقة أن من دافع عني وحماني هم: حيدر العطاس وسالم صالح محمد، والشهيد سعيد صالح سالم عضو المكتب السياسي وزير أمن الدولة.
 ألا يمثل الكنز المعلوماتي لديك عبئاً عليك وخطراً في نفس الوقت؟
الحقيقة أنه عبء حقيقي، لكنه ليس خطراً، وأحس أني بحاجة إلى أن تهدأ الأوضاع، وأتفرغ لتدوين مذكراتي وإصدار كتبي، لأن لدي كماً كبيراً من المقالات والأبحاث محفوظة إلكترونياً، وقد عملت على تبويب أولي لها تصل حوالي 11 كتاباً، وأول عمل سأقوم به هو تدوين مذكراتي أو بمصطلح أصح شهادتي، باعتباري شاهداً، لا بد أن أصدر شهادتي حول الكثير من الأحداث والأشخاص بموضوعية، لأني لا أحمل موقفاً محدداً ضد شخص بعينه. اختلفت مع (صالح) والآن أنا معه، وكنت في السابق مع (البيض) والآن أختلف معه، ولكن اتفاقي واختلافي مع أي شخص تحكمهما المبادئ وليس المصالح.
 لم تتحفظ على الظهور كصوت إعلامي واكب ثورة أيلول بقوة من خلال تحليلاته على قناة المسيرة. ثمة من يرى أن الحبيشي لا يضع بيض طموحاته السياسية كلها في سلة المؤتمر، ويحرص أن يوزعها في سلال أخرى مثل (أنصار الله) والحراك..! هل الأمر كذلك؟!
الوطن ليس سلة، وأنا أنتمي إلى الوطن، وأحدد موقفي تجاه الأحداث والتنظيمات من خلال مدى تقاطعها أو ابتعادها عن مصالح الوطن. وبالنسبة لما سميته ثورة 21 أيلول.. الحقيقة لست بحاجة لأي شخص ليزايد عليّ، أنا أول من غطى وقائع العملية الثورية منذ أن بدأت في شميلة وحتى العرضي، عبر قناة (آزال) تغطية مباشرة لمدة ساعتين مع اتصالات ميدانية سبقت فيها (المسيرة) وكثيراً من القنوات.
وأخبرت الكثير من (أنصار الله) ألا تسموها ثورة 21 سبتمبر، وسموها انتفاضة 21 سبتمبر الشعبية الثورية، وأعتقد أن تعبير الانتفاضة الشعبية الثورية أقوى من تعبير الثورة، فالثورة يمكن أن يقوم بها مجموعة ضباط بانقلاب ويسمونه ثورة، أما هذه فهي انتفاضة شعبية ثورية، ثم ماذا عملت هذه الانتفاضة؟ هذه الانتفاضة صححت الأخطاء التي وقعت فيها ثورتا سبتمبر وأكتوبر. من الذي سقط يوم 21 سبتمبر؟ سقطت الأوليغارشيات العسكرية والقبلية والدينية والإقطاعية التي اختطفت ثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر والوحدة والديمقراطية والسلطة والثروة.. التي انشقت عن النظام يوم 11 فبراير الأسود، ونسقت مع السفارة الأمريكية ومع برنارد ليفي في 11 فبراير.
لذا أنا أعتبر أن انتفاضة 21 أيلول الشعبية هي امتداد حي لثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر، وأنجزت ما عجزت عنه قوى ثورة 26 سبتمبر وثورة 14 أكتوبر خلال 50 عاماً، عندما تعرضت للاختطاف من قبل الأوليغارشيات القبلية والعسكرية والدينية التي كان يتكون منها النظام.
وما حدث في 11 فبراير هو عملية انشقاق داخل النظام الأوليغارشي، كان الهدف منها إعادة النظام الأوليغارشي، وبالتالي أنصح (أنصار الله) بألا يعتبروا ما حصل في 21 أيلول امتداداً لثورة برنارد ليفي التي قامت في صنعاء وليبيا وسوريا.. ذلك المخطط الصهيوني الأمريكي التفكيكي، لكن ما حدث في 21 أيلول هو امتداد لثورتي 26 سبتمبر و14 أكتوبر ووحدة 22 مايو، شكلت تعبيراً حياً لما يريده شعبنا اليمني وقواه الحية، باستعادة الثورة والجمهورية والثروة والسلطة.
وأنصحهم ألا يتبنوا مناسبة انقسامية، انقسم فيها الشعب اليمني ولم يتحد، نحن اتحدنا حول 26 سبتمبر و14 أكتوبر، حول الوحدة، ويجب أن نتحد حول العملية الثورية التي حدثت في 21 سبتمبر، لأنها جمّعت الناس ولم تقسمهم، وإذا أرادوا أن يقضوا على ما حصل يوم 21 سبتمبر، عليهم أن يقولوا نحن امتداد لـ11 فبراير، وإذا قالوا ذلك أنا كصديق لهم أول من سينشق عنهم.
 تجربتك مع قناة (آزال) كان معروفاً أنها لن تدوم، فهل وضعت حسابك للحظة مغادرتها؟ وكيف احتملت القناة جرأة برنامجك؟!
قناة (آزال) كان 50% منها يمتلكه الشيخ محمد بن ناجي الشايف، و50% يمتلكه المؤتمر الشعبي العام، وكنت أتحرك داخل المساحة التي يمتلكها المؤتمر. كان معي برنامج واحد فقط، وأقولها بدون غرور إنه أعطى (آزال) هوية، واتصل بي الشايف بعد العدوان، وقال لي تعال إلى منفذ الطوال وستجد هناك مبلغاً مالياً واسمك هناك تأتي إلى الرياض ونعيد بث (آزال) من الرياض، وفي تلك اللحظة كنت أطالع في التلفزيون مشاهد انتشال أسرة من تحت الأنقاض، أطفال ونساء كن بملابس النوم، فقلت له: أنا أشاهد هذا المشهد ولا يمكن إطلاقاً أن يسمح ضميري لي أن آتي إلى الرياض وأبارك العدوان وأؤيده وأنا أشاهد هذه المشاهد، وأشرف لي أن أموت مع هذه العائلة على أن أغادر إلى الرياض، وأغلقت سماعة الهاتف في وجهه.
تجربتي مع (آزال) وحتى الآن تجربتي مع (اليمن اليوم) لا أعتقد أن هناك شيئاً يدوم إلى الأبد، والذي يوجد إلى الأبد هو الوطن، وأن تُوجد لك قضية مع الوطن، وممكن تعبر عنها بأية وسيلة وبمختلف الظروف والمراحل، عبرت عن مواقفي وآرائي حتى من خلال (المسيرة)، وكانوا يتيحون لي فرصة كبيرة لأعبر عن رأيي، ويجب علينا ألا نتوقع أن هناك أشياء ثابتة ودائمة، والدائم هو الله والوطن لا غير، وعلينا أن نكون مع الوطن، وننبض بضمير الوطن لا بضمائرنا نحن، لأنها قد تفسد أحياناً، لكن ضمير الوطن لأنه ضمير كل الناس لا يمكن أن يُخطئ.. ولا توجد عندي عقدة من كوني كنت في (آزال)، كنت في (آزال) في المساحة التي يملكها المؤتمر الشعبي العام.
 باعتقادك لماذا يُمسك (صالح) بعصا علاقته مع الإمارات من المنتصف، خلافاً لموقفه المباشر والواضح من السعودية؟
لا أعتقد ذلك، وهناك نوع من سوء الفهم والتجني عليه، وفي أكثر من مرة هاجم الإمارات في حديثه مع (الميادين)، وذكر الإمارات في خطابه الأخير، والبعض أساء الفهم، لكن لا أعتقد أن (صالح) يمسك العصا من المنتصف، أنا جلست معه وأرى أنه ضد العدوان ككل، وأعتقد أنه عندما يتكلم عن الجنوب كجنوب محتل، فهو يعني الإمارات التي تحتل الجنوب بدرجة رئيسية.
 لماذا يخشى المؤتمر من شغل الفراغ السياسي خارج الطاولة الأممية العاثرة؟ على ماذا يراهن؟ وممَّ يخاف؟!
المؤتمر لا يمانع من شغل الفراغ السياسي، ويبارك انفراد (أنصار الله) في تشكيل حكومة وإدارة مؤسسات الدولة، على أن يتحملوا المسؤولية، كما يبارك حصول اتفاق مشترك على سد الفراغ، وغير صحيح أن هناك موقفاً من المؤتمر، وأعتقد أن المؤتمر و(أنصار الله) راهنوا خلال الفترة الماضية على الحلول الأممية والحل السياسي عبر الأمم المتحدة، وأنا متأكد أنه عندما يقتنع المؤتمر و(أنصار الله) أن الحل عبر الأمم المتحدة مسدود، فسيتفقان على سد الفراغ. أحدثك هنا باعتباري عضو لجنة دائمة.
 ما المخرج للسعودية من مأزقها في جنوب المملكة؟ وكيف تقرأ مآلات احتلالها لعدن والجنوب اليمني عموماً؟!
السعودية وقعت في مستنقع خطير في اليمن ككل، والمخرج الوحيد لها من هذا المستنقع هو أن تتحاور مع اليمنيين، ويكون هناك حوار يمني - سعودي.
 من يغتال من في عدن؟ ولماذا؟!
الذي يغتال عدن هو الفوضى، والفوضى هي أحد أهداف الربيع الصهيوني الأمريكي، مشروع التفكيك الذي كانت ولازالت ممالك الخليج النفطية عبارة عن أدوات في تنفيذه، سواءً في ليبيا من خلال قطر والإمارات، أو في سوريا من خلال قطر والسعودية، أو في اليمن من خلال السعودية والإمارات، هذا الربيع الصهيوني الذي ابتلينا به في اليمن وبدأت مداميكه يوم 11 فبراير الأسود في العام 2011، لايزال الفصل الخاص منه باليمن مستمراً، وبدأ عندما ارتفعت في ساحة جامعة صنعاء بحضور (برنارد ليفي) شعارات تفكيك الجيش، وتفكيك القوة الجوية، ونحن الآن نواجه فراغاً جوياً نتيجة تفكيك القوة الجوية خلال عهد عبدربه بإشراف الأمريكان والأردنيين والسعوديين، ونواجه مخاطر ترتبت على تفكيك الجيش في عهد عبدربه، وهذه كلها مطالب رُفعت يوم 11 فبراير، وهي جزء من المخطط الذي تم في سوريا وفي مصر وليبيا، كانوا يريدون تفكيك جيوشنا. عبر 11 فبراير والمبادرة الخليجية نحن الآن عراة في الجو، ولدينا جيش مفكك لولا الدعم الذي يلقاه من اللجان الشعبية ومن رجال القبائل الأحرار.
 هل ترجح تدخلاً أمريكياً مباشراً في الجنوب اليمني؟! وما مآلات المشهد عموماً في ظل العدوان؟!
لا.. أعتقد أن المخطط هو أن تتفكك السعودية وتأخذ الولايات المتحدة وفرنسا ليبيا نيابة عن نصر السعودية، وأن تبقى سوريا وأن يبقى اليمن، والخاسر الأكبر هو السعودية والإمارات. 
 إلى أي حد يستوعب سقف (اليمن اليوم) خطورة الملفات التي يفتحها الحبيشي على الشاشة بجرأته وحذقه المعروف؟! وما المحاذير التي تعوق ذلك؟
أرى في أوساط المؤتمر ارتياحاً كبيراً لما أطرحه في برنامجي، وأنا لا أتقاضى أجراً من القناة أو المؤتمر مقابل هذا البرنامج، لأني لا أبيع عقلي وفكري ومعلوماتي، أنا أقدم خدمة للتاريخ وللوطن وللناس، وللمؤتمر.