رداءة الأصبــع وكفائــة الزنــاد
- تم النشر بواسطة صحيفة لا / صلاح علي
جيش العدو من الداخل
رداءة الأصبــع وكفائــة الزنــاد
في 26 مارس الماضي بدأ عدوان عالمي على اليمن ادعت قيادته السعودية الكيان الوظيفي القائم على المصالح الاستعمارية الأمريكية البريطانية الكولونيالية في المنطقة، وضعت نفسها بعدوانها في حيز الاختبار أمام المقاتل اليمني، المقاتل الذي اجترح خلال أشهر عشرة من الحرب الكونية بطولات تاريخية جاءت خلافاً لكل التوقعات بحسب شهادات من أوساط دول العدوان نفسها، وخلال الأشهر العشرة لم يحقق العدوان شيئاً من أهدافه الاستراتيجية، بل كانت النتيجة عقب 40 يوماً من بدء العدوان أن المقاتل اليمني بإمكانياته العسكرية المتواضعة نقل المعركة إلى رقعة الحرب الخاصة بالعدو نفسه، متوغلاً في مسرحه بعمق تجاوز الـ30 كيلومتراً عرضاً وعلى طول المساحة من جيزان إلى نجران. ومنذ اللحظة الأولى لنهوض الرد اليمني وحتى اليوم تواصلت الانكسارات العدوانية، وتواصل التقدم اليمني الذي لم تعقه الآليات العسكرية الحديثة والسلاح والتقانة الأمريكية والأقمار الصناعية والغطاء الجوي الكثيف مقابل مقاتلين راجلين بأسلحة خفيفة ومتوسطة بلا أي نوع من الدروع في صفوفهم.
طيلة سنوات طويلة خلت تعاظمت جلبة إعلامية حول الإمكانيات العسكرية السعودية خاضتها ترسانة إعلامية تديرها دوائر المخابرات العالمية للمنظومة الاستعمارية، وضعتها الانتصارات اليمنية في مربع التمحيص من واقعيتها، خاصة وأن جهات دولية كمجموعة (جلوبال) صنفت السعودية كأقوى جيش في الشرق الأوسط والثالث على المستوى العربي.
الجيش.. عقدة العائلة الحاكمة
مع بدء العدوان أعلن ناطقه أحمد العسيري عن تجهيز قيادته قوات برية عسكرية قوامها 150 ألف جندي لاقتحام اليمن وإعادة السيطرة على العاصمة اليمنية صنعاء، وكانت النتيجة على العكس من ذلك، أما صحيفة (عكاظ) السعودي فقد حوت تقريراً في اليوم التالي لبدء العدوان قالت فيه إن السعودية تملك أسطولاً جوياً منافساً لأساطيل الدول العظمى.
وبالعودة للتاريخ السعودي الذي لا يتجاوز القرن، نجد هذا الكيان لم يخض حرباً بمفرده أو بقراره المستقل، بدءاً من حروبه التوسعية في نجد والحجاز، ثم عدوانه على اليمن في 34م، مروراً بحرب الثمان سنوات عقب 62م على اليمن التي اشتركت فيها بريطانيا وأمريكا وفرنسا وإسرائيل، وهو ما يؤكده كتاب (الشرق الأدنى: البترول والسياسة)، وكذا في حرب الخليج عامي 90م و91م التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق، ووصولاً للعدوان الحالي الذي تخوضه السعودية بالمعية الأمريكية الإسرائيلية البريطانية، ويؤكد هذا التصريحات المتتالية للإدارة الأمريكية آخرها الأسبوع الماضي في الرياض على لسان وزير خارجيتها كيري، والأمر نفسه مع بريطانيا، كما هو الحال مع الكيان الإسرائيلي في ضلوعه بالحرب على اليمن وفقاً لما أكدته مواقع إسرائيلية وأمريكية في أكثر من واقعة أبرزها قتلى الجيش الإسرائيلي المنتمين لجهاز (الموساد) الصهيوني في (قاعدة خالد الجوية) بخميس مشيط، في عملية استهداف القاعدة بصاروخ (سكود) نفذتها الوحدة الصاروخية لقوات الجيش واللجان الشعبية في حزيران/ يونيو العام الماضي، طبقاً لما أكده موقع (فيترانز توداي) الأمريكي، وكذا موقع (ديبكا) الإسرائيلي.
وجاءت تصريحات دولية عدة أكدت أن السعودية ليست من تقود الحرب العدوانية على اليمن، إذ ليس بإمكانها ذلك لكونها لا تملك قيادة عسكرية وبناء عسكرياً يخولها تحقيق أي انتصار عسكري، وكانت السخرية الأكثر قسوة التي أكدت هذه الحقيقة هي تصريح (كولن باول) المستشار في البيت الأبيض والعسكري السابق، حين قال عقب مرور 40 يوماً من العدوان، إن السعودية بعد أن قالت لهم إنها ستصل للعاصمة اليمنية خلال عشرة أيام هرعت لطلب النجدة الأمريكية بعد أن نقل المقاتل اليمني المعركة لمسرحهم، واصفاً وزير دفاع السعودية ولي ولي العهد (محمد بن سلمان) بأنه (لا يفهم حتى معنى كلمة حرب). فالعائلة المالكة (آل سعود) تتعامل بحذر شديد مع الجيش، خصوصاً عقب محاولة الانقلاب العسكري التي حاول تنفيذها ضباط سعوديون وطنيون وقوميون إبان فترة حكم الزعيم الراحل جمال عبد الناصر وتمدد حركة التحرر العربية في المنطقة، والتي قوبلت بعد فشلها بعمليات تصفيات وإعدامات واسعة طالت المخططين لها ضمن مسلسل تصفيات طويل للمعارضين السعوديين ومن أبرزهم المناضل ناصر السعيد، ويؤكد الباحث الاستراتيجي اليمني علي نعمان المقطري، في دراسة له نشرت في صحيفة (المسيرة)، أن الكيان السعودي يقف أمام معضلة بنيوية يواجهها في حربه العدوانية على اليمن، إذ اجتهدت العائلة المالكة في عدم نشوء جيش وطني قوي خوفاً من أن ينقلب على نظامها العميل، وهي عقدتها التي لا تستطيع تجاوزها اليوم، فوجود الجيش يعني خاتمة حكمها، وعدم وجوده يعني خسارتها في الحرب العدوانية على اليمن.
وبالعودة لتاريخ قرارات الكيان السعودي في الجانب العسكري، فإنه من الملاحظ حرص العائلة المسيطرة الدائم على الإمساك بالمقاليد العسكرية الحساسة وحصرها في أيدٍ تابعة للملك رأساً كما هو الحال مع القوات الجوية التي تسمى (سلاح الجو الملكي)، والذي لا يسمح بإنشائه من قبل قوات الحرس الوطني أو القوات العسكرية. وطيلة سنوات حكم العائلة فقد تركز اهتمامها في الجانب الأمني الداخلي أكثر منه خارجياً، إذ إنها قامت على اغتصاب حكم الآخرين، وعلى برك الدم وتوحيد إمارات مختلفة بالقوة والإبادات الجماعية كما هو معروف في تاريخها، فيما تعتمد على مواجهة الأخطار الخارجية المهددة لبقاء حكمها على القواعد العسكرية الأمريكية المنتشرة في أراضيها وفي محيطها، وأبرزها قاعدة الأمير سلطان الجوية المتواجدة فيها طائرات التجسس (U-2)، وكذا في الظهران (قاعدة الملك عبد العزيز)، والرياض (قاعدة الملك خالد)، وفي خميس مشيط وتبوك والطائف. كما يقدر عدد القواعد العسكرية المتواجدة في المنطقة بما يزيد عن 200 قاعدة عسكرية واستخباراتية بحسب دراسات عربية وأجنبية عدة.
وخلال فترة العدوان الأولى ألقى الدكتور (المسعري) المعارض السعودي محاضرة كشف فيها أن الجندي السعودي وضع في اختبار أمريكي لقياس الجاهزية مع جنود أمريكيين، اتضح فيه أن الجندي السعودي (مترهل) يقوم بإنجاز حفرته في غضون 6 ساعات على الأقل، فيما كانت الجندية الأمريكية في الاختبار نفسه تنجزها في غضون النصف ساعة كما هو معتاد في الجيوش الواقعية، مضيفاً أن الكيان السعودي لا يمكن أن يخوض حرباً حقيقية لأنه ليس معداً كجيش فعلي، والعائلة المالكة تركز لبناء أجهزة أمن ضد الداخل، وهو ما يؤكده دأب الكيان المتواصل لاستئجار قوات المرتزقة وجيوش دول أخرى، كونه لا يثق بجنوده في خوض الحرب.
وفي السياق نفسه، ذكر تقرير سابق للإدارة الأمريكية نقلته صحيفة (التايمز) في العام 2006م، أن الكيان برغم الترسانة العسكرية التي يمتلكها يظل بحالة قصور دائم في الجانب التكنولوجي، خصوصاً في استخدام المنظومات الدفاعية الرقابية كـ (أويكس والباتريوت والـ ثواد)، الأمر الذي يجعل الحاجة دائمة للقدرات الأمريكية في إدارة سلاحها المباع للكيان.
التسليح السعودي.. صفقات خيالية
تقول التقارير الدولية إن السعودية تأتي في المرتبة الأولى على مستوى الشرق الأوسط في الإنفاق العسكري، والثالثة في العالم بعد الصين والولايات المتحدة، وتصنف في المرتبة 28 عالميا من حيث نوعية التسليح حسب ما جاء في تقرير (مركز الدراسات الاستراتيجية) مؤخراً، ومنذ العام 2014م احتلت المرتبة الأولى عالمياً في استيراد الأسلحة حسب تقييم خبراء (آي إتش إس جينس) البريطانية للتقييم العسكري، إذ أنفقت في العام 2014 وحده 65 مليار دولار، أي 10% من الناتج المحلي الإجمالي، أما 2015م فقد ذكر (بيزنس إنسايدر) أن السعودية أنفقت 80 مليار دولار لشراء الأسلحة، ما يوازي 25% من الميزانية السعودية، وبحسب التقديرات الأولية فإن إجمالي ما أنفقته السعودية في صفقات الأسلحة خلال السنوات الـ20 الماضية وحدها بتريليون دولار أمريكي (ألف مليار دولار). بينما تقدر الموازنة الدفاعية بنحو 57 مليار دولار تفاقمت خلال العام المنصرم لتتجاوز 100 مليار دولار.
معهد (سيبري) لأبحاث السلام في ستوكهولم نشر تقريراً في مارس العام المنصرم كشف فيه أن السلاح المصدر إلى الخليج زاد بنسبة 70% خلال الأعوام 2005 - 2014م، وذكر التقرير أن الولايات المتحدة الأمريكية وحلفاءها الاستراتيجيين بريطانيا وفرنسا اعتمدوا في بيع أسلحتهم على الاستفادة من صراعات المنطقة وتهويل الأخطار الأمنية الداخلية في الخليج، لتعتمد الولايات المتحدة في نصف مبيعات أسلحتها إلى الخليج وخاصة السعودية والإمارات، ثم يلي الولايات المتحدة بريطانيا وفرنسا.
يمتلك الكيان السعودي ترسانة أسلحة متنوعة يأتي أبرزها في المجال الجوي (سلاح الجو الملكي السعودي)، إذ اشترى 946 طائرة متنوعة بين هجومية ومقاتلة واعتراضية وخدمات نقل ومراقبة وحاملات وقود، و155 مقاتلة اعتراضية، و236 طائرة هجومية ثابتة الجناح، و187 طائرة نقل منها 6 طائرات صهريج ونقل متعدّدة الأدوار من طراز (A330 MRTT) من شركة Airbus Military، و168 طائرة تدريب، وقرابة 400 مروحية منها أباتشي وبلاك هوك وليتل بيردز، كما تتضمن 150 مروحية روسية حوت مروحيات هجومية من طراز (Mi-35) ومروحيات نقل عسكري من نوع (Mi-17)، ومن أهم ما يحوي الأسطول الجوي طائرات من نوع إف 15 نوعي سترايك وإيجل الأمريكية، وتورنيدو البريطانية ويوروفايتر تايفون، وكذا طائرات (يوروكوبتر) الفرنسية وطائرات استطلاع وتنصت من نوع (نورثروب إف- 5) الأمريكية.
ومنذ العام 81م عقد الكيان السعودي مع أمريكا عدة صفقات لشراء منظومات دفاع لأغراض مختلفة، أهمها صفقة شراء منظومة الإنذار المبكر (أويكس)، وهي عبارة عن 5 طائرات مخصصة بأنظمة رقابة واستكشاف للطائرات المعادية والمقذوفات الصاروخية من صنع شركة بوينج الأمريكية، والتي قامت بتطويرها قبل حوالي 4 سنوات، بقيمة ملياري دولار حسب ما ذكرته صحيفة (سبق) الإلكترونية، مع بناء قواعد معلومات لها عددها 165 قاعدة منتشرة حول المملكة والبحرين، وقد تضمنت بنود الصفقة عدم إمكانية السعودية تعديل المنظومة أو صيانتها، وهي إجراءات محتكرة للشركة المصنعة، وفي العام 2007م عقدت السعودية صفقة لشراء منظومة (باتريوت) الأمريكية المضادة للصواريخ التي تعمل على علو متوسط ومنخفض، بجانب تدعيمها لمنظومة (ثواد THWAD)، ووفقاً لما نقله موقع (روسيا اليوم) فقد عقدت السعودية مع الولايات المتحدة صفقة أخرى لشراء نظام (باتريوت) وصواريخ (باك 3)، كما اشترت السعودية خلال فترات متعاقبة قرابة 500 صاروخ باتريوت بجانب ذخائر أخرى كلفت حوالي 8 مليارات دولار حسب إحصائية أعدها (قسم التحقيقات في صحيفة لا) استناداً إلى تقارير رسمية وإعلامية.
أما القوات البرية فتمتلك السعودية 1210 دبابات، منها قرابة 420 دبابة نوع أبرامز الأمريكية، كما تمتلك 5453 عربة مدرعة مقاتلة أهمها البرادلي وعربات الـ BMP، منها 1117 مركبات مدرعة خفيفة للمشاة و190 مركبة دعم، و524 مدفعا ذاتي الحركة، و432 مدفعا مجرورا، و1140 مدفع دفاع جوي حسب ما أروده تقرير رسمي لواشنطن. كما تمتلك صواريخ (تاو) المضادة للدروع ذات التوجيه اللاسلكي. كما ذكر المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية أن السعودية تملك 4000 صاروخ مضاد للدبابات، إضافة لصفقة أخرى أعلن عنها الكونغرس الأمريكي في العام 2009م، تم فيها شراء 5000 صاروخ مضاد للدروع.. أما القوات البحرية فتتكون من 55 قطعة حربية بينها 7 فرقاطات، و4 مطاردات بحرية، و39 قطعة ذات نظام الدفاع كرافت. وأشار موقع نون بوست في تقرير أوائل الشهر الجاري إلى سعي السعودية (تحديث أسطولها البحري) إذ وقعت مع الولايات المتحدة اتفاقية قيمتها 11.25 مليار دولار لشراء 4 سفن نوع (لوكهيد مارتين) الحربية متعددة المهام، كما أشار الموقع إلى أنه من المتوقع أن تصل السعودية قطع حربية يكون بإمكانها القتال بالقرب من الساحل.
لم تكتفِ العائلة الحاكمة السعودية بصفقات الأسلحة الخيالية فسعت إلى تأمين نفسها من خلال بناء سياجات حماية وأحزمة أمنية حول كامل الحدود السعودية، ويذكر موقع (البناء) الإلكتروني أن السعودية (وقعت عقداً ضخماً مع شركة (EADS )) لبناء حزام أمني حول كامل الحدود السعودية، بقيمة مليار دولار، مشيراً إلى أن العقد هو استكمال لعقد سابق نص على بناء (حاجز أمني) على الحدود الشمالية للسعودية. ويشمل الحزام الأمني أبراج مراقبة إلكترونية مزودة بأجهزة رصد حرارية وكاميرات مراقبة ذات تقنية عالية.
الكيان الوظيفي السعودي منذ نشأته اعتمد استراتيجية تسليح أمريكية بريطانية وكذا فرنسية، إلا أن صفقات التسليح في كثير من المرات لم تقتصر على الثلاثي السابق وحلفائهم الاستراتيجيين ككندا، بل اتجهت نحو الصين وروسيا في تسليحها بدرجات متفاوتة، وتعد أهم صفقتي سلاح مع الصين وروسيا هما شراء صواريخ بعيدة المدى ودبابات ومدرعات حديثة ومروحيات حربية، وذكر موقع (جانيزJANE›S) الأمريكي أن السعودية اشترت 100 صاروخ صيني من نوع (df- 21 mode 3) الذي يبلغ وزن رأسه التفجيري طنين، بالإضافة إلى 60 صاروخاً (رياح الشرق) بعيدة المدى في صفقة عقدت مع الصين في سبعينيات القرن المنصرم حسبما تشير المعلومات.
وفي العام 2012م كانت الصفقة الأبرز بين روسيا والسعودية من خلال شراء 150 مروحية عسكرية، بينها مروحيات هجومية من طراز (Mi-35) ومروحيات نقل عسكري من نوع (Mi-17)، وأكثر من 150 دبابة (T-90S)، و250 آلية مشاة مدرعة من طراز (BMP-3).
وحول القوة البشرية السعودية في الجانب العسكري والأمني، فإن الأرقام تتفاوت من تقرير ودراسة إلى أخرى، إلا أننا نأخذ الأرقام المتقاربة فيها، فمجلة (بيزنس أيرس) وموقع (نون بوست) ومعهد الدراسات الاستراتيجية التي اعتمدت في تقاريرها على معلومات من البنتاجون الأمريكي، جميعها تتقارب حول الإحصائيات التالية التي تتوزع بين وزارتي الدفاع والداخلية:
القوات العسكرية السعودية: 288 ألفاً، يتوزعون كالتالي: القوات البرية 110 آلاف، القوات البحرية 23 ألفاً، ومثلها في القوات الجوية، وتحوي قوات الدفاع الجوي 16 ألفاً، و3500 في وحدة الصواريخ الاستراتيجية.
الحرس الوطني: يضم في صفوفه قرابة 120 ألف فرد، وتعرف مهمته في إطار الداخل الأمني، وكذا يتم استخدامه في الحدود.
الحرس الملكي: يضم قرابة 10.000 عنصر.
حرس الحدود: يضم 7800 عنصر.
كما تقدر قوات الاحتياط بـ25 ألف عنصر.
هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر: 4000 عنصر.
نشأة الجيش السعودي.. البادية والوهابية
بدأ الجيش السعودي كمجموعات صغيرة من بدو الدرعية وغيرهم من الموالين لحكم آل سعود والمعادين لحكم آل رشيد مطلع القرن العشرين، ثم المعتنقين للوهابية المنتشرة في نجد والحجاز الذين عرفوا حينذاك بـ(أهل الجهاد)، وعقب السيطرة على الرياض عام 1902م عمد عبد العزيز بن سعود وصولاً للعام 1911م إلى تخصيص أراضٍ صالحة للحياة فيها مرعى وماء تدعى (الهجر)، تقوم باستقبال البدو لتكون لهم مستقراً دائماً عوضاً عن الهجرة المتواصلة، ويتم فيها تلقي النهج الوهابي على يد (المطاوعة)، لتصبح تالياً أشبه بمواقع عسكرية منتشرة في كامل (نجد)، يتم توفير الغذاء فيها مقابل الحرب مع عبد العزيز الذي يقدم لهم حصصاً من غنائم حروبه على أهالي الجزيرة، كمكافأة لمشاركتهم له الحرب، وكانت (الهجر) هي المعاقل الرئيسية لمقاتلي عبد العزيز الذين اشتهروا آنذاك بالمجاهدين، وألحقت بهم قوات (الإخوان)، النواة الأولى لما يعرف الآن بـ(الحرس الوطني).
ظلت البداوة هي الطابع السائد لمقاتلي عبد العزيز، فمحاولته التخلص من الحياة (العشائرية) من خلال سن قوانين تمنع (العشائرية) في هذه المعسكرات، لم تفلح، لكن مع الوقت وفي ظل الحملات العسكرية المتتالية أصبحت (الهجر) عبارة عن قرى قبلية يقوم عليها فقهاء ورجال دين غالباً ما يكونون من (آل الشيخ)، وقد اتخذ عبد العزيز إجراءات تقسيم في (الهجر) لمن عليهم إلزامية الخدمة العسكرية متمثلة بتراتبية الجاهزية العسكرية حسب ما يصف كتاب (تاريخ العربية السعودية)، لـ(ألكسي فاسيلييف) الباحث في شؤون الشرق الأوسط، إذ قسمت لثلاثة أقسام، الأولى عبارة عن مجموعات دائمة الجاهزية استعدادا للاستجابة الفورية لأي طلب بخروجها للحرب، والثانية عبارة عن مجموعة احتياط، والثالثة هي لحراسة (الهجر) بعد مغادرة القوات للحرب. وهنا فعلياً بدأت النظامية العسكرية تدخل الجيش السعودي للمرة الأولى، وكللت كجيش نظامي مع بناء عبد العزيز بن سعود هيئة (مديرية الأمور العسكرية) تختص بتنظيم أمور الجيش والأمن، في العام 1929م، وكذا إنشاء (وكالة الدفاع)، وشكلت وحدات عسكرية متخصصة كالمدفعية والمشاة والرشاشات مكونة تشكيلات عسكرية (سرايا وكتائب...)، ومع إعلان تأسيس المملكة في العام 1932م ظهر لأول مرة اسم رسمي لجيش بن سعود (الجيش العربي السعودي).
بريطانيا وإبان الحرب العالمية الأولى وتركيزها على المنطقة العربية والشروع ببناء كيان وظيفي خادم لمصالحها في المنطقة، بدأت بإرسال المال لبن سعود الذي بررها أمام تابعيه بأنها (جزية له) طبقاً ما يذكره الروسي (فاسلييف)، كما أرسلت بريطانيا ضباطاً يقومون بالإشراف على البناء العسكري والديني والسياسي، كالضابط كوكس وجون فيلبي.
وتجدر الإشارة إلى أن حملات التسليح العسكري للسعودية بدأت منذ تأسيسها في ثلاثينيات القرن المنصرم، تحديداً في الحرب السعودية على اليمن في 34م، واحتلال نجران وجيزان وعسير، إذ ظهرت لأول مرة العربات العسكرية في صفوف القوات السعودية.
الوهابية كعقيدة قتالية للسعودية
في كل جيش لا بد من عقيدة قتالية يؤمن بها كل فرد في صفوفه، تهدف لبناء وعي عقيدي حول حماية الوطن ومهددات وجوده وطاعة الأوامر العسكرية والالتزام بها...، تعرفها الموسوعة العسكرية باستراتيجية الحرب لدى كل جيش ودولة.
نشأ الجيش منذ التأسيس بتربية وهابية على يد جماعات (المطاوعة)، ويقوم على أجهزته التوجيهية (الإدارة العامة للشؤون الدينية) رجال دين من (آل الشيخ) الوهابيين، الذين جعلوا دوافع الحرب تحت مظلة دينية تبررها بحروب (حماية المقدسات) و(إقامة الإسلام).
عضو هيئة التدريس بكلية الملك خالد العسكرية بالرياض، الدكتور سعد الدريهم، يقول إن (الجيوش بعقائدها لا بأسلحتها)، مشيرًا إلى أن (العقيدة التي يتربى عليها الجيش السعودي هي ذات العقيدة التي تربى عليها الصحب الكرام على يد الرسول صلى الله عليه وسلم).
كما يقول أحد ضباط الكيان عن عقيدة الجيش: (لقد ارتبطت العقيدة العسكرية للمملكة ونبعت من العقيدة الإسلامية، فجيشنا المسلم لا يمكن أن يحارب من أجل أهداف سياسية أو اقتصادية أو عسكرية لا تنبع من العقيدة الإسلامية، فعقيدتنا العسكرية نابعة من الكتاب والسنة...).
العقيدة المشار إليها هي الوهابية، التي هي أيديولوجية السلطة السعودية منذ تأسيسها حتى اليوم، والوهابية كما تناولتها صحيفة (الغارديان) البريطانية الأسبوع الماضي، هي ذاتها أيديولوجية الجماعات الإرهابية كـ(داعش) و(القاعدة)، فهي لا تؤمن بالاختلاف وتكفر كل ما يخالفها وتبيحه لها، ودوماً ما كانت حروب الكيان تخاض بدوافع وتبريرات طائفية، فمع بدء الحرب على اليمن خرج جهاز (آل الشيخ) الوهابي يحرض على الحرب العدوانية ويبررها بأنها (حرب مقدسات) وفي مواجهة (طائفية) مع (مجوس) اليمن.
الواقعة الأبرز التي تؤكد هذا الطرح هي تسمية إحدى عمليات العدوان في اليمن باسم (السيل الجرار) المُعلن عنها معركةً لتحرير صنعاء انطلاقاً من مأرب، وهو عنوان كتاب لرجل دين (سني) كتبه رداً على كتاب (حدائق الأزهار) للإمام (الزيدي) بن يحيى المرتضى.
المصدر صحيفة لا / صلاح علي