ضربت قناة الجزيرة القطرية موجة استقالات كثيرة للعديد من طاقمها الإعلامي خلال السنوات الأخيرة، خصوصاً منذ اندلاع أحداث 2011م.
موجة الاستقالات أثارت استغراب الشارع العربي، وكشفت له أموراً خطيرة تبين حقيقة ما يدور داخل الغرف المغلقة في كواليس القناة.
وفي ما يلي تستعرض صحيفة (لا) أهم وأشهر المذيعين المستقيلين من (الجزيرة)، والأسباب الحقيقية التي وقفت خلف استقالاتهم.
منذ اشتعال أحداث 2011م في الوطن العربي، لعبت عدسة (الجزيرة) دوراً بارزاً في إثارة النعرات وتأجيج الشارع بالشعارات الرنانة وبالاحتقانات وبث صور الكراهية، ما تسبب في موجة عنف كبيرة في المنطقة راح ضحيتها ملايين الأبرياء بين قتيل وجريح، ولعل هذا الدور التخريبي الممنهج الذي لعبته (الجزيرة) كان سبباً في حدوث موجة استقالات كثيرة بين إعلاميي ومذيعي القناة.
البداية من اA273;علامي التونسي غسان بن جدو الذي أدار مكتب (الجزيرة) في بيروت منذ عام 2004، حيث كان يقدم برنامجه الشهير (حوار مفتوح)، إلا أنه ترك القناة عام 2011، متهماً إياها بـ(عدم الحياد)، وأنها تستخدم أسلوب الفبركة والتحريض في الأحداث داخل سوريا وليبيا، وجاء ذلك خلال لقاء (بن جدو) على قناة (المنار).
وبعد أقل من عام من استقالته، أسس بن جدو شبكة (الميادين) اA273;علامية مع اA273;علامي اللبناني سامي كليب، المستقيل هو اA269;خر من قناة الجزيرة، ولنفس السبب الذي تقدم به بن جدو، حيث ترأس بن جدو مجلس إدارتها، فيما شغل كليب منصب مدير شبكة اA271;خبار.
انتهاج سياسة التحريض وأسلوب الفبركة صفة تتميز بها القناة القطرية، حيث أنشأت القناة شبكة عملياتية لنشر اA271;كاذيب تسوقها أقلام وأصوات إعلامية مأجورة مدفوعة الثمن في مواقع التواصل الاجتماعي وغيرها، حيث تشير المعلومات إلى أن القناة عملت على استخدام فنيي مونتاج وخبراء فوتشوب لفبركة الكثير من المعلومات واA271;حداث ضد السلطات والجيوش العربية، كما حدث في سوريا واليمن وليبيا، حيث تم كشف الكثير من الفيديوهات المفبركة التي أعدتها كواليس (الجزيرة) بحق سلطات تلك البلدان، والتي تبين لاحقاً أنها مفبركة.

قناة استخباراتية
في خضم أحداث ما يسمى الربيع العربي، توجهت أنظار (الجزيرة) إلى سوريا، وشنت أكبر حملة تحريضية في التاريخ ضد النظام السوري وشعبه، فعملت على تأسيس شبكة إعلامية استخباراتية مغلقة عمدت من خلالها إلى تزوير الحقائق وصناعة اA271;كاذيب عبر فيديوهات مفبركة ومراسلين وهميين يتحدثون من غرف مغلقة في استوديوهات القناة بالدوحة. هذه الهجمة التحريضية الشرسة التي تبنتها القناة ضد الشعب السوري، والتي تسببت في قتل وجرح أكثر من مليون مواطن سوري، أثارت حفيظة ضمائر بعض العاملين في القناة، منهم اA273;علامية السورية لونا الشبل التي كانت تقدم برنامج (ما وراء الخبر)، والتي اتهمت قناة الجزيرة بالتآمر مع جهات غربية، لقلب نظام الحكم في سوريا، حيث أشارت إلى أن القناة وقعت اتفاقاً سرياً مع وكالة الاستخبارات الأمريكية، يمكّنها من لعب دور استخباراتي وتحريضي A273;سقاط بشار الأسد، وذلك خلال لقاء خاص أجراه معها التليفزيون السوري.
الاتهامات التي وجهتها لونا لم تكن مجرد ادعاءات، حيث سرب موقع ويكيليكس في سبتمبر 2011م، وثائق سرية كشف فيها عن علاقة قناة الجزيرة مع وكالة الاستخبارات اA271;مريكية، وهو ما يدل على أن القناة لم تتجرد من المبادئ المهنية والإعلامية وحسب، بل إنها قفزت أبعد من ذلك لتمارس دور أداة استخباراتية، وهو ما يعد أمراً خطيراً، كونه يخدم أجندات توسعية أمريكية، وأسهم في اغتيال الحلم العربي.
لنفس السبب قدمت مذيعات أخريات استقالتهن من القناة، هن على التوالي: جمانة نمور، لينا زهر الدين، جلنار موسى، نوفر عفلي، وكوثر البشراوي.

الهروب من العار
قناة الجزيرة التي شوهت الشارع العربي وقدمته بصورة فوضوية، أثارت موجة غضب في أوساط المشاهد العربي الذي أصبح ينظر إليها باحتقار وسخط، فشعر عدد من العاملين فيها بما جلبته عليهم القناة من الخزي والعار بسبب مغالطتها للحقائق، وابتعادها عن المهنية والحيادية، بل واستهداف الدول العربية وبث روح الكراهية في المجتمعات العربية، وهو ما دفع العديد منهم إلى الاستقالة من القناة.
اA273;علامية ضحى الزهيري، واحدة من الذين استشعروا العار مبكراً، وفضلوا الهروب من الفضيحة، وفي حديث صحفي قالت الزهيري إنها لم تتحمل تبدل نظرة المشاهد العربي تجاه القناة، وأصوات الاستهجان والاعتراض داخل الشارع المصري وخارجه، لما تبثه القناة من تضليل للوقائع وتزوير للحقائق، مشيرة إلى أنها فضلت الانسحاب حتى تقيِّم الموقف.

كواليس انتهاك الشرف
لم تكن كواليس قناة الجزيرة وكراً لخلق اA271;كاذيب وحياكة البدع والفتن وحسب، بل صارت باراً للذئاب البشرية التي تتنطط من وراء منابرها، فما يحدث داخل كواليسها لا يعد انتهاكاً لشرف المهنة، بل هو أيضاً انتهاك لشرف المرأة.
حيث ذكرت اA273;علامية التونسية كوثر البشراوي، عقب استقالتها من القناة، أنها تعرضت للتحرش الجنسي داخل استوديوهات القناة.
وأفادت البشراوي، عبر تصريحات مسربة، أن أحد أمراء العائلة الحاكمة القطرية ـ لم تذكر اسمه ـ حاول التحرش بها أكثر من مرة، كما تعرضت بعض من زميلاتها في القناة للتحرش، مشيرة إلى أن أمراء من اA271;سرة الحاكمة يترددون على زيارة مقر القناة في الدوحة، ما جعلها تقدم استقالتها جراء هذه الممارسات التي تسيء للوسط الصحفي والإعلامي وللقناة التي تعدت دورها اA273;علامي.
وذكرت أن القناة أصبحت تلعب دوراً غير أخلاقي لا يختلف عن دور القوادات لجذب اA273;علاميات الجميلات، وأن الأمراء يعملون على دفع مبالغ مغرية لاستقطابهن.
وكانت البشراوي وجهت رسالة للإعلاميات العربيات بعدم الذهاب للعمل في قناة الجزيرة مهما كانت المبالغ المقدمة مغرية، فإنهن سيتعرضن للإهانة الجسدية.
الشعور بالوطنية
استمرت موجة الاستقالات من القناة عقب نهاية أحداث 2011م، وA271;سباب لا تختلف عن سابقتها، حيث قدم اA273;علامي المصري كارم محمود استقالته من قناة الجزيرة عقب أحداث ثورة 30 يونيو 2013م التي أطاحت بالرئيس المعزول محمد مرسي.
كارم اتهم (الجزيرة)، خلال لقاء أجرته معه قناة (سي بي سي) آنذاك، بعدم الحيادية، وعدم المصداقية، مشيراً إلى أن تغطية القناة الإعلامية لاعتصام اA273;خوان في ميدان رابعة العدوية، كانت مخزية A271;ي شخص قد يرى مثل هذا التزوير والافتراء، مما اضطره للاستقالة بدافع الشعور الوطني.
حسين عبدالغني، مدير مكتب (الجزيرة) بمصر، هو الآخر قدم استقالته من القناة على خلفية سياستها التحريضية.
أكثم سليمان الذي عمل في (الجزيرة) مديراً لمكتبها في برلين، منذ 2002، أعلن استقالته في ديسمبر 2012م، لشعوره بالذنب تجاه ما تقدمه القناة من أكاذيب تسببت في سفك دماء الشعوب العربية، كما جاء على لسانه.

ثوب الديمقراطية الزائف
لم تصل أية قناة إعلامية إلى هذا المستوى من الانحطاط اA271;خلاقي والمهني من قبل، ففي الوقت الذي تتحدث قناة الجزيرة عن الحريات وديمقراطية الشعوب في سوريا ومصر، بينما لو طل أحدهم من نافذة مقر القناة لرأى وعلى بعد أمتار منها، أكبر معتقل لأجهزة المخابرات القطرية في الدوحة، حيث تمارس فيه أبشع ممارسات القمع. هذا ما أشار إليه بعض المستقيلين من قناة الجزيرة، حيث سببت اA273;علامية المصرية نوران سلام التي عملت مقدمة للنشرة اA273;خبارية بالقناة، منذ 2010م، قبل أن تتركها في 2013م، سبب استقالتها بأنها كانت تشعر بأنها تعمل بشكل غير حيادي تجاه ما يحدث في مصر والبلدان العربية الأخرى، خصوصاً حديثها المتواصل عن حريات الشعوب التي رأت أن القناة تنافق كثيراً بهذا المجال. وقد اتجهت نوران بعد استقالتها من قناة الجزيرة للعمل مع قناة (الحياة) المصرية منذ بداية يناير 2014م.
منى سلمان (إعلامية مصرية) قدمت عدة برامج في قناة الجزيرة، أبرزها برنامج (منبر الجزيرة)، إلى أن استقالت من القناة بداية العام 2016م، بعد حوالي 8 سنوات من العمل فيها، وA271;سباب كثيرة، مؤكدة أن السياسة التحريرية للقناة هي السبب الرئيسي لرحيلها.

استقالات مبكرة
بالرغم من أن موجة الاستقالات التي شهدها طاقم (الجزيرة)، أغلبها تزامنت مع انطلاق أحداث 2011م، إلا أن القناة شهدت استقالات سابقة، وA271;سباب تتعلق بالمهنية والمصداقية.
الإعلامي يسري فودة كان أحد المساهمين في تأسيس القناة عام 1996م، وكان يقدم برنامجه الشهير (سري للغاية)، قبل أن يقدم استقالته في 2009م.
فودة ذكر في مقال نشره عقب استقالته بأيام، أن أسباب استقالته بعضها يتعلق بالمهنية، وبعضها الآخر له علاقة بالسياسة.

عندما تقتلك عدسات الكاميرا
في استطلاع رأي بشأن موجة الاستقالات التي ضربت قناة الجزيرة، وشارك فيه جمهور غفير من الشارع العربي، أكدت غالبية اA269;راء (التي فاقت نسبة 80%، حسب إحصائيات قام بها العديد من الباحثين) أن الدور اللامهني الذي تمارسه القناة بجانب دورها الاستخباراتي، أصبح يخدش حياء وضمائر العاملين فيها، ما جعلهم يدركون أن القناة لم يعد لها أي قبول في شارع تجرع سمومها حتى التخمة، بل دفع أنهاراً من الدماء، في حين تشير الحقائق إلى أن المشاهد العربي طعنته كاميرات (الجزيرة) من الخلف، وقتلته شعارات الشحن والكراهية دون أن يدرك.
 
الأعور الدجال
وبين هذه المؤشرات وتلك بدت عدسة قناة الجزيرة كعين الأعور الدجال تنظر إلى اA271;وضاع من زاوية ضيقة، وتصور الأحداث بعين واحدة عن سبق إصرار وترصد، تلتقط جرائم وغد البيت الأبيض في زنازين أبو غريب، وتقدمها على أنها في سجون صنعاء، بينما تشيح بعدستها عن مجازر الطيران اA271;مريكي في العراق وسوريا، وتقدم تنظيمي القاعدة وداعش على أنهما خلافة إسلامية تطبق الشريعة الإسلامية. وما يجب الالتفات إليه هنا هو أن (الجزيرة) تعد القناة الوحيدة التي تقدم الجماعات الإرهابية في سوريا والعراق باسم الدولة اA273;سلامية، ما يراه الكثير أنها تصور اA273;سلام بأنه دين اA273;رهاب، وتجسد بذلك المشروع الغربي الذي يسعى للإساءة إلى اA273;سلام.
يذكر أن (الجزيرة) هي القناة الوحيدة التي دخلت أوكار ومخابئ عناصر القاعدة، وبثت على شاشتها شرائط فيديو للعديد من عناصر القاعدة، وعلى رأسهم أسامة بن لادن، مما أثار العديد من علامات الاستفهام حول حقيقة علاقتها بتنظيم القاعدة والإخوان المسلمين، وهذا ما يؤكد أيضاً علاقاتها وتعاونها الوثيق مع الاستخبارات الأمريكية.

الحقيقة مخزية
إلا أن المعطيات تجعلنا نرى في الحقيقة شيئاً من الخزي يتجلى في اA271;فق عن عمالات النفط الكهنوتي التي تتنطط من بارات الحقد واستيديوهات العبث الصهيوأمريكية التي ترسم مستقبلاً مشوهاً لبلدان المنطقة العربية.
إن تحريف الحقائق وقلب الوقائع رأساً على عقب بالاتجاه الذي يكشفها على حقيقتها، ويحولها إلى مادة رصاصية من مواد إشعال الفتن الطائفية وإثارة النعرات الدينية والعرقية، وتجعلها أداة من أدوات الشحن والتحريض، كان سبباً كافياً لهروب أشهر وأهم إعلاميين من القناة القطرية، الذين ينتمون لنفس الجغرافيا التي تعبث بأمنها القناة.
إن من يشاهد (الجزيرة) ويتابع برامجها ويرصد تحاملها على دول المنطقة، يشعر أنه أمام منبر إعلامى دموي سخر نفسه لخدمة المشروع الذي تسعى آلة الحرب اA271;مريكية اA273;سرائيلية لتمريره في المنطقة منذ عقود، ولعل تصريحات شمعون بيريز التي نشرها على لسانه موقع (cnn) اA271;مريكي، بأن إسرائيل تمتلك أسهم القناة، برهان آخر يعري صورتها الحقيقية أمام العالم.