أطباء يخونون القسم الطبي ويتحولون إلى زبانية عذاب!
المستشفيات الحكومية تلفظ أنفاسها الأخيرة!

تتفاقم الخدمات الصحية يوماً بعد آخر في عموم المحافظات، نتيجة استهداف العدوان الأمريكي السعودي لكل المرافق الصحية، ناهيك عن النقص الحاد للأدوية بسبب الحصار المفروض على بلادنا للعام الثالث على التوالي، إلا أن كل ذلك لا يعطي مبرراً لمن أقسموا (اليمين الطبية)، أن يعتذروا لمرضى تم (تخديرهم) استعداداً لإجراء العمليات، كما حدث مع نبيل، وغيره ممن يواجهون تصرفات تعسفية بأروقةِ المستشفياتِ الحكومية، واعتذار بعض الأطباء عن إجراء العمليات بحجةِ أنهم مضربون..
(لا) تلمّست معاناة المرضى عن قُرب، ونزلت إلى أكثر من مشفىً حكومي، ونقلت ما يدور في أروقتها في ظل صمتٍ من قبل الجهاتِ المعنية بتلك المرافقِ الشديدةِ الحساسية، والمتعلقة بحياةِ العشرات من المواطنين..
مرضى على رصيف اللامبالاة...!
تجتاز بوابة أحد المستشفيات لتجد العشرات أمامك منتظرين دورهم عند شباكِ التذاكر، يتبعه طابور انتظار طويل للطبيب المناوب، وما إن تصل الساعة الـ9 صباحاً حتى تعلن (نافذة التذاكر) أنه أُغلق باب استقبال المزيد من الحالات، ويكون مصير المنتظرين الذين قطعوا تذكرة (دخول) بوعودٍ لليوم التالي، بحجةِ أن الطبيب وقته محدود حتى الساعة الـ10 فقط، ولأن لديه دواماً بعيادته الخاصة.. وقس على ذلك بقية الأيام..
أم سامي (35 عاماً) تقول: أنتظر هنا من الساعةِ الـ6 والنصف لأقطع تذكرة معاينة، ولأحظى بمعرفةِ ما أعانيه من ألمٍ لمقابلةِ الطبيب.. لكن دون جدوى، منذ أسبوعين وأنا على هذه الحال، فأعود بخفي حُنين إلى بيتي، وأعاني وجع الدنيا كلها.
كان أيضاً بطابور انتظار الذكور عبدالحميد حسن (41 عاماً) الذي قال: لدي آلام مبرّحة في القولون العصبي، والمرارة، وحالتي متعبة جداً، فآتي إلى هنا وأنتظر بين حرارةِ الشمس منذ الصباح الباكر، ولا نجد من يرحمنا.. لولا العوز والحاجة ما انتظرتُ طويلاً حتى تسوء حالتي.. لعنتي على (الفقر)، حسبما ختم به غصته، وشكواه المريرة.

خانوا القسم الطبي...!
يرى متابعون للوضعِ الصحي أن لا مبرراتٍ مقنعة تجعل الطبيب يعتذر وبأية حجة عن إجراءِ عمليةٍ لمريضٍ بغرفةِ العملياتِ بعد تخديره، والكارثة الكبرى أن الطبيب موجود ضمن الكادر الطبي، ذلك ما حدث لنبيل مصطفى (27 عاماً) الذي قال: تم إخراجي من غرفةِ العملياتِ بعد تخديري... يضيف: صدمة لم أتوقعها أن يخرجوني من العملياتِ، ولي أكثر من شهر أراجعهم ليتم استئصال بقايا شظية في فخذي، بعدها لم أشعر إلا بالممرضةِ وهي تعمل لي (حقنة فسخ) المخدر... وختم: حسبي الله على حالٍ وصلنا إليه.  
علّق على الحادثة أحد المراقبين للوضعِ الصحي: إذا كان المبرر الوحيد لذلك الطبيب الذي اعتذر عن إجراء العملية بحجةِ الراتب، فالحالة المادية لمعظم الأطباء جيدة مقارنة ببقيةِ موظفي القطاعاتِ الأخرى، كونهم يمتلكون عيادات خاصة تغطي احتياجاتهم إلى حدٍّ ما. يضيف: مثل هؤلاء الأطباء خانوا القسم الطبي، وتخلّوا عن مسؤوليتهم الوطنية تجاه المرضى، لأنهم ملائكة رحمة، فالجانب الإنساني يجب أن يُغلّب على الجانبِ المادي، كون الوضع الحرج للمريض لا يحتمل أن يقف أمامه موقف المتخاذل.

أرقام تُنذر بكارثة
تشير التقارير عن الوضعِ الصحي إلى أرقامٍ مخيفة ومهولة، حيث أفاد مكتب الأمم المتحدة للشؤونِ الإنسانية (أوتشا) في اليمن، أن عددَ اليمنيين الذين لا يحصلون على العنايةِ الصحية الكافية وصل إلى 15 مليون مواطن، بنسبةِ 60% من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 26 مليوناً، وذلك لعدم قدرةِ المرافق الصحية على القيامِ بواجبها..
من جانبٍ آخر، أشارت منظمة الصحة العالمية، في تقريرٍ لها، إلى تراجع الخدمات الصحية في اليمن نتيجة الوضع الذي يشهده، متحدثة عن أضرار لحقت بأكثر من 1900 مرفقٍ صحي من أصل 3507 مرافق، أدت إلى إيقاف خدماتها كلياً أو جزئياً، ما تسبب في حرمان الآلاف من الحصول على الخدمات الصحية الأساسية.
كل هذه الأرقام والتقارير للوضع الصحي لم تحرك ساكناً لدى المجتمع الدولي المتخاذل تجاه ما يحدث لليمنيين من حصارٍ وتدمير للمنشآتِ الحكومية الصحية التي باتت هدفاً لتحالف العدوان الذي لم يُفرّق بين مرفقٍ صحي، وهدفٍ عسكري..

تدني الخدمات الصحية
وبحسب آخر التقارير فإن خدمات الرعاية الصحية للمستشفيات تأثرت تقريباً في جميع المحافظات اليمنيّة بسبب العدوان المستمر.
ولجأت العديد من المستشفيات العامة إلى خفض أو إغلاق بعض الأقسام مثل غرف العمليات ووحدات العناية المركزة. أكد ذلك الدكتور أحمد شادول، ممثل منظمة الصحة العالمية في اليمن، في تصريحٍ له: (خلّفت الحرب في اليمن آثاراً كارثية على النظام الصحيّ الذي كان يصارع أساساً قبل الأزمة الراهنة. هناك العديد من المرضى والجرحى يعانون فعلاً من العواقب الوخيمة لهذه الحرب).
وبيّن شادول أن منظمة الصحة العالمية والشركاء الصحيّين يناشدون الجهات المانحة تقديم الدعم للاستجابة للاحتياجات الصحية الملحة.

منعطف أخير
إذن، من يطلق عليهم ملائكة الرحمة، يجب أن يتمثلوا هذا الشعار الإنساني النبيل، ويضحوا من أجلِ إنقاذ حياة المواطن، كونهم يحملون رسالة إنسانية نبيلة... لا أن يتنصّلوا عن أداءِ واجبهم الوطني والإنساني، الذي فقد قداسته حين تخلوا عن وظيفتهم الأساسية مقابل الراتب الذي هو حق من حقوقهم لا يختلف عليه اثنان، لكن وضعهم المعيشي لا يعطيهم المبرر لترك المريض يصارع لحظات الاحتضار، وبإمكانهم إنقاذ حياته.
فهل يعي ملائكة الرحمة أن الطب من أقدس المهن التي يجب عليهم إعادة صورتها المشرقة التي طغت عليها المادة، وأفرغتها من محتواها؟