من حديث الذكريات
المرشدي .. صوت «الاستقلال» الحاضر

كان حنجرة الثورة ورعدها .. وهنا في زمن الخنوع وفي ظلمة المحتل الجديد «لجنوبة» نستعيد زمجرة صوته الهادر.
صحيفة «لا» تعيد ما قاله للزميل/ مهدي المشولي ذات يوم:
ذكرياتي مع الفن ورحلتي الطويلة في هذا المجال، إذا ما أردت الحديث فيها فأنا بحاجة إلى مجلدات، خاصة عندما يتخذ الفنان موقفاً معيناً لمسيرة حياته الفنية لذلك فهذا الفنان حتماً جراء ذلك سيمر بصعاب لا أول لها ولا آخر.
لان مهنة الطرب ليست بمشكلة كبيرة، وهو كفنان ومطرب لا تسبب له هذه المهنة أية متاعب ولا إشكالات تذكر، مادام المطرب فناناً مطيعاً يغني للناس .. كل الناس وليس لديه أي موقف لا من هذا ولا من ذاك، وبينه وبين السلطة ‏«صحوبية‏» يعطيها ما تريد أو تطلبه منه في مجال الغناء، وهي تعطيه مايريد مقابل ذلك فهنا تكون مهنة الطرب سهلة جداً. 
أما إذا فكر المطرب أن يكون له موقف فبكل تأكيد سيجره هذا الوضع إلى مشاكل كبيرة ومتعددة مع الناس ومع السلطة والاحزاب والتيارات الموجودة في البلد وخارجه أيضاً ويزيد من هذا إذا ما كان المطرب ذا ميول سياسية أو انتماءات
حزبية وهو ما تمثله حالتي بعد أن اختطيت لمسيرة حياتي الفنية موقفاً لم أتنازل عنه قط طيلة حياتي وهو الموقف الذي لم يفهمه البعض من قادة سياسيين أو أحزاب في الداخل والخارج وهو السبب الوحيد الذي قلت من بعده: المشاكل الكبيرة وواجهتها بكل قوة وتحدٍّ وصبر وقناعة تامة إلى آخر مدى تضمن العيش الكريم وعدم الانزلاق في الممارسات الفنية المهدرة للكرامة أو التفريط بالمبدأ الوطني العام مهما كانت المغريات المادية أو الطموحات الذاتية.
لاالاغنية الوطنية ودورها في مناصرة الثورة شمالاً وجنوباً كنت أنت فارسها بلا منازع ووحدك من حمل لواءها حدثنا عن هذه الاغنية ولماذا تجنبها البعض وفضلتها أنت؟!
الاغنية الوطنية فيها خسارة كبيرة للفنان كما ذكرت، لهذا كان الفنانون يتجنبونها وكذلك الشعراء عدا الشاعر عبدالله هادي سبيت الذي غادر الوطن في عام 1957م وبقيت أنا الوحيد الذي أغنيها ويتحمل تبعاتها وذلك بحكم الانتماء الوطني أولاً والحزبي والسياسي ثانياً حيث انتميت إلى الوطنية المتحدة.
لقد كنا معظم الوطنيين نجتمع في نادي الشباب الثقافي في الشيخ عثمان والذي كان يحتوي النخب المثقفة من مختلف الاحزاب من بعثيين وقوميين عرب .. الخ 
التيارات ولم تكن لدينا إلا الاحاديث حول الوطن وكيفية التخلص من الاستعمار، وبحكم ارتباطي الدائم بهؤلاء المثقفين كانوا دائماً ما يحثونني على المشاركة وبالذات المشاركة بالاغاني التي تم تأليفها بمقاطعة الانتخابات في المجلس التشريعي وغيرها من الاغاني الوطنية ضد الوجود الاستعماري، ولا أريد أن أتحدث في ذلك كونه كان واجباً وطنياً أديناه عن قناعة ورضا ومضينا، ولكن الحديث بالحديث يُذْكَر فقادتني الذاكرة للحديث عن هذه الاغاني التي بسببها خسرت الكثير ودفعت ثمنها في زمن الاستعمار، وقد كنا أنا والاخ الشاعر عبدالله هادي سبيت نعتقد أنها ستنتهي بمجرد انتهاء الاستعمار ورحيله من بلادنا لان الحكم الوطني ليس بحاجة إلى  أغان وطنية وبالذات الاغاني التحريضية ولكن البعض فهم خطأ وصار لديه مفهوم آخر بأن الاغنية الوطنية هي مجرد تطبيل أو تمجيد نظام معين وهذا ما اختلفت فيه مع الكثير من أصحاب هذا الرأي، دخلت معهم في صراع ومعارك كثيرة لا يتسع المقام هنا لذكرها وإلا لاحتجنا إلى صفحات وصفحات من الجرائد والكتب وقد ذكرت البعض منها في كتاباتي وكتبي لكي يطلع القارئ على ذلك الامر الذي لم يكن أحد يتصوره، وهناك من لايزال يسألني حول: لمن يغني الفنان ولمن تكون الاغنية الوطنية؟ فأقول: إننا كنا نؤلف الاغاني الوطنية لنحارب بها الوجود البريطاني والظلم الواقع على الشعب، وكذلك ما تعرضت له الثورة في شمال الوطن، وما تعرض له رموزها من محاربة من قبل القوى الاستعمارية، وكذلك ما تعرض له رموز الامة الذين أسسوا لنا تاريخاً جديدا،ً وقاموا بالثورات إذن الاغنية الوطنية أوجدتها الظروف، ومن وظائفها الهجوم وليس التطبيل والتمجيد.
إنها رسالة تهاجم من يعادي الثورة ورموزها، وهناك من يقول: أنت غنيت للسلال ولجمال عبد الناصر، وتناسى أصحاب هذا القول أنني عندما غنيت للسلال الذي قاد انقلاباً عسكرياً ضد الملكية الكهنوتية ولم يكن مضموناً، وكان فشله في يومه
الاول أو في أيام أخرى قد يطيح برؤوس ضباطه وفي مقدمتهم السلال نفسه، لذلك غنيت، لانه صانع تاريخ وغنيت لزعيم الامة العربية جمال عبد الناصر لانه صانع التاريخ الاكبر، إذ إن نجدته السريعة حولت الانقلاب إلى ثورة في الارض اليمانية كلها .
ومن ناحية أخرى فقد تعرض جمال والسلال لهجوم إعلامي قذر من أعدائهما وأقولها باعتزاز، إنه ليس من مطرب غيري‏«ولا أستثني حتى مطربي صنعاء‏» بقادر على الرد على الاعلام الوقح لان التبعات خطيرة للغاية، لعلمهم بأن بعض المواطنين في صنعاء مازالوا وقتذاك - على تأييدهم  للملكية- ومسألة احتمال إخفاق الانقلاب مسألة واردة والموت في انتظارهم ولهم العذر حقاً. ولذلك اضطرت حكومة صنعاء أن تدعوني وفرقتي الموسيقية للمشاركة في  الذكرى الاولى للثورة العام 63م حيث إنه من الخطورة الشديدة أن يشارك فنانو صنعاء في الذكرى الاولى وجاء فنانو مصر إلى صنعاء لذات المناسبة، وأما مطربو
عدن فالقضية وقتئذٍ - كانت لا تخصهم، والموقف لا يحتاج إلى شرح مفصل كونهم
يقعون تحت الإدارة البريطانية، ويخشون تعرضهم للأذى.
الشعر والأغنية السياسية
لان هناك أيضاً الاغنية السياسية ماهو الفرق بين هذه الاغنية- إن وجدت - والاغنية الوطنية؟ وهل لك مثل هذه الاغاني؟وماهي أبرز سمات هذا اللون الغنائي؟
الاغنية السياسية تختلف عن الاغنية الوطنية.. في أغلب الاحيان تكون غامضة، وهذا الغموض لا ينفع في الاغنية الوطنية التي وجدت لتكشف الاشياء، أما الاغنية السياسية مثلها مثل الشعر السياسي المغرق في الغموض الذي قد يكون فيه انتقاد للسلطة من وجهة نظر الشاعر وهو ما تبيحه السلطة وتمرره أو تغمض عينها عنه وعن نشره في الجرائد والمجلات، وهذا ما يلجأ إليه بعض الشعراء هرباً من المكاشفة للاخطاء التي لم يستطيعوا مواجهتها وجهاً لوجه خوفاً من بطش السلطة أو الوقوع في الامر أو المساءلة. 
لكن الاغنية الوطنية والشعر الحقيقي وجد لمكاشفة الاخطاء وهو ما كان يتمثله الشاعر الكبير الراحل عبدالله البردوني الذي كان في شعره يكاشف الاوضاع في اليمن في معظم قصائده، لذلك كان الناس في كل مكان في الشارع والمقايل كلهم
يتحدثون ويحفظون أشعاره لانها واضحة، فما بالك لو غنيت هذه الاشعار أو ما شابهها كأغان وطنية لكانت تفعل فعلها ولسقطت أنظمة ولالهبت مشاعر الجماهير.
إذن الاغنية الوطنية لابد أن تكون واضحة المعاني والكلمات، وهذا ما فعلناه في أغانينا الوطنية.
أتذكر أن الاستاذ عبد الله فاضل في الستينيات كتب قصيدة اسمها ‏«وحدة‏» وهي ليست غامضة كل الغموض وتندرج في حكم الشعر السياسي وغنيتها ولكن الناس لم يفهموها وأعدت أغنية غامضة وقد كتبها الاستاذ عبدالله فاضل بحكم انتمائه للقومية العربية وكان يقصد بها الوحدة العربية ولكن الناس لم يفهموها ولم يكونوا بعد يفهمون الاغنية السياسية، وكانت الاغنية الوطنية هي السائدة مثل أخي كبلوني وغيرها من الاغاني الوطنية التي كنت أقدمها في حفلاتي السنوية.