لا ميديا -
في العام 2005 دعينا نحن قسم دراسة اللغات لزيارة فريق هندسي فرنسي يعكف على ترميم نقوش جامع ومدرسة المظفر ضمن عقد مبرم بين الهيئة العامة للآثار والمتاحف اليمنية ووزارة الثقافة الفرنسية. حينما وصلنا إلى الجامع، الواقع في المنحدر تحت قلعة القاهرة، فوجئنا بمعلم أثري وفني مذهل! يا للهول! أين كنا ولم نحظ بزيارته طيلة هذه السنين؟! لقد ارتبكنا وكأننا مجموعة غجر لا يفقهون شيئا حين سألنا أحد الأجانب من أصل جزائري عن كم مرة زرنا الجامع، وقد فوجئ هو أيضا بالإجابة حين اتفقنا جميعاً أنا والطلاب على أنها المرة الأولى، ثم مضى يقول: لو أن هذا المسجد في بلدي لزرته كل يوم.
تتناثر النقوش في كل زوايا وأروقة المسجد، والقباب المزينة بفن العمارة الإسلامية الجميلة تتشابه وتلك التي تزين مساجد قرطبة في إسبانيا.
بني جامع ومدرسة المظفر أو الأشرفية في السنة 696 هجرية. بناه السلطان الأشرف إسماعيل بن العباس. وقد اعتبر من أهم المدارس الدينية في تاريخ اليمن، في عهد الدولة الرسولية التي حكمت جنوب الجزيرة العربية من ظفار شرقا وحتى مكة المكرمة شمالا، وكانت تعز عاصمتها السياسية والدينية، واستقلت عن حكم الأيوبيين في مصر، ثم ظلت الدولة الرسولية على ولائها للخلافة العباسية حتى فترات متأخرة من حكمها.
ومن خلال جامع ومدرسة المظفر نرى كيف كان ملوك وحكام الدولة الرسولية يتفننون في بناء المساجد والمدارس. تقول الروايات إنها أكثر دولة أولت العلم والعلوم اهتماما كبيرا.
يتكون الجامع من بيت الصلاة، الذي يبلغ طوله 25 مترا وبعرض 7.5 مترا، تتوسطه قبة شاهقة متخمة بشتى الزخارف الملونة البديعة بنمط العمارة الإسلامية، وعلى جوانبه ثماني قباب بعضها تتشكل عليها خطوط محفورة عريضة تزينها من الخارج.
وترتكز على أربع أعمدة ضخمة تحمل اثني عشر عقدا. وله منارتان على طرفي السقف تزخران بتصاميم فريدة وتشكيلات هندسية عجيبة. وأما مدرسته فقد بينت أيضا بالحجر والجص، وفيها مكتبة ضخمة تحوي مختلف كتب الفنون والأدب والعلوم ومكتوب على بابها العبارة التالية :
«أمر بعمارة هذه المدرسة المباركة مولانا ومالكنا السلطان السيد الأجل الملك الأشرف ممهد الدنيا والدين إسماعيل بن العباس بن علي بن داود بن يوسف خلد الله ملكه ونصره».
وجامع ومدرسة الأشرفية أو كما يدعى «المظفر» نسبة إلى الملك المظفر يوسف الأول، هو تحفة معمارية رهيبة من خلاله تبرز عظمة وجلالة الدولة الرسولية واهتمامها بالعلم وتشييد الجوامع وتدريس العلوم كالفلك والرياضيات والقرآن وعلومه واللغة العربية وعلومها.