غازي المفلحي/ لا ميديا -
على خلفية قيام القوات المسلحة اليمنية بمساندة الفلسطينيين في غزة والذين يتعرضون لحرب إبادة غير مسبوقة وتنفيذ البحرية اليمنية عمليات ضد سفن الاحتلال «الإسرائيلي» أو المتجهة إليه، أعلنت الولايات المتحدة منتصف يناير الماضي أنها صنفت حركة أنصار الله كـ»منظمة إرهابية عالمية»، على أن يدخل القرار حيز التنفيذ بعد 30 يوماً.
وجاء الإعلان الأمريكي في بيانَين صادرَين عن مستشار الأمن القومي الأمريكي جان سوليفان، ووزير الخارجية أنتوني بلينكن.
وزعم الأمريكيون أن «هذا التصنيف يُعد أداة مهمة لعرقلة تمويل الحوثيين، وزيادة تقييد وصولهم إلى الأسواق المالية، ومحاسبتهم على أفعالهم».. تناقش «لا» مع اقتصاديين وسياسيين وقانونيين قيمة هذا الإدراج والتصنيف الأمريكي وطرق إبطال تأثيره إن وُجدَ.

سلوك أمريكا يضر اليمن والمنطقة
يرى مستشار رئيس المجلس السياسي الأعلى البروفيسور والخبير الاقتصادي عبدالعزيز الترب، أن سلوك الولايات المتحدة العام قبل إعلان تصنيفها حتى، هو ما يضر بالوضع الاقتصادي في اليمن والمنطقة والعالم، ويقول: «هناك تبعات اقتصادية كون أمريكا وبريطانيا تهولان من الموقف اليمني الذي ينحصر فقط على السفن الصهيونية أو المتجهة إلى الكيان، ولذلك فأمريكا وبريطانيا ستعملان على إيجاد الذرائع والمبررات لعسكرة البحرين الأحمر والعربي وزرع المخاوف لدى شركات النقل من المرور فيهما وبالتالي فرض إتاوات باسم الحماية وغيرها ما يؤدي إلى رفع كلفة التأمين والنقل وهذا سينعكس على أسعار السلع».
وأردف أن اليمن «بحاجة إلى وضع استراتيجيات للأمن الغذائي، فخلال العقود الماضية لم يتم التفكير الجدي في هذه القضية رغــــــم أهميتها ورغم الخطط والبرامج الموضوعة في هــــــذا الاتجاه، ويجب أن نترجم الخطط والبرامج الآن إلى واقع ملموس».
ويوضح الترب قائلا: «اليمن بلد مستهلك لما يقارب من 90٪ من الاستهلاك، وهذه كارثة بكل المقاييس، ولن نتجاوز المؤامرات إلا بالاعتماد على ما ننتج وما نصنع وعلينا الآن التفكير للخروج من هذا الوضع إلى آفاق رحبة من التنمية»، داعياً إلى ضرورة معالجة الاختلالات في الجانب الاقتصادي بالمراقبة المستمرة للأسواق والأسعار.
وأكد الترب أن العمليات ضد الاحتلال الصهيوني ستبقى مستمرة، وأن اليمن ثابت في تحمل مسؤولياته تجاه القضية الفلسطينية مهما كلف ذلك من ثمن، وقال إن «صنعاء ستنفذ المزيد من العمليات العسكرية النوعية دعما ونصرة لمظلومية الشعب الفلسطيني، واستجابة لنداء شعبنا، حتى يتوقف العدوان الصهيوني الوحشي على غزة».

استهداف لكافة اليمنيين
من جهته، يعتبر وزير الشؤون القانونية السابق وعضو مجلس الشورى، والأستاذ في القانون الدولي الدكتور عبدالرحمن المختار، أن أمريكا منذ 9 سنوات «تتعامل مع الشعب اليمني على أساس أنه مصنف لديها إرهابيا وإن لم يكن ذلك معلنا، لكن شواهده كثيرة على رأسها الحصار والإغلاق الكامل للمطارات ونقل وظائف البنك المركزي وقطع المرتبات».
ويضيف المختار أن أمريكا وإن أعلنت أنها صنفت أنصار الله في قائمتها لـ«الإرهاب» إلا أنها تستهدف الشعب اليمني ولا جديد فعليا في مضمون هذا الإعلان.
ويتابع: «أمريكا تريد أن تعاقب الشعب اليمني، وليس اليوم فحسب بالتصنيف وما يمكن أن يترتب عليه من آثار ولكن من قبل منذ العام 2015 حين خرجت من صنعاء ذليلة مهانة منكسرة».
ويؤكد الوزير السابق أن حرب وحصار السنوات الماضية كانا بفعل أمريكا ويكفي إعلان العدوان على اليمن من واشنطن لإثبات ذلك.
أما وسائل صنعاء لإبطال أثر الحصار الأمريكي فيعتقد المختار أنها توجد في استمرار المواجهة وانتقاء مناطق الألم والوجع للولايات المتحدة ويقول إن هذا «هو أنجع الحلول المتاحة وأقربها وأسرعها تأثيراً في ردع الأمريكي، ولا بد من التنسيق بأي وسيلة كانت مع القوى الحية في المنطقة العربية لإيقاظ الشعوب من حالة السبات لإنشاء خط ناري شعبي عربي موجه لاستهداف المصالح الغربية وعلى رأسها المصالح الأمريكية. وإذا ما تم ذلك سيرتدع الأمريكي وسيندحر».

تأثير ضعيف
يعتقد بعض المحللين أن لفظ «تصنيف خاص (SDGT)» الوارد في القرار الأمريكي، يعني أن التأثيرات الاقتصادية للقرار ضعيفة، ومن هؤلاء الخبير الاقتصادي رشيد الحداد، الذي يقول: «إن إعادة التصنيف الأمريكي لأنصار الله ليس ضمن نطاق  (FTO) الخاص بالتنظيمات الخطرة ولا يترتب عليه عقوبات مشددة، فهو من نطاق (SDGT) وهو أقل حدة، ويركز على الأفراد وليس على الجماعات ويستثني الغذاء والدواء والأجهزة الطبية والوقود والحوالات المالية بين الأفراد، ما يعني أن كل المؤشرات تفيد بأنه لن يكون له أثر سلبي كبير على الجانب الاقتصادي».
لكن الحداد يرى أن التصنيف سيكون له تداعيات سلبية على مسار عملية السلام، فقد تضغط أمريكا نحو إفشال التفاهمات التي جرت خلال الفترة الماضية بين صنعاء والرياض، وهو ما يؤكد أن القرار في حقيقة الأمر هو وسيلة ضغط على أنصار الله من أجل إيقاف عمليات البحر الأحمر المساندة لإخواننا الفلسطينيين في غزة، وفي حال توقف العدوان الصهيوني على القطاع فسيتوقف العمل به.
أما طرق إبطال أثر هذا التصنيف فيقول الحداد: «صنعاء سبق لها أن أكدت أن أي إجراءات تتعرض لها على خلفية موقفها المساند للشعب الفلسطيني سترد عليها باعتبارها عدواناً على اليمن، بمعنى أن أي تصعيد اقتصادي سيكون له انعكاس كارثي على استمرار أسواق الطاقة في الولايات المتحدة، وصنعاء لديها الكثير من الأوراق التي لم تستخدمها حتى الآن ضد الأمريكان».

سلاح متهالك وبلا جدوى
قد يلقي التصنيف بظلاله على القطاع المصرفي والشركات التي لايزال لديها متنفس للتواصل مع الخارج، وقد يؤثر على العمليات المرتبطة بالاستيراد، وبالأخص عمليات شركات مرتبطة بالحكومة، بحسب توقعات الصحفي الاقتصادي عمار الشامي، الذي يستدرك: «لكن الآثار يبدو أنها لن تكون جسيمة بالشكل الذي يتم تصويره، فمصالح أنصار الله (المستهدفين بالتصنيف) في الخارج تكاد تكون معدومة، وفي اعتقادي أن سلطات أنصار الله لديها السياسات التي تمكنها من التلافي والالتفاف على مثل هذا الوضع بشكل أو بآخر».
وأوضح الشامي أن هناك دولا كثيرة لم تَسلم من عقوبات أمريكا، الأخيرة تدرك تماماً أنَّ عقوباتها لم تعد ورقة رابحة بالشكل المطلوب خاصة بعد الحرب الروسية الأوكرانية، حيث إن «الدولار لم يعد جلّاداً بقوة في عالمٍ يسعى إلى إقامة نظام اقتصادي جديد، فالعقوبات الهائلة التي فُرضت على روسيا عبر 12 حزمة حتى الآن لم تُجد نفعاً، بل دفعت كثيراً من الدول إلى التعامل بالعملات الوطنية بعيداً عن الدولار الأمريكي، وهذا شكّل ضربة للدولار وللثقة الدولية بواشنطن، إذ لا تعلم الدول متى تكون تحت رحمة أي عقوبات أمريكية، وهو ما يفرض الآن على الدول الانفتاح على عالمٍ غير أمريكي».
ويواصل الشامي قراءته للمشهد المتوقع ويقول: «واشنطن، وكما أعلنت، تريد ضمان عدم تأثر المدنيين في اليمن بالعقوبات، ما يعني أنها تريد الإبقاء على العمليات الإغاثية التابعة للأمم المتحدة، وهذه العمليات لا يجري إطارها المالي المباشر إلا عبر صنعاء، وقد رفضت الأمم المتحدة لسنوات طلب حكومة عدن إجراء العمليات المالية عبر بنك عدن المركزي، وفضَّلت المنظمة إجراء العمليات المالية عبر صنعاء حصراً، بسبب السمعة السيئة وملفات الفساد التي تشوب إدارة حكومة عدن وإدارة مركزي عدن. ولا يبدو -على الأقل حتى الآن- أن لدى الأمم المتحدة الاستعداد للتعامل المالي المباشر مع عدن والتضحية بصنعاء، وهذا في حد ذاته يُسقط فاعلية تصنيف أنصار الله ويجعله قراراً بلا جدوى إلى حد كبير».