دمشق - حوار / أحمد رفعت يوسف  / لا ميديا -
الأستاذ غسان محمد، هو أحد أهم الخبراء العرب في الشؤون الصهيونية، إن لم يكن أهمهم.. يجيد اللغة العبرية، وأمضى معظم حياته المهنية، في القسم العبري في الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون في سورية، محررا ورئيساً للقسم. متابع متمرس للساحة السياسية الصهيونية، وخبير في نشاطات أحزابها، وتحالفاتها وتشعباتها، ولذلك دائما توقعاته وقراءاته للخارطة السياسية، في الكيان الصهيوني، تأتي دقيقة ومطابقة للواقع. متابع يومي للإعلام والصحافة العبرية، ويعرف المحللين الصهاينة بأسمائهم وانتماءاتهم وتوجهاتهم السياسية، ولذلك يجيد قراءة تحليلاتهم بعمق.
لهذه الأسباب، يعتبر اللقاء مع الأستاذ غسان محمد مهما جداً، لقراءة الساحة الداخلية في الكيان الصهيوني وتطوراتها، إثر عملية «طوفان الأقصى» وتداعياتها على المجتمع الصهيوني، وقادته وخارطته السياسية، وتأثيرها على مستقبل الكيان الصهيوني ككل.

سيناريو الرعب
كيف تعامل الإعلام العبري مع الإجراءات اليمنية في البحر الأحمر؟
التطورات التي تشهدها منطقة البحر الأحمر، زادت من مستوى القلق داخل الكيان الصهيوني، لدرجة أن كبار المحللين والخبراء العسكريين، يحذرون من مغبة التورط في حرب على جبهة تبعد حوالي 2000 كيلومتر عن ميناء أم الرشراش «إيلات»، الذي يعتبر عصب التجارة البحرية، من وإلى الكيان الصهيوني.
معظم التحليلات، ترى أن جبهة اليمن، التي توصف بأنها تقع ضمن الدائرة الثالثة للجبهات، التي تهدد الكيان، باتت تشكل تهديدا وجوديا على الكيان، وليس فقط جبهة إسناد ودعم للمقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
أحد المحللين الصهاينة تساءل عما إذا كانت أبواب جهنم فتحت على «إسرائيل» من جبهة البحر الأحمر، وقال: «إن الخيارات الموجودة أمام تل أبيب، تبدو معدومة تماما، في ما يتعلق بالتعامل مع هذه الجبهة».. مضيفا أن أي خطوة عسكرية صهيونية، ضد اليمن، ستكون لها عواقب وخيمة على الكيان الصهيوني.. لذلك كما يقول المحلل الصهيوني «إن الخيار الأفضل، هو الامتناع عن التصعيد مع اليمن، وترك الأمور للأمريكيين، رغم أنه لا يمكن توقع نجاحهم، في منع الخطر الذي تشكله جبهة البحر الأحمر».
بعبارة مختصرة، العدو يقرأ ما يحصل على جبهة اليمن، بأنه تأكيد لاستراتيجية وحدة الساحات، في مواجهة كيان الاحتلال، وهو ما يسمى صهيونيا «سيناريو الرعب» الذي يعني توسع جبهة الحرب، وتدهور الوضع إلى حرب إقليمية شاملة، لن يكون بإمكان كيان الاحتلال الصهيوني تحمل أعبائها، والتداعيات التي ستتمخض عنها في المستقبل.

بداية انهيار المشروع الصهيوني
ماذا تقول النخب السياسية والعسكرية الصهيونية، عن مستقبل الكيان الصهيوني، بعد هذه التطورات الكبيرة منذ عمليه «طوفان الأقصى»؟
عملية «طوفان الأقصى»، والتطورات التي أسفرت عنها، أيقظت مخاوف النخب السياسية والفكرية الصهيونية، التي باتت تخشى بالفعل على مستقبل الكيان الصهيوني وبقائه على قيد الحياة.
أحد المفكرين الصهاينة، دعا إلى مراجعة السياسات الصهيونية في المنطقة، في ضوء المستجدات السريعة والمفاجئة، قائلا إن ما يجري يؤكد انهيار المشروع الصهيوني، ومعه مقولة «إسرائيل الكبرى» وانهيار مقولة الأمن، في ضوء سقوط مقولة الردع، وفشل الرهان على القوة العسكرية، لحسم الحروب في وقت قصير.
باختصار، كل ما يقال داخل الكيان يحمل لهجة الإقرار بالفشل عسكريا وسياسيا، وهذا يجب أن يشعل الضوء الأحمر لدى دوائر صنع القرار، والبحث عن البدائل والخيارات الممكنة للخروج من النفق المظلم بأقل الخسائر، رغم أن هذا يعتبر مهمة صعبة، في ظل انعدام الخيارات التي يمكن اعتمادها لتفادي خطر انهيار وتفكك الكيان الصهيوني وزواله بشكل نهائي.

فقدان الشعور بالأمن
ما هو أكثر ما لفت نظرك في الكيان الصهيوني، إثر عملية «طوفان الأقصى»؟
من بين الظواهر، الأكثر لفتا للنظر، في قراءة المشهد العام، داخل الكيان بعد «طوفان الأقصى»، هي حالة التفكك التي يعيشها الكيان على كل المستويات، إضافة لحرب الاتهامات المتبادلة بين ما يسمى المستوى السياسي والعسكري، هذا إلى جانب الانقسام والشروخ الكبيرة على مستوى الشارع، وحالة عدم ثقة هذا الشارع بقيادته السياسية والعسكرية والأمنية.. بمعنى أن ما يسمى «الجمهور الصهيوني»، لا يصدق ما يقوله قادة الكيان، ويشكك بقدرتهم على ضمان أمن ومستقبل الكيان.. وهذا ما أشار إليه الجنرال احتياط يتسحاك بريك قائلا: إن التصريحات التي تصدر عن المسؤولين الصهاينة، لا تحظى بثقة الشارع، وتفتقر لأدنى معايير المصداقية، ومنفصلة عن الواقع، وهذا ما تؤكده الوقائع على الأرض، والتي تؤكد فشل الجيش الصهيوني بعد ثلاثة أشهر من الحرب على تقديم صورة انتصار صغيرة تعيد للصهاينة شعورهم بالأمن.

زلزال سياسي
كيف ستغير عملية «طوفان الأقصى» من التركيبة السياسية في الكيان الصهيوني؟
الأمر الواضح اليوم، هو أن عملية «طوفان الأقصى» كانت بمثابة زلزال سياسي داخل الكيان، وهو ما تؤكده الدعوات التي تطالب بإجراء انتخابات مبكرة، حتى في ظل استمرار الحرب، بهدف استبدال القيادة الحالية.
أحد المحللين الصهاينة قال إن «الإخفاق العسكري والسياسي والأمني يجب أن يؤدي إلى تطيير رؤوس كبيرة، هي المسؤولة عن الوضع السيئ والنفق المسدود الذي وصلنا إليه».
ومن وجهة نظر عدد من المحللين، لم يعد بالإمكان رهن مستقبل الكيان في أيدي نتنياهو واليمين المتطرف، الذي يدفع «إسرائيل» إلى الهاوية.. أكثر من ذلك فإن نتنياهو واليمين الصهيوني باتا يشكلان خطرا وجوديا على «إسرائيل» وفق صحيفة «معاريف» العبرية التي أكدت أن التخلص من نتنياهو واليمين المتطرف يجب أن يكون المهمة الأولى والأكثر إلحاحا حتى قبل انتهاء الحرب.

تفكك داخلي
برأيك من سيكون المتضرر الأكبر من النخب الصهيونية بفعل تداعيات الأحداث في فلسطين المحتلة؟
من المؤكد في ضوء التطورات الداخلية في الكيان الصهيوني، أن اليمين الصهيوني هو أكثر المتضررين والخاسر الأكبر بفعل ما يجري على الأرض، وهذا ما تؤكده استطلاعات الرأي التي تشير إلى تراجع حزب «الليكود» الذي يترأسه نتنياهو إلى أقل من 20 مقعدا في الكنيست، إضافة لتراجع أحزاب اليمين والحريديم (اليهود الشرقيين) إلى أدنى مستوى، واحتمال ألا يتجاوز بعضها نسبة الحسم في انتخابات مبكرة.
مع ذلك، هذا لا يعني أن ما تسمى أحزاب الوسط ويسار الوسط، في وضع جيد، فهي الأخرى غير مؤهلة لقيادة الكيان، في المرحلة المقبلة.. وهذا يعني عمليا، أن الانهيار والتفكك الداخلي أصبح حالة شاملة تطال كل الأحزاب، وحتى ما يسمى «المجتمع» أو «الجمهور» داخل الكيان.

«أوهن من بيت العنكبوت»
برأيك، هل وصل المجتمع الصهيوني إلى حالة «اليأس وفقدان الأمل» التي عمل قادة الكيان الصهيوني، منذ تأسيسه إلى اليوم، لعدم الوصول إليها؟
المسألة هنا ليست مسألة تكهن أو تحليل أو استنتاج، الحقيقة هي أن الجمهور الصهيوني فقد إحساسه بالأمن، كما يقول أحد المحللين الصهاينة، الذي يؤكد أن عدم الشعور بالأمن من قبل القسم الأكبر من الصهاينة، خلق مشكلة ذات أبعاد استراتيجية على المدى البعيد، خصوصا وأن استعادة الأمن، على المستوى الشخصي، مسألة بعيدة المنال في ضوء تراكم الفشل والإخفاقات على جميع المستويات.
أحد المحللين الصهاينة قال «إن فقدان الأمن، سيشجع مئات الآلاف، إن لم يكن ملايين الصهاينة على الهجرة»، وهذه ستكون واحدة من بين أخطر الأزمات التي ستواجهها أي حكومة صهيونية جديدة.
المشكلة بالنسبة للعديد من المحللين، هي أن نظرية الأمن التي صاغها بن غوريون انهارت بصورة نهائية، كما انهارت معها مقولة «الردع والقوة» و»الجيش الذي لا يقهر»، والنتيجة هي أن الصهيوني العادي بات يتلمس الخطر الوجودي والإحساس بالقلق والخوف من المستقبل.
كما أدى هذا كله إلى زعزعة ثقة الصهاينة في احتمال بقاء كيانهم.. هنا يمكن أن نشير إلى ما قاله أحد المحللين الصهاينة «يبدو أن ما قاله السيد حسن نصر الله، بأن إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت، أصبح حقيقة على أرض الواقع».

كذبة كبيرة ورهان خاسر
كيف ستؤثر الأحداث، منذ عملية «طوفان الأقصى» وحتى اليوم، على المجتمع الصهيوني؟
واضح أن تداعيات «طوفان الأقصى» جاءت سريعة جدا على الداخل الصهيوني، فقراءة متأنية للمشهد السياسي والاجتماعي، توضح حالة الانقسام والتفكك والانهيار على جميع الصعد.
الوضع يتجه نحو الأسوأ، في ظل اتساع الفجوات، والعديد من المحللين يحذرون من وصول الأوضاع إلى الأسوأ، وبعضهم يقول صراحة إن الصهاينة يدركون اليوم أن مقولة «توحد الإسرائيليين» في مواجهة الأزمات كانت كذبة كبيرة، ورهانا خاسرا سقط أمام الاختبار.. في المحصلة، ما كان يوصف بحصانة ومناعة المجتمع الصهيوني انهار ولم يعد له وجود على أرض الواقع.

اليمن عمق استراتيجي للجبهة الفلسطينية
أنت كخبير في الشؤون الصهيونية، ماذا تقول للشعب اليمني، بعد التأثير الكبير، الذي أحدثه الموقف اليمني في داخل الكيان الصهيوني، وعلى الصراع العربي الصهيوني بشكل عام؟
لا يمكن لأي كلام، أن يفي الشعب اليمني حقه.. ما قام به الشعب اليمني، وما يقوم به أكبر من أي وصف.. يكفي أن نقرأ ردود الفعل داخل الكيان الصهيوني على موقف اليمن، من الحرب الصهيونية على غزة.. أحد المحللين الصهاينة قال «إن جبهة اليمن في المواجهة الحالية تحولت إلى عمق استراتيجي للجبهة الفلسطينية»، وهي جبهة ردع جديدة في مواجهة الكيان الصهيوني، تضاف إلى جبهة جنوب لبنان وجبهة الجولان والعراق، فضلا عن جبهة غزة والضفة الغربية.. وهذا يعني أن «إسرائيل» باتت مطوقة بجدار مقاوم يمتد على آلاف الكيلومترات.. أضف إلى ذلك، أن التضامن الذي أعلنه الشعب اليمني مع الفلسطينيين، والذي ترجمه على الأرض بإطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة على الكيان الصهيوني ومهاجمة السفن الصهيونية كسر كل المعادلات، وفرض وقائع جديدة على الأرض لا يمكن تجاهلها... فاليمن أصبح وفق القراءة الصهيونية، شريكا مباشرا، ليس فقط في الحرب، بل في مواجهة المشروع الصهيوني، الأمر الذي سيجبر قادة الكيان، على إعادة دراسة حساباتهم، مع الاخذ بعين الاعتبار، أن موقف الشعب اليمني سيكون عاملا مهما في تحريك الشارع العربي، بما يؤدي إلى حدوث تغيير شامل في الموقف العربي، على المستوى الرسمي، من الحرب الصهيونية على الشعب الفلسطيني.. أضف إلى ذلك، أن عملية التطبيع قد تتوقف إلى غير رجعة، وهذا كله بفضل موقف اليمن والشعب اليمني.. ولا يقل أهمية حقيقة أن اليمن أسقط مقولة «المحيط النظيف» التي كان الكيان يعمل على تحقيقها، والمقصود هو خلق محيط آمن لا يشكل خطرا أو تهديدا للكيان الصهيوني.
كما أن هذا الموقف أعاد وضع القضية الفلسطينية على رأس جدول الأعمال العربي، في وقت اعتقد فيه قادة الكيان أنها أصبحت هامشية، ولم تعد موضع اهتمام الرأي العام العربي.. وهذا كله بفضل الموقف المشرف لليمن، قيادة وجيشا وشعبا.