حوار عادل عبده بشر / لا ميديا -
عرفناه مراسلاً حربياً وإعلامياً مجاهداً ومقاوماً، خاض الكثير من الحروب الإعلامية وغطّى الكثير من المعارك خلال العدوان الصهيوني على لبنان عام 2006م، والاجتياح الأمريكي للعراق في 2002/2003م، وعلى مدى 10 سنوات من الحرب على سورية، فأصيب عدة إصابات، لكنه لم يتوان أو يتراجع عن أداء دوره الإعلامي بجدارة وكفاءة.
الإعلامي والمحلل السياسي اللبناني حسين مرتضى، مدير مركز سونار الإعلامي، يتحدث في حوار أجرته معه صحيفة «لا»، من صنعاء، عن الحرب الصهيونية الأمريكية على غزة وملحمة «طوفان الأقصى» والمعادلات الاستراتيجية التي فرضتها القوات اليمنية إلى جانب المقاومة في لبنان والعراق وسورية.

تحالف قديم جديد
بالتأكيد استمعتم إلى خطاب السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، مساء الأربعاء 20 كانون الأول/ ديسمبر 2023، رداً على التحالف البحري الذي تقوده أمريكا، كيف تقرؤون مضمون الخطاب وأبرز الرسائل التي تضمنها؟
هذا التحالف هو نفسه التحالف الذي يشن الحرب على اليمن منذ عدة سنوات، ونفسه الذي يفرض الحصار على الشعب اليمني، وهو بحد ذاته قائم وقد فشل في كل السنوات الماضية، اليوم تحاول الإدارة الأمريكية أن تُحيي هذا التحالف وتبث الروح فيه من جديد، وهنا نقطة مهمة أنه منذ متى كانت الولايات المتحدة تسعى لإيجاد تحالفات إذا كانت تريد القيام بأي عدوان أو أي خطوة ضد أي بلد؟ هذا يدل على أن هناك ضعفا وضياعا أمريكيا وعدم معرفة آلية التعاطي مع التطورات الميدانية خصوصاً في البحر الأحمر والمعادلات اليمنية التي فرضت في المنطقة. هذا دليل على فشل الولايات المتحدة وعدم قدرتها على المناورة من جديد، وهذا لا يعني أن الإدارة الأمريكية غير قادرة على تنفيذ أي عدوان، وإنما هي سياسة الأمريكيين معروفة، لكن نحن نتحدث بالنقاط، اليوم أصبح الأمريكي مُكَبّلا من ناحية طريقة تعامله مع التطورات في الميدان.
أما النقاط المهمة في خطاب السيد عبدالملك الحوثي، فصراحة كل ما جاء في الخطاب من الناحية الاستراتيجية هو مهم، رسّخ المعادلات من جديد، أوضح بكل ما تحمله الصورة من معنى أن أي عدوان أو محاولة إيجاد تحالفات جديدة أو إحياء هذه التحالفات سيكون هناك رد واضح من قبل الجيش اليمني. كذلك فَنّدَ المرحلة وطبيعة المرحلة القادمة وطبيعة العدوان، وعَرّى بعض الأنظمة العربية ودورها في العدوان على اليمن وكذلك دورها في العدوان على الشعب الفلسطيني، لأنها لم تقف إلى جانب القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني وساندت ووقفت إلى جانب الإدارة الأمريكية التي تقود العدوان على غزة.
النقطة الثانية، كانت رسالة واضحة ليس فقط للأمريكي، بل لأكثر من الأمريكي، أنه أي مغامرة من أي دولة عربية، عملياً ستكون هدفا للقوات اليمنية، وأعتقد أن هذه الرسائل قد وصلت وهناك حالة إرباك وحالة تردد، وهذه المعادلة ستؤسس لطبيعة وسياسات المرحلة القادمة.

رهان السيد عبدالملك
 برأيك على ماذا يُراهن السيد عبدالملك الحوثي، وهو يقف بهذه الجرأة والقوة والشجاعة في وجه أمريكا والكيان الصهيوني؟ من أين يستمد هذه الشجاعة؟ وعلى أي أرضية يقف تجعله بهذه الثقة؟
أولاً، قوة القائد الحوثي هي من الله وهذا إيمان بالله سبحانه وتعالى، وإيمان بشعبه وإيمان بالقضية التي يحملها وهي قضية شعبه والقضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني. هذه العوامل أساسية في أن تجعل القائد قويا وواثقا وإيمانه مطلقا بأن الله سبحانه وتعالى قد كتب النصر وسيكتب النصر.. والنقطة الثانية، ما له علاقة بالثقة بالشعب والثقة بالجيش اليمني، خلال فترات وسنوات العدوان الأمريكي وغير الأمريكي استخدموا كل ما يمكن أن يستخدموا وقصفوا كل ما يمكن أن يقصفوا ومارسوا كل ما يمكن أن يمارسوا على الشعب اليمني وهذا الشعب صمد وانتصر وأفشل المشروع الأمريكي في المنطقة، وخصوصاً ما هو مرتبط باليمن والمنطقة الاستراتيجية المحيطة باليمن.
من خلال هذه العوامل ندرك أن هناك ثوابت لدى هذا القائد وتمسُّك القائد الميداني القائد العسكري القائد السياسي، وما يمثله السيد عبدالملك الحوثي في هذا السياق، أعتقد هذه العوامل هي التي تُثَبِّت المواقف وهي التي تُعزز هذه المواقف وهي التي تؤكد أن النصر حليف أي شعب يقف إلى جانب قيادته وأي قائد يعتمد على ثقة شعبه وتكون علاقته مع الله سبحانه وتعالى. من هذا المنطلق، أعتقد أن هناك ثوابت يتحرك من خلالها السيد عبدالملك الحوثي لذلك يؤمن بأن النصر سيكون حليف هذا الشعب ويؤمن بأنه يستطيع أن يقف في وجه الولايات المتحدة الأمريكية وكيان الاحتلال الصهيوني، رغم أنه يمكن لهذا الكيان وهذه الإدارة أن تُنفذ الجرائم والغارات وتقتل النساء والأطفال ولكن الإيمان بالله والإيمان بالنصر والإيمان بالثوابت التي تَحَرّكَ من خلالها وهي مفاهيم القرآن الكريم أعتقد أنه عندما يصل الإنسان إلى هذا الحد من الإيمان يستطيع أن يواجه الإدارة الأمريكية وكيان الاحتلال الصهيوني وكل من يدور في فلكهما.

التنسيق بين المحور
بَث كتائب القسام مشاهد لالتحامها مع جيش الاحتلال عبر قناة «المسيرة»، عقب كلمة السيد عبدالملك، مباشرة، يحمل رسائل عدة، أبرزها أن مستوى التنسيق بين صنعاء والمقاومة في غزة وكذلك محور المقاومة بشكل عام، كبير جداً وأن المعركة تُدار بكفاءة عالية، ما رأي المحلل السياسي حسين مرتضى؟
ما يجري، اليوم، في الجبهات، كل الجبهات، يؤكد أن هناك فعلاً تنسيقا وغرفة عمليات مشتركة وهناك تواصلا مشتركا، والرسائل التي أرادت المقاومة في فلسطين من خلال بث هذه المشاهد عبر قناة المسيرة اليمنية هي دليل على أن هذا التنسيق قائم وأن هناك توزيعا، إذا صح التعبير، للأدوار من خلال فتح الجبهات ومن خلال تصاعد هذه الجبهات ومن خلال إدارة هذه المعركة.
اليوم المعركة هي معركة إقليمية لم تعد فقط في قطاع غزة، أصبحت المعركة إقليمية، لكن المهم في هذه المعركة الإقليمية ولو أنها بقدر، يعني معركة ليست إقليمية كبيرة، لكن هي إقليمية تدار بحكمة محور المقاومة وبحكمة قادة هذه الجبهات، إن كان في فلسطين أو في لبنان أو في اليمن أو في العراق أو في سورية، كل هذه الجبهات تدل أولاً أن هناك تنسيقا وأن هذه الحرب هي حرب إقليمية، ولكن الذي يتحكم بها ليست الإدارة الأمريكية، بل على العكس الإدارة الأمريكية لا تريد توسيع الجبهات، ولا تريد أن يكون هناك حرب إقليمية، أو استهدافات أكثر. من يتحكم بوتيرة هذه المعركة وتصاعدها من عدمه وتنفيذ العمليات في بعض الجبهات بوتيرة تصاعدية أو العكس هو محور المقاومة وقادة هذا المحور، وبالطبع من خلال التنسيق الإعلامي والتنسيق العسكري والسياسي، نستدل على أن هناك إدارة وحكمة في مواجهة ما يسعى إليه الأمريكي لأنه كما تعرفون أن هذه المعركة هي معركة أمريكية بامتياز حاول الأمريكي أن يدير هذه المعركة، وأن ينتصر بها، لكنه فوجئ بأن هناك جبهات قد فُتحت وأصبح الأمريكي مُقيدا ضمن الضوابط والعوامل والاستراتيجية التي رسمها محور المقاومة وخصوصا المعادلات التي فرضها الشعب اليمني من خلال الخطوات العملية العسكرية الميدانية التي قام بها.

إسرائيل والبحرين
برأيك لماذا لم يتضمن بيان إعلان واشنطن للتحالف البحري اسم الكيان الصهيوني ضمن الدول المشاركة فيه؟ وما تعليقك على دخول البحرين كدولة عربية وحيدة في هذا التحالف؟
أعتقد أن الكيان الصهيوني لا يستطيع أن يكون ضمن التحالفات لأنه مربك ولديه جبهات مفتوحة في الداخل، والولايات المتحدة موجودة وهي تمثل الكيان الصهيوني. أما في ما له علاقة ببعض الدول العربية كذلك صراحة هو ليس بالشيء الجديد، هذه الدول العربية الإقليمية إن كانت السعودية أو الإمارات أو البحرين هي منذ تسع أو عشر سنوات شريكة في العدوان، بل هي رأس حربة في العدوان الذي يُمارس على الشعب اليمني.. البحرين أصبحت قاعدة إن كانت للولايات المتحدة أو لكيان الاحتلال الصهيوني وهي أداة لبعض الدول الإقليمية وأداة للولايات المتحدة ولـ«إسرائيل»، ومشاركة البحرين من عدمها لا تقدم ولا تؤخر. وأعتقد أنه إذا فعلا كان هناك عدوان أو أي عمل عدائي ضد الشعب اليمني وكان هناك دور للبحرين أو غير البحرين، هم بذلك يُعرضون أنفسهم لخطر الرد وهذا القرار واضح من قبل القيادة اليمنية أنه أي دولة تشارك في العدوان سيكون الردّ قويا ومُدَمّرا من قبل الشعب والجيش اليمني.

مُشاركة سرية
 تناقلت وسائل إعلام أمريكية عن مسؤول أمريكي القول إن دولاً وافقت على المشاركة «سِراً» في مواجهة اليمن.. من برأيك قد تكون هذه الدول؟ وهل اشتراطها المشاركة سراً يعود إلى أنها لا تثق في الحماية الأمريكية وتخشى ردة فعل اليمن؟
الحديث عن موافقة بعض الدول المشاركة في هذا التحالف «سراً» هو محاولة للقول بأن كل الدول شاركت، يعني محاولة رفع معنويات، لأنه في بعض الدول الإقليمية وعلى رأسها السعودية حتى الآن لم تستطع أن تحسم خياراتها، هي لا تستطيع أن تخرج من عباءة الإدارة الأمريكية ولا تستطيع أن تعلن أنها ضمن هذا التحالف، لأنها مازالت حتى الآن تتذكر تلك الليالي الظلماء التي تعرضت خلالها إلى قصف بالمُسيّرات اليمنية في «أرامكو» وغير «أرامكو». أعتقد أنه من ضمن هذه الدول إذا كان هناك فعلاً دول سرية، هي السعودية.. السعودية الآن تعيش حالة اللااستقرار في ما له علاقة بهذا الموقف تحديداً، هل تتجرأ أن تدخل ضمن هذا التحالف؟ هل هي مستعدة أن تكون مجدداً عُرضة وهدفاً للمُسيّرات والصواريخ اليمنية؟ هي فقط لا يمكنها أن ترفض أي طلب للإدارة الأمريكية، وفي نفس الوقت تسعى للحفاظ على مصالحها.
تراهن السعودية على أن هذا التحالف لن يكون له أي دور ولن يتجرأ على القيام بأي عمل عسكري، وتراهن على أن يكون هناك نوع من إنهاء الحرب في قطاع غزة، كتحصيل حاصل، فتنتهي حالة المعادلة التي فرضتها القوات اليمنية وبذلك تكون السعودية لم تخرج من العباءة الأمريكية ولم تعرض أراضيها ونفسها للخطر من خلال المواقف أو التصعيد مجدداً مع القيادة في صنعاء والجيش اليمني.

تطرُّف الإمارات
 أيضاً، وفقاً لوسائل إعلام أمريكية وعبرية، فإن واشنطن تدرس شن هجمات على «الحوثيين» في اليمن، حدّ توصيفها، وأن الإمارات تحثها على تنفيذ ضربات قاسية ضد «أنصار الله» مع الإشارة إلى استعداد أبوظبي للمشاركة سراً في التحالف البحري، السؤال هو: هل ستُغامر الإمارات في المشاركة مجدداً في الحرب على اليمن، سواء بالشكل المباشر أو بالدعم والتمويل؟ وكيف سيكون رد صنعاء؟
نلاحظ خلال هذه الفترة أن الإمارات أكثر تطرفاً وعلناً تُساند كيان الاحتلال الصهيوني، وتُطبِّع معه، وتدعو كذلك إلى استمرار عمليات الكيان ضد المقاومة في فلسطين وبالمقابل أيضاً تدعو لأن يكون هناك توجيه ضربة لصنعاء، وتراهن على أنه يمكن أن تحقق هذه الضربات إنجازا ميدانيا. يبدو أن الإمارات، ولأنها خلال السنوات الماضية لم تصلها أي رسالة نارية من صنعاء، ولم تذق طعم المُسيّرات والصواريخ اليمنية، تخاطر بنفسها في هذه المرحلة بالذات، وستكون هدفاً واضحاً للجيش اليمني إذا ما تجرأت وشاركت في هذا التحالف أو كان لها أي دور ولو كان سرياً، فهي بذلك تخاطر بكل الاستقرار الذي تعيشه. هل تتحمل الإمارات أي هزات وخضات عسكرية؟ أعتقد أن هذا الأمر يجب أن يدرسه القادة الإماراتيون بدقة وألا يخاطروا بأصل وجودهم وأصل استقرارهم وأمنهم.
 دخول اليمن الحرب ضد العدو الصهيوني نصرة لأهلنا في غزة والضفة الغربية، أضاف معادلات لم تُكن في حسبان الكيان الصهيوني ومن خلفه أمريكا، وبحسب محللين سياسيين، فإن اليمن من خلال استخدام ورقة البحر وباب المندب، استطاع أن يضرب الاحتلال في مكان مُوجِع، لذلك سعت أمريكا إلى محاولة إنقاذه عبر إنشاء تحالف بحري.. حدثنا حول ذلك؟
من أهم الخطوات الاستراتيجية في المعركة التي تُشن اليوم أو التي تدور في المنطقة هي الخطوة اليمنية، لم يكن أحد يتوقع أن يُنفذ الجيش اليمني تهديداته، وأصلاً لم يكن أحد يتوقع أن ينخرط، إذا صح التعبير، الشعب اليمني والجيش اليمني والقيادة اليمنية في هذه المعركة. الأمريكي والصهيوني وحلفاؤهم كانوا يراهنون على مسألة أيام في قطاع غزة وتنتهي المعركة، وبعد ذلك يستفردون بباقي الجبهات إن كان بالسياسة أو بالعقوبات الاقتصادية وغير ذلك، ولكنهم فوجئوا بالخطوات العملية والتهديدات التي صدرت من القيادة اليمنية ونُفذت مباشرة. هذا الأمر أربك الأمريكي قبل أن يربك الصهيوني وأفقدها عاملا من أهم العوامل التي هي في حالة الاستقرار تكون أساسية فكيف إذا كانت في حالة الحرب وهي الجانب الاقتصادي والدعم اللوجستي والممر البحري ونحن نعرف أنه كان هناك استماتة من قبل الصهيوني تحديداً لأن يكون له حضور قوي في البحر الأحمر، والعدوان الذي ينفذ على الشعب اليمني، العدو الصهيوني مشارك فيه، لدينا معلومات وكما تعرف ويعرف الجميع أنه حتى هناك طائرات صهيونية كانت تُغير على بعض المناطق في اليمن أثناء العدوان والمعارك لمساندة السعودية والإمارات والولايات المتحدة الأمريكية. هذه الخطوات العملية للجيش اليمني أربكت المنطقة وأربكت ليس فقط الإدارة الأمريكية أو كيان الاحتلال الصهيوني، بل حتى الأمر مرتبط بالواقع الاقتصادي في بعض الدول الأوروبية، هذا الأمر استراتيجي عالمي جعل الكثير من الحسابات تتبدل وتتغير وجعل الجميع يتفاجأ بأن الجيش اليمني استطاع فعلا أن يُرسخ هذه المعادلة التي سيبُنى عليها في المراحل القادمة كثيراً وستعطي اليمن أوراق قوة أكثر وسيستطيع اليمن بقوة الواقع الاقتصادي والواقع الجيوسياسي والواقع الجغرافي أن يفرض الكثير من المعادلات ويُبدِّل الكثير من المعادلات، ويجب أن ينصاع الآخرون لما يريده الشعب اليمني.

صمود المقاومة
على مدى 77 يوماً من العدوان وحرب الإبادة الجماعية التي تتعرض لها غزة.. ما الذي حققه جيش الاحتلال؟ وكيف استطاعت المقاومة الصمود والثبات؟
صمود المقاومة في قطاع غزة له الكثير من الإشارات والدلالات، أولاً التكتيكات التي تستخدمها المقاومة والتحصينات التي تمتلكها، حتى الآن استخدمت جزءا بسيطا من قوتها النارية والبشرية، كذلك الاعتماد على أسلوب حرب العصابات والدمج ما بين الأنفاق وما بين تحت الأرض وفوق الأرض، كذلك استخدام الأبنية التي دمرها كيان الاحتلال لتصبح متاريس وأماكن حماية يتسلل من خلالها المقاومون، أيضاً نوعية القذائف والصواريخ والروح القتالية التي يمتلكها المقاومون، والكمائن والعبوات وما تمتلكه المقاومة في قطاع غزة. كل هذه العوامل فاجأت العدو الصهيوني، ونحن نعرف أن هذا العدو في المواجهة البرية سيخسر وأنه سيدخل «مستنقع غزة» ولن يستطيع أن يخرج منه، حتى المناطق التي يقول العدو الصهيوني بأنه دخلها منذ عدة أسابيع في الجبهة الشمالية، مازالت المقاومة متواجدة هناك وتنفذ عمليات خلف خطوط العدو، ونحن نعرف التكتيكات التي تستخدمها المقاومة أحيانا بعنصرين وأحيانا بثلاثة عناصر، بثلاثة مجاهدين، هذا الأمر أربك العدو الصهيوني وأعطى عامل قوة، واليوم لاحظ حتى في المفاوضات مَن يفرض شروطه هي المقاومة، بغض النظر أن العدو استطاع أن يُدمر ويقتل أطفالا ونساء ويرتكب المجازر، هذه سياسة الاحتلال منذ أن أنشئ هذا الكيان، لكن نحن نتحدث على الصعيد العسكري والميداني، اليوم المقاومة هي التي تتحكم بطبيعة المفاوضات وطبيعة التهدئة والهدنة ما تريده من خلال عدم استطاعة كيان الاحتلال أن يحقق أي إنجاز ميداني يمكن أن يبنى عليه في المرحلة القادمة. 

جبهة الجنوب اللبناني
ماذا عن الجبهة الشمالية والدور الذي يقوم به حزب الله في إسناد المقاومة الفلسطينية؟
الجبهة الجنوبية في لبنان، وهي الجبهة الشمالية التي يقول عنها العدو الصهيوني، هي العامل المباشر الثاني الذي كان له التأثير الكبير. نحن تحدثنا عن العوامل الاستراتيجية الكبيرة من خلال العمليات وما قام به الشعب والجيش اليمني وما قامت به المقاومة في العراق وما نُفذ من بعض العمليات في سورية. العامل الميداني الثاني المؤثر على أرض الواقع هو الجبهة الجنوبية في لبنان، نحن نتحدث عن جبهة بطول حوالي 107 كيلومترات، نتحدث عن عمليات تقوم بها المقاومة، القادة الصهاينة للمرة الأولى يقولون بأن من يتحكم بالجبهة الشمالية ليس الاحتلال الصهيوني، بل حزب الله. مارس حزب الله سياسة وعمليات استنزاف من خلال كثافة العمليات التي ينفذها في المناطق الجنوبية، إرباك الاحتلال الصهيوني، إخراج المستوطنات وتهجير المستوطنين منها بحدود 70-100 ألف مستوطن وهذا الكلام للصهاينة، هذه الأمور أربكت الاحتلال، واليوم يعتبر العدو الصهيوني بأنه في غزة يستطيع أن يقوم بكل شيء من خلال التدمير والقصف والغارات، لكن في الجبهة الشمالية هو مقيد اليد وهذا باعتراف قادة الكيان، عندما يقولون بأنه إذا انتهت الحرب في غزة، نحن لدينا مشكلة في الجبهة الشمالية في جنوب لبنان، كيف سيتم التعامل مع هذه الجبهة؟ ما هي الضمانات ألا يقوم حزب الله بما قامت به المقاومة في قطاع غزة؟ لذلك تلاحظ أن هناك ضغوطا ومحاولات لإبعاد المقاومة عن الجبهة الجنوبية في لبنان، وهناك محاولات لتنفيذ بعض العمليات وما شابه ذلك. والعامل الإضافي الثاني هو أن ثلث جيش الاحتلال موجود في الجبهة الشمالية، أحد قيادات الاحتلال يقول منذ أيام إن هناك جنودا يقاتلون في قطاع غزة منذ شهر ونصف ولم نستطع أن نقوم بتبديلهم أصبحوا منهكين، هذا دليل على أن هناك نقصا، هذا النقص موجود في الجبهة الشمالية. هناك استنزاف للجيش الصهيوني في الجبهة الشمالية، وهناك عمليات تقوم بها المقاومة من خلال قتل عدد كبير من جنود جيش الاحتلال، ومن خلال تدمير البنية العسكرية الأمنية الاستخباراتية التجسسية التي كانت موجودة في المناطق الحدودية، أضف إلى ذلك عبء المستوطنين الذين يرفضون حتى الآن العودة إلى المستوطنات المحاذية لجنوب لبنان، هذا الأمر كان من أهم العوامل التي بدّلت وأعطت أوراق قوة للمقاومة في قطاع غزة بالإضافة إلى التكتيكات التي تستخدمها المقاومة من خلال التنسيق مع المحاور الأخرى، وما تقوم به المقاومة الإسلامية العراقية باستهداف القواعد الأمريكية هي رسائل قوية جداً وكذلك ربطاً بالتطورات الإقليمية الأخرى.

طوفان الأقصى
ما الذي حققته المقاومة بعملية «طوفان الأقصى»؟ وكيف تقرأ مستقبل فلسطين بعد ذلك؟
معركة «طوفان الأقصى» كسرت هيبة جيش الاحتلال الصهيوني نهائياً، وأعطت صورة للمجتمع الصهيوني بأن هذا الجيش هش، وأن المقاومة تستطيع أن تسحب الجندي من دباباته وهو لا يتجرأ أن يواجه المقاومين.
معركة «طوفان الأقصى» أعادت القضية الفلسطينية إلى الواجهة دولياً.
معركة «طوفان الأقصى» ما حققته من إنجازات عسكرية ما كنا نحلم به أن نشاهد هذا الجندي الصهيوني يُسحق بحذاء المقاومين وأن يدخل المقاومون إلى هذه المواقع وهذه المستوطنات.
معركة «طوفان الأقصى» عرّت الكيان الصهيوني، أكثر، أمام شعوب العالم من ناحية الجرائم وما يرتكبه ومن ناحية كشف حقيقة هذا الكيان.
«طوفان الأقصى» ليست فقط معركة عسكرية، بل كانت معركة متكاملة استطاعت المقاومة أن تحقق إنجازا عسكريا وإعلاميا وإنسانيا من خلال كشف حقيقة هذا الكيان وأن كل تركيبته هي هشة، إضافة إلى المشاكل والإشكاليات التي يعيشها.
من خلال كل هذه المعطيات ندرك أن القضية الفلسطينية عادت إلى الواجهة من خلال «طوفان الأقصى» التي أيضاً أثبتت أنه يمكن للمقاومة أن تنتصر ويمكن لهذا الكيان أن ينكسر من خلال تنفيذ عمليات نوعية ومن خلال التلاحم ما بين القوى الفلسطينية وما بين محور المقاومة.

سورية.. العمود الفقري
الأستاذ حسين مرتضى وُلد وترعرع في لبنان، لكنه في مشواره ونشاطه الإعلامي بدا سورياً أكثر من كونه لبنانياً، هل نستطيع معرفة السر وراء هذا الحب لسورية؟
صحيح أني لبناني الجنسية وكان لي الكثير من التغطيات الإعلامية في لبنان خصوصاً خلال عدوان 2006م، وكذلك الاجتياح الأمريكي للعراق والدخول إلى العراق في السنوات الماضية عندما كان الأمريكي موجودا، لكن كما تعرف سورية وما تمثله، أولاً، الحرب المفروضة على الشعب السوري كانت تفرض علينا أن نقف إلى جانب الدولة السورية والشعب السوري لكشف حقائق ما كانت تحاول أن تروج له الإدارة الأمريكية وبعض الدول العربية للأسف، طبيعة الهجوم كانت ليس فقط هجوما إرهابيا من خلال تفجيرات وعمليات، كان هجوما إعلاميا وتشويه حقائق وكان لزاماً علينا أن نتصدى كما تصدى المقاومون وعناصر الجيش العربي السوري والحلفاء، للإرهاب العسكري. كان واجبا علينا أن نتصدى للإرهاب الإعلامي لكشف حقيقة ما يجري في سورية. ونحن نعرف أن سورية بالنسبة لمحور المقاومة وخصوصاً المقاومة في فلسطين ولبنان، هي العمود الفقري لهذا المحور، الدعم اللوجستي، المعسكرات، ما تمتلكه المقاومة من صواريخ، الخط الذي يُمكن استخدامه، كل هذه القضايا وهذه الأمور كان لها التأثير الكبير في أن نكشف حقيقة ما يجري في سورية، والهجوم على سورية كان هجوم حرب عالمية، حرب من كل النواحي الإعلامية وغير الإعلامية. كان لي الحضور المباشر في سورية لتغطية كل سنوات الحرب العشر، وتعرضت لأكثر من إصابة وأصبح لزاماً علينا أن نستمر في حمل هذه الرسالة لكشف حقيقة ما يجري في سورية وما تمثله سورية.
وسورية بصراحة لم تقصر مع أحد، ولها دين في رقاب كل حركات المقاومة وكل الشعوب العربية، وخصوصاً في لبنان وفلسطين، طبعاً الدعم اللوجستي الأساسي من الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ولكن الأقرب إلى الحدود اللبنانية والفلسطينية هي سورية، ومازالت حتى الآن تدفع ثمن وقوفها إلى جانب القضية الفلسطينية وإلى جانب المقاومة في لبنان.