توني كارون - مجلة الأمة (the nation) الأمريكية
ترجمة خاصة:إياد الشرفـي / لا ميديا -

قد يبدو من السخافة الإشارة إلى أن مجموعة من المسلحين غير النظاميين الذين لا يتجاوز عددهم عشرة آلاف والمحاصرين وليس لديهم سوى القليل من القدرة على الوصول إلى الأسلحة المتقدمة يضاهي أحد أقوى الجيوش في العالم الذي تدعمه وتسلحه الولايات المتحدة الأمريكية، ومع ذلك فإن عددا متزايدا من المحللين الاستراتيجيين في المؤسسة العسكرية يحذرون من أن إسرائيل قد تخسر هذه الحرب على الفلسطينيين، على الرغم من عملياتها الكارثية التي أطلقتها منذ الهجوم الذي شنته حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، وبرغم معرفة الرد الإسرائيلي فإن لدى حماس العديد من الأسباب وهي: أهدافها السياسية، ويبدو أن كلا من إسرائيل وحماس تعملان على إعادة ضبط شروط التنافس السياسي ليس على الوضع الراهن قبل السابع من أكتوبر، بل على الوضع الذي كان قائما في العام 1948 وليس من الواضح ما سيحدث بعد ذلك، لكن لن تكون هناك عودة إلى الوضع السابق.
أدى الهجوم المفاجئ إلى تحييد المنشآت العسكرية الإسرائيلية وكسر بوابات أكبر سجن مفتوح في العالم وأدى إلى هياج مروع قتل فيه نحو 1200 إسرائيلي منهم 845 مدنيا على الأقل.
إن السهولة التي اخترقت بها حماس الخطوط الإسرائيلية حول قطاع غزة ذكرت الكثير بهجوم «تيت» عام 1968 في فيتنام ولكن ليس حرفياً، فهناك اختلافات شاسعة بين حرب التدخل الأمريكية في أرض بعيدة والحرب الإسرائيلية للدفاع عن احتلالها للأراضي في الداخل والتي يشنها جيش من المواطنين مدفوعا بإحساس بخطر وجودي، وبدلا من ذلك فإن فائدة هذه المقارنه تكمن في المنطق السياسي الذي يشكل هجوم «المتمردين».
في عام 1968 خسر الثوار الفيتناميون المعركة وضحوا بالكثير من البنية التحتية السياسية والعسكرية السرية التي بنوها بصبر على مدى سنوات، ومع ذلك كان هجوم «تيت» لحظة أساسية في هزيمة الولايات المتحدة وإن كان ذلك بتكلفة باهظة في أرواح الفيتناميين ومن خلال شن هجمات دراماتيكية رفيعة المستوى في وقت واحد على أكثر من 100 هدف في جميع أنحاء البلاد في يوم واحد، وقد حطمت العصابات الفيتنامية المسلحة بأسلحة خفيفة وهم النجاح الذي روجت له إدارة جونسون للشعب الأمريكي، لقد وضحت للأمريكيين أن الحرب التي ضحوا من أجلها بعشرات الآلاف من أبنائهم أمر لا يمكن التراجع عنه.
قامت القيادة الفيتنامية بقياس تأثير أعمالها العسكرية من خلال آثارها السياسية وليس من خلال التدابير العسكرية التقليدية مثل خسارة الرجال والعتاد أو اكتساب الأراضي، هكذا قال هنري كيسنجر عام 1969: «لقد خضنا حربا عسكرية وخاض خصومنا حربا سياسية، سعينا إلى الاستنزاف الجسدي وكان خصومنا يسعون إلى إنهاكنا نفسياً، وفي هذه العملية فقدنا رؤية أحد المبادئ الأساسية لحرب العصابات، حرب العصابات يفوز من لم يخسر، والجيش التقليدي يخسر إذا لم ينتصر».
هذا المنطق دفع جون ألترمان من مركز الدراسات الاستراتيجية في واشنطن إلى رؤية إسرائيل على أنها معرضة لخطر كبير في حال الخسارة أمام حماس.
إن مفهوم حماس للنصر العسكري يدور حول تحقيق نتائج سياسية طويلة المدى. إن حماس لا ترى النصر في عام واحد أو خمسة أعوام، بل من خلال الانخراط في عقود من النضال الذي يزيد من التضامن الفلسطيني ويزيد من عزلة إسرائيل، ومن خلال هذا السيناريو يحتشد الفلسطينيون؛ السكان المحاصرون في غزة حول حماس ويساعد في انهيار السلطة الفلسطينية في الضفة من خلال ضمان أن ينظر إليها الفلسطينيون على أنها ملحق ضعيف للسلطة العسكرية الإسرائيلية، وفي الوقت نفسه تبتعد الدول العربية بقوة عن التطبيع وينحاز العالم بقوة إلى القضية الفلسطينية وتتراجع أوروبا عن تجاوزات الجيش الإسرائيلي ويندلع جدل أمريكي حول إسرائيل مما يؤدي إلى انهيار الدعم الحزبي الذي تتمتع به إسرائيل هنا (في أمريكا) منذ أوائل السبعينيات، وقد كتب ألترمان إن حماس تسعى إلى استخدام قوة إسرائيل الأكبر بكثير لهزيمة إسرائيل، إن قوة إسرائيل تسمح لها بقتل الفلسطينيين وتدمير البنية التحتية الفلسطينية وتحدي الدعوات العالمية لضبط النفس، كل هذه العوامل تعزز أهداف حماس الحربية.
لقد تم تجاهل مثل هذه التحذيرات من قبل إدارة بايدن والقادة الغربيين الذين ترجع جذور احتضانهم غير المشروط لحرب إسرائيل إلى الوهم القائل بأن إسرائيل مجرد دولة غربية أخرى تمارس أعمالها بسلام قبل أن تتعرض لهجوم 7 أكتوبر. إنها حرب حقيقية وخيال مريح لأولئك الذين يفضلون تجنب الاعتراف بالواقع الذي شاركوا في خلقه.
عليكم أن تنسوا «الإخفاقات الاستخباراتية» لقد كان فشل إسرائيل في توقع السابع من أكتوبر بمثابة فشل سياسي في فهم العواقب المترتبة على نظام القمع الذي وصفته منظمات حقوق الإنسان الدولية والإسرائيلية الرائدة بـ«الفصل العنصري».
قبل عشرين عاماً حذر رئيس الكنيست الإسرائيلي السابق أفروم بورغ من حتمية ردود الفعل العنيفة.
وقد كتبت هيرالد تربيبون: «اتضح أن النضال الذي دام ألفي عام من أجل بقاء اليهود يعود إلى دولة المستوطنات التي تديرها زمرة غير أخلاقية من منتهكي القانون الفاسدين الذين لا يسمعون صوت مواطنيهم وأعدائهم على حد سواء، فالدولة التي تفتقر إلى العدالة لا يمكن أن تستمر».
وحتى لو خفض العرب رؤوسهم وابتلعوا عارهم وغضبهم إلى الأبد فلن ينجح الأمر، فالبنية الإسرائيلية التي تعتمد على القسوة البشرية سوف تنهار حتما.
إسرائيل بعد أن توقفت عن الاهتمام بالأطفال الفلسطينيين عليها ألا تتفاجأ عندما يأتون مغموسين بالكراهية ويفجرون أنفسهم في مراكز الهروب الإسرائيلية.
وحذر بورغ من أن إسرائيل قد تقتل ألفا من رجال حماس يوميا دون أن تحل شيئاً، لأن أعمال العنف التي تقوم بها إسرائيل سوف تكون مصدراً لتجديد صفوفهم. لقد تم تجاهل تحذيراته حتى بعد أن تم تبريرها عدة مرات، وهذا المنطق نفسه يطبق الآن على نسبة الدمار الذي يلحق بغزة، العنف الهيكلي الطاحن الذي توقعته إسرائيل جاء من معاناة الفلسطينيين في صمت، وتعني أن الأمن الإسرائيلي كان دائما وهميا.
لقد أكدت الأسابيع التي تلت السابع من أكتوبر أنه لا يمكن العودة إلى الوضع الذي كان قائما من قبل. ومن المرجح أن يكون هذا هو هدف حماس من شن هجماتها القاتلة وحتى قبل ذلك كان كثيرون في القيادة الإسرائيلية يدعون علنا إلى استكمال «النكبة»، أي التطهير العرقي لفلسطين، والآن تم تضخيم تلك الأصوات. وشهدت الهدنة المتفق عليها بين الجانبين إطلاق حماس سراح بعض الرهائن مقابل إطلاق سراح أسرى فلسطينيين محتجزين في السجون الإسرائيلية وزيادة في الإمدادات الإنسانية التي تدخل غزة، وعندما استأنفت إسرائيل هجومها العسكري وعادت حماس لإطلاق الصواريخ كان من الواضح أن حماس لم تهزم عسكرياً.
إن المذابح والدمار الشاملين اللذين أحدثتهما إسرائيل في غزة يشيران إلى نية لجعل القطاع غير صالح للسكن بالنسبة للفلسطينيين الذين يعيشون هناك ويبلغ عددهم 2.2 مليون نسمة والدفع باتجاه طردهم من خلال كارثة إنسانية مدبرة عسكرياً. والحقيقة أن تدبيرات الجيش الإسرائيلي تشير إلى أنه قضى حتى الآن على أقل من 15% من القوة القتالية التابعة لحماس وذلك في عملية أسفرت عن مقتل أكثر من 21 ألف فلسطيني من ضمنهم 8600 من الأطفال.
8 ديسمبر 2023