غازي المفلحي / لا ميديا -
في ظل غياب أي حلول رسمية من الحكومة لحل مشكلة العملة التالفة والممزقة التي اضطر المجتمع في مناطق السيادة الوطنية لتداولها وتَحمُل معاناة وخلافات ذلك التداول غير السلس، بدأ أصحاب المحلات التجارية الصغيرة بالبحث عن حلول غير قانونية وابتداع عملة خاصة بهم من فئة الـ»مائة ريال» والـ«خمسين ريالا»، على هيئة كروت موقعة ومختمة باسم تلك المحلات، في تطور للكوميديا السوداء التي يشهدها الواقع اليمني في كل جانب تتنصل حكومة الإنقاذ من اتخاذ أي خطوات لحل مشاكله.

غياب حكومي وعملة بديلة
عقب أشهر قليلة من العدوان العسكري والاقتصادي والمالي على اليمن، بدأت في الظهور عملة وطنية متهالكة جداً وتالفة وظيفياً من فئات (50 ريالا، و100 ريال، و200 ريال، و250 ريالا، و500 ريال).
وأصبحت تلك العملة من حينه ضمن المعاناة اليومية التي لا تنتهي للمواطنين اليمنيين، حيث يواجهون مشكلة في تسيير تعاملاتهم التجارية البسيطة بها.
ويعاني المواطنون وأصحاب المحلات وسائقو الباصات خلال تداول هذه العملة من نشوب نزاعات دائمة وجولات إقناع مستمرة.
وبسبب تلك المعاناة المرهقة التي لا تحتمل يومياً، ونظراً لأن فئة 100 ريال هي الأكثر أهمية لعمليات استعادة الفكة «الصرف» التي تتبقى من فئة ألف أو خمسمائة ريال عند الشراء من البقالات أو عند دفع أجرة الباصات قام بعض أصحاب البقالات والمحلات بطباعة كروت مغلفة تحمل صورة فئة الـ100 ريال مضافا إليها اسم صاحب البقالة وبعض الرموز أو التوقيعات لتثبت أنها خاصة بتلك البقالة، وتمنح تلك الكروت للمواطنين كعملة بديلة تثبت أنه يتبقى لهم مبالغ معينة عند أصحاب البقالات.
يقول ذاكر محمد وهو مالك بقالة صغيرة في العاصمة صنعاء إنه لا يكاد يمر يوم من دون أن يختلف أو يدخل في ملاسنات كلامية مع أحد المشترين من وراء النقود التالفة التي لا يريد أحد أن يأخذها، لذلك لجأ إلى طباعة كروت بمثابة السند يعطيها لزبائنه، خاصة الزبائن الدائمين والذين يترددون كل يوم على المحل.
وأوضح محمد أن هذه الكروت ليست نسخة من العملة الوطنية وإنما مجرد سندات في محاولة للتخفيف من مشكلة عدم توفر الأوراق المالية من الفئات الصغيرة «الفكة» للعملة الوطنية.

توقف الطباعة
كان البنك المركزي اليمني يستقبل قبل العدوان ما بين 50 و70 مليون ريال من النقود التالفة بشكل يومي، وقد جرى إتلاف 18 مليار ريال من أوراق العملة التالفة في عام 2013، وكان حينها يقوم البنك بطباعة أوراق نقدية بدلاً عن التالفة، لكن مع شن تحالف العدوان الأمريكي السعودي حربه على اليمن في أواخر مارس 2015 لم يعد البنك المركزي قادراً على ذلك، كما أن طباعة الأوراق النقدية اليمنية كانت تتم عبر شركات متخصصة في روسيا، وبعد نقل البنك المركزي إلى عدن، أصبحت تلك الشركات تطبع لصالح حكومة الفنادق بزعم أنها «الحكومة المعترف بها دولياً»، وأن البنك المركزي في عدن هو المخول بطلب طباعة أوراق العملة الوطنية اليمنية.
وعلاوة على ذلك، فإن استخدام اليمنيين السيئ للأوراق النقدية يُعجّل في تلف الجزء اليسير الذي مازال جيداً منها، وإن كان التعامل السيئ مع الأوراق المالية بمثابة سمة وطبع في حياة اليمنيين، إذ قلما تجد في اليمن، اليوم وسابقاً، من يتعامل مع الأوراق النقدية بشكل صحيح، ونادراً ما تجد ورقة عملة، ومن أي فئة كانت، سليمة وخالية من التشويه، حيث تجد أغلبها إما مكتوبا عليها رموزا وإشارات أو أسماء أو مجرد شخبطات أو كشف حساب أو طلبات البيت من الخضروات والفواكه، أو تجدها ممزقة من أطرافها أو مشقوقة، كما أن أوراق العملة الوطنية لدى اليمنيين لا توضع في المحافظ، بل يتم حشرها في الجيوب بما يؤدي إلى تضررها.

ورشات صيانة النقود
وفي ظاهرة غريبة ومضحكة ولكنها موجودة بشكل حقيقي، أصبح بعض المواطنين اليمنيين يعملون في صيانة الأوراق النقدية التالفة خاصة من فئة الـ500 ريال والـ1000 ريال، في ما قالوا إنها ورشات صيانة العملة الأولى في العالم.
ويجلس اليوم بعض المواطنين في الأسواق ومعهم (لصقات)، بالإضافة إلى كثير من بقايا العملة الممزقة التي تستخدم كقطع غيار ويقومون بتقديم خدمة إصلاح العملة المقطعة أو تلك التي فقد جزء منها، حيث يعملون على ترقيع العملات واستكمال النقص الحاصل في شكلها.
وأكثر من ذلك، أن بعض المواطنين اليمنيين يقومون بعملية غسل للأوراق النقدية بالماء والصابون ثم يتم تجفيفها، حتى يمكنهم التعامل بها مجدداً.

اتفاق ينهي الانقسام النقدي
من وجهة نظر بعض الاقتصاديين اليمنيين، فإن الحلول المتاحة لحل مشكلة العملة الممزقة بشكل رسمي هو إما إطلاق عملة وطنية إلكترونية أو حصول تسوية اقتصادية مع مرتزقة تحالف العدوان تنهي الانقسام النقدي والمالي في البلاد.
يقول الخبير الاقتصادي اليمني رشيد الحداد: «حل مشكلة العملة الممزقة، خاصة  الفئات الصغيرة (الفكة) منها، لن يتم دون اتفاق ينهي الانقسام النقدي والمالي بين مختلف الأطراف، ويمكن أن تسهم العملة الإلكترونية في حل جزء من هذه المشكلة بشكل مؤقت حتى يتم التعامل بها بشكل واسع».
ويضيف الحداد، أن «الكروت التي بدأ البعض في استخدامها للحد من إنهاء أزمة الفكة ليست عملة بديلة، وإنما أشبه بسندات تحمل اسم المحل التجاري يعترف فيها صاحب المحل بأنه يدين للزبون بمبلغ 100 أو 200 ريال.. ويتم إعطاؤه سلعة بذات القيمة في حال إعادة الكرت لغرض الشراء».

خيار العملة الإلكترونية
الاقتصادي اليمني عبده الصديعي يتفق مع الحداد في أن حل مشكلة العملة الوطنية التالفة هو العملة الإلكترونية، ويقول في حديثه لـ«لا»: «الحل لتخفيف مشكلة العملة الممزقة ونقص السيولة المالية خاصة في الفئات النقدية الصغيرة وعدم القدرة على سحب المتهالك منها وطباعة بديل لها هو دعم العملة الإلكترونية والريال الإلكتروني اليمني».
من وجهة نظر الصحفي أحمد الكبسي فإن مشكلة العملة اليمنية اليوم كبيرة ومعقدة بسبب انقسام الاقتصاد اليمني، وتواجد عملتين وورقتين نقديتين، واحدة صحيحة في مناطق السيادة الوطنية ولكن تالفة، وأخرى مزيفة بحسب تصريحات البنك المركزي في صنعاء لأنها طبعت من قبل سلطة غير شرعية تتبع الاحتلال الذي يستهدف الإضرار بالاقتصاد اليمني. وهذا باعتراف محافظ البنك المركزي في عدن الذي عينه الاحتلال والذي قال بأنه تم طبع كميات كبيرة جدا من الأوراق النقدية تفوق الاحتياج.
ويوضح الكبسي: بحسب تصريحات السلطة الوطنية في صنعاء ومحافظ البنك المركزي في صنعاء فمن المتوقع اللجوء إلى العملات الرقمية. ولكن من وجهة نظره، من الصعب جدا اللجوء إلى العملة الرقمية خصوصا مع ما كشف عنه مؤخرا من الحوالات المنسية أو غير المستلمة. وهو «الأمر كشف أن هناك عجزا كبيرا في البنية التشريعية في ما يخص التعاملات الإلكترونية المالية، وفي مكافحة عمليات النصب والاحتيال الإلكترونية بصورة مشرعنة أحيانا».
ويضيف: إذن نحن أمام تحد كبير، أولا علينا إيجاد البنية التشريعية، وثانيا التوعية، وثالثا الوصول إلى الناس، لأن هناك محدودية كبيرة في استخدام الإنترنت بين أفراد المجتمع.
ويؤكد الكبسي: نحتاج لمعالجة القضية بأفكار ذكية وخارج الصندوق، عن طريق دراسة المشكلة ودراسة الحلول، وما هي الفئة من المجتمع التي نحتاج الوصول إليها، وهل هذه الفئات تستخدم العملة الرقمية؟
ويختم الكبسي: العملة الرقمية معقدة في الغالب، وقد تحل جزءا من مشكلة العملة الوطنية التالفة ولكن لن تحل كامل المشكلة.

الريال الإلكتروني.. مشروع مجمد
في عام 2018 أقرت حكومة الإنقاذ في اجتماعها المنعقد في 25 مارس من ذاك العام إطلاق مشروع «الريال الإلكتروني» والبدء بالتشغيل التجريبي له من اليوم التالي للاجتماع الموافق 26 مارس ولمدة شهر، ومن ثم يتم إطلاق الخدمة للجمهور بعد التأكد من فاعلية النظام وتحديداً موظفي الدولة في السلكين المدني والعسكري، مع اعتماد نظام الريال موبايل الموجود في شركة «يمن موبايل» للاتصالات، وعلى أن تلتزم الشركة باستيعاب كافة الملاحظات المطروحة واستكمال الجوانب المالية وفقاً للسياسات المالية ومنشور البنك المركزي اليمني.
ورغم الإعلان الرسمي عن البدء بتشغيل المشروع قبل قرابة 5 سنوات فقد تأجل البدء به حتى اليوم دون إيضاح الأسباب وراء ذلك.