تعيش السعودية ومصر أزمة مفصلية في العلاقات، تطورت إلى  تراشق إعلامي يقوده مقربون من السلطات في كلا البلدين.
يبدو أن كرة ثلج التوتر بدأتها الأزمة الاقتصادية العنيفة التي تعيشها مصر، والتي أظهرتها تداعيات الحرب الروسية الأوكرانية إلى السطح، وأبرز تجلياتها انخفاض قيمة العملة المصرية إلى ما دون مستوى 30 جنيها مقابل الدولار، ولجوء مصر إلى صندوق النقد الدولي لطلب حزمة إنقاذ جديدة بقيمة 3 مليارات جنيه.
وبخلاف الأموال التي سيقدمها الصندوق والمؤسسات المانحة الدولية، أشار الاتفاق الثنائي بين القاهرة وصندوق النقد إلى أن باقي الفجوة التمويلية المصرية (حوالى 14 مليار دولار) سيتم سدها عن طريق «بيع الأصول المملوكة للدولة إلى صناديق الثروة السيادية الخليجية».
ترفض السعودية ودول الخليج، التي قدمت للنظام المصري ما يربو على 90 مليار دولار منذ وصول السيسي إلى السلطة في صيف 2013، بحسب مصادر البنك المركزي المصري التي أظهرت هذا الرقم للعلن عام 2019، ترفض أن تواصل سياسة المساعدات غير المشروطة، وهو ما أشار إليه وزير المالية السعودي، محمد الجدعان، في تصريح له في حزيران/ يونيو الماضي، حيث أكد أن «عصر المنح والمساعدات الاقتصادية ولّى»، وأن المملكة ستربط مساعداتها التمويلية بإجراء إصلاحات اقتصادية.
وأشار مراقبون إلى أن تصريحات الجدعان كانت رسالة إلى بعض دول المنطقة التي تعتمد على الدعم السعودي، وفي مقدمتها مصر ولبنان والأردن.
كان اتفاق صندوق النقد الأخير، وتململ السعودية الواضح من الالتزام بمواصلة تقديم المساعدات لمصر، هو ما أشعل شرارة التراشق الإعلامي بين الطرفين، وهو تراشق قاده على الجانب السعودي أكاديميان اثنان مقربان من الديوان الملكي، هما تركي الحمد وخالد الدخيل، اللذان وجها انتقادات لاذعة لتعامل مصر مع الملف الاقتصادي، محملين الجيش المصري، المسيطر الفعلي على الاقتصاد، المسؤولية عن تردي الأوضاع في البلاد.
وقال تركي الحمد في سلسلة تغريدات إن «مصر بواقعها الحالي، هي مصر البطالة والأزمات الاقتصادية والسياسية ومعضلات المجتمع وتقلباته الجذرية العنيفة».
وذكر في حديثه ثلاثة أسباب لتلك المشكلات تتعلق بـ«هيمنة الجيش المصري المتصاعدة على الدولة، وخاصة الاقتصاد، والبيروقراطية المصرية الهرمة المقاومة للتغيير، والثقافة الشعبية المستسلمة والمستكينة».
وبعد ذلك بأيام خرج كاتب سعودي آخر، وهو خالد الدخيل، ليتحدث عن الوضع السياسي والاقتصادي المصري.
وقال، في تغريدة عبر حسابه بموقع «تويتر»، إن «ما يحصل لمصر في السنوات الأخيرة يعود في جذره الأول إلى أنها لم تغادر عباءة العسكر منذ 1952».
وكتب: «مصر انكسرت في يونيو 67 وتبخر وهج 23 يوليو كما عرفه المصريون والعرب؛ لكن سيطرة الجيش على السلطة وعلى اقتصاد مصر لم يسمح ببديل سياسي اقتصادي مختلف».
غير أن السعودية لم تكتفِ بالرسائل الإعلامية على لسان كتابها؛ لكنها بدأت في التعبير عن ضيقها عبر رسائل دبلوماسية، لعل أبرزها غياب المملكة، مع الكويت، عن القمة الأخيرة التي استضافتها الإمارات في 19 كانون الثاني/ يناير المنصرم، وجمعت الرئيس المصري، السيسي، مع أمير قطر وملك البحرين وسلطان عمان وملك الأردن، وكان جزءا من جدولها هو بحث إغاثة مصر اقتصاديا.
وكان لافتا أن الغياب السعودي عن قمة أبوظبي كان هو الثاني، بعد غياب عن تجمع سابق في مدينة العلمين المصرية، في آب/ أغسطس من العام الماضي، وهو التجمع الذي ضم أيضا قادة الإمارات والبحرين والأردن والعراق.
في المقابل نشر الكاتب الصحفي رئيس تحرير صحيفة «الجمهورية» القومية الحكومية المصرية، عبدالرازق توفيق، الخميس الماضي، مقالا صحفيا تحت عنوان «الأشجار المثمرة وحجارة اللئام والأنذال»، تحدث فيه عن هجوم من سمّاهم بالأشقاء على الدولة المصرية.
هذه التصريحات السعودية - لاسيما تلك الناقدة للمؤسسة العسكرية المصرية - تشير وفق مراقبين, إلى مخطط أمريكي غربي يستهدف تفكيك مؤسسة الجيش المصري، وتدميره كأحد آخر الجيوش العربية، حتى يسهل تقسيم المنطقة من جديد، بعد تدمير الجيش العراقي، والحرب الكونية التي تشنها أمريكا على  سورية وجيشها العربي عبر أذرعتها وعصاباتها «الإرهابية» منذ 13 عاماً.
يبدو أن خدمات قاهرة السيسي في العدوان على اليمن وبيع جزيرتي تيران وصنافير للسعودية لم يشفع لها لدى بني سعود في ذروة أزمة أقتصادية تعيشها مصر.