تحرير وإعداد / علي عطروس / لا ميديا -

ثورة 14 أكتوبر نصف قرن من مطاردة الاستعمار
توطئة ثورية واستهلال انقلابي
58 سنة مرت منذ أن أشعل الثوار من جبال ردفان شرارة ثورة الاستقلال عن الاحتلال البريطاني لجنوب اليمن. شهدت تلك السنوات من المنعطفات التاريخية ما يستوجب الوقوف مع كل منعطفٍ فيها على حدة.. صراع جبهتي التحرير والقومية.. يوم الجلاء.. قرارات التأميم.. صراعات الرفاق.. حروب الشطرين.. إعلان الحزب الاشتراكي.. اتخاذ الاشتراكية العلمية أيديولوجيةً للدولة.. سجن الشعبي.. مقتل فيصل عبداللطيف.. قتل سالمين.. أحداث 13 يناير.. إعلان الوحدة.. حرب 1994.. القضية الجنوبية.. ثورة 2011.. ثورة 2014.. العدوان الأمريكي السعودي في 26 مارس 2015.. عودة الاحتلال الغربي للجنوب عبر أدوات الأعراب وبقفازات المرتزقة.. صمود وانتصار الجيش اليمني واللجان الشعبية ومسيرة تحرير كل شبرٍ من الجغرافيا المحتلة... كل هذه المحطات تحتاج إلى وقفات ومواقف وقراءات، إلا أننا في هذين الحيزين الزماني والمكاني سنعرج لا غير على ما قبل وبعض مخاضات ثورة الـ14 من أكتوبر، على أمل الوقوف على ما بعد في قادم المناسبات ومستقبل الذكريات.
«لا»

غاية الاستعمار تبرر وسيلة الاحتلال.. ميكيافيللي في عدن
منذ مطلع القرن الـ17 كانت السفن التجارية البريطانية التابعة لشركة الهند الشرقية تأتي إلى عدن بشكل مستمر نظراً لأهمية موقع المدينة ومينائها، وحاول الإنجليز مراراً تحويل الغرض التجاري لسفنهم إلى عسكري، غير أنهم فشلوا في ذلك رغم محاولاتهم المستميتة والمتكررة.
إلا أن الرغبات البريطانية الاستعمارية في التواجد في عدن ازدادت إلحاحاً وضرورةً لدى لندن مع تواجد الحملة الفرنسية بقيادة نابليون في مصر عام 1798م، وعلى إثرها أرسلت بريطانيا عام 1799م قوات عسكرية لحماية البحر الأحمر ومضيق باب المندب، ومن أجل ذلك تم احتلال جزيرة بريم (ميون) المطلة على خليج عدن.
في 1802م حصل البريطانيون من سلطان لحج على موافقة لفتح أبواب عدن أمام التجارة البريطانية، ومنذ ذلك الوقت تسلط الإنجليز على شؤون الموانئ اليمنية عموماً انطلاقاً من عدن حتى ميناء المخا الواقع في النفوذ والسيطرة.
وتعزز هذا التوجه في عهد الملكة فكتوريا التي هدفت إلى السيطرة على كامل الشاطئ الجنوبي لجزيرة العرب وعدن خصوصاً، بدءاً من إنشاء مستودع تجاري عام 1829م في المكلا، ثم احتلال سقطرى عام 1834م، وانتهاء باحتلال عدن عام 1839م.
جنحت سفينة «دريادولت» البريطانية قبالة ساحل مدينة «عدن» في 1837، وادعى الإنجليز بأن سكان عدن قد هاجموا السفينة ونهبوا حمولتها.
ودفع البريطانيون في مطلع يناير 1839 بقوة بحرية بقيادة «الكابتن هينس» لاحتلال المدينة بذريعة «حماية خطوط التجارة الدولية».
طلب الإنجليز من سلطان لحج تقديم تعويض للخسائر، ولم يتردد السلطان وقدّم حوالي 11 ألف ريال للكابتن هنس قائد الأسطول البريطاني، ولكن السلطات البريطانية كانت قد بيّتت الأمر باحتلال المدينة، فبدأت بمناوشات عسكرية للسفن اليمنية في خليج صيرة عام 1838، واستشهد وطنيون كُثر في تلك المناوشات، ثم ضرب حصار اقتصادي على المدينة، ثم البدء بقصفها بالنيران. ولم يكن مع المواطنين سوى 14 مدفعاً يقاومون بها الترسانة العسكرية البريطانية.
ولإسكات المدافع البريطانية قام الأهالي بعدد من العمليات الفدائية، لكنهم تراجعوا أمام الأسلحة الحديثة.. وفي 19 يناير 1839 سقطت عدن تحت الاحتلال الإنجليزي الذي استمر 128 سنة.

مستعمر انفصالي ومرتزق مناطقي
أقر المستعمرون الإنجليز لجنوب اليمن قانوناً في يونيو 1963م يقضي بأنه «على أن أي شخص يوافق أو يدفع الآخرين إلى التفكير بأن اتحاد الجنوب العربي يعتبر جزءاً من أية دولة أخرى يتعرض لعقوبة السجن لمدة لا تزيد عن سبع سنوات أو لغرامة لا تزيد عن 500 جنيه استرليني أو بكلتا العقوبتين...». 
وكان هذا القانون موجهاً إلى كل الذين يدعون إلى الوحدة مع الجمهورية العربية اليمنية.. كما أصدر الإنجليز قانوناً آخر «يمنع سكان الاتحاد من الانخراط في جيش أية دولة أخرى..»، والدولة المقصودة هنا هي الجمهورية العربية اليمنية.
ويعاود اليوم المحتل الأمريكي البريطاني بأدواته السعودية الإماراتية ومرتزقتهم في الجغرافيا المحتلة، ممارسة هكذا انفصالية ومناطقية وقروية بحق أبناء اليمن من كل مناطقه ونواحيه وجهاته، بطريقة ممنهجة ومتعمدة ومدروسة، في محاولة لإعادة تاريخ الاحتلال على الجغرافيا اليمنية من جديد.

الخونة يعيدون التاريخ
في أواخر يوليو 2021 أعلن الصهاينة من واشنطن ولندن وتل أبيب عن تعرض ناقلة النفط الإسرائيلية «ميرسر ستريت» لهجوم بطائرة مسيرة في بحر عُمان، ويعملون على استغلال مثل هكذا قصص لمحاولة إعادة التموضع عسكرياً واستعمارياً جنوب وشرق اليمن.
الحادثة -إن حصلت بالفعل- حدثت أمام السواحل العمانية وليس قبالة ساحل المهرة اليمنية، وبرغم ذلك تؤكد المصادر الغربية بما فيها صحيفة «ديلي إكسبرس» البريطانية، أن مجموعة من القوات الخاصة البريطانية مكونة من 40 عسكرياً من بينهم متخصصون في الاستخبارات الإلكترونية، جرى نقلهم جواً إلى مطار الغيضة بمحافظة المهرة (شرق اليمن).
كما ذكرت صحيفة «أنتي ديبلوماتيكو» الإيطالية أن التدخل العسكري البريطاني في اليمن جاء بناءً على مطالب إسرائيلية سعودية مشتركة، وأن الهدف الرئيسي من ذلك هو إنقاذ كل من الكيانين السعودي والصهيوني من الخطر اليمني، حسب تعبير الصحيفة التي تابعت: «السعودية تلقت هزيمة كبرى في اليمن وبحاجة الى مساعدة بريطانية، فيما «إسرائيل» تسعى لحماية سفنها من التهديدات الحوثية بطائرات دون طيار»، حد زعمها.
ودأبت وسائل الإعلام «المخابراتية» على الترويج لمثل هكذا حوادث طوال السنوات السابقة، ففي منتصف مايو 2021 أعلنت «هيئة عمليات التجارة البحرية البريطانية»، تعرض سفينة شحن تجارية لهجوم بالقرب من ميناء المكلا بمحافظة حضرموت، وفي مطلع ديسمبر 2020 قالت شركة «إمبري إنتليجينس» الاستخباراتية البحرية البريطانية إن سفينة شحن ترفع علم سيراليون تعرضت لهجوم في سواحل قشن بالمهرة، وزعمت قوات الاحتلال السعودي مطلع مارس 2020 إحباط هجوم استهدف ناقلة نفط في بحر العرب جنوب شرق ميناء نشطون الميناء الرئيسي لمحافظة المهرة، ليستخدم هذا الإعلان كذريعة للسيطرة على الميناء من قبل السعوديين، ليتم بعد ذلك عملية إنزال قوات بريطانية وأمريكية في نشطون.
وفي 13 يوليو 2021 وصلت قوات أمريكية إلى قاعدة العند الجوية بمحافظة لحج، بعد ساعات من وصولها مطار عدن قادمة من أفغانستان.
بالتزامن تناقلت وسائل الإعلام خبر إرسال الكيان الصهيوني غواصة وسفينتين حربيتين إلى البحر الأحمر تحت لافتة الذريعة ذاتها.
في المحصلة، فلا يحتاج الصهاينة الأمريكيون والبريطانيون والإسرائيليون إلى ذرائع للتغطية على هكذا تحركات عدوانية واستعمارية مكشوفة ومفضوحة بحق اليمن، وكل ما في الأمر أنهم قرروا -على ما يبدو- تجاوز فشل أدواتهم من السعوديين والإماراتيين ومرتزقتهم من شرعجيي ثالوث هادي- محسن - الإصلاح وانتقاليي مثلث الدوم، في تحقيق أهدافهم القذرة طوال سبع سنوات من العدوان على اليمن، ليضطروا إلى كشف سوءاتهم وسيئاتهم في محاولة بائسة لإعادة عقارب ساعة تاريخهم الإمبريالي إلى الخلف، وهي محاولة شبه انتحارية ستبوء بالفشل الاستراتيجي الذريع.

عدن.. عاصمة إليزابيث الثانية
طوال شهرين من العام 1954م قضت ملكة بريطانيا «إليزابيث الثانية» وزوجها الأمير الراحل «فيليب» أحلى أيام حياتهما في «عدن».. 
كان من المفترض أن يمكث العريسان في عدن شهراً واحداً فقط كشهرٍ للعسل، غير أن طيب المقام جعل الملكة تقرر تمديد الشهر إلى اثنين.. أقامت الملكة وزوجها في فندق «كريسنت» الذي تم إنشاؤه عام 1928م، بمدينة «التواهي» في عدن، ويُعدّ أول فندق على مستوى الجزيرة والخليج، ويحكى أن «إليزابيث» وخلال فترة إقامتها أرادت أن تصحو على صوت دقات ساعة «بيج بن»، فأمرت بإنشاء مبنى ساعة «بيج بن» أعلى جبل التواهي، لتشكل بذلك مع ساعتي «بيج بن» في لندن وفي كينيا ثلاثي ساعة «بيج بن».

يا ساحل أبيــــن بنــى العشـــاق فيــــك معبـــــد
يقال إن قابيل لمّا قتل هابيل خاف من أبيه آدم عليه السلام، ففرّ من أرض الهند إلى عدن، وأقام بجبل صيرة، ولما استوحش الإقامة بمفرده ظهر له إبليس اللعين ومعه شيء من آلات اللهو كالمزامير، فكان يسليه باستعمالها، فهو أول من استعمل ذلك على ما قيل.

كريتــر فوهة الاستقلال
مثلت عملية تحرير مدينة كريتر في الثاني من شهر يونيو 1967 التي نفذها الشهيد عبود ورفاقه، عامل إرباك للمخططات الاستعمارية، وحولت المستعمر من موقع الهجوم إلى الدفاع، وتوالت عمليات تحرير المناطق المحتلة ليجد الاحتلال نفسه مضطراً إلى الرضوخ لمطالب الثوار والقبول بالتفاوض على الاستقلال، لتعلن الجبهة القومية أسماء وفدها لمفاوضات جنيف، والذي قام بمفاوضة الإنجليز على السيادة والاستقلال ومستقبل جنوب اليمن الحر.
وترأس وفد مفاوضات الاستقلال قحطان محمد الشعبي، 
وبعضوية كلٍ من سيف أحمد الضالعي، فيصل عبداللطيف، عبدالفتاح إسماعيل، خالد محمد عبدالعزيز، عبدالله صالح عولقي، ومحمد أحمد البيشي.. فيما ترأس الوفد البريطاني اللورد شاكلتون.
واستمرت المفاوضات من 21 حتى 29 نوفمبر 1967، وتم التوقيع على اتفاقية تضمنت 17 بنداً، ونصت البنود الثلاثة الأولى على:
1. ينال الجنوب العربي الاستقلال في الـ30 من شهر نوفمبر 1967.
2. في يوم الاستقلال جميع الولايات المنتهي احتلالها سوف تُعرف بـ»جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية».
3. ستقوم حكومة صاحبة الجلالة بخطواتها في الجلاء وإنهاء احتلالها مع سحب قواتها في يوم الاستقلال.
وبعد انتهاء المفاوضات تحرك الوفد عائدا إلى عدن متوقفا لثلاث ساعات في القاهرة لمقابلة الرئيس المصري جمال عبدالناصر الذي كانت بلاده أول دولة تعترف بالجمهورية الوليدة. وقد مثل استقلال الجنوب للعرب عموماً ولمصر عبدالناصر خصوصاً رد اعتبارٍ عظيماً لهزيمة حزيران يونيو 1967، ولانقلاب نوفمبر 1967م في صنعاء.

سلطنات جنوب لندن وشرق ويلز
 كانت عدن وهي مستعمرة للتاج البريطاني مؤلفة من ميناء عدن ومدينة الشيخ عثمان المجاورة وجزيرة بريم الواقعة على بعد 100 ميل غرب مدخل البحر الحمر، إضافة إلى أرخبيل جزر كوريا موريا (سلمته بريطانيا لعُمان قبل رحيلها من عدن) والذي يبعد عن عدن 800 ميل إلى الشرق. وكانت مستعمرة عدن ذات مساحة تبلغ 108 أميال مربعة، ويسكنها 138.000 نسمة، حسب تعداد عام 1957م.
ويساعد الحاكم البريطاني في عدن مجلس تنفيذي استشاري ومجلس تشريعي منتخب جزئياً. أما المحميات فقد كانت مساحتها تبلغ 112.000 ميل مربع، بينما كان عدد سكانها 650.000 نسمة في 1957، مقسمة إدارياً إلى محميات شرقية ومحميات غربية لديها معاهدات حماية مع التاج البريطاني تتنازل بموجبها عن السيادة الخارجية مقابل مبالغ مالية تمنحها لندن للسلاطين.
فقد فتح الإنجليز قائمة اعتمادات رواتب شهرية ومنح سنوية، ومخصصات أخرى. واحتوت القائمة على 25 اسماً لسلاطين ومشائخ تبدأ باسم سلطان لحج، الذي كان يستلم 1082 روبية، بينما لم تتعد رواتب الـ24 الآخرين 400 روبية. ووقعت بريطانيا مع أولئك السلاطين والمشائخ 70 معاهدة متنوعة في مضمونها كانت اتفاقيات حماية.

مليشيات «البوب جي» وجـيوش «الليـوي»
عمل الاستعمار البريطاني على تطويع سكان المناطق المحتلة بطرق عدة، أهمها العسكرية، والتي لم يكتف خلالها بجحافله وبارجاته، فاخترع مليشياته الخائنة والعميلة على امتداد محمياته ومستعمراته في الجنوب المحتل وبأسماء مخاتلة مثل الجيش الاتحادي وجيش الليوي... وغيرهما، وذلك بهدف تنفيذ مخططاته الاستعمارية وإن بقفازاتٍ محلية.
اليوم يتكرر المشهد تماماً، حيث تتجدد المعارك العنيفة بين مليشيات أبوظبي وأدوات الرياض، بين كل فترةٍ وأخرى، على امتداد خطوط طول أوهام محمد بن زايد وعرض أحلام محمد بن سلمان المتوازية عدواناً وحروباً والمتقاطعة أطماعاً ورغبات والمتقاسمة محافظات الجنوب اليمني المحتل مستعمراتٍ ومرتزقة.
على سطح ما يجري في تلك المحافظات تطفو خطابات الشرعجيين وبيانات الانتقاليين فقاعات فراغية تحمل داخلها الأدعياء الأعداء، أما في العمق فما يحدث لا يعدو كونه اقتتالاً بالأمر المباشر من قبل ضباط التحويلة السعوإماراتيين وبالوكالة المباشرة لصالح دول تحالف الاحتلال السعودية والإمارات.
جيوش "الليوي" الخنفشارية تلك والتي تقتتل تحت رايات مخادعة وخادعة، لا تنفك قياداتها الافتراضية المتقابلة على الشات وفي الشاشات تتبادل الاتهامات والشتائم الفيسبوكية، فيما يستمر قادتها الميدانيون في حصد رؤوس خصوم "البوبجي"، وفي حصر جثث العدو الملقاة في خنادق اللابتوب وبين فراغات التاب.
ومن طور الباحة إلى لودر إلى عتق إلى شِحِن... يتوزع سلاطين الغفلة على كانتونات كرتونية تلفها خيوط الاستعمار النجدي، وتلتف حولها حبال الاحتلال الإماراتي، وبين أصابع ضابطٍ إنجليزي تنتهي كل الخيوط والحبال تلك.

بندر عدن.. ميناء العالم
طور البريطانيون عدن كمحطة على الطريق إلى الهند، وقد حولوها عام 1853 إلى ميناء حر. وتحول ميناء عدن تدريجيا إلى أحد أهم موانئ العالم وفقاً لأهمية موقعه وبناءً على المصلحة الاستعمارية منه قبل أن تتحول هذه المصلحة باتجاه منابع النفط والغاز في مستعمرات الخليج ومستوطناتها.
وكانت عدن تستمد ازدهارها من أربعة مصادر رئيسية: تجارة السلع مع اليمن الشمالي والداخل اليمني الجنوبي وتسهيلات الرسو والشحن للسفن العابرة والصناعة والقاعدة البريطانية.
كما كانت 80T53; من تجارة اليمن الشمالي تمر من عدن حتى عام 1961 عندما جرى توسيع ميناء الحديدة. وكانت أهم صادرات وواردات ميناء عدن من البترول والمنتجات النفطية التي يجري توريدها إلى مصفاة عدن التي تم إنشاؤها في 1958، ثم يعاد تصديرها مباشرة أو بيعها للسفن الراسية في الميناء.

ديمغـــرافيــــة عــــدن المحتلـــة
في كتابه "المجتمع والسياسة في الجزيرة العربية" يتحدث ألفرد هاليداي بأن أول تعداد سكاني في عدن أجري العام 1955، وكان هو الإحصاء الوحيد فترة الاستعمار، وأظهر الأصول المختلفة للناس الذين قدموا إلى عدن.
وقد انعكست هذه الأصول العرقية المختلفة في شكل فئات اجتماعية متفاوتة وفي أنماط سكانية مختلفة. الأوروبيون الذين يسكنون حي التواهي وحي خورمكسر ظلوا مسيطرين سياسياً دون منازع حتى انتخابات 1955 عندما ضموا بعض التجار العرب إليهم. أما الهنود فكانوا تجاراً وموظفين حكوميين لهم الأفضلية عند البريطانيين، وكانوا يقفون في منزلة وسطى بين السلطة الاستعمارية والسكان المحليين.
أما اليمنيون الشماليون الذين يعيشون في كريتر والشيخ عثمان فقد كانوا عمالا يعملون في البناء والميناء. وأما الصوماليون فقد كانوا أكثر القطاعات السكانية اضطهاداً، إذ كانوا يعيشون في أكواخ على جانبي تلال حي كريتر، ويؤدون أحقر الأعمال. وكان هناك 7300 يهودي في عدن حتى العام 1946 يشتغلون بالتجارة وليس لهم أي نشاط في الإدارة الرسمية إلى أن رحلوا إلى أرض فلسطين المحتلة بين عامي 1947 و1948.
إلا أن هاليداي أغفل في ما نقله من هذا الإحصاء نقطة هامة جداً وهي أن هذا التعداد استعماريٌ بحت، وبني على رغبة المحتل وتوجيهاته ولتحقيق مصالحه، حيث أغفل أن الكثير من اليمنيين لم يتم إحصاؤهم لأسبابٍ استعمارية وبداعي عدم حصولهم على الجنسية المسماة "مخلقة عدن".