حاوره: مروان أنعم / لا ميديا -
عقب معركة «سيف القدس» أصبحت الأنظار كلها تتجه إلى حركات وفصائل المقاومة الفلسطينية التي تخطو بثبات نحو طمس أساطير التفوق العسكري للعدو الصهيوني، وتحقيق قوة ردع حقيقية وقواعد اشتباك جديدة كسرت الهيمنة الأمنية والعسكرية لقوات الاحتلال، وأحدثت زلزالاً في أوساط جيش الاحتلال، فالمقاومة الفلسطينية وبمساندة دول محور المقاومة حققت أهدافاً عسكرية وسياسية هامة، وظهرت في أحسن حالاتها على مستوى وجع العدو من الخسائر الفادحة في الأرواح والاقتصاد المتكئ على نظرية أمنية تقوم على منع وصول أي تهديد محتمل للأراضي المحتلة.
صحيفة «لا» وضمن لقاءاتها وحواراتها مع ممثلي حركات المقاومة الفلسطينية في العاصمة صنعاء، أجرت حواراً مع ممثل حركة الجهاد الإسلامي، أحمد بركة، وفي ما يلي نص الحوار. 

أهمية المواجهة الأخيرة
 ما هي المتغيرات الجديدة التي فرضتها المقاومة الفلسطينية على العدو الصهيوني؟
 الانتصار الأخير في معركة «سيف القدس» يعتبر معلما من معالم الصراع مع العدو الصهيوني، فقد كانت هناك مواجهات سابقة مع كيان العدو وكانت تتوج بنصر، ونحن في المقاومة الفلسطينية نقيس مستوى ذلك النصر داخليا وخارجياً، أما الجولة الأخيرة فقد كانت تحمل العديد من المتغيرات، منها أن المقاومة وللمرة الأولى هي من قامت بإطلاق الرصاصة الأولى، ثانيا: أن المقاومة الفلسطينية خرجت للمواجهة من أجل القدس، وهذه تعتبر من المتغيرات الجديدة أيضاً، التي فرضتها حركات المقاومة الفلسطينية، فهناك ممارسات عدوانية بشعة يقوم بها كيان الاحتلال في القدس من تدنيس المقدسات واعتقال المواطنين وتهجيرهم من منازلهم وهدمها، فكان لا بد من التحرك لنصرة القدس الشريف، وهذا ما أعطى المواجهة الأخيرة هذا الزخم من الأهمية.

العدو فشل في تحقيق أهدافه
  كيف يمكن أن تنعكس تلك المعركة ضمن إطار المواجهة مع العدو الصهيوني؟
 نحن في حركات المقاومة نستطيع أن نقول بأننا قد وصلنا إلى مرحلة إيلام وإيجاع العدو، فالعدو كان له بنك أهداف عند بدء هذه المواجهة، يتمثل في القضاء على المقاومة ورموزها وقياداتها، بالإضافة إلى ضرب وتدمير سلاح المقاومة وضرب شبكة الأنفاق، ولكن لم يتحقق للعدو مراده وما سعى من أجله، لينعكس ذلك في هستيريا مهاجمته للأحياء السكنية وتدمير منازل وبيوت المواطنين واستشهاد الكثير من المدنيين، في الوقت الذي لم يتمكن فيه العدو من استهداف قيادات ورجال المقاومة.
في حقيقة الأمر، نحن ننظر إلى العدو الصهيوني أنه بناء وكيان هش يتلقى الدعم من عدة دول وكيانات لتجعل هذا البناء قائماً، ونحن في حركات المقاومة نضرب في كل مواجهة جزءاً من أركان هذا البناء حتى ينهدم بالكلية في إطار معركة الأمة.
بالإضافة إلى أن معركة «سيف القدس» منحتنا ومنحت محور المقاومة بشكل عام أهمية وقيمة استراتيجية كبيرة جداً، وأصبح محور المقاومة اليوم يتحدث عن مواجهة ومعركة كبيرة وشاملة مع الكيان الصهيوني، بخاصة إذا كان الأمر يتعلق بالمسجد الأقصى والقدس، وهذا ما ذكره السيد حسن نصر الله، في خطابه الأخير، وكذلك ما أكده السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي في كلمته الأخيرة، وبالتالي فنحن نرى أن محور المقاومة بات يشكل اليوم وحدة متكاملة ومتناسقة في مواجهة العدو، وحركات المقاومة الفلسطينية ترى في دول محور المقاومة السند والعون الحقيقي للوضع الداخلي الفلسطيني.

دعم اليمن وصل مباشرة إلى المقاومة الفلسطينية
  هل تم تثمين الدعم الذي قدمته دول محور المقاومة للقضية الفلسطينية وفصائل المقاومة الفلسطينية؟ 
 من المؤكد أن المقاومة الفلسطينية تحظى بدعم واهتمام دول محور المقاومة التي لها أدوار فاعلة وكبيرة جداً في الوقوف في صف القضية الفلسطينية ودعم فصائل المقاومة بأشكال متنوعة، فعلى سبيل المثال وفرت إيران لحركات المقاومة الفلسطينية، السلاح الذي كان يأتي إلى قطاع غزة عبر مسارات وطرق برية صعبة وليست بالهينة، وعندما أصبح هناك حصار خانق على قطاع غزة، تم تدريب المقاومين على تصنيع الأسلحة بأنفسهم، فالمقاوم الفلسطيني بات اليوم قادراً على صنع سلاحه بنفسه، والسلاح الذي استخدمته المقاومة مؤخراً كان جزءاً يسيراً مما تمتلكه، ونستطيع أن نقول وبوضوح إنه قد تم تعويض كافة الأسلحة والصواريخ التي تم إطلاقها على كيان العدو، وهذا كله يعود إلى دعم محور المقاومة.
ثانياً: الدعم المالي، وهذا ما نلمسه هنا في اليمن الذي يعتبر أهم ركائز هذا المحور، فالسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي ومن خلال دعوته الحرة والشجاعة إلى دعم وتمكين الشعب الفلسطيني وفصائل المقاومة من امتلاك سلاح للدفاع عنها، تلك الدعوة القوية التي لا يجرؤ عليها أحد من حكام المنطقة، فجميع الأنظمة العربية إذا أرادت أن تدعم الشعب الفلسطيني فإن ذلك الدعم يأتي عبر أمريكا أو العدو الصهيوني، ولكن في اليمن جاء الدعم مباشرة إلى حركات المقاومة الفلسطينية بكل وضوح من خلال دعوة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي للشعب اليمني إلى التبرع للمقاومة، ونحن ننظر لهذه الدعوة الكريمة بالكثير من الاحترام والتقدير.
فالمعركة الأخيرة قربت فلسطين وحركات المقاومة من محور المقاومة وقربت محور المقاومة من فلسطين.

ثمار سياسية كبيرة للمعركة
  كيف انعكست الانتصارات التي حققتها المقاومة على الصعيد السياسي؟
 أي عمل عسكري لا بد أن يقطف ثماره سياسياً كي لا يذهب الجهد العسكري أدراج الرياح، ونحن لو رأينا بعد ساعات من المواجهة الأخيرة، بدأت الاتصالات تنهال على فصائل المقاومة من عدة بلدان من أجل الوساطة والتهدئة وعودة الهدوء، لاسيما من مصر وقطر ودول الاتحاد الأوروبي، بالإضافة إلى الاتصالات من الولايات المتحدة الأمريكية والتي كانت تأتي عبر الوسيط المصري، من أجل العودة إلى الوضع السابق ووقف العمليات وفرض التهدئة، وقد طرحت المقاومة مجموعة من الشروط المختلفة عن الاتفاقات السابقة والتي كانت تتمثل سابقاً في توسيع مساحة الصيد أمام الصيادين في غزة، وفتح المعابر لإدخال الغذاء والوقود وإعطاء حرية التنقل للفلسطينيين، أما الآن فقد زدنا على تلك الشروط السابقة مجموعة أخرى من الاشتراطات، منها: عدم تدنيس القدس ومنح المصلين والأهالي مساحة لأداء صلواتهم في المسجد الأقصى دون عوائق، وعدم تدنيس المسجد الأقصى من قطعان المستوطنين ووقف عمليات الاعتداء وتهجير المواطنين الفلسطينيين من منازلهم، ولذلك فنحن نعتبر أنفسنا قد حققنا ثماراً سياسية كبيرة جدا للعملية العسكرية، بالرغم من أن العدو الصهيوني مايزال يماطل الاتفاق، ونحن قلناها للدول التي تدخلت في الوساطات ووقف التصعيد، بأن العدو الصهيوني إذا عاد إلى ما كان عليه فإننا لن نتردد في ضرب عمق الكيان المحتل.

دور مصري ناقص
  كيف تنظرون إلى مساعي الوساطات والتدخلات التي جاءت عقب انتصار المقاومة الفلسطينية وفرضها واقعاً جديداً للصراع مع العدو الصهيوني؟ 
 مصر وبحكم وجودها بالقرب من قطاع غزة هي تشعر حقيقةً بأنها واقعة في ورطة، وأن حدوث أي خلل في قطاع غزة قد يؤثر عليها، وهي تريد أن تكون حدودها الشرقية معنا آمنة ومستقرة، بخاصة أن لديها مشاكل كبيرة مع التنظيمات الإرهابية في سيناء، وهي تخشى أن ينشط ذلك «الإرهاب» من خلال التركيز الدولي وانشغال العالم بما يحدث في غزة، وهناك ضغوط كبيرة أيضاً على مصر من الولايات المتحدة الأمريكية بألا يكون هناك حالة من «الفوضى» كما يسمونها في قطاع غزة، وهم يريدون أن يكون الملف الفلسطيني بيدهم وليس بيد دول أخرى كقطر مثلاً، التي تقدم المال وتحاول أن يكون لها تأثير كبير، والمصريون يتحدثون دوماً عن رغبتهم في إنقاذ الشعب الفلسطيني، ونحن نقدر هذا الشيء، لكن على الأقل يجب على مصر أن يكون لها موقف حازم من نقض العدو الصهيوني للاتفاقات التي تمت عبرهم، وألا يتركوا العدو الصهيوني يفعل ما يشاء، وعلى الأقل كان يجب سحب السفير المصري من عاصمة العدو ويرحل السفير الصهيوني من القاهرة.
مؤخراً تبرعت مصر بـ500 مليون دولار، ونحن نقدرهم ونشكرهم على هذا الدعم، وهناك من يتحدث أن الإمارات هي التي دفعت هذا المبلغ عبر مصر، ونحن لا نريد أن نتحامل عليهم كثيراً، وهم دخلوا إلى القطاع خلال الأسابيع الماضية لإزالة ركام ما خلفه القصف الصهيوني على قطاع غزة.

استفدنا كثيراً من المتغير الثوري اليمني
  ما هي نظرتكم إلى المتغير اليمني الجديد ودوره في خدمة القضية الفلسطينية؟
 اليمن تاريخياً تقف مع الشعب الفلسطيني والشعب اليمني مناصر وبقوة للقضية الفلسطينية ولها مكانة خاصة في عقول وقلوب اليمنيين، ولكن المتغير الثوري اليمني الجديد أحدث انقلاباً جديداً للأفضل، فالقضية الفلسطينية كان ينظر لها سابقاً أنها ملف أمني يوضع داخل درج المخابرات ويتم التعامل معها على هذا الأساس، بالإضافة إلى دعم الحق الفلسطيني في المحافل الدولية، أما الآن فإن اليمن تعيش ذات الظروف التي يعيشها الشعب الفلسطيني من عدوان وحصار ظالم، وأخذ أشكالاً عدة في قتل الشعب اليمني وتدمير مقدراته، وبطبيعة هذا الشعب العظيم المحب للسلام كان له رد قوي وشجاع على هذا الظلم ومواجهة الدول المعتدية، وأصبح اليوم له اليد الطولى في إيلام الدول المعتدية، ونحن في المقاومة الفلسطينية استفدنا كثيراً من المتغير الثوري في اليمن على نطاق الحركات الفلسطينية، فالحديث في اليمن عن جمع الأموال ليس من أجل إطعام الشعب الفلسطيني، ولكن من أجل تسليح المقاومة الفلسطينية وتمكين الشعب الفلسطيني من الدفاع عن نفسه، وهذا لم يكن موجوداً سابقاً، وكلام السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي بمساندة الشعب الفلسطيني ودعمه، يقصد بها وبوضوح تسليح الشعب الفلسطيني، ونحن نفهم أن الأسلحة والصواريخ اليمنية ستكون قريباً في الداخل المحتل، وقريباً جدا قد تكون هناك حملة لإعلان الجهاد وتحرير فلسطين كما قال السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي.

إضافة كبيرة لـ«المحور»
  ما هي الإضافة التي قدمها المتغير الثوري في اليمن إلى دول محور المقاومة؟
 اليمن هو بذاته يمثل إضافة كبيرة إلى دول محور المقاومة، فرغم بعد الجغرافيا ما بين اليمن وفلسطين إلا أننا نجد اليمن أقرب لفلسطين من الكثير من دول الجوار، فوحدة الموقف والقضية وأهمية ما سيفعله اليمن بعد أن تضع الحرب أوزارها ويرتب اليمنيون أوراقهم، أنا أعتقد أن اليمن ستكون لها دور كبير وكبير جداً وهام في الوضع الداخلي الفلسطيني أكثر بكثير من الدول التي ارتبط اسمها زوراً وبهتاناً باسم فلسطين.
فالشعب الفلسطيني يقدر جداً الدور اليمني وينظر إليه بالكثير من الإعجاب، خصوصاً وأن اليمن واقع تحت عدوان ظالم، ومع ذلك يخرج بمئات الآلاف لنصرة القضية الفلسطينية، وينفذون حملة تبرعات بكرم وجود غير مستغرب على الشعب اليمني، واليوم الشعب اليمني وعقب ثورة 21 أيلول/ سبتمبر أصبح يمتلك قراره، ويتحرك من منطلق مصالحه ومصالح الأمة الكبيرة وعلى رأسها القضية الفلسطينية.