طلال سفيان / لا ميديا -
مرت مراحل المقاطعة العربية، ومعها الكثير من الدولة الإسلامية، وبالذات الجمهورية الإيرانية الإسلامية منذ اتقاد شعلة ثورة 1979، بشكل طويل مع رفض إيجاد قدم لدولة الكيان الصهيوني المغتصب لفلسطين ومن كافة الأوجه، ليبقى الرهان على رفض أنظمة المقاومة والشعوب الحُرة للاحتلال الصهيوني وكل ما ينتج عنه، وتكون فلسطين هي البوصلة دوماً.

رياضياً، قاطعت قوى المقاومة والممانعة لوجود "إسرائيل" أي أنشطة رياضية يشارك فيها الكيان المحتل، مسنودة بالرفض الشعبي والنفسي لشعوب دول المنطقة. ومنذ عام 1948 وإعلان المقاطعة العربية لهذا الكيان الذي نشأ على القتل واغتصاب الأراضي، كانت العديد من البطولات الرياضية تقام باسم "فلسطين، القدس، الأقصى"، وماتزال الكرة تركل في ملاعب اليمن وسورية وإيران والعراق والجزائر وتونس في مناسبات رسمية وشعبية.  
عام 1972، تم تأسيس "كأس فلسطين" بمبادرة من سعيد السبع، رئيس المجلس الأعلى لرعاية الشباب الفلسطيني. كان الهدف من المبادرة إثبات الانتماء والدعم العربي للقضية الفلسطينية عبر استحداث بطولة عربية جديدة تعيد لم الشمل العربي رياضياً، وتكون بديلة عن بطولة كأس العرب لكرة القدم التي توقفت اعتباراً من الدورة الثالثة. تم تنظيم النسخة الأولى من "كأس فلسطين" في العاصمة العراقية بغداد في يناير 1972 بمشاركة تسع دول عربية، وفازت مصر بلقب هذه النسخة على البلد المنظم في النهائي.
النسخة الثانية تم تنظيمها في العاصمة الليبية طرابلس عام 1973، وفازت تونس باللقب، بقيادة محيي الدين هبيطة (الذي سمي ببيليه العرب) الذي سجل 6 أهداف ومحمد علي عقيد (6 أهداف).
واستضافت تونس النسخة الثالثة عام 1975، وفازت مصر بلقب تلك النسخة الأخيرة.
وكان من المقرر أن تستضيف السعودية النسخة الرابعة في 1977، ولكن المملكة ألغت المسابقة، ليتم إعادة كأس العرب إلى عهدها السابق في 1985، وبقيت كأس فلسطين تقام للمنتخبات الشابة حتى نهاية الثمانينيات.
وإذا ذكر التطبيع الرياضي، يجب أن نذكر ما فعلته الكويت لإخراج الاتحاد "الإسرائيلي" لكرة القدم من الاتحاد الآسيوي للعبة، يوم أن كان النائب الكويتي أحمد السعدون رئيساً للاتحاد الكويتي لكرة القدم عام 1976، وتقدّم باسم الاتحاد بمشروع قرار لطرد دولة الاحتلال "الإسرائيلي" من الاتحاد الآسيوي لكرة القدم، وقد نجح في ذلك بمساندة ماليزيا التي كانت تستضيف المؤتمر السابع للاتحاد الآسيوي ذلك العام، مما جعل الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يُعدل نظامه الأساسي حتى يتم قبول منتخب الاحتلال "الإسرائيلي" ضمنه.

رسالة من وسط الملعب
العديد من الرياضيين العرب رفضوا أن تكون ممارستهم للرياضة وسعيهم للفوز بالبطولات مُبرراً للتطبيع مع الاحتلال "الإسرائيلي" من خلال مواجهة ممثليه في مختلف المحافل الرياضية، مقاطعة مازالت مستمرة وبقوة، وحالات كثيرة نستعرض فقط أبرزها جرت على العشب الأخضر والمضمار وأخرى:
 خلال حقبات الخمسينيات وحتى الثمانينيات، قاطعت وسائل الإعلام العربية إعلانات "كوكا كولا" و"ماكدونالد" وغيرها من المنتجات التابعة للوكالات اليهودية التي كانت تلعب بها الأندية الأوروبية، بالامتناع عن نشر الصور أو بث مبارياتها.
 عام 1982، وعند استضافة إسبانيا لنهائيات كأس العالم لكرة القدم، قاطعت الإذاعات والتلفزيونات العربية نقل وبث اللقاء الافتتاحي للمونديال بسبب إسناد الفيفا إدارة اللقاء لحكم "إسرائيلي".
 رفض الحكم التونسي محمد علي الشريف إدارة مباراة أحد أطرافها رياضي من "إسرائيل" ضمن بطولة العالم للكاراتيه في إسبانيا، وتعرض للمساءلة من الاتحاد الدولي للكاراتيه ومنع من التحكيم لاحقا، لكنه قال إن هذا الامتناع جاء عن قناعة خالصة عنده بالامتناع عن التطبيع مع الكيان الصهيوني.
 اللاعبة التونسية في رياضة المبارزة بالسيف عزة بسباس رفضت اللعب أمام اللاعبة "الإسرائيلية" ناعومي ميلس في مباراة الدور النهائي لمونديال كاتانيا للمبارزة عام 2011، فوقفت على الحلبة دون أي حركة أمام لاعبة الكيان الصهيوني في الدور النهائي، كإعلان واضح عن مقاطعة المبارزة، ولتتجنب في الوقت نفسه أي قرار من الحكام قد يدينها ويحرمها من المشاركة في مباريات أخرى بسبب المقاطعة. 
 عام 2012، أحرز المنتخب الكويتي لطاولة ذوي الاحتياجات الخاصّة ميداليتين برونزيتين في بطولة رومانيا الدولية المفتوحة لتنس الطاولة لذوي الاحتياجات الخاصة، لكن لاعب المنتخب عوض الحربي استُبعد من البطولة بعد أن رفض لقاء منافسه "الإسرائيلي" في نصف النهائي للمسابقة، رغم أن الفرصة كانت مُتاحة أمامه للحصول على إحدى الميداليات الملونة.
قال الحربي يومها في حديث لوكالة الأنباء الكويتية: "انسحابي رسالة أود تقديمها إلى الأمة العربية والإسلامية، بأنه لا يمكن أن أشارك من يصافح بيد ويطعن باليد الأخرى"، وهذا تضامن واضح مع القضية الفلسطينية العادلة.
 بطلة الجودو الجزائرية مريم بن موسى، رفضت مواجهة اللاعبة "الإسرائيلية" شاحر ليفي، في وزن 52 كيلوغراماً، ضمن بطولة العالم للجودو، التي أقيمت في العاصمة الإيطالية روما عام 2011، وكانت ستؤهلها لأولمبياد لندن 2012، فضحت بفرصتها في التأهل للأولمبياد رفضاً للاحتلال وممارساته الوحشية ضد الشعب الفلسطيني.
 البطل الليبي في لعبة الجودو محمد الكويسح، فضَّل الانسحاب من بطولة العالم للجودو التي أقيمت عام 2015 في كازاخستان بعد أن وضعته القرعة أمام لاعب يمثل الكيان الصهيوني "إسرائيل"، رغم أن تلك البطولة كانت مهمة لأن من خلالها كان يتم ترشيح اللاعبين الذين سيشاركون في دورة الألعاب الأولمبية في ريو دي جانيرو بالبرازيل عام 2016.
 لاعب المنتخب المصري السابق والنادي الأهلي المصري محمد أبو تريكة، رفض خوض مباراة ودية دولية في إيطاليا أطلق عليها عنوان "من أجل السلام" عام 2014 بعد تلقيه دعوة رسمية من بابا الفاتيكان السابق فرانسيس الأول، لكن أبو تريكة اعتذر عن المشاركة بسبب مشاركة اللاعب "الإسرائيلي" يوسي في المباراة.
 عام 2016 مثّل الطفل التونسي محمد حميدة، صاحب السنوات العشر، بلاده في بطولة العالم للشطرنج التي جرت في مدينة أباشي برومانيا، وانسحب من البطولة تفادياً لملاقاة لاعب "إسرائيلي"، وقال: "لن أواجه قاتل إخوتي في مجرد لعبة. الأصح أن أواجهه على أرض القدس"، وصرح يومها لقناة تليفزيونية أن انسحابه جاء تضامنا مع أطفال فلسطين ومساندة لأطفال غزة المحاصرين.
 بطلة الجودو السعودية جودي فهمي، انسحبت من منافسات أولمبياد ريو دي جانيرو، عام 2016 بعد أن أوقعتها القرعة مع اللاعبة "الإسرائيلية" جيلي كوهين، على الرغم من أنها الأفضل في المتنافسين على وزن 52 كيلوغراماً. وصرحت اللجنة الأولمبية العربية السعودية وقتها بأن اللجنة الطبية أوصت بعدم مشاركتها في منافسات الجودو بسبب الإصابة، لكن الجميع كان يدرك أن السبب الحقيقي كان تجنب اللاعبة السعودية بقرار شخصي منها مواجهة اللاعبة "الإسرائيلية"، وليس كما زعمت تبريرات الأولمبية السعودية.

حاجز شيطاني
كثيرة هي الانتهاكات التي ارتكبها الكيان الصهيوني السرطاني تجاه الرياضة الفلسطينية، ومنذ تأسيس هذا الكيان السرطاني على الأراضي العربية منذ عام 1984، قوائم طويلة حملت أسماء شهداء رياضيين فلسطينيين أزهقت أرواحهم على أيدي جنود الاحتلال والمستوطنين الصهاينة، دمرت الملاعب ونهبت الأندية لتقام محلها مستوطنات (12 نادياً "إسرائيلياً" في الدوري الكروي الأول لكيان الاحتلال يمثلون مستوطنات أقيمت على أراضي 1967). اعتقالات طالت لاعبين وإداريين، ومسلسل متكرر تتعرض له البعثات والفرق والرياضيون الفلسطينيون من مضايقات ومنع من الخروج أو الدخول إلى أراضيهم في المعابر والحواجز من قبل كيان محتل يتعمد على الدوام الإضرار بالرياضة الفلسطينية بشكل عام واللاعبين بشكل خاص.

 ناقة سباق وجودو
بشكل مُتسارع، تنفث عاصفة التطبيع مع كيان الاحتلال غُبارها على دول الخليج. مناسبات تطبيعية مختلفة تطوف فيها الدول الخليجية بعد أن طفى على السطح التقارب مع الاحتلال "الإسرائيلي" من طرق وممرات مختلفة، أهمها بوابة التطبيع الرياضي الذي بات ملحوظاً في الأعوام الأخيرة من خلال استضافة اللاعبين الصهاينة في الفعاليات الرياضية التي تستضيفها هذه الدول البترو/دولارية.
في يوم الجمعة 26 أكتوبر/ تشرين الأول 2018، سقط 25 شهيداً وجرح أكثر من 250 في مسيرة يوم الأرض بالأراضي الفلسطينية، واعتقل المئات خلف زنازين أكبر سجن هو الكيان الصهيوني المغتصب للأراضي الفلسطينية.
في اليوم ذاته، وصلت وزيرة الثقافة "الإسرائيلية" والناطقة السابقة لجيش العدو الصهيوني، ميري ريغيف، إلى العاصمة الإماراتية أبوظبي، لتنضم إلى فريق الجودو "الإسرائيلي" المشارك ببطولة الجراند سلام.
وقبل هذا التاريخ بعام واحد، استضافت قطر بطولة للجودو شارك فيها منتخب الكيان الصهيوني وارتفع في قاعة البطولة العلم الصهيوني ونشيده الخاص وسط سخط واشمئزاز عربي واسع، لتبدأ حلقات التطبيع مع الكيان المغتصب من البوابة الخليجية، وبالأخص دولة الإمارات وبعناوين: بطولة جودو، مباريات رجبي، سباق هجن (حملت إحدى ناقاته اسم "تل أبيب" وراية النجمة السداسية)، مروراً بقيام أحد أقارب ابن نهيان بشراء ناد لكرة القدم في مدينة الجليل المحتلة.
هذا الاستعراض السريع للتطبيع الخليجي مع الاحتلال رغم الرفض الشعبي الواسع له، يطرح السؤال: هل سيكون بداية لتطبيع أشمل من الأنشطة الرياضية الذي قد يكون ضمن حسابات كُبرى تهدف لتغيير الموقف العربي الرسمي والعالمي الحر من هذا التطبيع مع كيان الاحتلال "الإسرائيلي" في الوقت الذي دشنت فيه صفقة القرن وتصفية ما تبقى من القضية الفلسطينية؟!