تعز.. كل شيء له تسعيرتان حتى السجن و«الروسية» غير صالحة للزواج
الأسعار في جغرافيا السيادة أفضل بكثير عن المحتلة بفعل إجراءات صنعاء  

مارش الحسام / لا ميديا -
يشكو سكان المناطق المحتلة من لعنة العملة الروسية (العملة الجديدة المطبوعة في روسيا) والتي رافقها ارتفاع فاحش في أسعار المواد الغذائية والاستهلاكية التي ارتفعت بنسبة 33 إلى 40٪ عن الأسعار في صنعاء، وما زاد سخط المواطنين حيال تلك العملة غير القانونية هو انخفاض قيمتها الشرائية، فأسعار المواد المشتراة تكون أرخص نسبيا إذا ما كان الدفع بالعملة الوطنية القديمة عما إذا كان الدفع بالعملة الجديدة غير القانونية.
وهو ما دفع أبناء تلك المناطق إلى نبذ العملة غير القانونية واستبدالها بالعملة وطنية وبفارق يصل إلى 30٪ حيث يتم استبدل الـ100 ألف ريال من العملة الجديدة مقابل 70 ألف ريال من الوطنية.

في مأرب الأسعار نار
مأرب كغيرها من المناطق المحتلة تعاني ارتفاعاً خيالياً في الأسعار، ويقول آدم عبدالله محمد خالد الذي يعيش متنقلا بين مدينتي مأرب التي يعمل فيها وصنعاء التي فيها محل إقامة أسرته: «هناك تفاوت كبير في الأسعار بين مأرب وصنعاء، ففي مأرب الأسعار نار، قارورة الماء التي تباع في صنعاء بـ200 ريال يصل سعرها في مأرب إلى 300 ريال، وهكذا بقية السلع،، أي أن الأسعار في مأرب مرتفعة بنسبة 50٪ عن أسعارها في صنعاء، وكذلك علاج الضغط الذي أشتريه لوالدي في مأرب بـ13,400 ريال لا يتجاوز سعره في صنعاء مبلغ 9700 ريال، ذات مرة أردت شراء 3 باكتات من العلاج الخاص بوالدي، لكن سعرها كان 40.200 ريال، وهو مبلغ كبير جدا يكفي لشراء أكثر من 3 باكتات من العلاج نفسه في صنعاء، وعندما قمت بتحويل قيمة العلاج لأسرتي في صنعاء تم خصم 30% من المبلغ كرسوم للحوالة، لكن ومع ذلك كان سعر الدواء في صنعاء أرخص منه في مأرب».

قراطيس
نشوان العبيدي، يعمل في صنعاء واعتاد أن يرسل مبلغ 30 ألف ريال شهرياً لأسرته التي تقيم في مدينة تعز المحتلة، ليساعدها في توفير حاجياتهم من المأكل والمشرب في ظل الارتفاع الجنوني للأسعار في تعز المحتلة، ولكن الأمر الذي كان يقلقه ويثقل كأهل أسرته هو أن المبلغ الذي يرسله لا يصل إلى يد أسرته بالعملة الوطنية كالتي أرسلها، وإنما بالعملة الجديدة غير القانونية والتي يطلق عليها تسمية «القراطيس» في محافظة تعز لانخفاض قيمتها في تعاملات البيع والشراء.
ويضيف نشوان: «في تعز الأسعار مضاعفة، وبالذات حين يكون الدفع بالعملة الجديدة، وأهلي وغيرهم في تعز يشكون من كونها بلا قيمة، كما أن كثيراً من الصرافين في تعز وكنوع من الاحتيال يحتفظون بالعملة الوطنية، وعند استلام الحوالة يتحججون بانعدام السيولة من العملة القديمة (الوطنية) ويقومون بتسليم الحوالات بنقود من الطبعة الجديدة، وهذا يعني أن مبلغ الـ30 ألفاً الذي أرسله لأهلي لا يكفي لشراء كيسي دقيق لمن سيدفع بالعملة الجديدة».
ويتابع: «لذلك صرت أرسل المبلغ لأسرتي بطريقتي الخاصة عن طريق المسافرين حتى أضمن أن يصل المبلغ إلى يد أهلي بالعملة القديمة».

سعران وعملتان
في محافظة تعز، بما فيها المديريات الواقعة تحت سيطرة القوى الوطنية، فإلى جانب العملة الوطنية مازالت العملة الجديدة متداولة، ولكن بقيمة أقل.
فيما عمد التجار إلى عرض تسعيرتين للصنف الواحد، سعر خاص بالعملة الجديدة المطبوعة في روسيا، وسعر آخر أرخص نسبياً يخص العملة الوطنية.
فمثلاً سعر كيس الدقيق عبوة 50 كيلوجراماً الذي يباع في صنعاء بسعر 12 ألف ريال، في تعز له تسعيرتان، 14 ألف ريال إذا كان الدفع بالعملة الوطنية و17 ألفاً إذا كان الدفع بالعملة الجديدة، أما قطمة السكر عبوة 10 كيلوجرامات فتباع بـ4000 ريال بالعملة القديمة وبـ6000 ريال بالعملة الجديدة، فيما سعرها في صنعاء لا يتجاوز الـ3200 ريال، حتى الزبادي الصغير الذي لا يزيد سعره عن 130 ريالاً في صنعاء، ستجد له في تعز تسعيرتين أيضاً: 170 ريالاً بالعملة الوطنية و200 ريال بالعملة الجديدة، ونفس الأمر ينطبق على بقية السلع.
حتى الذهب والعملات الأجنبية لهما تسعيرتان، فمثلاً جرام ذهب عيار 24 يباع بسعر 38 ألف ريال بالعملة الوطنية وبـ47 ألفاً بالعملة الجديدة، وكذلك سعر صرف الريال السعودي 207 ريالات من العملة غير القانونية و158 ريالاً من العملة الوطنية.

حتى السجن له تسعيرتان
التسعيرتان في تعز لا تشملان الغذاء والسلع الاستهلاكية والذهب والعملات فقط، وإنما كافة الخدمات والتعاملات الأخرى، بما فيها الرشوة، كما يؤكد محمود عبدالله الذي يقول إنه حين ذهب إلى محكمة شرعب لتوثيق عقد زواجه، طلب منه أن يدفع رسوم توثيق قدرها 10 آلاف ريال بالعملة الوطنية أو دفع 14 ألف ريال بالعملة الجديدة، ويقول إنه حتى في السجن فإن الشاوش له تسعيرتان عند إطلاق سراح أحد المساجين، ويرفض أن يفتح باب السجن إلا بعد أن يدفع 1000 ريال من العملة القديمة أو 1500 من الجديدة، مؤكداً أنه وبسبب التدهور المستمر للقيمة الشرائية للعملة الجديدة، فإن معظم أبناء منطقته صاروا يشترطون على العريس دفع المهر بالعملة الوطنية، ويرفضون استلام العملة الجديدة (الروسية) كمهر لبناتهم.

 ضرب «اقتصاد صنعاء» هدف العدوان
أكد الخبير الاقتصادي وعضو مجلس الشوري ورئيس مؤسسة الإعلام المالي والاقتصادي، أحمد سعيد شماخ، لصحيفة «لا» أن ارتفاع الأسعار في المحافظات المحتلة نتيجة طبيعية لانهيار قيمة الريال في تلك المحافظات، والذي رافقه ارتفاع أسعار السلع والخدمات بفارق كبير عن مناطق السيطرة الوطنية.
وأشار شماخ إلى أن أسعار الصرف في مناطق السيطرة الوطنية أفضل بكثير عن المناطق المحتلة نتيجة الإجراءات التي اتخذها «بنك صنعاء» وتقاعس عنها «بنك عدن» رغم ما يمتلكه من أموال وما يتم من رفد لخزينته بالعملة الصعبة، ولكن من يسيطر عليه هي دول العدوان التي تقف وراء انهيار الريال في المحافظات الواقعة تحت سيطرتها.
وأكد أن دول العدوان وضعت في أجندتها وضمن عدوانها على اليمن عدة جوانب، من ضمنها خلق فوارق ما بين العملة ذاتها، وعملت على طبع عملات بالتريليونات دون غطاء، وهو ما رفضته «حكومة صنعاء».
وأضاف: «إجراءات المرتزقة تركت فجوة بين مناطق السيطرة الوطنية والمناطق المحتلة، وخلقت تجارة السوق الموازي لنفس العملة، وحاليا يتم استبدال مليون ريال من العملة الجديدة مقابل 700 ألف من العملة القديمة، وهذه الفوارق في قيمة العملة كلها يتحملها المواطن».
ولا يستبعد الخبير شماخ أن هناك هدفاً سياسياً تدبره دول العدوان المسيطرة على «بنك عدن» لضرب «اقتصاد صنعاء»، وذلك بهدف استنزاف النقد الأجنبي من مناطق سيطرة القوى الوطنية، حيث الاقتصاد القوي بفعل الاستقرار الموجود فيها.
ويقول: «بسبب رخص أسعار الصرف هنا وارتفاعها هناك زادت الحوالات إلى المناطق المحتلة، وهناك من يتجه لشراء العملات الصعبة من هنا بسعر رخيص ويبيعها هناك بسعر أعلى، وهذا ممكن أن يسبب أزمة نقدية مستقبلا، وبالتالي فإن الهدف هو إحداث شحة في العملة الصعبة، ولا يستبعد أن ذلك أحد مساعي العدوان لسحب النقد الأجنبي من مناطق سيطرة القوى الوطنية بشكل كبير، وأمر كهذا من الممكن أن يؤدي إلى ارتفاع سعر الدولار إلى نسبة 1000٪».
وعن الحلول التي يجب اتخاذها أمام هذا الوضع، يقول شماخ: «يجب أن تكون هناك إجراءات اقتصادية وليس أمنية، وذلك بزيادة الإنتاج المحلي للسلع التي لها أولوية اقتصادية، ونقدر ننتجها محليا بدلا عن السلع الخارجية التي تتأثر بالنقد الأجنبي، وكذا اللجوء إلى الإنتاج الزراعي واستغلال الأمطار، فالمناطق الزراعية تتركز أكثر في مناطق سيطرة القوى الوطنية».
وطالب بتحييد البنك المركزي اليمني وإبعاده عن الصراعات السياسة للحد من تدهور الاقتصاد، وترك السلطات النقدية تعمل باستقلالية كما هو الحال في أكثر من بلد.

الدرهم بدلا عن الريال
يؤكد البروفيسور عبدالعزيز الترب، مستشار المجلس السياسي الأعلى للشؤون الاقتصادية، لصحيفة «لا» أن شرعية الجمهورية اليمنية ومن العاصمة صنعاء تحرص على الاهتمام بالتداول النقدي، وتتولى الرقابة والتخطيط للسياسة النقدية التي تضمن استقرار الريال وأسعار الصرف، بعكس المناطق المحتلة التي يحكمها مرتزقة المال الذين كل همهم مراكمة أرصدتهم البنكية التي تتضاعف مع توالي انهيار العملة في المناطق الواقعة تحت سيطرتهم.
ويقول الترب: «سبب الانهيار هناك والاستقرار هنا، نحن دولة نراعي الوضع السياسي والاقتصادي للمواطن، بينما هم مجرد سماسرة لا يهتمون بالوطن ولا يبالون بالمواطن، ولو أرادوا لكان الوضع أفضل، خصوصاً أن أكثر من 90٪ من موارد البلاد تصب في أرصدتهم، ومع ذلك قاموا بطبع أكثر من تريليون و750 مليار ريال، وهي كمية مهولة، ولم تشهد اليمن طباعة مثل هذه الكمية منذ 26 سبتمبر 1962 سواء في شمال الوطن أو جنوبه».
ويضيف: «قيام حكومة الإنقاذ بمنع تداول الطبعة الجديدة كان قرارا حكيما رغم الانتقادات حينها، لأن سلطة الفنادق عندما قامت بطباعة هذه الكمية من العملة الجديدة، لم يكن لغرض سد العجز أو استبدال الأوراق النقدية القديمة، وإنما لغرض المضاربة في السوق، ومن أجل شراء العملات الأجنبية في المحافظات الواقعة تحت سيطرتهم ونقلها للاستثمار في الخارج، وقد بلغت استثماراتهم في تركيا 3.6 مليار دولار خلال السنتين الأخيرتين، بحسب تأكيدات تركية».
ويتابع: «هؤلاء لا يريدون العودة اليمن، بل يريدون إيصال سعر الصرف إلى رقم قياسي ربما بعدها يفكرون في عملة جديدة ربما درهم أو دينار».
ويطالب الترب حكومة الإنقاذ بإعادة النظر في أعمال الجهاز المصرفي، وخصوصا مسألة سلطة بعض شركات ومحلات الصرافة التي صارت أكبر من البنوك.