عادل بشر / لا ميديا -

فئة المحرومين «أحفاد بلال»، الذين تنوعت مسمياتهم على مدى عقود من الزمن ما بين «المهمشين أو الأخدام أو العبيد»، هم من أشد فئات المجتمع فقراً، حيث تتفشى في أوساطهم الأمية والأمراض والبطالة وامتهان التسول بشكل كبير، نتيجة لانعدام الوعي الصحي والاجتماعي، الأمر الذي أسهم في تعرض هذه الفئة للتمييز والاستغلال، فأصبحوا يعيشون في عزلة عن المجتمع جراء النظرة الدونية والإحساس بعدم الأهمية في هذا المجتمع.
غير أن المبادرة الحسنة التي دعا خلالها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، الجهات الرسمية إلى إطلاق برنامج وطني طويل الأمد للعناية بـ»أحفاد بلال» ودمجهم في المجتمع بالمستوى اللائق، أحدثت نقلة نوعية في معنويات هذه الفئة، وشعروا كأنهم فازوا بالعتق من التهميش والعبودية.
هذا ما لمسناه وأكده لنا أبناء هذه الفئة الذين تشرفنا بزيارتهم في محافظة الجوف برفقة وفد مؤسسة الشعب الاجتماعية للتنمية، والالتقاء بالمسؤول عنهم، وتفقد أوضاعهم في تجمعاتهم السكنية بمديرية الحزم مركز المحافظة، وقبل ذلك كان لنا لقاء مختصر مع وكيل أول محافظة الجوف صالح الدهشا، تحدث خلاله عن وضع أحفاد بلال في المحافظة وجهود السلطة المحلية في تمكينهم زراعياً.


وكيل أول محافظة الجوف صالح الدهشا:
سيتم تمكين المحرومين زراعيا بالشراكة مع المزارعين
أحفاد بلال قدموا شهداء دفاعاً عن الوطن وهناك كتائب قتالية بقيادتهم


قال لصحيفة «لا» وكيل أول محافظة الجوف صالح الدهشا، إن أحفاد بلال هم فئة من هذا المجتمع، تعرضوا للتهميش خلال فترات طويلة من الزمن، لكنهم الآن أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الشعب والوطن، خصوصاً بعد دعوة السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي إلى الاهتمام بأحفاد بلال ودمجهم في المجتمع بالمستوى اللائق.
وأوضح الوكيل الدهشا أن أحفاد بلال متواجدون في أغلب مديريات محافظة الجوف، البعض منهم لديهم ملكيات ومنازل وأراض زراعية، والبعض مازالوا يسكنون الـ«عُشش».
وأكد أنه وضمن آلية دمج أحفاد بلال في المجتمع بالمستوى اللائق تنفيذاً لتوجيهات السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، فإن السلطة المحلية في الجوف تبنت مشروع تمكين أحفاد بلال في الجانب الزراعي، وذلك من خلال تقديم الدعم المطلوب لمن يمتلكون أراضي زراعيه من أبناء هذه الفئة، ومن ليس لديهم أراضٍ زراعية ستقوم السلطة المحلية بالتنسيق بينهم وبين ملاك الأراضي من المواطنين، على أساس الشراكة، أو ما يُطلق عليه «الشرك»، بحيث يقوم المزارع بمنح أحفاد بلال قطعة أرض زراعية لزراعتها وتنميتها مقابل نسبة معينة من كل محصول زراعي، يحصل عليها المزارع مالك الأرض، ومن ليس لديه رغبة في هذا الخيار من أحفاد بلال، سيتم التنسيق مع المزارعين لتوفير فرص عمل في مزارعهم «أيد عاملة» للأحفاد بالأجر اليومي. 
واختتم الدهشا حديثه لصحيفة «لا» بالقول: «كل الشكر والتقدير لما قدمه ويقدمه أحفاد بلال في محافظة الجوف إلى جانب أحرار اليمن، في الدفاع عن الوطن ضد العدوان، مقدمين ضحايا وشهداء، وهناك كتائب قتالية معينة بقيادتهم». 


شيخ أحفاد بلال في الجوف وعمران حسن العوسجي:
سيد الثورة أيقظ فينا أشواق الحياة والمواطنة
وقفنا مع الوطن عندما تكالبت عليه الأمم وانطلقنا في الصفوف الأولى للقتال


محتزماً بندقيته وسط عدد من إخوانه ورفاقه أحفاد بلال، قابلنا بمديرية الحزم، مركز محافظة الجوف، شيخ أحفاد بلال في محافظتي الجوف وعمران حسن العوسجي، الذي أطلعنا على أوضاع الأحفاد قبل وبعد دعوة السيد عبدالملك للاهتمام بهم ودمجهم في المجتمع بالمستوى اللائق.
يقول العوسجي: «شريحة أحفاد بلال في الجوف وعمران، هي شريحة مستضعفة، تعرضت للتهميش والحرمان من قبل الأنظمة السابقة التي تعاقبت على حكم اليمن، وتعمدت تغييب هذه الشريحة عن المشهد اليمني في الوظائف والحقوق وكل شيء، وكأنهم فئة أتت من خارج اليمن». 
ورغم ذلك التهميش، إلا أن فئة أحفاد بلال في الجوف وعمران، عاشت – وفقاً لحسن العوسجي- عزيزة وشريفة وكريمة، وعندما تكالبت الأمم على اليمن وتحالفت عليه الأنظمة العميلة لأمريكا و»إسرائيل»، مجتمعة في حرب هدفت إلى مسح اليمن من خريطة العالم، كان أحفاد بلال من أوائل المدافعين عن الوطن ضد العدوان.
ويضيف: «صمدنا مع الوطن، وشاركنا بدمائنا وأرواحنا وكل ما نملك، إلى جانب الشرفاء والأحرار من أبناء هذا الوطن الغالي، دفاعاً عن سيادته وحريته واستقلاله، فرغم التهميش والحرمان الذي تعرض له أحفاد بلال، إلا أن وطنيتهم وإخلاصهم ووفاءهم طغت على أي حسابات شخصية، ودفعتهم للوقوف مع البلد في ظروفه العصيبة، فانطلقوا في مقدمة الصفوف، ولم يتعذروا أو يتخذوا من الحرمان والتهميش ذريعة للتخلف عن الواجب الوطني والبقاء في المنازل».

طوق نجاة
التهميش والحرمان الذي تعرض له أحفاد بلال لعقود طويلة من الزمن، رغم جوانبه السيئة التي أثرت كثيراً على حياة هذه الفئة وطريقة معيشتها ومستقبل أبنائها، إلا أن العوسجي يرى أن ذلك التهميش يحمل جانب خير لهم، حيث يقول: «ما لاقيناه من تهميش وحرمان وظلم في الدنيا، ربما هو نجاة لنا في الآخرة، فذلك التهميش حال بيننا وبين المشاركة في الفساد الذي مضى، وفي سرقة أموال الشعب، ثم عوضنا الله سبحانه وتعالى بهذه القيادة القرآنية المباركة المؤمنة الصادقة التي تحمل روحانية وإنسانية، وتحمل قيماً وأخلاقاً ومبادئ، فتلمست هموم الأمة، ونظرت بعين الاعتبار إلى هذه الشريحة الشريفة والعزيزة التي لم تخرب ولم تقطع طريقاً ولم تقتل أو تسلب وتنهب، ورغم فقرها واحتياجها إلا أن كرامتها وعزتها وهويتها جعلت منها قوة متماسكة، لم تستسلم أو تنحن أو تمد يدها للآخرين».

جرعة أمل
ويصف العوسجي وضع أحفاد بلال في الجوف وعمران قبل خطاب السيد عبدالملك الذي دعا فيه إلى وضع آلية لدمج أحفاد بلال في المجتمع بالمستوى اللائق، قائلاً: «كان الإحباط واليأس من الدولة هو المسيطر على أحفاد بلال.. الأبواب موصودة في وجوههم أينما ذهبوا، لا أحد يمد يد العون والمساعدة لهم، أو يشجعهم.. ليس لديهم حقوق أو نصيب من موارد الدولة سوى ما تتفضل به عليهم الشؤون الاجتماعية من مبالغ مالية ما بين 13 و18 ألف ريال كل 3 أشهر، وكأن الشؤون الاجتماعية تترك لهم الفضلات».
ويضيف: «الوضع كان مزرياً، والناس عندهم عقدة ويأس من الدولة، متكلين على الله سبحانه وتعالى وعلى كد أيديهم، لكن عندما ألقى السيد القائد خطابه وتوجه خلاله إلى هذه الشريحة المستضعفة منتصراً لها، بدأ الأحفاد ينفضون غبار اليأس عنهم، وشعروا بالأمل وأنهم أبناء هذا الشعب وأن لديهم قيادة تحتضنهم، وأن هناك من يحمل همهم ويتوجع لأوجاعهم، فبدأوا يرفعون رؤوسهم ويتوحدون ويتلاحمون في ما بينهم أكثر من السابق، ويسألون عن بعضهم البعض، وينسقون ويعدون لخطط مستقبلية، وكأنها جرعة تنشيطية قدمها لهم السيد وزرع لديهم الأمل والشعور بمعنى الحياة بحرية وإنصاف».

رؤية مستقبلية
وحول الخطوات الملموسة التي بدأ أحفاد بلال بتنفيذها على أرض الواقع تفاعلاً مع توجيهات سيد الثورة، يقول العوسجي: «لم ننتظر حتى تأتي الجهات المختصة في الدولة إلينا، بل قمنا بالتنسيق وعقد الاجتماعات وجمع مشائخ الأحفاد من الجوف وعمران، بهدف إنشاء تلاحم قبلي كبير وواسع لهذه الشريحة، وبدأنا في إعداد الخطط والرؤى والأهداف والثوابت التي تجمع أحفاد بلال تحت مظلتها، وتحقق لهم نقلة نوعية ترتقي بحسب ظروف المرحلة، وسنقوم بتقديم تلك الخطط والرؤى والمطالب إلى المسؤولين في السلطة المحلية بالجوف وكذلك المسؤولين في صنعاء ونسخة منها إلى مكتب السيد عبدالملك». 
ويستطرد متحدثاً بالتفصيل عن تلك الرؤية قائلاً: «نحن مجهزون خطة وآلية ووثائق تلاحم والتزامات في ما بيننا، حيث عقدنا اجتماعات ووضعنا اتفاقية تلاحم قبلي بين قبائل أحفاد بلال في الجوف وعمران، والاتفاق على إنشاء صندوق داعم لمواقف التلاحم القبلي، عبارة عن اشتراك شهري لكل شخص من الأحفاد بمبلغ 500 ريال، كما قمنا بتشكيل لجنة خدمات ولجنة تنفيذية لاستقبال المصالح وتوزيعها وحل المشاكل بين التلاحم، والمتابعة والمشاركة في تشييع الشهداء ومجالس العزاء للشهداء ودعم أسرهم بسلات غذائية».
ويضيف في السياق ذاته: «هناك أيضاً وثيقة خاصة بتيسير الزواج بين أحفاد بلال في الجوف وعمران، وحددنا مهر البنت البكر 500 ألف ريال قاطع مقطوع، ومهر الأرملة والمطلقة 350 ألف ريال، وهذه الوثيقة مازالت مطروحة للنقاش، وسيتم عقد اجتماع آخر في الـ20 من سبتمبر الجاري لإقرارها أو إلغائها، وإن شاء الله يتم الاتفاق عليها، وتنتهي العشوائية في المهور وسط شريحة أحفاد بلال، حيث يصل المهر بين هذه الشريحة في منطقة شوابة بمحافظة عمران إلى مليونين و500 ألف ريال، فيما تتراوح المهور بين الأحفاد في محافظة الجوف ما بين 800 ألف ريال إلى مليون ريال، والبعض يحدد المهر بـ130 ألف ريال».

الوضع أثناء سيطرة المرتزقة على الجوف
ويؤكد العوسجي أن مرتزقة العدوان، وخلال سيطرتهم على محافظة الجوف لقرابة 5 سنوات، لم يقدموا شيئاً لفئة المستضعفين «أحفاد بلال»، بل على العكس من ذلك زاد تهميشهم أكثر «الدواعش لم يقدمون لنا شيئاً وزاد تهميشهم لنا أكثر، ونحن من جهتنا لم نندفع لهم وجلسنا في بيوتنا».
ويشير إلى أن أحفاد بلال تعرضوا للانتهاكات من قبل مرتزقة العدوان، ومن بين تلك الانتهاكات اقتحام مخيمهم في الحزم قبل أكثر من سنتين، واعتقال الرجال بتهمة التواصل مع «أنصار الله»، وأثارت هذه الحادثة غضب الفئة المستضعفة، الأمر الذي دفع من لم يتم اعتقالهم للانطلاق إلى الجبهات للقتال مع الجيش واللجان الشعبية.

التعليم والتسول
وفي ما يتعلق بالعملية التعليمية بين أوساط أحفاد بلال، يقول حسن العوسجي: «أحفاد بلال مهمشون جداً في مجال التعليم ولا يوجد تحفيز أو دعم من أية جهة مختصة أو غير مختصة، ونادراً ما تجد طلاباً من هذه الفئة يرتادون المدارس».
ورغم الفقر المدقع والفاقة الشديدة المنتشرة بين أوساط المستضعفين في محافظة الجوف، إلا أنهم لم يمدوا أيديهم للآخرين أو يمتهنوا الشحاذة والتسول كما يحدث في المحافظات الأخرى، فهذه الظاهرة معدومة تماماً بين أوساط أحفاد بلال في الجوف، حيث يقول العوسجي: «لا يمكن لأحفاد بلال أن يتسولوا أو يمدوا أيديهم للناس، بل يعيشون بكرامة وعزة، البعض منهم مسلحون، والبعض يشرك في مزارع- أي يستزرع قطعة أرض مقابل نسبة معينة من المحصول يدفعها لمالك الأرض- والبعض يعمل في بقالات»، مشيراً إلى أن «ظاهرة التسول موجودة لدى أحفاد بلال الوافدين إلى الجوف، وليس مَن هم مِن أبناء الجوف، وهؤلاء الوافدون هم قلة لديهم تجمع في الحزم وتجمع في سوق الاثنين بمديرية المتون، وهم لا يتبعوننا، ولكننا من واجبنا رعايتهم، ولا يمكن أن نتخلى عنهم».

احتياجات
وتوجه العوسجي بالشكر للسيد عبدالملك بدر الدين الحوثي، على ما وصفه بـ«اللفتة الكريمة والعمل الإنساني والأخلاقي والقيمي والمبدئي»، متمثلاً بالاهتمام بهذه الشريحة المستضعفة والتوجيه للجهات المختصة بتمكينهم ودمجهم في المجتمع بالشكل اللائق.
وتطرق إلى بعض المطالب والاحتياجات الضرورية للأحفاد في الجوف وعمران، قائلاً: «هناك قلة من الأحفاد لديهم مزارع ويحتاجون إلى طاقات شمسية لتشغيل المضخات، كذلك نحتاج دعماً في الجانب التعليمي والإيواء وتأثيث المساكن، كما نحتاج إلى أن يتم منحنا أراضي زراعية لاستزراعها، ونحتاج إلى دعم بالمواد الغذائية وكفالة الأيتام ومساعدة المعسرين ودعم برنامج زواج المعسرين وأبناء الشهداء والاهتمام بأرامل وأسر الشهداء والجرحى والمرابطين، إضافة إلى أن هناك حالات مصابة بأمراض مزمنة، وهناك معاقين يحتاجون إلى أدوية وعلاجات».
واختتم العوسجي حديثه لصحيفة «لا» بالقول: «نحن نحاول أن ننجح ونكون قدوة للآخرين في جميع المجالات، ولدينا أمل في الجميع بأن يمدوا لنا يد العون ومساعدتنا في أن نكون ناجحين أكثر».


منازل من الصفيح والقش وبطون خاوية على أمعائها
المرتزقة فرضوا عليهم حظر تجوال ليلي واعتقلوا منهم 37 شخصاً
لا تختلف التجمعات السكنية لأحفاد بلال في محافظة الجوف عن التجمعات المشابهة في المحافظات الأخرى، حيث زرنا تجمعين سكنيين في مديرية الحزم، ووجدناهما عبارة عن بيوت يُطلق عليها «العُشش» مكونة من الصفيح والقش والطرابيل، البعض منها مفروش بأبسط الأثاث والبعض ينام أهلها على الكراتين ويلتحفون أكياس القمح الفارغة.
التقينا بعض الساكنين في هذه التجمعات، فكان مجمل حديثهم أن المنظمات الإنسانية سواء أكانت محلية أم دولية لم تقدم لهم شيئاً، وأنهم يفتقرون إلى الكثير من الاحتياجات الضرورية مثل المواد الغذائية والمياه والصرف الصحي والأثاث والأدوات المنزلية والكهرباء.
إحدى ربات الأسر قالت: «لنا 6 أشهر من الطحين والسُّكر، إذا اصطبحنا ما تغدينا، وإذا تغدينا ما تعشينا».
كما تحدث أحفاد بلال عن اضطهاد مرتزقة العدوان لهم قبل تحرير المديرية من قبل الجيش واللجان الشعبية، قائلين إن مرتزقة ما تسمى الشرعية كانوا يفرضون عليهم حظر تجوال من الساعة الثامنة ليلاً حتى الصباح، ومن يخرج من بيته بعد ذلك الوقت يتم اعتقاله وزجه في السجن وتلفيق أي تهمة جاهزة لديهم، مضيفين أن العدوان اعتقل من أحفاد بلال في مديرية الحزم 37 شخصاً، بعضهم تم أخذهم من أماكن عملهم في السوق - يعملون في خرازة الأحذية وفي البقالات- والبعض تم أخذهم عنوة من منازلهم في المخيم، وقاموا بضربهم وتعذيبهم، ونقلهم إلى جهات غير معروفة، حتى تمكنوا مؤخراً من تحرير 20 شخصاً، فيما لايزال 17 آخرون معتقلين لديهم منذ سنتين و8 أشهر.
وأكدوا أن مرتزقة العدوان كانوا بين فترة وأخرى يعتقلون شخصاً أو أكثر من أحفاد بلال، ثم يُبلغون قيادة التحالف بأنه تم القبض على شبكة تخريبية أو جواسيس يعملون لصالح الجيش واللجان، ويقومون بزرع المتفجرات، لافتين إلى أنهم تنفسوا الصعداء وشعروا بالحرية في العمل والتحرك مع دخول الجيش واللجان الشعبية مديرية الحزم وتطهيرها من المرتزقة والعملاء.