علي نعمان المقطري / لا ميديا -

"إن شجرة الحرية تزهر حين تسقيها دماء الأحرار ودماء الطغاة"، مقولة شهيرة لأحد مؤسسي أمريكا الحديثة وأحد قادة ثورتها وواضع دستورها ومنشئ نص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان. إنه الرئيس الثاني للولايات المتحدة الأمريكية وليم جيفرسون، والذي يقول أيضاً: "من حق الشعوب أن تثور ضد حكامها كل عشرين عاما على الأقل، لأن دماء الثورات تتجمد في عروقها مع الزمن وتحتاج إلى تجديد دائم".
ترى هل كان جيفرسون يتوقع أن حكومته بالذات ستكون خير مطية للاستبداد وأكبر قامع لثورات الشعوب ولحقوقها في العالم وليس في أمريكا وحدها؟
وقد تذكرت هذه المقولات عن جيفرسون، أبرز رجال الثورة الأمريكية في القرن قبل الماضي، وأهم منظريها ومشرعيها على الإطلاق، ومنه استقت أفكار الثورة الأمريكية ودستورها وإعلاناتها التي صارت أساس حقوق الإنسان العالمية التي تبنتها المنظمة الدولية، وقبلها تبنتها الثورة الفرنسية الكبرى نهاية القرن الثامن عشر.
لقد ظلت النخب القومية الحرة المثقفة في العالم كله تردد تلك المقولات وتستند إليها وهي تواصل كفاحها الوطني الثوري خلال القرنين التاسع عشر والعشرين، قبل أن تكشف أمريكا عن قناعها الحقيقي الزائف بشأن الحرية والإنسانية وتظهر نزعة استعمارية أكثر بشاعة من الاستعمار القديم، وتتحول هي إلى مركز للاستعمار والاستبداد والرجعية الدولية، ونرى بصماتها في كل مكان، من فيتنام واليابان وكوبا وكوريا إلى فلسطين ولبنان واليمن والعراق وسوريا وتشيلي وفنزويلا وكوبا وأفريقيا وغيرها.
كل ذلك هدفه أن نبين الفارق بين الكلام النظري القديم عن حقوق الشعوب والإنسان والثورات، وبين الواقع الراهن للزعامة الأمريكية وسياساتها الاستعمارية البشعة، وهو ما يضرب في الصميم كل دعاواهم المنافقة والزائفة عن الحقوق الإنسانية والروح الحرة والاستقلال التي تتكرر في دفاترهم ودساتيرهم وبياناتهم، لأن واقعهم وممارساتهم الفعلية على الأرض تقطر من دماء الشعوب والمظلومين في العالم أجمع.
من أكبر المفارقات التي واجهتها حركات التحرر العالمية أن الكثيرين من قادتها كانوا في يوم ما من أتباع الفكر التحرري الأمريكي والأوروبي الليبرالي، وقد تشربوا قيمه ونظرياته وتغنوا بها طويلاً، وكانت صدمتهم كبيرة وهم يواجهون حقيقة الغرب وقيمه.

تقييد الإرادة العربية والإسلامية وغزوها
خلال الوجود الأجنبي الغربي في البلاد العربية والإسلامية تمكن الاستعمار من إعادة بناء الأيديولوجية العربية والإسلامية بما يؤدي إلى خدمة الوجود الاستعماري ويفرغ الإرادة العربية والإسلامية من جوهرها وروحها، بما شنه من حروب ناعمة تضليلية طويلة غير مرئية على الوعي والعقل العربي والإسلامي، وتجريده من أهم أسلحته المقاومة، وهو سلاح النقد الثوري، وسلاح الإيمان العلمي الواعي، وسلاح الإدراك السليم للتراث والتاريخ والفهم الصحيح لأهداف الاستعمار الغربي الصهيوني وركائزه المحلية.
ويجب الاعتراف بأن الحركات العربية الوطنية القطرية والقومية والدينية السلفية التقليدية قد فشلت فشلا ذريعا في مواجهة الأجنبي على مستوى معارك الوعي، وعلى مستوى معارك الميدان أيضاً.
وكان العامل الأول هو أن تلك الحركات قد نشأت في أحضان المستعمر وأجهزته وظروفه وتحت مراقبته وامتدادا لفكره أو في جامعاته. وقبل ذلك كانت السيطرة العثمانية الطويلة على العرب والمسلمين والتي امتدت لخمسة قرون قد حكمتهم بالموت القهري البطيء وتعطيل قواهم العقلية والفكرية، واقتسامها أقدارهم مع الغرب الاستعماري التي كانت قد تبعته وأضحت مقاطعة لديه تدور في أفلاكه وتسير ضمن خياراته وأقداره وطرفا في صراعاته المحورية وحروبه الإمبريالية، رغم الرداء الديني التضليلي الذي حاولت ارتداءه، الذي لم يستطع إخفاء الصفقات التي أُبرمت بينها والمستعمرين في اقتسام البلاد العربية، واليمن مثالا على ذلك، وتسليم شمال أفريقيا وليبيا وتونس والجزائر والمغرب ومصر وغيرها للنفوذ الاستعماري الغربي وسحب قواتها أمامهم بسلام.
كانت الولاية العثمانية قامعا للتطور الطبيعي للبلاد العربية والإسلامية التي تسيطر عليها، ومانعا في الوقت نفسه لكل تطور فيها، فلا هي رحمت ولا سمحت برحمة لله أن تنزل على هذه البلدان. وهذا يتضح من التاريخ الذي واكب تلك المسيرة المأساوية التي لا يمكن تفسيرها إلا من منطلق الحقد والكراهية التي كان ولايزال يكنها العثمانيون لكل ما هو عربي وإسلامي.
فقد كانت -كما ذكرته كتب التاريخ- تمنع أي نهضة محلية طبيعية مهما كانت بسيطة ومحدودة، إلا إذا كانت في مركز الدولة التركية (القسطنطينية)، فكل صانع أو مبدع أو خطاط أو حرفي أو فنان يتم ترحيله إلى الأستانة دون عودة، ويقضي فيها بقية حياته، بل إن كل إنتاج البلاد العربية وفوائض دخولها يجب أن تُجبى إلى الأستانة على شكل ضرائب ومكوس، ولا تترك للناس سوى البؤس والإفقار والخراب والدمار والقسوة والقمع والتخلف والجمود وقهر حركة التقدم.
وعلى المستوى الفكري قدمت الولاية العثمانية أنموذجاً زائفاً للدين والفكر الديني لا علاقة له بالدين المحمدي الحقيقي وجوهره، أنموذجاً تعيد عبره إنتاج النظم الاستبدادية والإقطاعية والاستعبادية وتبررها بتأويلات زائفة للدين ومقولاته، وهو ما جعل ذلك النموذج الزائف للدين ومفاهيمه يتكرس في الوعي الشعبي وفي العبادة والوسط الإداري الرسمي، من خلال مراكز الدائرة الدينية الر سمية التابعة للإدارة العثمانية السائدة وملحقاتها. لقد واصلت الولاية العثمانية ما بدأته الحركات الأموية والعباسية الاستبدادية الإقطاعية وتوسعت فيه إلى أقصى الحدود.

التأسيس والتأصيل الباطلان
ادعت العثمانية القديمة أحقيتها بتملك رقاب المسلمين وحقوقهم مدى الحياة، فأنكرت حقهم في الشكوى من ظلم الحاكم المسلم، وحقهم في عزله إن جار ولم يصلح، أو لم يستقم أو يعدل أو يقسم بالسوية أو يرحم أو يساوي بينهم في الحقوق والواجبات.
وكانت الفتنة العمياء وانقسام وتصدع وحدة المسلمين هي النتيجة المنطقية لتلك المنهجية التأويلية الباطلة التي قالت بعدم أحقية الشعب في محاسبة وعزل حكامه إن جاروا. ثم تطور هذا المبدأ في مقولة توريث الحكم واعتباره ملكا عائليا قبليا ارستقراطيا يعود إلى رأس الحكم والخلافة الدائمة المطلقة، فهو تراث يورث وحق احتكاري يوهب ويوزع بين الوارثين وحدهم. وانتقل الحكم وفقاً لتلك المنهجية الباطلة من يد إلى يد ومن كف إلى كف بين الارستقراطيات القبلية الثرية القوية الشوكة، ومعها كان الظلم والخراب والفساد سمة الحكومات خلال القرون الطويلة تلك.

كيف يبني المسلمون دولتهم؟
كان هذا أهم ما واجه المسلمين في تاريخهم، وما يزال العقبة الرئيسية التي يواجهها المسلمون إلى الآن، ويتوقف تطورهم ونهضتهم وحريتهم واستقلالهم على حلهم الصحيح لهذه العقدة، فما هو الحل الصحيح إذن؟
إن المسلمين جماعة دينية ودنيوية في وقت واحد. ومعنى هذا أنهم ملزمون بالتقيد بالمبادئ الأساسية الواردة عن الله ورسوله. والمبدأ الأساسي هو الإمامة الموصى بها وفقا لتوفر اشتراطاتها الضرورية في المستخلف بنا على حديث الغدير الشهير الحاضر واقعته التاريخية أكثر من 100 ألف مسلم والواردة نصوصه في مراجع الطرفين، وجوهره اختيار الرسول لخليفته من بعده الإمام علي بن أبي طالب، وصيه وتلميذه ورأس عترته وباب مدينة علمه، ومن بعده الأئمة الأطهار الحسن والحسين ومن سار على نهجهم، إلى أن يرد الناس الحوض يوم القيامة، لأن القرآن والعترة الشريفة لا يفترقان، وهو مضمون خطاب الرسول يوم الغدير وهو واجب التنفيذ وقاطع للنزاع حول الحكم.
ولأن هذ الحديث محل إجماع المسلمين بكل اتجاهاتهم فهو ملزم لهم جميعاً، بغض النظر عن تأويلاتهم المتعددة التي تتم بدوافع المنافسة والمكايدة والبحث عن معانٍ مختلفة عن الأصل الحقيقي، تجنبا للمسؤولية وتبريرا للمراوغة الكلامية التي جرت بعد التحلل من النص الحاكم الذي تركه وأعلنه الرسول الكريم بين المسلمين العائدين من حجة الوداع.

لقد استبدلت الارستقراطية الجديدة من قريش وحلفائها التوجيه الرسولي الواضح بالاجتهاد لاختيار أحسن وأفضل مما احتواه النص، كما قال أبرز المجتهدين وهو يبرر نقض بيعة الإمام في "خم"، وكان على رأسها آنذاك. وهو القائل: "بخ بخ لك يا علي، فقد صرت مولى لي ومولى لكل مؤمن ومؤمنة"، وبعدها قال إن قريشا قد اختارت لنفسها بدلا ممن اختاره الرسول، ولذلك منعوه من كتابة وصيته مجددا، وادعوا أنه يهذي.
وهو يؤكد أن الرسول أراد أن يكتب اسم علي في الوصية لولا منعه وكسر دواة الحبر وتفجير النزاع والشجار بين يديه بهدف التحضير لما جرى خارج الوصية المعروفة، وهذا ما يؤكده كثير من الصحابة الأجلاء، منهم عمار بن ياسر، والشاعر الأنصاري حسان بن ثابت في قصيدته الشهيرة، وأبو ذر الغفاري وعبدالله بن مسعود وابن عباس وفاطمة الزهراء وكثير من الصحابة الأجلاء.
وقيل للإمام علي: "أتعرف لماذا أبت قريش أن تسلم لك بالإمامة والخلافة؟ إن قريشاً قد كرهت أن تجمع فيكم بني هاشم بين النبوة والخلافة فلا تخرج منكم أبدا". لقد أرادها الله ورسوله في علي، وأرادتها قريش أن تتوزع على بيوت قريش كلها فتتداولها دولة بينها، فيتوزع الشرف في كل قريش ولا تنحصر في بيت واحد مهما علت مكانته. إنها "عدالة" في توزع الشرف بين كل بيوت قريش "لم يدركها الله ورسوله"، فتداركتها قريش وأصلحت الخلل إذن! وهو أمر يثير الاستغراب والعجب والأسف، فإن تاريخ المسلمين مذاك قد انتحى طريقا آخر حالكا متشحا بالسواد والدماء والتصدع، وخرجت بيضة المسلمين من كنانها، إلى أين؟! إلى المجهول، ومنذ ألف عام وهي غريبة مغيبة، والإسلام فيها غريب، والمسلمون قد أسلموا من جائر إلى من هو أكثر جورا من سابقيه، ومن طاغية إلى أطغى... وهكذا.
حال المسلمين إلى اليوم يشهد على سوء انحرافهم عن الملة والمنهج، وعلى سوء اختيارهم العصبوي، وعلى خداعهم وتضليلهم، وعلى قدرة العصبيات القديمة على الالتفاف على جوهر الدين وتوظيفه لإعادة سيطرتها بأردية الدين. لقد تمكنت عصبية بني أمية القبلية والعباسية والطورانية التي أطاحت بها الدعوة الإسلامية عن عروشها القديمة من أن تعود بأسماء وأشكال جديدة، وأن تدوس على كل من أنزلها من مكانتها القديمة وتصفي حساباتها علنا معه ومع أتباعه وباسم الإسلام المزور.
قال يزيد منتشيا وهو يعبث بأسنان الشهيد الحسين بعد استشهاده وقطع رأسه الشريف: "لقد لعبت هاشم بالملك فلا جنة ولا نار ولا ملك جاء ولا وحي نزل إن هو إلا الملك والدنيا".
وقبله قال أبوه معاوية بعد نقضه عهود المسلمين في العراق في خطبته الشهيرة: "لم أقاتلكم على دين وإنما قاتلتكم لآتمر عليكم وأحكمكم". هو الملك إذن. وقال السفاح العباسي كلاما لا يختلف في مضمونه عما سبق، وقال أخوه أبو جعفر المنصور في خطبته الأشهر بعد قتله الغادر لأبي مسلم الخراساني: "من نازعنا عروة هذا القميص أجزلنا له خبي هذا الغمد" أي السيف والموت.
هو الإرهاب الدموي إذن: وهو إرهاب تتقزم أمامه كل ما عرفته البشرية بعده وقبله من إرهاب، فقد وصل إلى مستوى إخراج الجثامين الأموية من قبورها وجلدها وإحراقها وقتل كل الأمويين الذين وقعوا في يديه، ثم أردف ذلك بقتل واغتيال جميع العلويين وأتباعهم وإفنائهم من الوجود دون سبب سوى أنهم الأجدر بحمل الأمر والأحق به. وواصل أبناؤه الطريق نفسه وإن بأشكال وصور أخرى. وتلقف الأتراك والمماليك هذه التقاليد في السياسة وطوروها أحسن تطوير وبلغوا بها المنتهى والغاية، ودفعوا بالمجتمع الإسلامي والدولة المسلمة إلى متاهات جديدة وانحرافات أكثر وإلى شقاء أشد.
هل من سبب لكل هذا الشقاء غير الانحراف عن تعاليم الله ورسوله ووصاياه، والتعصب والتكبر عن القبول بتعاليمه؟
وبعد هذه القرون الدامية الموحشة سنجد من يحاول أن يغطي على الحقيقة ويبرر الانحراف، استنادا إلـى طروحات المحرفــــين والطامحـــــــين ليـــس للعـــــودة إلى الأصول الربانية المحمدية والحقائــــق الواقعية المتصلة بها، وإنما إلى الأساطير التي نبتت على أرضها، وإلى المحاصيل الجافة التي صاحبتها، وهي بعض من فيض ما أنتجته مراحل الشقاء.
 العودة إلى الأصول هو المخرج
على بداهة هذا الواقع ووضوحه فقد تلقفته كثير من القوى التي أرادت ملء الفراغ في الساحة العربية والإسلامية، بما فيها القوى المرتبطة بأعداء الإسلام نفسه من صليبيين وصهاينة واستعماريين ووهابيين ووكلاء وتابعين وقوى أخرى إخوانية سلفية شكلت امتدادا للنفوذ العثماني الماضوي وأحلام استرجاعه، وكأن العودة للأصول الإسلامية تعني العودة لحكم بني عثمان الذين ملؤوا العالم "عدلا" في عهودهم!
لقد أراد المستعمر الطاغي على البلاد الإسلامية والعربية أن يجهض كل محاولة إصلاح وإنقاذ حقيقية المحتوى صادقة الجوهر، وأن يلبس الحق بالباطل، فاتجه إلى خلق دعوات إسلامية زائفة مخترقة تابعة للاستعمار وأجهزته ومخابراته، يحركها كيف يشاء وفقا لأهوائه وأهدافه، ومنها كانت الحركة الوهابية والإخوانية في الجزيــــرة ومصر كقاعدتين محوريتين للإسلام والعروبة.
كان الهدف المركزي هو ألا تحدث عودة حقيقية للأصول. وأفضل وسيلة لمنعها هو إخداجها بتشويه أجنتها وإظهارها بصورة مزيفة تعيد إنتاج العجز وتدافع عن الاستعمار ووكلائه وتؤصل وتشرعن للوجود الاستعماري الصهيوني بدلاً من أن تكون في طليعة الجهاد لإزالته كما يقتضي الالتزام الحقيقي بالدين.
في جميع البلاد العربية والإسلامية مثلت الحركات الوهابية والإخوانية المنبثقة عن الاستعمار وأجهزته رديفا له ولأنظمته في السر والعلن. وفي فلسطين كان دورها لافتا وواضحا في معاضدتها للاستعمار والصهيونية واحتلال فلسطين وإخداج كل تحركات المقاومة الشعبية الوطنية ضد الاحتلال البريطاني الصهيوني. وتمثلت أخطر هذه التحركات في إفشال الدعوة الثورية للشيخ الثائر عز الدين القسام وثورته الشعبية التي فجرها ضد المستعمر من جبال نابلس، وبدلا من الدعوة إلى نصرته والمشاركة في الثورة راحت تدعو في المساجد والمجتمعات المحلية إلى خذلانه والتخلي عنه ورفع الإضراب الشعبي الوطني الشامل الذي كاد أن يحطم الوجود البريطاني الصهيوني بعد أن طال ستة أشهر متواصلة دعما للثورة المسلحة وحماية لها وتأمينا لاستمرارها، حتى جات الطعنة للحركة الوطنية من جانب الحركة الإخوانية المسيطرة على المؤسسات العربية الدينية والاجتماعية والسياسية لتدعو إلى وقف الإضراب ووقف الكفاح المسلح ضد بريطانيا الصديقة، كما كانوا يقولون للناس في دعواتهم على لسان زعمائهم وفقهائهم.
هكذا مكنوا الاستعمار البريطاني الصهيوني من ابتلاع فلسطين خلال 30 عاماً من التمكين والتوطين للصهاينة ومنحهم الأراضي العربية وتسليحهم وبناء قواتهم ومعسكرات قواعدهم على مرأى ومسمع من الإخوان والوهابيين من أصحاب الأرض، وعلى رأسهم كان الشيخ الحسيني المعين مفتياً لفلسطين وزعيما للحركة الإسلامية الفلسطينية الواقعة تحت نفوذ الإخوان، والشيخ البنا في مصر، وخادم الحرمين في نجد.
ومن المفارقات في ممارسات هذا المفتي وجماعته العميلة أنه أفتى بعدم جواز الجهاد ضد بريطانيا والصهيونية في فلسطين، فقد عمل كل جهده لتجنيد آلاف الفلسطينيين والعرب في جيش هتلر النازي في حملته الحربية ضد الاتحاد السوفييتي وروسيا خلال الحرب العالمية الثانية مطلع الأربعينيات، وقد جرى هذا بإيعاز واضح من صديقته بريطانيا العظمى لإضعاف توازن القوى في فلسطين لصالح النفوذ الصهيوني الاستعماري واستباقا لضرب المعركة الفلسطينية في الصميم، والتي حين تندلع لن تجد الطاقة الحربية القوية من المجاهدين الذين جرى إبعادهم خارج فلسطين ليموتوا تحت أعلام الرايخ الثالث، وهو ما يدمي القلوب ولا يمكن تصديقه لأول وهلة، ولكنها الحقيقة المرة.