صفحته على «فيسبوك» الأولى والأسرع نموا حسب تصنيف الموقع العالمي 
فيديوهاته حصلت حتى الآن على 7.6 مليار مشاهدة حول العالم

بشرى الغيلي/ لا ميديا -

عاشق التمرد منذ طفولته، بذرة المقاومة غُرست في صدرِ الفتى القروي الصغير، ضد كل روتيني ويومي في القرية. يذهب أشقاؤه إلى المزرعةِ كل صباح أثناء الإجازاتِ والعطلِ الرسمية،  بينما هو يظلُ أمام جهاز الكمبيوتر المكتبي الذي تمتلكه العائلة بالمنزل. يفصل خط الهاتف الثابت، ويربط خط النت بالجهاز ليبدأ إبحاره في عوالمِ المواقع الإلكترونية والتثقيف الذاتي. تتساءل والدته: «ما لي لا أسمع التلفون يرن اليوم؟! هل فصلوا الخط؟!».
وعندما يسمعُ جلبة البحث عن «حرارةِ التلفون» من الغرفة، يعيدها دون أن يشعروا بأنه وراء ذلك الانقطاع المؤقت. مرة بعد أخرى، حتى تم اقتناصه بأنه السبب، بعدها كان كلما انقطع الهاتف ذهبوا إليه مباشرة ليجدوه أمام الجهاز مبحراً في عوالمه الخاصة. يسمع توبيخاً لفعلته، فيبتسم بصمت.

طفولة متمردة
يهبطُ المساء وهاشم الغيلي يُعدُّ فقرات برنامج "طابور الصباح"، ينقّب بين مجلاتِ الأطفال، ليتفنن في اختيار فقراته التي لا تخلو من المعلومات العلمية المفيدة، والتي كانت هاجسه منذ البداية، حتى عانقها حلمه الطفولي. يذهب مبكراً إلى المدرسة المجاورة لمنزله في قريةِ "شمسان". يدخل إدارة المدرسة، التي كانت تسلمه المفتاح نظراً لعلاقته الممتازة بالمدير والمدرسين. يبدأ بالنشيد الوطني، ثم قرآن الصباح حتى يجتمع الطلاب ليبدأ بإدارةِ الطابور بكل براعة واقتدار، مما زاد إعجاب مدرسيه به يوما بعد يوم. انتقل من المدرسة المتوسطة إلى المدرسة الثانوية وانتقل معه السلوك نفسه إلى تلك البيئة الجديدة، الروح القيادية، والجرأة على الاندماج بسهولة مع أي شيء مختلف. صار نجما بين زملائه الجدد بمدرسةِ الثورة الثانوية بالمحابشة، وبإدارة احتفالاتِ وأنشطةِ المدرسة، وكل مناسباتها، لدرجة أنه في إحدى المرات قال عنه مدير المدرسة لأصدقائه: "هاشم ذراعي اليمين في المدرسة". يعود إلى المنزل بعد انتهاءِ الحصص، يتناول وجبة الغداء مع العائلة. يذهب أشقاؤه للعملِ بالمزرعة، بينما هو يستذكر دروسه ويفصل هاتف البيت، ليشبكه بجهاز الكمبيوتر، ويغتنم فرصة عدم احتياج أحد  للتلفون، ليتنقل بين المواقع العربية والعالمية. أدخل تطبيقات وبرامج تصميم الفيديوهات على الجهاز، وتعلم الفوتشوب ذاتياً، وفي كل مرة يصمم شيئاً يدعو أفراد أسرته لمشاهدة إنجازه العظيم. لاحظ والده ووالدته اختلافه عن إخوته، وألا فائدة من زجره يومياً عن عدم ذهابه للمزرعة، فبدآ يشجعانه ويخصصان له وقتاً لاستخدام النت، وصار يشبك خط النت بسلك طويل أمام مرأى ومسمع الجميع، بعد تشجيع الوالدين لميوله التي نالت استحسانهما.
اجتاز مرحلة الثانوية بتقدير امتياز، وبدأ الشاب اليافع التركيز على ما بعدها، وهي المرحلة المصيرية الأكثر أهمية في حياته، ومن أصعب المحطات التي كان مقاوماً لكل معوقاتها التي اعترضت طريقه.

إلى العاصمةِ سراً
كل المعطيات التي كانت تحيط بهاشم، كإصرار العائلة على ألا يغادر أرض الوطن للدراسةِ بعيداً عنهم، وأن يسجل بجامعة صنعاء، ومحاولة جعله يتأقلم مع المجتمع الزراعي، جعلته يفكر بفكرةٍ تستحق المخاطرة من أجلها، خاصة أن مؤهله الثانوي عالياً (90%).
غادر القرية في 2007 إلى العاصمةِ صنعاء بعد رحلةٍ استغرقت 6 ساعات. ولأول مرة وجهاً لوجه مع مدينةٍ لا تعرف ملامحه، سأل عن وزارةِ التربيةِ والتعليم، وطلب منها إعطاءه استمارة التقدم بطلب للحصولِ على منحةٍ دراسية للسفر خارج الوطن. قال هاشم مستعيدا رحلته الأولى إلى صنعاء، في مقابلة أجراها معه أحد المواقع العربية: "لو كنت أبلغت والدي عن ذلك ما كان ليوافق، لذلك فقد ذهبت فحسب".
وأثناء انتظاره للموافقةِ على طلبه، طرقت رأسه فكرة أخرى ليقنع الجميع، بمن فيهم وزارة التعليم العالي، بأنه جديرٌ بالمنحةِ الدراسية، فقام هو وشقيقه محمد، الذي يدرس هو الآخر بماليزيا، بابتكار اختراعٍ علمي بهاتفه المحمول، كجهاز إنذار مبكر للزلازل تحت البحر، والتنبيه بأي خطر تسونامي قادم. استحسن الفكرة عدد من الأكاديميين بجامعة صنعاء، وطلبت التعليم العالي تشكيل فريق علمي لمناقشته عبر الفضائية اليمنية. فوجئت عائلته كبقيةِ أهالي القرية بظهوره على الشاشةِ الصغيرة، يحاور الفريق العلمي ويقنعهم بمبرراتِ اختراعه. وكانت النتيجة منحه المنحة الدراسية إلى مدينةِ بيشاور الباكستانية، ودراسةِ التكنولوجيا الحيوية، وهناك حصل على البكالوريوس من جامعةِ بيشاور في 2012م.

إلى أرض الوطن.. مؤقتاً
عاد من بيشاور بدرجة البكالوريوس في التكنولوجيا الحيوية الجزيئية، والتوفل الدولي في اللغةِ الإنجليزية، الذي أعاد اختباره مرة أخرى بالعاصمة صنعاء، ومنح الدرجة. عمل لفترة وجيزة مع وزارة الصناعة والتجارة في مختبر ضبط المقاييس والجودة. ورغم الإغراءات التي قدمت له بالبقاء، إلا أنه قال لهم: "لدي طموح أريد تحقيقه، دراسات عليا". فقالوا له: لن نقف عائقاً أمام طموحك، ووقتما تعود المختبر تحت تصرفك.
بعد بضعة أشهر، وتحديداً في 2013م، غادر أرض الوطن مرة أخرى، للحصول على الماجستير في جامعة جاكوبز في مدينة بريمن الألمانية، بعد أن حصل على منحةٍ من هيئة التبادل الأكاديمي الألمانية DAAD)).
وفي 2015 حصل على درجةِ الماجستير بامتياز من جامعةِ جاكوبز. وفي حفل التخرج، ألقى كلمة الخريجين من طلبة الماجستير، التي بدأها بقوله: "جئتُ من بيئةٍ زراعية، تعطي الزراعة المكانة الأولى، مع ذلك وصلتُ لهذه المرحلة بعد اقتناع والديّ بإصراري على النجاح وتحقيقه".

محاور محترف
قال عنه أستاذه  رولاند بنز، أستاذ التكنولوجيا الحيوية بجامعة جاكوبز والمشرف على رسالته: "كان من الواضح، ومنذ بداية العمل معه، أنه محاور محترف. لقد كان قادراً على تلخيص وعرض البيانات المعقدة بطريقة ممتازة، وعندما نتناقش في مسائل العلوم نكون على قدم المساواة، بحيث أنك لا تشعر بأنه حوار بين طالب ومعلمه".
بعد تخرجه من جامعة جاكوبز، في سن الــ25 أصبح نائب رئيس تحرير النسخة العربية من مجلة "مرصد المستقبل"، المجلة التي تغطي الابتكارات في مجال العلوم والتكنولوجيا.
أراد منه أستاذه رولاند بنز البقاء معه في المختبر، لكن "هاشم" ليس ذلك الشخص الذي يتبع رغبات الآخرين، أو يكبّل طموحاته بأشياء تعيقه عن بلوغ ما يريد.
بعد نجاحاته المتسارعة، اقتنع والداه برسالته القوية في مجال العلوم، وصارا يشجعانه أكثر على خوضِ أي تجربةٍ جديدة يقوم بها.

اليمني الذي امتلك قلوب متابعيه عبر العالم
يقول هاشم: "في اليمن والشرق الأوسط، إذا كان أولياء الأمور يريدون منك الذهاب إلى الجامعة، فإنهم عادة ما يريدون منك دراسة الطب أو الهندسة،  لكن إذا كانت لديك إمكانيات في مجال آخر، فلا تتردد في خوضها، كن جريئاً، وغامر ولا تنظر إلى الوراء...".
الثقة بالنفس التي يتمتع بها هاشم هي الصفة التي ساعدته في التألق كناقل للعلوم. الآن هاشم يدير صفحته الخاصة على موقع "الفيسبوك" والتي تنشر باللغةِ الإنجليزية. ومنذ أغسطس 2015 حتى الآن وصل عدد متابعي الصفحة إلى أكثر من 23 مليون متابع من جميع أنحاء العالم.
وفي 2016 تم إطلاق فيديوهات بخاصية البث المباشر في الصفحة، ما أتاح لهاشم فرصة إلقاء حوارات مع أطباء وأكاديميين من مختلف الجامعات والمستشفيات، من أجل نشر رسالة العالم عبرهم مباشرة وإتاحة الفرصة للمتابعين لإلقاء الأسئلة على المختصين.  
يتركز متابعو الصفحة في الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية، بالإضافة إلى دول شرق آسيا، تليها في القائمة الدول العربية. تنشر جميع المعلومات باللغة الإنجليزية. تصل منشورات الصفحة إلى حوالي 400 مليون مطلع أسبوعياً، وبلغ عدد مشاهدات الفيديوهات حتى الآن أكثر من 7.6 مليار مشاهدة. تعتبر الصفحة الأولى عالمياً في مجال التكنولوجيا والعلوم الطبيعية، ومعلومات عن الأبحاث الطبية، والعلوم الطبيعية، بما فيها الكيمياء، والفيزياء، والأحياء، وعلوم الفلك.

مُحاضر عالمي
هاشم يقوم بإلقاء محاضرات عالمية في مؤتمرات "تيد إكس" في مختلف المجالات، بما فيها الطب والعلوم، وتوصيل المعلومات للجمهور العام بأسلوب مبسط وخالٍ من التعقيدات.
يقول هاشم في تصريحٍ خاص لـ"فضاءات لا": "أقوم حالياً بإنتاج فيلم خيال علمي كتجربة جديدة،  وتحدٍّ جديد ضمن خطة مستقبلية لإنتاج أفلام خيال علمي تحفز الجمهور على الاهتمام بالعلوم بأسلوب ترفيهي. كتبتُ الفيلم خلال الــ8 الأشهر الماضية، وتم الانتهاء من تصويره في أبريل 2018م. سيكون الفيلم جاهزاً خلال 5 ـ 6 أشهر من الآن، وسيتم إطلاقه ضمن حفل مصغر يقام في إحدى دور السينما في برلين".
كما يضيف مفاجأة أخرى لمتابعيه باللغةِ الأم: "أطمح إلى إنشاء صفحة باللغة العربية أقوم من خلالها بنشر نفس المعلومات ولكن باللغة العربية. هذا المشروع ما زال قيد البحث، وأتمنى أن يبصر النور قريباً".

رفضٌ منطقي
صفحة هاشم صارت مرجعا للباحثين والعلماء ومتابعي آخر تطورات العلوم الطبية والتكنولوجية، لدرجةِ أن أطباء وعلماء يقومون بعرضِ أفكارهم الجديدة ونشرها على صفحته، فتنشر بالاتفاق معه وخدمة للمتابعين من كل أنحاء العالم،  مما جعل شركات عالمية تطلبُ منه السماح بالترويج لمنتجاتها، فرفض ذلك، لأنه كما قال: "لا أريد أن أفقد ثقة جمهوري بالصفحة. ثانيا: لا أود أن تكون صفحتي ذات طابعٍ تجاري، وإنما في خدمةِ العلوم للإنسان أينما وجد على وجه الأرض".

همسةٌ
كان هاشم يقول لكاتبةِ هذه السطور في القرية وهو بمرحلةِ الثانوية ذات يومٍ وهما على سطحِ منزلهما المطل على القريةِ السندسيةِ الباهية: "أنتِ ستكونين صحفية وأديبة، وأنا سأحقق طموحاتي على كوكب الأرض، ثم أطمح بالوصولِ إلى الفضاءِ الخارجي".
وهاهي تنبؤاته لنفسه تترجم على أرضِ الواقع، وصار نجماً عالمياً في خدمةِ العلوم ونشرها.